خطاب الكراهية
علي جزيري
بدايةً، يجب التمييزُ بين حرية التعبير عن الرأي الإيجابي، وخطاب الكراهية السلبي. فثقافة الكراهية عبارة عن موقف يحرِّض على العنف، ويحضُّ على تحقير الآخر، وإهانته والإساءة إليه بكلمات نابية؛ وتكمن خطورتها حين تُبَثّ سمومها عبر وسائل التّواصل الاجتماعي تحت يافطة حرية الرأي، آنذاك تُسمّى بالتزييف، دون أن يبالي مروّجها برسالة الصحافة وشرف المهنة، ضارباً بأسس الحوار الديمقراطي وآدابه عرض الحائط.
وتهدف ثقافة الكراهية للنيل من الحقوق المشروعة للآخر، والتشهير به في المآل الأخير بتهم باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، بهدف إثارة الفتنة، سواءً أدرك المشرفون على الإعلام والسوشيال ميديا أنهم يرتكبون جنحة، وينسفون مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان أم لا، من خلال التحريض وممارسة التمييز العنصري.
إن الإقدام على قذف الآخرين بتهمٍ خارجة عن حدود الآداب العامة وتعميمها، دون أن ترف للفاعلين جفن، يثير التوتر، وينسف أبسط مبادئ التعايُش السلمي المشترك، لذا يجب التصدي لها بحزم.
وفيما يلي نماذج (غيض من فيض) من الصور النمطية لخطاب الكراهية:
أولاً - في الآونة الأخيرة نُشر فيديو على اليوتيوب ينطوي على اتهامات ساخرة للتحريض ضد الكرد، بثّه الأمين العام الأسبق لحزب الله اللبناني الشيخ صبحي الطفيلي، طالب فيه قيادة سوريا الجديدة، بضرورة قطع رأس الأفعى الكردية في سوريا، فقطعها - وفق قوله - ينهي الأصوات النكرة في السويداء وغيرها...! مما دفع بالباحث كفاح محمود إلى الرد عليه قائلاً: تُرى أين يكمن السم؟ في الأفعى أم في هذا الكائن المُشوّه؟ ولا يخفى، أن مثل هذا الخطاب من رجل دين، قد يؤثر تلقائياً على المتلقي، بغية ممارسة أبشع أشكال العنف.
ثانياً - منذ فترة اتّهم داعية كردي مسلم كُردياً إيزيدياً، وعمم من خلاله واصماً كل الإيزيديين بالكفر، رغم أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ينصُّ على احترام حقوق الآخرين، ويحظر مثل تلك الادّعاءات الباطلة التي تدعو إلى الكراهية الدينية، وتتسبّب في توتير الأجواء، بيد أن حكومة إقليم كوردستان سرعان ما استأصلت الفتنة بحكمتها على الفور، وأعادت المياه إلى مجاريها.
ثالثاً - ويُدرج تضليل الرأي العام بدوره تحت يافطة خطاب الكراهية، كونه خداعاً متعمداً لتشويه الحقيقة من خلال تحريفها أو إخفائها كلياً أو جزئياً بغية الإيقاع بالضّحية، عبر نشر معلومات خاطئة؛ فقد صرح «ديمستورا» ذات يوم أن نسبة الكرد في سوريا هي 5%، وراح الشوفينيون يتلقفون هذا الخبر المأخوذ من أجهزة نظام البعث، ونشروه على الملأ في الحال.
رابعاً - لجأ كاتب عربي سوري منذ فترة إلى الادّعاء بأن قريتي سۆگيا وگرسوار عربيتان، رغم أن العنصر العربي لم يسكنهما قط، وساكنو القريتين كُرد أقحاح، وهذا تشويه عن سبق الإصرار والتصميم لأبسط حقائق الجغرافيا والتاريخ. وسبق أن أشار أسعد مصطفى وزير الزراعة الأسبق، إلى مسألة تعريب أسماء القرى والمدن الكردية، ناهيك عن التّنديد بالحزام العربي في الجزيرة في عهد المقبور حافظ الأسد، وهذا يفنّد ما ذهب إليه الكاتب المذكور.
خامساً - يُتّهم الكرد بالانفصاليين تارة، وبالمهاجرين تارة أخرى، أو بارتباطهم بإسرائيل، وهذه التهمة سرعان ما تعيد إلى الأذهان المثل العربي الدارج: (رمتني بدائها وانسلت).