هل ستعيش سوريا تجربة 25 يناير المصرية؟!

هل ستعيش سوريا تجربة 25 يناير المصرية؟!

شكري شيخاني

توقعت، ومازلت عند توقعي وتحليلي، أننا نحن السوريين وخلال عام 2025 سنمرُّ بأحداث تشبه إلى حدٍّ كبير (بنسبة 75%) التجربةَ المصرية التي وقعت عقب تنحي الرئيس المصري الراحل حسني مبارك. هذه التجربة تجلَّت في الصعود المفاجئ لجماعة الإخوان المسلمين وتصدُّرهم واجهة ثورة 25 يناير، ثم انتقالهم إلى سدة الحكم والقصر الجمهوري، بعد تعطشٍ رهيب للسلطة دام 80 عامًا.
لستُ هنا بصدد الحديث عن أفعال الإخوان في مصر طوال فترة الثمانين عاماً، لكنني سأركز على فترة ثورة يناير، لتشابهها في العديد من مفاصلها مع الثورة السورية.
خلال تلك الفترة التي استمرّت حوالي سنة، استماتت الجماعة في الدفاع عن نفسها بضراوة، وظلت تروّج لكونها الحامل لمشروع الإسلام الصحيح. لكن الحقيقة أن هذا الادعاء كان أكبر تزويرٍ تاريخي قامت به هذه الجماعة، حيث صوّرت كلَّ من ينتقدها على أنه "معادٍ للإسلام"، وهذه بحد ذاتها جريمة.
كانت مصر تعيش جميع أشكال الفوضى، من هرج ومرج وبلطجة، إلى حالات السرقة والابتزاز والاختطاف. ووراء ذلك كانت هناك أيادٍ داخلية وخارجية. ولم يهنأ الشعب المصري بثورة 25 يناير، بسبب تسلط التيار الديني الإخواني، حيث تحوَّلت مصر إلى مزرعة أسرية ذات لونٍ وفكرٍ واحد، تربع فيها قادة الإخوان داخل القصر الجمهوري، وتم استبعاد المفكرين والسياسيين والثوريين الحقيقيين.
خلال فترة حكمهم، ارتكبت الجماعة العديد من الجرائم تحت شعار محاربة فلول نظام مبارك. وكما أسلفت، لم يدم حكمهم سوى عامٍ واحد، لكنه كان عامًا حافلًا بالكوارث الإرهابية والإجرامية، من محاولات "أخونة" الدولة، إلى محاصرة المحكمة الدستورية، والصراع مع القضاء، وصولًا إلى الإعلان الدستوري المفاجئ، الذي منح محمد مرسي سلطات مطلقة، فجعل قراراته غير قابلة للطعن أو الإلغاء.
لكنَّ الشعب المصري، وهو شعب مثقف ومفكر، لم يقبل بالذل والإهانة، ولم يرضَ بالفوضى الإخوانية، ولا باستبعاد كافة الفعاليات السياسية العريقة، ولا بالانفراد التام بمفاصل الحكم والدولة. لذا، تحمل الوضع لعامٍ واحد فقط، ثم انطلق في ثورته الثانية المباركة في 30 يونيو.
هذا ملخصٌ قصير لما حدث في مصر خلال عامٍ واحد.
الشعب السوري، بكل قومياته ومذاهبه، من مفكرين وسياسيين وكتّاب وصحفيين وفنانين، لا يقل ثقافةً عن أي شعب آخر. وقد تركتُ هامشًا للاختلاف بين ما يحدث في سوريا وبين التجربة المصرية، لكنني سأتوقف عند نقطتين أساسيتين:
الجيش المصري جيش وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث وقف مع الشعب ولم تتلوث يد أي عسكري مصري بدماء أحد، لا من المعارضة ولا من الموالين للنظام. وهكذا، بقي الجيش منضبطًا وقويًا ومحترمًا من جميع المصريين. ومع قيام ثورة 30 يونيو، كان الجيش جاهزًا ومخلصًا وصادقًا في إيصال البلاد إلى بر الأمان. على العكس من ذلك، كان الجيش السوري عقائدياً بعثياً، ولاؤه للنظام، ووقف ضد الشعب، سواء كان ذلك عن عمدٍ أو إكراه. إلا من رحم ربي وانشق عنه ليحفظ ماء وجهه. وعلى مدى 14 عامًا، بدأ الجيش السوري ينهار حتى وصل إلى 8 ديسمبر، حيث بدا وكأنه قد تبخَّر تمامًا.
على الرغم من أن التعددية المذهبية والقومية حالة صحية في أي مجتمع، إلا أن النظام السوري لم يستفد منها، بل على العكس، استخدمها بطريقة خاطئة أدت إلى زرع الفتنة بين مكونات الشعب. وهنا أيضًا، يتحمل النظام المخلوع كامل المسؤولية عن تفتيت الشعب السوري وتفرقه.
على الإدارة الجديدة في سوريا أن تستفيد تمامًا من درس التجربة المصرية، لما فيه خير البلاد والعباد. ولا شك أن الخلاص من كابوس حكم الأسرة الأسدية لا يُقدَّر بثمن.
ومع أننا مررنا بفترة طويلة من النضال، كانت فيها قوى سياسية وعسكرية من مختلف القوميات والمذاهب، فإن الواجب يقتضي أن تتم مشاركة جميع الوجوه السياسية الشريفة والنزيهة التي عانت، واعتُقلت، وعُذّبت، وقدمت الكثير من الجهد والوقت والمال للثورة.
لا فائدة لأي نظام في أن يكسب شرعية الخارج، بينما يخسر ثقة الداخل.