عام 2025 وآمال الشعب السوري في بناء سوريا الحديثة بعد عهد الأسد

عام 2025 وآمال الشعب السوري في بناء سوريا الحديثة بعد عهد الأسد

عزالدين ملا

دخلنا العام 2025 وآمال الشعب السوري في بناء سوريا الحديثة بعد سقوط نظام الأسد الدكتاتوري الذي حكمهم بقبضة حديدية طوال أكثر من خمسة عقود.
سوريا الآن أمام استحقاقات مهمة يتطلب التكاتف والنظر بعين المسؤولية، والعمل تحت يافطة سوريا للجميع ونبنيها جميعا. والكورد جزء أصيل من سوريا، لهم حقوق متساوية مع باقي المكونات في سوريا.

1-كيف يمكن للانتقال السياسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد أن يعزّز من بناء دولة حديثة تسود فيها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
2-ما هي التحديات التي يواجهها الشعب السوري في تحقيق التكاتف بين جميع مكونات المجتمع السوري، بما في ذلك الكورد، لبناء دولة جديدة؟
3-كيف يمكن ضمان حقوق الكورد في سوريا بشكل متساوٍ مع باقي المكونات العرقية والدينية في البلاد في المرحلة المقبلة؟
4-ما الدور الذي يمكن أن يلعبه المجتمع الدولي في دعم سوريا على طريق الانتقال نحو دولة جديدة تقوم على العدالة والمساواة لجميع المواطنين؟
5-ما هي الخطوات التي يجب أن يتخذها السوريون، بمن فيهم الكورد، لتحقيق وحدة وطنية حقيقية بعد سنوات من الصراع والتفكك؟

الشعب السوري يخطو نحو مرحلة جديدة
تحدث سكرتير الحزب الديمقراطي الكوردي في سوريا (البارتي)، أحمد السينو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «مع دخول العام الجديد 2025 يخطو الشعب السوري لأول مرة منذ أكثر من ستين عاما نحو مرحلة جديدة من تاريخه بعد طي صفحة نظام عائلة الأسد التي حكمت البلاد لعقودٍ من الزمن بقبضةٍ دكتاتورية حديدية فاسدة لم تجلب للسوريين سوى القمع والفساد وإنهاء كل مقومات الدولة.
حُكم الأسد ترك سوريا مُثقلة بجراح عميقة، حيث دُمّرت مدنها، وتفتت نسيجها الاجتماعي، وتلاشى استقرارها السياسي والاقتصادي. نظامٌ اعتمد على محاربة الفكر وحرية الرأي والتنكيل بالمعارضين والمختلفين معه سياسيا، مما أدى إلى نشوء واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، تشرد على أثرها الملايين من الشعب السوري بين لاجئين في الخارج ونازحين داخل حدود وطنهم الممزق من خلال أعوام استمرار الثورة الشعبية التي جوبهت بالرصاص والبراميل والقتل، مما ترك آثاراً مدمرة وكوارث لا تمحى من واقع البلاد وذاكرة السوريين على جميع المستويات وفي جميع المجالات».
يتابع السينو: «انه على ضوء ذلك امام الشعب السوري استحقاقات كبيرة وتحديات هائلة في مرحلة ما بعد الأسد وفي مقدمتها الانتقال السياسي، الذي يتطلب إعطاء الأولوية لإطلاق حوار وطني شامل يضم جميع مكونات المجتمع السوري دون استثناء. هذا الحوار الوطني يجب أن يكون حجر الزاوية في بناء الدولة الحديثة، خاصة عندما يجمع كافة الأطراف السياسية والاجتماعية والمكوّنات العرقية والدينية على طاولة واحدة لصياغة رؤية مشتركة لمستقبل البلاد. وان يفضي هذا الحوار إلى صياغة دستور جديد يضمن حقوق الجميع بشكل متساوٍ ويؤكد على قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويضع الأساس لبناء مؤسسات دولة قوية وشفافة. مع ضمان الحريات العامة كحرية التعبير والصحافة والتجمع السلمي، كما أن إطلاق عملية مصالحة وطنية شاملة سيعزز الثقة بين مكونات المجتمع. مع ملاحظة ان بناء دولة ديمقراطية بشكل صحيح تحتاج إلى جهود الجميع، مع البدء بإجراءات عملية كضمان الحريات الأساسية وتأسيس آليات للرقابة والمساءلة وفصل السلطات.
اما الممارسات الديمقراطية على الصعيد الشعبي فإنها تحتاج الى مؤسسات وخطط في بناء الهوية الوطنية التي تعتبر حجر الزاوية في عملية الانتقال الى النظام الديمقراطي السليم كهدف أساسي في بناء اسس الدولة المنشودة من خلال المشاركة لجميع السوريين بكل طوائفهم ومكوناتهم وإنهاء السياسات التمييزية، وإلغاء جميع القوانين والإجراءات التي همّشت مشاركة اغلب السوريين ومنهم الكرد هذا النسيج الوطني الذي عانا التمييز والحرمان بدرجة أكبر، مما يتحتم على مستقبل الدولة السورية ان تركز على التنوع الثقافي والديني والعرقي، واعتباره اثراء للهوية الوطنية وقيمه الحضارية. اما بخصوص التحديات التي تواجهها سوريا في مرحلة ما بعد الاستبداد والتوحش من قبل نظام البائد فهي هائلة وتفوق قدرة الجميع بدءا من إعادة الاعمار للبنية التحتية، وتوفير الامن وفوضى السلاح والتدهور الاقتصادي وغياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والفقر والبطالة، وفقدان الثقة بالمؤسسات، إضافة الى المخاوف البينية بين المكونات، أضف الى كل ذلك الخوف من التدخلات الإيرانية وبعض الأنظمة التي كانت موالية لنظام الأسد البائد، وأزمة اللاجئين والنازحين، وملف العدالة الانتقالية الذي يعتبر أحد أكبر التحديات الداخلية. ولتحقيق كل هذا في سوريا الجديدة فإننا نحتاج إلى مصالحة حقيقية تُعيد اللحمة بين أبنائها، وتُقر بحقوق كل مكون من مكوناتها بشكل متساوٍ».
يشير السينو: «إلى أننا نحتاج أيضا إلى رؤية واضحة لتجاوز الماضي الأليم، والتركيز على مستقبل مبني على العدالة والمساواة والكرامة، وإعادة تعريف الهوية الوطنية السورية بعيداً عن القمع والديكتاتورية، واستبدالها بنموذج جديد قائم على المشاركة والشراكة، تحت شعار سوريا لكل السوريين».
يؤكد السينو: «انه لضمان حقوق كل المكونات في سوريا الجديدة يتطلب دستورا يعترف بحقوقهم دون تقويض وحدة الدولة، وان يكون هناك تمثيل سياسي عادل للكورد في جميع مستويات صنع القرار، مع إنهاء السياسات التمييزية والإجراءات التي حاولت اظهار الكورد بأنهم لا يؤمنون بوحدة الدولة السورية او لديهم نزعات انفصالية من خلال اصوات بعض العنصريين من الإعلام المضلل. وهذا يحتاج الى تعزيز الحوار المباشر، حيث يكون للكرد موقع أساسي في الحوار الوطني، بهدف فهم هواجسهم وتطلعاتهم والوصول إلى حلول مشتركة تعزز الوحدة الوطنية، ولا بد أن يُترجم هذا الاعتراف إلى ضمانات دستورية واضحة، تكفل حقوقهم ضمن إطار دستوري يرسخ مبدأ المواطنة المتساوية ويعزز تمثيل سياسي عادل للكورد في جميع المستويات. كما أن الاحتفاء بالتنوع واعتباره جزءا لا يتجزأ من الهوية السورية الجديدة سيعزز شعور الانتماء المشترك. فالتعددية ليست تهديدا، بل هي مصدر قوة يعكس غنى المجتمع السوري، مما يجعل المساواة في الحقوق والواجبات حجر الزاوية في بناء مستقبل يشترك فيه الجميع بكرامة وعدالة». يضيف السينو: «ان هذه المرحلة الانتقالية يتطلب استراتيجية شاملة ومتوازنة تعالج القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية. يبدأ ذلك بالضغط السياسي على جميع الأطراف المعنية للالتزام بعملية انتقال سلس عادل وشامل، تضمن تمثيلًا حقيقيا لجميع المكونات السورية، وتؤسس لحكم يعكس إرادة الشعب السوري ويحقق الاستقرار إلى جانب ذلك، يُعتبر الدعم الاقتصادي أولوية لإعادة إعمار البلاد، من خلال تمويل المشاريع التنموية وإعادة بناء البنية التحتية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الذي يعزز فرص العيش الكريم للمواطنين وتقديم المساعدة القانونية والخبرات التي تفيد في تعزيز العدالة الانتقالية، من خلال محاكمة مرتكبي جرائم الحرب وضمان المساءلة لإعادة الثقة بين المواطنين والدولة».
يختم السينو: «أن بناء القدرات المؤسسية يُعدّ أساسيا لإعادة هيكلة الدولة، عبر تطوير مؤسساتها وتدريب كوادرها في مجالات الإدارة والحكم الرشيد، بما يضمن تأسيس نظام شفاف وفعّال.. وأخيرا الاستعانة والاستفادة من القوى الدولية بحكم خبراتها وتجاربها في لعب دور محوري لنقل سوريا من الواقع المؤلم الى واقع تعيد لسوريا دورها ومكانتها في المنطقة بعيداً عن الحروب والأزمات مع المحيط وجميع دول العالم لتوفر كل اسباب القوة لبناء وطن عزيز يعيد لسوريا مكانتها بين الأمم بعد عقود من الآلام والجراح في دولة واحدة اساسها الحقوق والعدالة».

سقوط الاسد نقطة تحوّل تاريخية في المسار السوري
تحدث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، محمد علي إبراهيم لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «يمثل سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 نقطة تحول تاريخية في مسار سوريا، حيث يتيح فرصة حقيقية لبناء دولة جديدة على أسس ديمقراطية، ويضع السوريين أمام تحدٍ كبير لتجاوز إرث الصراعات والانقسامات التي أرهقت البلاد على مدى عقود من الزمن وخاصة الحقبة التي رافقت حكم سلطة عائلة الأسد وبعد سقوط هذه السلطة تبدأ مرحلة جديدة من العمل لتحقيق الاستحقاقات، وذلك بتعزيز بناء دولة حديثة تسود فيها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وتشكيل هيئة انتقالية تضم شخصيات عسكرية ومدنية من ذوي الكفاءة والخبرة خطوة أساسية لضمان الانتقال السلس نحو الديمقراطية. تتولى هذه الهيئة مسؤوليات مثل توفير الأمن، إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، والإشراف على تشكيل حكومة ائتلافية من تمثل جميع المكونات دون إقصاء لتسيير أعمال لإدارة شؤون الدولة اليومية.
وإعادة هيكلة الجيش السوري ليكون جيشًا وطنيًا مهنيًا يحمي البلاد، بعيدا عن الولاءات الفصائلية، تُعد خطوة مهمة لضمان استقرار الدولة ومنع نشوء أي نوع من الاستبداد. لإرساء نظام سياسي يستند إلى مبادئ الحكم الرشيد، المشاركة الشعبية، احترام حقوق المواطن وحرياته، والتعددية القومية والأثنية والسياسية والثقافية وتحقيق العدالة الانتقالية أمرا حيويًا لضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة، وبناء الثقة بين مختلف الفئات الاجتماعية، مما يسهم في تعزيز قيم حقوق الإنسان وإعادة بناء البنية التحتية تسهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، مما يدعم التحول نحو دولة حديثة.
دمج الفصائل العسكرية في الجيش الوطني الجديد يساهم في توحيد القوى العسكرية مع الحفاظ على الوجود العسكري في الأقاليم التي تتميز بخصوصيّتها القومية مثل المناطق الكوردية تتولى حمايتها ابناء تلك المنطقة وهذا ينطبق على المناطق ذات الأكثرية العلوية والدروز وحقهم في ادارة مناطقهم مما يعزز من استقرار الدولة ويمنع الفوضى. التأثيرات الإقليمية والدولية قد تعرقل عملية الانتقال السياسي، مما يتطلب دبلوماسية حذرة لضمان سيادة القرار الوطني. إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية وشفافة تتطلب وقتًا وجهدًا لضمان فعاليتها واستدامتها. لذا الانتقال السياسي في سوريا بعد سقوط نظام الأسد يمثل فرصة تاريخية لبناء دولة حديثة تسود فيها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان».
يتابع إبراهيم: «يواجه الشعب السوري تحديات متعددة في تحقيق التكاتف بين جميع مكوناته، ومنهم الكوردي لبناء دولة جديدة تسودها قيم الديمقراطية وحقوق الانسان يتميز المجتمع السوري بتعدد الأعراق والأديان، مما يتطلب جهودًا كبيرة لتعزيز التفاهم والتعايش السلمي بين مختلف المكونات. التي عانت الكثير من المظالم مثل الكرد، من سياسات تمييزية ومشاريع شوفينية وعنصرية في العقود الماضية مما خلق شعورًا بالظلم والحذر تجاه السلطات المركزية. ولقد سعت بعض القوى الإقليمية والدولية إلى تحقيق مصالحها في سوريا، مما ادى إلى تعميق الانقسامات وزيادة التوترات بين المكونات المختلفة. وزادت سنوات الصراع والعنف إلى تآكل الثقة بين المكونات السورية، قد يلاقي السوريين صعوبات في تحقيق التكاتف والتعاون لبناء دولة جديدة. وتجاوز آثار ومخلفات الحرب الذي تسببت في تدمير البنية التحتية والاقتصاد، مما زاد من حدة الفقر والبطالة وأثر سلبًا على العلاقات بين المكونات. وانتجت تباين رؤى المكونات السورية حول شكل النظام السياسي المستقبلي، مما قد يعرقل الوصول إلى توافق وطني.
لذا يجب فتح قنوات الحوار بين جميع المكونات للوصول إلى تفاهمات مشتركة حول مستقبل البلاد ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة وتعويض المتضررين يسهم في بناء الثقة والمصالحة الوطنية. وضمان الحقوق المشروعة للمكونات وخاصة المكون الكوردي الذي يعيش على ارضه التاريخية ويعتبر القومية الرئيسية الثانية في البلاد والاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي لجميع المكونات الاخرى ليعزز الشعور بالانتماء والمواطنة وتحقيق ذلك يتطلب جهودًا مشتركة وإرادة سياسية صادقة لبناء دولة حديثة تسودها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان».
يضيف إبراهيم: «بعد سقوط النظام الدكتاتوري يدخل السورين عامة والشعب الكوردي بشكل خاص في مرحلة جديدة يجب الوقوف أمامها بمسؤولية تاريخيّة سيما الأطراف التي غردت خارج (الإطار القومي ( ب ي د) وبناء الموقف الكوردي الموحد يجب استمرار للاتفاقيات التي تمت بين المجلس الوطني الكوردي والاتحاد الديمقراطي، وآخرها تفاهم قامشلو بحضور الضامن الأمريكي من اجل الاتفاق على مطالب وحقوق الكورد المشروعة وتشكيل وفد موحد يحمل تلك المطالب والتوجه الى دمشق والتواصل مع جميع القوى والأحزاب والتنظيمات والفعاليات والمكونات الممكنة للدفاع عن قضيتهم العادلة تبرز ضرورة ضمان حقوق الشعب الكوري بشكل متساوٍ مع باقي المكونات العرقية والدينية في سوريا لبناء دولة ديمقراطية تحترم التعددية وحقوق الإنسان ويتم ذلك من خلال صياغة دستور جديد يعترف بالتنوع العرقي والديني. يجب أن يضمن الدستور اعترافًا صريحًا بالكورد كمكون أساسي في المجتمع السوري، مع ضمان حقوقهم المشروعة وفق العهود والمواثيق الدولية، واعتماد نظام حكم لامركزي يمنح المناطق ذات الأغلبية الكوردية صلاحيات إدارية واسعة بما يتماشى مع الدستور الجديد مما يتيح لهم إدارة شؤون مناطقهم بشكل فعال».
يشير إبراهيم: «ان المجتمع الدولي يلعب دورا حاسما في دعم سوريا خلال مرحلة الانتقال نحو دولة جديدة قائمة على العدالة والمساواة لجميع المواطنين. من خلال تسهيل عملية انتقال سياسي شامل بقيادة سورية، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن 2254لعام (2015)، عن طريق عمل مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا وفريقه.
وتوفير الدعم الإنساني الذي يحتاجه الشعب السوري، بما في ذلك التعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية، لتلبية الاحتياجات الأساسية وتعزيز الاستقرار الاجتماعي. رصد حالة حقوق الإنسان في سوريا بالإضافة إلى دعم برامج إعادة تأهيل الناجين من التعذيب وسوء المعاملة، والكشف عن مصير المفقودين، المساهمة في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وتقديم الدعم الفني والمالي لإعادة تأهيل الاقتصاد السوري، بما يضمن توفير فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة للسكان.
دعم استقرار سوريا من خلال التواجد العسكري الدولي عند الحاجة، والمساعدة في تدريب وتأهيل قوات الأمن المحلية لضمان قدرتها على حفظ الأمن والنظام. دعم منظمات المجتمع المدني السورية في جهودها لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتوفير منصات للحوار والمصالحة بين مختلف مكونات المجتمع. من خلال هذه الجهود المتكاملة، يمكن للمجتمع الدولي أن يسهم بفعالية في دعم سوريا على طريق الانتقال نحو دولة جديدة تقوم على أسس العدالة والمساواة لجميع المواطنين».

سقوط الاسد ونهاية الطغيان
تحدث عضو المكتب السياسي في حزب الشعب الكوردستاني- سوريا، الدكتور منيب الاحمد لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إن الثورة في سوريا وقد تكللت بالنجاح أخيراً، وأتت الفصائل في النهاية لتعلن انتصارها، ثورة ساهم فيها جميع ابناء سوريا الشرفاء وخاصة جماهير الكورد، والذين في الحقيقة كان لهم شرف الشرارة الاولى للثورة ضد هذا النظام البائد عام 2004، وقد قدّموا التضحيات الجسيمة على مرأى العالم، ورغم أن الشرارة الاولى تم قمعها، وكانت الضحايا بالمئات إلا أن الكورد بقوا على العهد في التمرد ضد الطغيان من اجل سوريا حديثة مدنية ديمقراطية، تحفظ للكورد حقوقهم القومية».
يتابع الاحمد: «ان عامة الشعب السوري ادرك ان النظام لم يكن يميز في ظلمه بين فئة واخرى، وان الاستعباد والظلم شمل الشعب السوري بكل مكوناته، وما السجون الرهيبة والمقابر الجماعية إلا دلالة على وحشية هذا النظام التي طالت جميع شرائح الشعب دون تمييز، لذلك من حق الشعب السوري وبعد التضحيات الجسيمة التي قدمها ان ينعم بوطن يعمه الازدهار والعدالة الاجتماعية، وان تنال المكونات حقوقها الكاملة في ممارسة هويتها القومية، والسبيل لذلك هو مؤتمر وطني شامل تنتخب ممثليها ديمقراطيا بحسب ثقلها السكاني، وبعد المؤتمر الوطني للحوار والذي يمثل جميع فئات وشرائح الشعب السوري ان ينبثق منها لجان فرعية: دستورية لكتابة الدستور. وانتخاب حكومة تكنوقراط تمهد للمرحلة اللاحقة. لجنة امنية لتعزيز الامن الداخلي. لجنة اقتصادية لضمان اساسيات، ماء، كهرباء، وقود، خبز.
يتخلل هذه المرحلة الحساسة من البناء تحديات لابد من العمل على اخذها بالحسبان، وهي التدخلات الخارجية السلبية وكذلك فكر المحاصصة الطائفية على اسس دينية، والتحدي الكبير هو السلاح خارج اطار الدولة مع مراعات تجنب اللون الواحد للحكومة والتشكيل العسكري. من الناحية السياسية يجب سن قوانين عصرية منها قانون الاحزاب مع مراعاة خصوصية كل المكونات».
يؤكد الاحمد: «على ان تكون في سوريا الجديدة حقوق الكورد مصانة من حيث ممارسة النشاط السياسي بشكل علني وشرعي وضرورة تواجد الكورد في جميع هياكل الدولة السياسية والعسكرية والامنية بما يتناسب مع الكتلة البشرية للكورد في جميع انحاء سوريا».
يضيف الاحمد: «انه يجب على المجتمع الدولي ان يكون على مسافة واحدة من جميع المكونات السورية، وان يكون لها دور رقابي على مراحل التي ستفضي الى دولة مستقلة ومستقرة كالانتخابات بما يضمن الشفافية والعدالة الانتقالية وتقديم المشورة القانونية والسياسية في كتابة الدستور الجديد، ودعم مشاريع الاستقرار الاقتصادي، ودعم اعادة بناء البنية التحتية والتي تصب في الاستقرار السياسي. ولضمان الأمن والاستقرار ضرورة الالتزام بحل الفصائل وحصر السلاح بيد الدولة تحت مسمى الجيش الوطني بهيكلية بعيدة عن اللون الواحد، وضرورة الاتفاق على الخطوط العامة كقانون تشكيل احزاب مما يساعد على تفعيل العملية السياسية وتمثيل جميع المكونات في الواجهات السياسية القادمة».
يشير الاحمد: «إلى أن للكورد خصوصية تاريخية قومية، ولا يمكن لأي عملية سياسية قادمة ان تضمن استقرار سوريا السياسي والاقتصادي اذا تجاهلت الحقوق القومية للكور، والذي يطمح اليه الكورد هي سوريا تعددية لا مركزية اتحادية».

سوريا بعد الاسد أمام تحديات كبيرة ومتجذرة
تحدث الكاتب والسياسي، عبدالباقي حسيني لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «مرَّ على سقوط نظام بشار الأسد حوالي ثلاثة أسابيع، وكان أمل الشعب السوري، بكل مكوناته، تحقيق انتقال سياسي واضح وشفاف قائم على المساواة والعدل، يكفل حقوق جميع القوميات والطوائف في إطار حالة ديمقراطية. لكن، مع الأسف، تواصل السلطة الحالية، التي تولت زمام القيادة، نهج النظام السابق من خلال تعيين وزراء ومحافظين من المكون نفسه أومن الفصيل ذاته، ما يعيد إنتاج حالة الإقصاء.
ورغم تسويغ أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) لهذه التعيينات بأنها مؤقتة ومرتبطة بحالة الانسجام السابقة، إلا أن التصرفات الراهنة تشير إلى استمرار هذا النهج دون تغيير. الانتقال السياسي نحو بناء دولة حديثة يتطلب تأسيساً سليماً من البداية لضمان نتائج إيجابية مستدامة. إذ كان يتوجب على الشرع، منذ اليوم الأول، إصدار بيان يدعو جميع المكونات إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي مؤقتة، تمهيداً لكتابة دستور جديد، وطرح قانون تشكيل الأحزاب، وإجراء انتخابات حرة تُفرز سلطة شرعية معترفاً بها دولياً».
يتابع حسيني: «التحديات عديدة ومتجذرة، وأبرزها مخلفات النظام السابق من ظلم وتعسف وقوانين جائرة، لا سيما تجاه الكرد الذين تعرضوا لأكبر قدر من الاضطهاد. إزالة هذه المظالم يجب أن تكون أولوية للإدارة الجديدة، من خلال استرداد حقوق المكونات وإلغاء التشريعات التمييزية.
ثمة خطوة إيجابية قامت بها القيادة الحالية هي فتح سجون النظام وإطلاق سراح المعتقلين، إضافة إلى إعلان بطلان كل القوانين الجائرة التي اتخذها النظام السابق. لكن، لتحقيق التكاتف، ينبغي معالجة مسألة الشرخ الاجتماعي العميق الذي خلفه النظام، حيث زرع الشكوك بين الطوائف والمكونات المختلفة. فالعربي السني قد لا يثق بالعربي العلوي، والعكس صحيح، كما أن الصورة المشوهة التي رسمها النظام عن الكرد تحتاج إلى تصحيح عبر بناء خطاب وطني شامل».
يضيف حسيني: «الكرد تحملوا عبئاً ثقيلاً من السياسات العنصرية للنظام السابق. لضمان حقوقهم، يجب إزالة جميع المشاريع التمييزية التي استهدفتهم، مثل الإحصاء الجائر (وإعادة الجنسية للمحرومين منها)، وإلغاء مشروع الحزام العربي مع إعادة الأراضي إلى أصحابها وتعويضهم عن الأضرار.
كما ينبغي منح الكرد حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية، بما يشمل تنمية مناطقهم، إعادة المهجرين إلى أماكنهم، وتخصيص ميزانيات لتنمية المناطق الكردية. هذه الحقوق يمكن تحقيقها عبر الحوار السلمي والدستور الجديد، مع ضمان التزام السلطة القادمة بالمساواة وعدم التمييز».
يشير حسيني: «أنه يتوجب على القيادة الجديدة إثبات أنها ديمقراطية وتشاركية، تضمن العدالة الاجتماعية وحقوق جميع المكونات. عندها، يمكن للمجتمع الدولي المساهمة في رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ودعم البلاد مادياً ومعنوياً، والمساعدة في إعادة الإعمار.
لكن، مع الأسف، فشلت السلطة الحاكمة في تقديم صورة حضارية خلال زيارة وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك ووزير خارجية فرنسا. تصرفات القيادة، التي عكست تطرفاً فكرياً بدلاً من الاحترافية السياسية، دفعت بيربوك إلى التصريح بأن ألمانيا لن تدعم "هياكل إسلامية". لذلك، يجب أن تسعى القيادة إلى تقديم نموذج حضاري يعكس رؤية شاملة لدولة مدنية».
يؤكد حسيني: «تحقيق الوحدة الوطنية يتطلب حواراً شفافاً وشاملاً يجمع جميع أطياف الشعب السوري في مؤتمر عام. يجب مناقشة الحقوق والواجبات لكل مكون بوضوح، مع التركيز على التسامح وبناء الثقة بين المكونات المتصارعة.
كما ينبغي تأسيس جيش وطني يحمي الدولة لا الحاكم، وتوزيع الموارد والمناصب بشكل عادل بين المحافظات، مع مراعاة احتياجات كل منطقة. يجب أن تُنشأ مؤسسات تعليمية وجامعات في مختلف المناطق لتعزيز التماسك الاجتماعي. هذه الخطوات، إذا ما نُفذت بإخلاص، يمكن أن تمهد الطريق لبناء سوريا جديدة تقوم على أسس العدالة والمساواة».