الصحافة السورية انتقاليا، هل بإمكانها كسر التابوهات؟

الصحافة السورية انتقاليا، هل بإمكانها كسر التابوهات؟

زينه عبدي

في خضم التطورات المتسارعة على الساحة السورية اليوم وتحت مسمى الحرية، وفي ظل الفوضى الحالية بين مد وجزر، تحاول الصحافة كسر تلك التابوهات التي كانت تُمارَس في ظل المنظومة الأسدية من تقييد لحرية الرأي والتعبير وما يرافقها من جهود حثيثة لتكميم الأفواه الصحفية المهنية التي كانت قد نذرت وعداً على نفسها في مهمةٍ جادة لنقل الحقيقة بطرق مهنية واعية ومدروسة، وبالتالي الإطاحة بها دون أدنى حس بالمسؤولية تجاهها بل وشددت على التقييد التام عليها لمنعها من ممارسة دورها الرقابي كونها السلطة الرابعة.

مجهولة المصير
بدأت ملامح ومعالم الخريطة السياسية تتبلور في ظل المرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بالأسد، لا سيما بعد السيل الهائل من التطمينات بشأن المجتمع السوري من قبل سلطة الأمر الواقع، إلا أن الغموض لا يزال يلف عنق الواقع الصحفي حتى الآن حتى ظننا أنه بات في حالة شلل تام، ولا سيما الغياب الكلي للتلفزيون الرسمي السوري، وبناءً عليه أعتقد أن هذه المسألة تتطلب تدخلاً سريعاً وطارئاً من قبل السلطة الحالية كونها متعلقة بإيصال الحقيقة في خضم التغيير المفاجئ للواقع السوري المقلوب رأساً على عقب عبر سيطرة هيئة تحرير الشام برعاية دولية ضامنة.
لا يزال مسار العمل الإعلامي مجهولاً ويصطدم بالكثير من التخبطات التي ستؤدي به إلى ارتكاب المزيد من الانتهاكات ضد الصحفيات والصحفيين وكذلك المؤسسات الإعلامية المستقلة وغير المستقلة، ناهيك بفوضى الإجراءات (القانونية) لهذا المجال عقب إلغاء العمل بالدستور 2012 من قبل السلطة الحالية بعد هروب الأسد وبالتالي غياب قوانين الإعلام الناظمة، ناهيك ب الغياب الكامل لدور وزارة الإعلام في التنظيم رغم إصدارها تصاريح إعلامية لعدد من المؤسسات الصحفية والإعلامية لإنجاز فعاليات معينة ولفترة زمنية معينة، إلا أنه لا يُعتَبر إجراء مهني قانوني قادر على تنظيم العمل الصحفي حاليا، وكما رأينا في الآونة الأخيرة التجاوزات من قبل ما يسمُّون أنفسهم بإعلاميي الثورة والتي وصلت لحد الانتهاكات الصارخة بحق الصحافة والإعلام بسبب ممارساتهم اللامهنية دون وجود قانون رادع يحاسبهم ويعاقبهم والسبب يعود إلى أنهم يعتبرون أنفسهم تابعين لسلطة الأمر الواقع، الأمر الذي يضمن لهم الحماية التامة التي تعزز ثقافة التبعية والتهويل والبروباغندا للسلطة كيفما كانت وبالتالي تكريس أرضية ملائمة لخطاب الكراهية بين العديد من الفئات المجتمعية بسبب خطاباتهم التحريضية ضمن فضاءاتهم الخاصة، وهنا السؤال الذي يطرح نفسه هل سلطة الأمر الواقع هي من تدعمهم؟ في هذه الحالة أعتقد نحن نسير باتجاه الحضيض إن كان الجواب نعم ولاسيما إن لم تتخذ السلطة إجراءات قانونية بحقهم.

العدالة المؤجلة
من الواجب مهنياً ووطنياً رفع جميع القيود التي تعيق حركة الصحافة حالياً بسبب حساسية المرحلة وغموضها، وعدم الانصياع لأية قيودٍ وتضييقات تُحدُّ من تحركات الأقلام الصحفية كما سابقا، ومن الركائز الأساسية اليوم وفي المرحلة الانتقالية لا بد من طرح أوراق ضغط من شأنها كشف مصير الصحفيات والصحفيين المختفات والمختفين قسرا ولاسيما المفقودات والمفقودين خلال الحقبة الأسدية، لكن وبكل أسف لا يتم التطرق إلى هذا الموضوع إلا عبر الحوارات واللقاءات على مستوى شخصيات أو مؤسسات مجتمعية أو منظمات المجتمع المدني والتي جميعها تعمل وتدعو بمنأى عن السلطة الحالية إلى معالجة هذه القضية التي تتطلب الإسراع في تقديم وتنفيذ الحلول احتراما لما قدموه وكذلك تقديرا لمشاعر ذويهم بالتعاون مع جهات محلية وإقليمية ودولية.
على ما يبدو أن وزارة الإعلام والسلطة المؤقتة بعيدتان عن طرح هذه القضية رغم رؤيتي لهذه الفترة هي الأفضل لوضع آليات كشف مصيرهم وتوثيق الانتهاكات ومكافحة الإفلات من العقاب قانونيا، وهذا ما سيؤكد ويعزز ضمان الحماية الصحفية في سوريا والتي بدورها سترسخ حرية الصحافة.

خريطة جديدة
هل بالإمكان إصلاح الندوب الإعلامية التي بلورتها أجندات النظام الفار؟ وهل ستقوم السلطة الجديدة خلال المرحلة القادمة من تدارُك كافة الانتهاكات والانقسامات في الحالة الصحفية، لتتحول فيما بعد إلى ساحة صراعات سياسية وأيديولوجية بمنأى عن الأبعاد المهنية، ما ساهم في تعميق الفجوات بين أبناء المهنة الواحدة؟ الصورة الظاهرة لنا أن السلطة منشغلة بأمور أخرى دون إيلاء الأولوية للصحافة التي تعتبر الأداة الأساسية لنقل صورة سوريا داخلياً وخارجياً، وهذا يعد أمراً مهماً في تكوين صورة مغلوطة عن سياسات السياق الصحفي خاصةً والسوري عامةً والذي شغل على تكريسه النظام المخلوع لعقود من الزمن.
يعدُّ الحديث عن بناء خريطة جديدة للصحافة السورية حالياً من أصعب السيناريوهات محتملة التنفيذ كونها مرتبطة بدورها الرقابي والذي يستغلها السلطات لصالحها غالباً، بالإضافة إلى سياق الإعلام المستقل والخاص، وفي كلتا الحالتين يتطلب القيام بإجراءات إصلاحية جوهرية لا تنفك عن الإرادة السياسة الوطنية السورية، لذلك يجب أن يُحَل بما يتماشى مع الحالة السورية أولاً، ولكن بإطار قانوني ومهني لبناء مصداقية حقيقية في لعب دورها الجوهري المتمثل بمعايير مهنية وأخلاقية بعيدا عن إطار الاصطفافات ثانياً، وتصويب الحالة الصحفية والإعلامية برؤية واضحة لأنها الدعامة الأساسية في عملية السلام والمصالحة الوطنية.

كسر التابوهات
وأخيرا، لكسر التابوهات مع السلطة الجديدة يجب تمزيق وحرق جميع الأوراق التي تفضي إلى التقييد والشرخ، وكسر حاجز الخوف والصمت كما كانت تمارسها سياسات النظام الفار عبر أجنداتها الخاصة بطرق مشيطنة وملعوبة، والعمل على دمج جميع العاملين في المجال عبر ميثاق شرف لحمايتهم والدفاع عنهم والتقريب بينهم عبر الحوار والذي يقتضي انفتاحا دائما على كافة الآراء ووجهات النظر والمواقف، بالإضافة إلى وضع قوانين ناظمة تحقق الاستقلالية الفعلية للصحافة دون أن تكون رهينة للدولة أو السلطة الحالية، وهكذا يمكن تذليل التحديات والمعوقات وتعزيز قيم المواطنة في حال لعبت الصحافة دورها الموضوعي والمهني.