واقع التعليم بين التحديات والصعوبات

واقع التعليم بين التحديات والصعوبات

نيجريفان عمر معي

يعد التعليم بوصفه حقًا إنسانيًا بندًا مهما من بنود المعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الطفل، فقد نصت المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، على أن لكل شخص الحق في التعلم، وطُوِّرت الصكوك الدولية المعيارية التي وضعتها الأمم المتحدة بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاق حقوق الطفل عام 1959 واتفاق اليونسكو لمكافحة التمييز في مجال التعليم. وتبدو ضرورته ملحة في حالات الحروب والكوارث والطوارئ كما في حالات الأمن والسلم.
وقد بات انهيار المنظومة التعليمية ناقوس خطر يدق في المناطق السورية معظمها التي انتفضت في ثورة الكرامة والحرية فجوبهت من النظام القمعي بكل وحشية، فطال الدمار البنان والبنيان، وتناثر السوريون بين المقابر والملاجئ وبدأت موجات النزوح في داخل البلاد واللجوء إلى دول الجوار.
أولًا: مخيمات اللجوء وإنشاء المدارس
يعد إقليم كوردستان وجهة الكورد السوريين بعد قيام الثورة، فقد كان القسم الغالب منهم يعمل في مهن عدة في المحافظات السورية المختلفة. وبعد تعطل الحياة وعطب سوق العمل بفعل التدمير شبه الكامل للمدن والبلدات السورية في حرب النظام السوري على الشعب، كانت أول موجة لجوء إلى الإقليم (مخيم دوميز) الذي تأسس في عام 2011، حين لجأ بعض من الشباب الفارين من الخدمة في جيش النظام ورفضهم رفع السلاح في وجه إخوتهم من باقي أبناء الشعب السوري.
وازدادت موجات اللجوء بعد فرض الإدارة الذاتية سيطرتها على تلك المناطق وفرض التجنيد الإلزامي والمناهج الدراسية المرفوضة من كثير من العائلات، ومع وجود داعش وانعدام لأمن زادت وتيرة اللجوء، فقد تجاوزت أعداد اللاجئين 224الفا" الأمر الذي دعا حكومة إقليم كوردستان، وبالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة إلى المباشرة بإنشاء مخيمات لاستقبال اللاجئين على مراحل متلاحقة، وقد بلغ عددها تسعة مخيمات موزعة في محافظات الإقليم
(زاخو-دهوك-هولير-سليمانية)
تزداد صعوبة حماية حقوق الطفل في التعليم في أحوال الحرب واللجوء، ويصطدم بمعوقات كثيرة ومن أهم المشكلات التي تواجه الطلاب والقائمين على متابعة العملية التعليمية مشكلة التسرب الدراسي وهو ما يعانيه كثير من الطلاب في إقليم كوردستان، فكثير من العائلات التي لجأت إلى الإقليم اضطرتها أوضاع البحث عن فرصة عمل إلى الاستقرار في المدن وضواحيها وبعض القرى والمزارع، ما دفع الأطفال في سن الدراسة إلى البقاء بعيدًا من مقاعد الدراسة ومساعدة الأهل، فأقرانهم من الأطفال في المخيمات يرتادون المدارس التي أنشئت هناك وفق مناهج توافقهم، ولا يستطيع الأهل تأمين وسائط لنقلهم إليها لكن وعلى الرغم من ذلك بقي الالتحاق بها ضعيفًا فهي مناهج تدرس بالكامل باللغة الكردية وفيها صعوبة على التلاميذ وعلى أهلهم الذين يرغبون في الدراسة بالمناهج العربية على أمل العودة إلى سورية حتى لا تختلف على أطفالهم نوعية التعليم، الأمر الذي دفع بكثير من العائلات إلى الانتقال إلى السكن في المخيمات على الرغم من أوضاعه الصعبة من أجل إنقاذ مستقبل أطفالهم التعليمي.
وهنا تجري إعادة الأطفال إلى الصفوف الأولى على الرغم من أنهم أكبر سنًا، فيشعر كثير منهم بالحرج لفارق الحجم والعمر بينهم وبين أقرانهم في الصف، ويؤثر في اندماجهم معهم، ولكنها تعد خطوة إيجابية لتدارك ما فاتهم من التعليم.
إضافة إلى ظاهرة متابعة مشوار الهجرة مرة أخرى باتجاه أوروبا حيث أوضاع اللجوء أفضل كثيرًا لا سيما بعد هجوم “داعش” على الإقليم واحتلال الموصل وشنكال، وتوجه المنظمات الإغاثية معظمها إلى العمل في مخيمات النازحين من تلك المناطق وفقدان كثيرين لأعمالهم. هذا كله دفع كثيرًا من أرباب الأسر إلى الهجرة نحو أوروبا وانتظار أسرهم للحاق بهم بعد استكمال إجراءات لم شمل العائلة، الأمر الذي دفع كثيرًا من الأسر إلى عدم الاهتمام بمتابعة تعليم أطفالهم وإهمالهم بافتراض أن إقامتهم باتت موقتة، وسيتابعون دراستهم في بلدان اللجوء التي سيتوجهون إليها بلغة ومناهج وثقافة جديدة.
وفي المناطق القريبة من المخيمات حيث توجد أعداد كبيرة من اللاجئين الذين يجد أطفالهم صعوبة في الالتحاق بمدارس المخيم لعدم القدرة على تأمين وسائط النقل المكلفة، يضطر كثير منهم إلى السير على الأقدام في أوضاع سيئة لمتابعة دراستهم.
أما بالنسبة إلى عدد من المدارس التي استحدثت في المدن بعد نزوح أهالي الموصل وشنكال، التي يجري التدريس فيها بالمناهج العربية، فقد التحق كثير من اللاجئين السوريين بها لإتمام تعليمهم وهي الأخرى تعاني كثافة عددية وعدم تجانس مكوناتها فكل منهم من بيئة وثقافة وعقائد مختلفة، وما ينتج منه من مشكلات الاندماج مع بعضهم والتعلم ضمن أوضاع سوية.
أما بالنسبة للتعليم الثانوي والجامعي استجابة للحاجات التعليمية للشباب السوري، وحلًا متوسط الأجل لتوفير تعليم جيد ورسمي، وخطوة استكمالية واستجابة لتزايد نسبة الطلاب في المرحلة الثانوية وتنفيذًا لمشروعات دعم التعليم في المخيمات الخاصة باللاجئين السوريين في الإقليم؛ تعاونت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم “اليونسكو” مع حكومة إقليم كردستان وبالتنسيق مع اتحاد الطلبة الديمقراطي الكوردستاني - روج آفا على إنشاء ثلاث مدارس ثانوية خطوة أولية لإنشاء مدارس ثانوية في المخيمات كافة التي بدأت في كل من مخيمات دوميز، دارشكران، كوركوسك، ويضم كل منها فصولًا دراسية وقاعات وغرف إدارية ومخابر وملاعب مجهزة بالحاجات اللوازم جميعها يستوعب كل منها ما يزيد على 500 طالب/ة في المرحلة الثانوية، إضافة إلى إخضاع الكوادر التدريسية فيها لدورات تعليمية أكاديمية على المناهج والدعم النفسي لتعزيز الرفاهية النفسية للطلاب وتحسين مهارات المدرسين للمقيمين في المخيمات، ويتقدم الناجحون في الشهادة الثانوية بفرعيها العلمي والأدبي إلى المفاضلة العامة للجامعات في الإقليم، ولكن نسبة المقبولين تعدّ متدنية بحسب المقاعد المخصصة لهم بحيث لا تتلاءم مع عدد المتقدمين، وكان يضطر الباقون إلى الانتظار من أجل الاستفادة من القبول وفق برامج المنح الدراسية وهنا لعب الاتحاد دورا مهما في التنسيق مع المنظمات والحصول على منحات للطلاب الذين لم يحصلوا على المقاعد الدراسية في جامعات الإقليم، وواجهت المقبولين في الجامعات صعوبة المناهج التي تدرس باللغة الإنكليزية، مما أجبرهم إلى الخضوع لدورات التقوية في ظل أحوالهم الاقتصادية الصعبة.
فالتعليم يعد حجر الأساس ليمكنهم رسم مستقبلهم وبناء مجتمعاتهم، فطرحت مبادرة “ألبرت اينشتاين” التي سُجِّل بموجبها 97 في المئة من إجمالي اللاجئين السوريين في العراق إذ قُبِل 120 طالب/ة للعام الدراسي 2016-2017 وقبل ما يزيد على2000 طالب/ة للعام الحالي2017-2018، وتغطي المبادرة المعروفة بـ DAFE نفقات الدراسة
كذلك قامت منظمة “سبارك” الهولندية بالتنسيق مع اتحادنا بطرح مشروع لمنح دراسية للطلاب السوريين وتغطية نفقات الدراسة ورواتب شهرية لما يقارب 130 طالب/ة ، وعلى الرغم من ذلك ما زالت الدراسة الجامعية حلمًا لبقية الطلاب السوريين، فمن لم يقبل في المفاضلة العامة والمنح الدراسية بقي خارج الحلقة التعليمية يحلم بالعودة إلى مقاعد الدراسة.
المقترحات
من خلال بحثنا في الوضع التعليمي للاجئين السوريين في إقليم كوردستان، نتلمّسُ كثيرًا من المشكلات والصعوبات التي تعوق العملية التعليمية ومتابعة تحصيل الطلاب لحقهم في تعليم متساو متوازن، لذلك نقترح بعض الحلول الإسعافية لعلّها تسهم في عدم انهيار المستوى التعليمي للسوريين في الإقليم:
عدم الخلط بين المناهج واعتماد منهج واحد، ففي حالة الانتقال إلى التدريس بالمناهج الكردية أو الإنكليزية، ومعالجة مشكلة التسرب الدراسي بزيادة عدد المدارس الخاصة باللاجئين السوريين أو إحداث شُعب صفية خاصة بهم ضمن مدارس الإقليم وتأمين وسائل لنقل الطلاب تتولى تمويلها منظمات دولية أو جهات حكومية.
زيادة عدد المستفيدين من برامج المنح الدراسية أو المقبولين في المفاضلة العامة وتوفير التعليم الجامعي لأكبر عدد ممكن من الطلاب السوريين. وتحسين أوضاع المعلمين ورواتبهم وصرفها دوريًا حتى لا تفقد العملية التعليمية مزيدًا من الكوادر المدربة والمؤهلة.