إيديولوجية الحزب الديمقراطي الكوردستاني (بين النظرية والتطبيق) تجربة إقليم كوردستان نموذجاً

إيديولوجية الحزب الديمقراطي الكوردستاني (بين النظرية والتطبيق) تجربة إقليم كوردستان نموذجاً

حسين محمد

إن القضية الكردية، في جوهرها، ليست مجرّد معضلة سياسية تتعلق بالحدود والسلطة، بل هي تعبيرٌ عن صراع وجودي بين الحرية والاضطهاد، بين إرادة تقرير المصير والقوى التي تحاول إنكارها.
في هذا السياق، يبرز الحزب الديمقراطي الكوردستاني (PDK) كحامل لمشروع تحرُّري يجمع بين مبادئ الحرية، الديمقراطية، والعدالة، مستندًا إلى فلسفة تتجاوز الحلول القسرية وتؤمن بأن الديمقراطية الحقيقية هي المفتاح لحل كل الأزمات القومية.

1-الحرية كحتمية فلسفية وسياسية:
الحرية ليست مجرّد مطلب كردي، بل هي حق طبيعي يتجاوز حدود القوميات والأنظمة السياسية. إن فلسفة الحزب الديمقراطي الكوردستاني تقوم على فكرة أن تحرُّر الشعب الكردي ليس فقط تحررًا من القيود السياسية المباشرة، بل هو تحرُّرٌ من الذهنية الاستبدادية التي ترى في القمع وسيلة للحفاظ على السلطة. هذه الرؤية تتلاقى مع فلسفات مثل الليبرالية السياسية، حيث لا يمكن تحقيق أي هوية جماعية دون ضمان الحرية الفردية.
إن الحرية التي يسعى إليها الحزب ليست مجرد انفصال أو تأسيس كيان قومي مغلق، بل هي خلق فضاء سياسي واجتماعي يتيح للكرد ممارسة حقهم في تقرير المصير ضمن منظومة إنسانية أكثر شمولًا. من هنا، يرفض الحزب أي حلول قسرية ويدعو إلى الحوار والتفاهم، وهو ما ينسجم مع الفكر الديمقراطي الحديث الذي يرى أن الشرعية السياسية تنبع من الإرادة الحرة للشعوب.

2- الديمقراطية كآلية للعدالة التاريخية:
إذا كانت الحرية هي جوهر المسألة الكردية، فإن الديمقراطية هي الوسيلة التي تجعلها قابلة للتحقق في الواقع. إن تبنّي الحزب الديمقراطي الكوردستاني للديمقراطية لا يأتي فقط من كونه مبدأً سياسيًا حديثًا، بل لأنه الوسيلة الوحيدة التي تضمن حلاً سلميًا ومستدامًا للقضية الكردية. التجارب الثورية التي مرّ بها الحزب، سواءً عبر الكفاح المسلح أو عبر التفاوض السياسي، أثبتت أن الاستبداد يولد مقاومة، وأن الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا عبر نظام يضمن تمثيلًا عادلًا لجميع الفئات.
من هذا المنطلق، فإن الديمقراطية ليست مجرد وسيلة للحكم، بل هي فلسفة تعيد تشكيل العلاقات بين الأفراد والدولة، وبين القوميات المختلفة داخل الدولة الواحدة. إن تجربة الحزب في الحكم في إقليم كوردستان أظهرت كيف يمكن للديمقراطية أن تكون البديل العملي للفوضى والاستبداد، رغم التحديات الداخلية والخارجية التي واجهها.

3- التجربة الثورية كبرهان عملي
إن الفلسفات السياسية تفقد قيمتها إن لم تكن قابلة للتحقيق. هنا تأتي أهمية التجربة الثورية للحزب الديمقراطي الكوردستاني، التي لم تكن مجرّد مقاومة عسكرية، بل كانت تجربة لإعادة بناء الهوية الكردية ضمن سياق سياسي جديد. منذ تأسيسه عام 1946، مر الحزب بمراحل مختلفة، من النضال المسلح ضد الأنظمة القمعية، إلى التحوُّلات الديمقراطية التي جعلت من إقليم كوردستان نموذجًا نسبيًا للحكم الذاتي في المنطقة.
هذه التجربة أكدت أن الحلول العسكرية وحدها ليست كافية، وأن النضال يجب أن يكون متعدّد الأبعاد، يشمل العمل الدبلوماسي، الاجتماعي، والثقافي. هذه الرؤية تتقاطع مع الفلسفة الهيغلية التي ترى أن التاريخ هو سيرورة من الصراع والتطوُّر، وأن الحرية تتحقق من خلال التفاعل الجدلي بين المقاومة والاعتراف المتبادل.

4-حل القضية الكردية في ضوء فلسفة الحزب الديمقراطي الكوردستاني
إن الحل الذي يطرحه الحزب الديمقراطي الكوردستاني للقضية الكردية ليس مجرّد حل سياسي، بل هو تصوُّر فلسفيٌّ يعيد تعريف العلاقة بين السلطة والشعب، وبين الحرية والدولة. إن الإيمان بالديمقراطية كوسيلة وحيدة لحل القضية الكردية ليس مجرد موقف براغماتي، بل هو قناعة بأن العدالة لا يمكن أن تتحقق إلا عندما يكون الإنسان حرًا في اختيار مصيره.

بالتالي، فإن القضية الكردية ليست مجرد معركة للحصول على كيان مستقل، بل هي نموذج لصراع عالمي بين الاستبداد والحرية. ومن هنا، فإن الأيديولوجية الديمقراطية للحزب لا تقدم حلاً للكرد فقط، بل تقدم درسًا إنسانيًا حول كيف يمكن للشعوب المضطهدة أن تتحرر دون أن تقع في فخ القمع المضاد.