منطقة الشرق الأوسط تُراوح بين صراع تقليدي وصراع تكنولوجي متطورة
عزالدين ملا
الحرب في منطقة الشرق الأوسط والعالم دخلت مرحلة جديدة، من صراع تقليدي إلى صراع عن طريق طائرات مُسيّرة، والآن أصبح للصراع نمط جيد يعتمد على التكنولوجيا المتطورة، هذا السلاح من أخطر الأسلحة والتي قد تهدد البشرية جمعاء.
ما فعلته اسرائيل باختراق أنظمة اتصالات قيادات وعناصر حزب الله، تعد سابقة جديدة وكأننا نحضر أفلام هوليود، وقد نشهد تطورات جديدة أخرى يُذهل العالم بقدرات قتالية تدميرية معتمدة على علم التكنولوجيا، وخاصة بعد ثورة الذكاء الاصطناعي.
أمام كل هذه التطورات والساحة السورية مازالت تتأرجح على صفيح أزمات الاقتصادية وعسكرية وسياسية واجتماعية، يدفع بالوضع السوري إلى مستقبل مجهول.
في خضم هذه التطورات وجهت صحيفة كوردستان عدّة تساؤلات لمعرفة آراء واستفسارات حول ذلك:
1- كيف تؤثر التكنولوجيا المتطورة، مثل الطائرات المُسيّرة والذكاء الاصطناعي، على استراتيجيات الحروب التقليدية في الشرق الأوسط؟
2- ما هي المخاطر المحتملة لاستخدام الأنظمة التكنولوجية المتقدمة في الصراعات المسلحة، خاصةً في سياق النزاعات مثل النزاع بين إسرائيل وحزب الله؟
3- كيف يمكن أن تؤثر الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستمرة في سوريا على استقرار المنطقة بشكل عام؟
4- ما الدور الذي يمكن أن تلعبه القوى العالمية في توجيه الصراعات الحالية نحو حلول سلمية في ظل التصاعد التكنولوجي في الحروب؟
أمام التطور التكنولوجي المتسارع في الحروب، يصبح الكفاح المسلح وسيلة غير مجدية لتحقيق أهداف سياسية
تحدث سكرتير حزب تيار مستقبل كوردستان- سوريا، ريزان شيخموس لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بلا شك، مع التطور الكبير الذي شهدته العلوم والتكنولوجيا، أصبح من الطبيعي أن يؤثر هذا التطور على الحروب وأساليب القتال بشكل مباشر، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد صراعات متكررة. تسعى الدول باستمرار إلى استغلال التطور التكنولوجي في تعزيز قدراتها العسكرية بشكل يفوق الاستفادة من هذه التطورات في المجالات الإنسانية أو تحسين حياة الناس وتطوير المجتمعات نحو رفاهية أفضل.
تُحدث التكنولوجيا المتطوّرة، مثل الطائرات المُسيّرة والذكاء الاصطناعي، تحولًا جوهريًا في استراتيجيات الحروب في الشرق الأوسط، حيث أصبحت أداة رئيسية لتحقيق التفوق العسكري بتكاليف أقل وفعالية أكبر. الطائرات المُسيّرة تُستخدم بشكل واسع للاستطلاع والمراقبة وتنفيذ ضربات دقيقة، مما يقلل من الخسائر البشرية ويحد من الحاجة إلى تدخل مباشر في ساحة المعركة. وقد برزت تركيا كأحد أبرز المستخدمين لهذه التكنولوجيا، حيث اعتمدت بشكل كبير على الطائرات المُسيّرة في عملياتها ضد حزب العمال الكوردستاني في كوردستان العراق وسوريا، مما أتاح لها استهداف مواقع حساسة دون الحاجة إلى عمليات برية واسعة.
إلى جانب، تُعتبر إسرائيل أيضًا من الدول التي استفادت بشكل كبير من هذه التقنيات في صراعاتها مع الجماعات المسلحة، مثل حزب الله وحماس، حيث طوّرت أنظمة متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لجمع المعلومات وتحليلها في الوقت الفعلي، مما يساعد في توجيه العمليات العسكرية بدقة عالية. الذكاء الاصطناعي يساهم بشكل كبير في تحليل البيانات الهائلة المستمدة من الطائرات المُسيّرة وغيرها من أنظمة المراقبة، مما يمنح القادة العسكريين القدرة على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة في ميدان المعركة».
يضيف شيخموس: «إن هذا التحول في طبيعة الحروب يؤدي إلى إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، حيث تتمكن الأطراف التي تمتلك هذه التكنولوجيا من تنفيذ عمليات دقيقة ومعقدة دون الحاجة إلى الاستثمارات الضخمة في المعدات التقليدية الثقيلة. ومع ذلك، يطرح هذا الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا تحديات أخلاقية وسياسية، حيث أن القدرة على تنفيذ عمليات قتل مستهدف أو توجيه ضربات دون إشراف بشري مباشر قد تثير تساؤلات حول أخلاقيات الحرب. كما أن هذه التكنولوجيا تسهم في تعقيد المشهد الأمني في المنطقة، حيث يصبح من الصعب التنبؤ بتصرفات الأطراف المسلحة، ما يزيد من عدم الاستقرار.
في نهاية المطاف، فإن الطائرات المُسيّرة والذكاء الاصطناعي يعيدان صياغة استراتيجيات الحروب التقليدية في الشرق الأوسط، مما يوفر للدول القدرة على التفوق العسكري بطرق أكثر دقة وكفاءة، ولكن مع عواقب غير متوقعة على الاستقرار الإقليمي والتوازنات السياسية».
يتابع شيخموس: «إن استخدام التكنولوجيا المتطوّرة مثل الطائرات المُسيّرة والذكاء الاصطناعي في الصراعات المسلحة، كما يحدث بين إسرائيل وحزب الله، يعكس تغيرًا جوهريًا في استراتيجيات الحروب، ولكنه يحمل مخاطرَ معقدةً تفوق الفوائد العسكرية التقليدية. في حين أن هذه التقنيات تسمح بتنفيذ عمليات دقيقة تقلل من الخسائر البشرية وتزيد من فاعلية الضربات العسكرية، فإن الاعتماد المفرط عليها قد يؤدي إلى تصعيد الصراع في المنطقة، فعلى سبيل المثال، قيام إسرائيل بتدمير الأجهزة اللاسلكية لحزب الله وقتل قياداته بسرعة ودقة قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة من الحزب أو من حلفائه الإقليميين مثل إيران، مما قد يشعل نزاعًا إقليميًا أوسع، على الرغم من محاولات الولايات المتحدة للحد من التوترات.
باختصار، استخدام إسرائيل للتكنولوجيا المتقدمة في نزاعها مع حزب الله يعزز من قدرتها العسكرية، لكنه يحمل مخاطر حقيقية قد تؤدي إلى تصعيد الصراع على نطاق أوسع، إلى جانب التعقيدات القانونية والأخلاقية والسياسية».
يشير شيخموس: «أنه في ظل التصاعد التكنولوجي في الحروب والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، يتعيّن على القوى العالمية اتخاذ موقف جاد وحاسم لتوجيه هذه النزاعات نحو حلول سلمية قبل أن تتحول المنطقة إلى ساحة نزاعات أكبر، مما قد يشعلُ حربًا لا تنتهي. استخدام التكنولوجيا المتقدمة مثل الطائرات المُسيّرة، الذكاء الاصطناعي، والأسلحة المتطوّرة جعل الحروب أكثر تعقيدًا وأقل قابلية للتنبؤ، مما يزيد من خطورة الوضع الإقليمي، ويهدّد بتوسيع دائرة الصراع إلى ما هو أبعد من حدود المنطقة.
أحد الأدوار الرئيسية التي يجب أن تلعبها القوى العالمية هو تعزيز الوساطة الدبلوماسية بين الأطراف المتصارعة. هذه الدول، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، تملك نفوذًا كبيرًا في المنطقة، ويمكنها الضغط على الجهات الفاعلة لتهدئة الأوضاع والجلوس إلى طاولة المفاوضات. تحتاج الأطراف المتنازعة إلى حلول سياسية شاملة بدلاً من الاعتماد على القوة العسكرية، التي أثبتت على مرّ السنوات الماضية أنها تزيد من حدة النزاعات ولا تقرب المنطقة من السلام.
إلى جانب ذلك، يجب على القوى العالمية العمل على تنظيم استخدام التكنولوجيا العسكرية المتقدمة انتشار الطائرات المُسيّرة والهجمات السيبرانية يُشكل تهديدًا كبيرًا للاستقرار، مما يجعل من الضروري وضع ضوابط دولية تمنع الاستخدام العشوائي أو المفرط لهذه الأدوات.
كما أن الضغط السياسي والاقتصادي يمكن أن يكون أداة فعالة في تقليص التوترات. تستطيع القوى العالمية فرض عقوبات على الأطراف المتنازعة أو تقديم حوافز مشروطة بالالتزام بحلول سلمية.
لا يمكن فصل الصراعات في الشرق الأوسط عن التنافس الإقليمي بين دول مثل إيران، تركيا، والسعودية. القوى العالمية يمكن أن تلعب دورًا في تشجيع الحوار بين هذه القوى الإقليمية، بهدف تقليل التدخلات العسكرية والتوصل إلى تفاهمات أمنية. الحوار الإقليمي يمكن أن يكون خطوة هامة نحو تخفيف التوترات التي تغذي الصراعات المحلية، ويعزّز من فرص إيجاد حلول مشتركة.
في ظل التطوُّر التكنولوجي المتسارع في الحروب، أصبح الكفاح المسلح وسيلة غير مجدية لتحقيق الأهداف السياسية، خاصة مع استخدام الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة التي تعقد المواجهات التقليدية. حيث يعاني الشعب الكردي من ويلات هذه الحروب غير المتكافئة. حزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي لا يزال يعتمد على الكفاح المسلح، بحاجة ماسة إلى مراجعة استراتيجيته، لأن العنف لم يعد خيارًا فعّالًا في مواجهة القوى الإقليمية والدولية، والشعب الكردي هو من يدفع الثمن الأكبر في هذه الصراعات المؤلمة، خاصة في كوردستان العراق وسوريا. التحول نحو الحلول السياسية والدبلوماسية بات ضرورة لتجنب المزيد من المعاناة».
يختم شيخموس: «لا يمكن تجاهل أن الشرق الأوسط يواجه خطرًا حقيقيًا في ظل التقدم التكنولوجي في الحروب، وعدم تحرك القوى العالمية لتهدئة الصراعات قد يحول المنطقة إلى لهيب حرب قد يمتد إلى مناطق أخرى، يجب أن يكون هناك جهد دولي متكامل لتخفيف التوترات، وتنظيم استخدام التكنولوجيا في النزاعات، وفرض ضغوط سياسية واقتصادية قوية على الأطراف المتصارعة، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة وتتحول إلى صراع عالمي لا ينتهي».
التكنولوجيا المتطورة ودورها الفعّال على استراتيجيات الحروب والمعارك
تحدث عضو المكتب السياسي ومسؤول الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، بشار أمين لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إن عملية التطور والتقدم متممة لبعضها او انها متكاملة في جوانبها، او قد يساهم جانب في تعزيز الجوانب الأخرى ان كان في التصنيع والابداع او في التقدم التكنولوجي، او في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية وحتى العسكرية، وهكذا في جانب التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا"، واليوم وكما هو معلوم تدخل التكنولوجيا الحديثة في الجانب العسكري ومن أوسع الأبواب بشكل جليّ في استخدامها كسلاح متقدم في الحروب والمعارك، وفي الطيران المسيّر وفي الأجهزة الإلكترونية واللاسلكية، وهكذا في الروبوتات "الانسان الآلي" ولا نعلم ماذا يمكن ان يظهر مع الأيام او في المستقبل، ولعل ما يظهر في الحروب والمعارك القائمة حاليا سواء في اوكرانيا او في الشرق الأوسط "ولاسيما غزة ولبنان" او في اماكن أخرى من العالم هو خير دليل على ما نقصده في التقدم العسكري والتكنولوجي».
يشير أمين: «ان الدول المتطورة مستمرة في ابداعاتها واختراعاتها ان كان على صعيد الأجهزة الضرورية للمجتمعات او الدفاعية لحماية امنها وامانها او في الجانب الهجومي درءً للمخاطر المحدقة بها، في الوقت الذي تلجأ المجتمعات المتخلفة الى الدعاء للقدرات الخارقة في محاربة الفقر وفي الدعاء على الأعداء بغية تحقيق النصر، وشتان بين هذا وذاك.
ما حصل في غزة منذ 7 اكتوبر 2023 "طوفان الأقصى" والى الآن بين حماس واسرائيل حيث استخدام اقصى الامكانات من الجانبين كان درساً بليغاً للطرفين وتأكيداً لهما ان المعارك والحروب لن تفضي الا الى المزيد من الخسائر البشرية والمادية والعمرانية- ولو بنسب مختلفة- حيث الغلبة للتفوق العسكري، ولا يمكن لمثل هذا الصراع ان يعطي نتيجة حاسمة لأحدهما على الآخر، بل يكمن الحل في الجنوح الى وقف القتال ومن ثم البدء ولو عبر الاصدقاء الى حوار جاد بغية انهاء الصراع سلميا بعيدا عن قعقعة السلاح او استخدام التكنولوجيا المعاصرة، الا ان ما حصل بين اسرائيل وحزب الله اللبناني الموالي لإيران كان قد فاجأ الاوساط السياسية والاعلامية المتابعة للشأن اللبناني والاسرائيلي ما فعلته اسرائيل في لبنان وفي قادة وافراد حزب الله وخلال دقائق في يومين متتالين 17 و18 ايلول 2024 حيث تفجير اجهزة النداء "بيجر" والأجهزة اللاسلكية اودى بحياة العشرات من القادة والافراد من حزب الله الى جانب آلاف الجرحى والمصابين ما اعتبره حزب الله اكبر اختراق امني في حياة الحزب والشعب اللبناني، مما كان له الأثر البالغ في نفوس ومعنويات حزب الله وقواته».
يضيف أمين: «لاشك ان للتكنولوجيا المتطورة بماهي انظمة الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة والانسان الآلي وغيرها يكون لها دورها الفعال ان لم نقل الأساسي على استراتيجيات الحروب والمعارك التقليدية سواء في الشرق الأوسط او مناطق بؤر التوتر الأخرى في العالم، ومع الزمن واستمرارية عملية التطور التكنولوجي قد تكون انظمتها هي المعتمدة في الصراعات والنزاعات الدولية او الإقليمية، وقد يلجأ البعض الى بث سموم الأمراض الفتاكة مثل جائحة كورونا " كوفيد - 19 " وغيرها من اساليب القتل والتصفيات الفردية والجماعية، ما يعني ان المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان ومؤسسات المجتمع الدولي مدعوة للتحرُّك بغية وضع حد لمثل هذه الأساليب المتطورة في محاربة الانسان للإنسان، انها حقا بقدر ما تفيد هذه التكنولوجيا الحديثة المجتمع قد تكون كارثة عليه في المدى القريب رغم انعدام تأثيرها البيئي على الانسان.
ثم ان استخدام هذه التكنولوجيا في مثل هذه الحروب والمعارك قد لا يكون تأثيرها على الجهة المعنية المستهدفة فحسب بل ربما يكون او بالتأكيد تأثيرها على المحيط الاجتماعي بِرُمّته، كما حصل في لبنان غداة استخدامها اسرائيل ضد حزب الله في لبنان، حيث أصيب المجتمع اللبناني كلُّه بالذعر والقلق وربما وصل ذلك الى حد ضرب استقرار المنطقة برمتها، لذلك تبقى مخاطر استخدام هذه التقنية كبيرة قد ترقى مستقبلا الى مستوى الأسلحة المحرمة دوليا، ما ينبغي محاربتها ما امكن..
عن الأزمات السورية "الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. الخ"، يتابع أمين: «فهي حصيلة الأزمة السورية العامة، وكانت تعتبر مركز الأزمات الخانقة في المنطقة بما هي "الأزمة اللبنانية والعراقية واليمنية ..الخ" وكان الاعتقاد بأن حل الأزمة السورية قد يمهد الحل للأزمات الأخرى، ومع اندلاع ازمة غزة اثر "طوفان الأقصى" وتوسيع دائرتها لتشمل حزب الله وربما غيره، غدت هذه الأزمة اكثر استعصاء واشد ضراوة، وقد يطول امد المساعي نحو حلها لتمهد هي لحل الأزمة السورية التي طال انتظار المساعي الدولية بشأن حلها، ولاشك ان ازمات المنطقة متداخلة ومتشابكة واسبابها متقاربها ومصادرها واحدة هي دولة ملالي ايران التي تمارس دورها حيال خصومها عبر التضحية بأذرعها ولاسيما مؤخرا "حماس وحزب الله" ما يعني على الأخيرين اليقظة والحيطة مما تفعله ايران خدمة لأجنداتها وسياساتها، وليس دفاعا عن حلفائها».
يختم أمين: «ان المجتمع الدولي مدعو لوقف نزيف الدماء في الصراعات القائمة، سواء في غزة او لبنان او في سوريا وغيرها والعمل بشكل جدي من أجل السعي الى الحلول السياسية السلمية لعموم ازمات المنطقة وفق القرارات المعنية الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة والشرعية الدولية وبما يحقق العدل والانصاف بغية توفير عوامل الأمن والاستقرار لعموم المنطقة، والسعي الحثيث لوضع حد لسلوك وممارسات دولة الملالي في ايران مصدر القلق والمسؤولة الأولى عن امن واستقرار المنطقة برمتها.
الحروب الحديثة هي حروب ذكية باعتماده على تكنولوجيا حديثة
تحدث الكاتب والسياسي، دوران ملكي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «ان الحروب الحديثة أظهرت أنواعاً جديدة من الأسلحة أقل تكلفة وأشد فتكاً وذلك تزامناً مع تطور العلوم والتكنولوجيا والحواسيب وسرعة الاتصالات واكتشاف مصادر جديدة للطاقة وبطاريات جديدة وصغيرة قادرة على تخزين كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية.
اكتشف حديثاً طراز جديد من الطائرات المسيّرة قوامها من الكرتون المقوى السميك وبداخلها محرك صغير يعمل على البطارية ومادة متفجرة ولا تتجاوز تكلفتها أكثر من 500 دولار أمريكي، وتقوم بأدوار انتحارية تحقق أهدافها بدقة أو تستهلك من الخصم صاروخاً لإسقاطه تكلفته ملايين الدولارات ومواده متوفرة، وبإمكان الجميع حيازته وصناعته بدءاً من الشعوب المتطورة وانتهاءً بالشعوب النائية، خاصة بوجود قنوات التواصل والذكاء الاصطناعي والحاسبات الإلكترونية وزيادة مصادر المعلومات، فبإمكان طالباً في المدرسة لديه الرغبة مع الوسائل الحديثة يمكنه الإبداع والاختراع في الظروف الحالية. ولهذا لا عجب أن تحتاج روسيا إلى المسيرات الإيرانية والصواريخ الكورية والمسيرات التركية والإسرائيلية تغير الكثير من المعادلات العسكرية».
يتابع ملكي: «الحروب الحديثة هي حروب ذكية بالدرجة الأولى تعتمد على التقنيات الحديثة، فالمسيرات الأوكرانية الصغيرة أربكت الدبَّ الروسيَّ وهددت موسكو أكثر من مرة وكلفت الخزينة الروسية مليارات الدولارات، وبسبب سهولة صناعة هذه الأسلحة تم تصدير صناعتها حتى إلى المليشيات أمثال الحوثيين وحزب الله وحركة حماس، حيث استطاعت إيران من نقل العقول والخبرات إلى مناطق الصراع وتصنيع هذه الأسلحة فيها.
لكل مرحلة أساليبها ولكل حرب أسلحتها، فالحرب الباردة اعتمدت على سباق التسلح والعقوبات الاقتصادية وصراع العملات في الأوساط الدولية وسباق التسلح النووي والبيولوجي والجرثومي والأسلحة الكيميائية، وحرمت فيما بعد، وظلت إنتاجها سرياً، وكانت الغاية من كل هذا الصراع إنهاك الخصم اقتصاديا كما حدث للاتحاد السوفيتي السابق».
يضيف ملكي: «إن مفاتيح الكثير من الأشياء أصبحت بيد الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى قديماً وحديثاً، مثل التحكم بالاقتصاد العالمي عن طريق عملتها الرائدة، وأغلب اقتصاديات العالم مرتبط بها، وعملية فك الارتباط معها مثير جداً، وتستطيع أمريكا في أية لحظة ان تهدد بالدولار وتضرب اقتصاد أية دولة مهما كانت حجمها وقوتها.
الشيء الآخر هو سيطرتها على الاتصالات العالمية عبر شبكة الأنترنت، وهي بذلك تملك أسرار العالم بأجمعها عن طريق منصاتها المتعددة، وكل أسرار العالم تمر عبر محركاتها البحثية وDNS(Domain Name System)، وهي المسؤولة عن ربط المستخدم بشكلٍ هرمي مع مواقع الأنترنت، وبذلك تستطيع مراقبة من تشاء بدءاً من الأفراد ووصولاً إلى المنظمات والأحزاب وسياسات الدول، ومن يقطع عنه أمريكا برامجها للاتصالات من الدول يتحول إلى قرية مهجورة، وينقطع عن العالم نهائياً. ناهيك عن الذكاء الاصطناعي الذي يرتبط به الأشخاص في جميع مجالات الحياة، وتذهب جميع النشاطات والمحاولات البحثية إلى رأس الهرم، وبذلك هم على دراية بكل ما يحدث في العالم من تطوُّر تكنولوجي أو بحثي.
هذه الأسلحة المتطورة لدى الإدارة الأمريكية تجعلها قوة عظمى فعلية، إذ تستطيع أن تحدد موقع أي شخص في لحظته واستهدافه، فهي بوسائلها الذكية استطاعت أن تعزل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عن العالم لأنه لم يتجرأ على استخدام هاتف ذكي وغير ذكي وحتى التلفاز والحاسوب والتجأ إلى الوسائل البدائية في نقل المعلومة وبشكل سري عن طريق الأفراد مما أدى إلى شلل في حركته حتى القضاء عليه نهائياً، وحذت حذوها إسرائيل في الشرق الأوسط واستخدمت الوسائل الذكية وإتباع طرق الحرب الإلكترونية ضد خصومها في المنطقة، وحتى الآن لم تفصح إسرائيل عن طريقة اغتيال رئيس حركة حماس إسماعيل هنية في طهران. هل كانت بطائرة مسيّرة أو صاروخ ذكي عابر من إسرائيل إلى طهران أو عبوة لاصقة؟ لا أحد يعلم وهذا ما يرعب الخصم لإنه يتم استهداف الرؤوس الكبيرة وبعدها يتم شل حركة المنظمة المستهدفة».
يردف ملكي: «ان الرعب الأكبر الذي استهدف به حزب الله عبر تفجير أجهزة البيجر في خواصر وجيوب وأيادي قيادات حزب الله وقتل العشرات وجرح المئات وإحداث عاهات دائمة عند العديد منهم، ولم يتم التأكد حتى الآن بأية آلية تم تفجير هذه الأجهزة، وكل ما نعلمه إنه تم شراء هذه الأجهزة من الصين بوساطة إيرانية ثم نقلت إلى حزب الله، ولكن الأمريكان والإسرائيليين كان لديهم الخبر اليقين وتم التدخل في التوقيت المناسب، مع العلم إن حزب الله كان قد أنشأ شبكة اتصالات خاص بها في لبنان، ولم تسلم قياداتها واستخدم الأجهزة اللاسلكية وأخيراً أستخدم الأجهزة المسماة (بيجر) وهو جهاز قديم يرسل فقط رسائل نصية، استخدمت في سبعينيات القرن الماضي في الشركات ودوائر الأمن وغيرها لنقل الخبر بالسرعة الكافية، ولم يسلم قيادات حزب الله، إذ تم تفجير هذه الأجهزة، وحتى الآن لا يوجد الخبر اليقين في آلية التفجير. وبذلك انقطعت السبل أمام حزب الله من ناحية الاتصالات، وأصبح معزولاً عن العالم الخارجي، ويصبح الآن اصطياده سهلاً. إن هذه التقنيات غيّرت حتى مفهوم التجسس الكلاسيكي الذي كانت تستخدمه الدول ودوائر الأمن في العالم فالمعلومة تصل إلى رأس الهرم قبل وصولها إلى الإدارة المعنية.
ما يجري في المنطقة من استهدافات لحركة حماس وحزب الله والمليشيات الإيرانية في سوريا هي بعلم الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تستطيع إسرائيل وحدها أن تدير دفّة الصراع، وتريد أمريكا أن تسمع العالم بأكمله على قدراتها الخارقة حتى لا يغامر أحداً ويتورط. فهي تهدد الدول والأفراد معاً طالما هم على اتصال مع العالم الخارجي، وتؤسس لفكرة فرض إرادتها على أذهان أصحاب القرار وترعب من يغرد خارج سربها».
يتخم ملكي: «ان الوضع السوري ليس بمنأى عن هذه الإشارات شبه الكونية التي تطلقها الإدارة الأمريكية، فالنظام البراغماتي في سوريا مستعد أن يضحّي بكل شيء مقابل حماية نفسه وعائلته ونظامه وديمومة استمراريته، ويقبل ما تمليه الإدارة الأمريكية، وهي الوقوف على الحياد من ضرب حزب الله وطرد المليشيات الإيرانية من سوريا، والخضوع للرغبة الأمريكية في توقيت تطبيق القرارات الأممية.
لا شك إن شعوب المنطقة سوف تعاني من آلام المخاض عقب فترة طويلة من سيطرة العقلية الدكتاتورية، والتي كانت محمية في فترة الحرب الباردة وما تلاها، ولا تكون التغيرات بالسهولة المأمولة، ويعقب كل تحول آلام يعاني منها الشعب من نقصٍ في الغذاء والدواء ووسائل العيش وفقدان الأمن والقانون طيلة فترة اكتمال المخططات.