سوريا وفلول النظام السابق

سوريا وفلول النظام السابق

عمر كوجري

حتى الآن لم تترسخ أقدام النظام الحالي في السلطة، وهي ليست سلطة تشريعية ولا تنفيذية، هي سلطة تصريف أعمال إلى أوائل آذار، وتبدأ بعد هذا التاريخ سلطة جديدة، وحكومة مستقرة، وبرلمان من المفترض أن ينتخب من جديد بعد حلّ البرلمان الحالي الذي كان في عجره وبجره يتسم بطابع السلطة البعثية، وتشهد قوائم الظل التي كانت ترسم، وتخطط في غرف الاستخبارات على لا استقلالية (قوائم المستقلين) التي كانت مستقلة في الشكل، وبعثية، بل عميلة للمخابرات في المضمون.
على مسار مناطق متعددة نلحظ أن فلول النظام البعثي لم تندثر، وماكان متوقعاً منها التلاشي والمحو، فثمة عناصر أمنية كثيرة ارتدت الثياب المدنية، وقفلت إلى منازلها، ومعظمها أخذ معه سلاحه الميداني الكامل، واستقر في أرياف المدن التي كانت السند القوي للنظام، ودفعت أثماناً باهظة من شبابها في المحرقة الأسدية في سبيل أن يستمرّ النظامُ طيلة أربعة عشر عاماً من الحرب، وقبلها طيلة أربع وخمسين سنة هي الأسود في كل تاريخ سوريا.
الفلول لم تستسلم، مع أننا رأينا بعض الجنود والضباط أجروا عمليات تسوية على أساس القبول بالنظام الجديد، وانتصار ثورة السوريين على مافيها من ملاحظات وسلبيات مالها أول من آخر.
معركة الفلول في الأيام الأخيرة بدأت تتفاقم، وتتسارع إلى درجة التخوُّف من مستقبل سوريا ككل، فالإدارة العسكرية الجديدة والتي أجبرت رأس النظام على الهروب في ليل حالك (نافداً بجلده) لا تملك الأسلحة النوعية، ولا الجنود الأكفياء من حيث العدة والإرادة والعتاد حتى تغطي مساحات واسعة من مناطق القلاقل والاضطرابات وخصوصاً في مناطق محصّنة طبيعياً كأرياف حمص وحماة، ومجمل الساحل السوري الذي مازال مرعوباً من العهد الجديد.
يدعم ما نذهب إليه أن العديد من القوى الأمنية التي ذهبت إلى تلك المناطق لملاحقة وتصفية الفلول إياها تعرّضت لكمائن محكمة، ولوحقت بها خسائر جمة من عطب المعدات والأسلحة التي لم تكن نوعية بما فيها الكفاية لمواجهة أزلام النظام الساقط، وسقوط ضحايا.
من الصعوبة إقناع سكان تلك المناطق أن نجاح ثورة السوريين بعد أنهار من الدماء هي ثورتهم، وقد نجح النظام طيلة عقود عديدة في إلحاق مجموعات بشرية ذات شكل ولون سائد، وفي مجملها بسياسة الترهيب من كلّ ماهو خارج الثقافة والجماعة البشرية المُتطيّفة من لون طائفي صرف وغالب في تلك المناطق..
الأمر ليس سهلاً أمام السلطة الجديدة التي لم تغرس حتى الآن أشجار الطمأنينة للسوريين كافة بكلّ مذاهبهم وأديانهم وطوائفهم. فأسلمة الأقوام السورية وتنشيط الفكر الدعوي بأشكاله الفجة في أحيان كثيرة.. هذه كلها رسائل غير مطمئنة للسوريين الذين يطمحون إلى دولة مواطنة لامركزية تسع الجميع.
دولة تخطط، وتتقبل أن الدين وطقوسه مكانها المفضل في المنازل، وليس الساحات العامة والجامعات والمعاهد مما يخلق استفزازاً فظاً، لا فائدة تُرتَجى منه.