صراعات شرق أوسطية وسيناريوهات جديدة تدق أبواب التغيير

صراعات شرق أوسطية وسيناريوهات جديدة تدق أبواب التغيير

عزالدين ملا

يبدو أن وجهة الصراع في منطقة الشرق الأوسط باتت تتحوّل في اتجاهات أخرى، وسيناريوهات جديدة، يظهر هذا بشكل واضح في حرب روسيا وأوكرانيا، وكيف تغيّرت موازين الحرب، في وقت كانت روسيا مسيطرة على كامل خيوطها.
الآن نجد أن أوكرانيا غيّرت مجرى الحرب من ساحتها إلى عمق الساحة الاستراتيجية الروسية.
في المقابل، كيف كانت تهديدات إيران ضد إسرائيل على خلفية مقتل إسماعيل هنية رئيس حركة حماس، فأصبحت ترواغ في تصريحاتها بشن أي هجوم انتقامي، هذا يعني أنها غير قادرة، ولكن السؤال، كيف يمكنها حفظ ماء وجهها أمام شعبها وأدواتها للتغطية في عدم تنفيذ تهديدها.
بين هذا وذاك، يبقى الكورد تحت خط النار، وخاصة إقليم كوردستان ومناطق غرب كوردستان، في تنفيذ أي عملية انتقامية ضد إسرائيل، لأنهم لا يهددون مصالحها في المنطقة.
1- ما تفسيرك لكل ما يجري الآن على الساحة الإقليمية والدولية، سياسياً وعسكرياً؟
2- لماذا يتم استهداف الكورد في أي عملية انتقامية لإيران ضد إسرائيل؟
3- لماذا لا تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية والغرب إزاء هذه التهديدات ضد الكورد وخاصة إقليم كوردستان، رغم وجود اتفاقيات أمنية وعسكرية مع إقليم كوردستان؟
4- كيف ترى مستقبل المنطقة عامة والكورد على وجه الخصوص؟

تزايد التوتر في منطقة الشرق الأوسط والخوف من اتساع رقعة المواجهات
تحدث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، محمد علي إبراهيم لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «مرَّت الساحة الدولية والإقليمية منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية بصراعات عديدة في جميع أنحاء العالم، وبعد الحرب العالمية الثانية تحول إلى صراع استراتيجي بين قطبين رئيسيين المنظومة الاشتراكية والمنظومة الرأسمالية، وهكذا ترسّخ الصراع، وانقسم بموجبه العالم إلى معسكرين، وبدأت مرحلة لي الأذرع وأحيانًا مواجهات بالوكالة بين القطبين الشرقي بقيادة السوفييت والغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لغاية انهيار الاتحاد السوفييتي، وفيما بعد مرت مرحلة جديدة من التطوُّرات، برز على السطح وريث الدولة السوفيتية بقيادة بوتين وبقوة لا يستهان به محاولا استرجاع قوة روسيا السابقة كدولة عظمى على سابقة عهدها، ومن جانب آخر كان الأمريكان لهم بالمرصاد حتى أوقع بهم في الفخ قبل سنتين في أوكرانيا لإشعال حرب لها بداية وليس لها نهاية، لاستنزاف طاقة الروس بالحرب في أوكرانيا، وادخال الدول الأوروبية في هذه المعركة، والتي كانت لها تداعيات على مجمل الاوضاع في العالم وعلى منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، وتتزايد وتيرة صراع المصالح بين دول التحالف الدولي بقيادة أمريكا من جهة وروسيا وإيران وتوابعهما من جهة أخرى في المنطقة».
يتابع إبراهيم: «وما الحرب الدائرة في غزة منذ ما يقارب الشهر العاشر من بدايتها إلا نتيجة الحرب بالوكالة بين الدول المذكورة سابقًا، وخاصة دخول إيران على الخط الساخن مع حركة حماس التي قدمت الحجج لإسرائيل لإطالة أمد الحرب ودمار المدن الفلسطينية، ناهيك عن إرباك المواقف الفلسطينية للخروج من هذه الأزمة، وإيجاد حلول ممكنة لها، إلا أن إيران لا ترغب في ذلك، مما أدى إلى تفاوت بين المواقف حتى في قيادة حماس. وازداد الوضع تعقيدا بعد استهداف القيادي البارز في حماس إسماعيل هنية وقيادات ميدانية أخرى وإيران تعلن الرد للهجمات الإسرائيلية. كما هو معهود في سياستها بردودها المعروفة السابقة إما ان تقصف مناطق بعيدة كل البعد عن إسرائيل كما حدث بقصفها الهمجي على عاصمة إقليم كوردستان في أربيل واستشهاد مدنيين، وبعد استهداف هنية منذ أسبوعين وإيران تعلن التهديد والوعيد بالرد عل شاكلة سابقاتها من التهديدات».
يشير إبراهيم: «إلى إن جميع الدول والقوى في العالم تبحث عن مصالحها، والولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر قوة ويتزايد مصلحتها طرداً مع قوتها، وفي أكثر الأحيان تهمل أصدقاءها عندما ترى مصالحها في اتجاه آخر وهذا ما حدث في اكثر من موقع في افغانستان، ومع دول الخليج وفي مقدمتهم السعودية التي مرت بفترة من الركود في علاقاتها، وخاصة اثناء حرب اليمن، وضغوطات الحوثيين على المملكة.
يتابع إبراهيم: «يتزايد التوتر في منطقة الشرق الأوسط من اتساع رقعة المواجهات المباشرة سيما بعد حرب غزة التي طالت أكثر من عشرة اشهر، وتطاير نيرانها إلى جنوب لبنان حيث حزب الله وتهديداته المستمرة، بالتوازي مع سياسة إيران التي باتت واضحة في إقحامها حركة حماس في حرب غير متكافئة، كانت لها تداعيات خطيرة جدا على مستوى المنطقة والعالم، ونتجت عنها تكثيف تواجد الأساطيل البحرية وحاملات الطائرات الحربية، وجهوزية دول التحالف لأي تحول في المشهد، ومن جهته تطلق إيران فرقعاتها باتجاه إسرائيل ما ينذر ظاهريا باستنفار قواها العسكرية لذر الرماد في العيون، والتي لم تستطع حماية ضيفها أبرز قيادات حماس إسماعيل هنية في عقر دارهم في العاصمة طهران، ناهيك عن خبايا الأمور التي تدار من وراء الكواليس، التي تدار بإرادة القوى الفاعلة في السياسة الدولية عامة وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، وهذه المواجهات والصراعات يلقي بظلاله على الوضع السوري المأزوم وتعقيدات معادلتها على الجغرافيا السورية وتقسيمها على مناطق النفوذ، وضمن هذه الأوضاع المعقدة والتداخلات الإقليمية والدولية من جهة والوضع الكوردي الداخلي المنقسم على نفسه بسبب التعنت والرفض من قبل pyd من خلال ممارساته الترهيبية على أحزاب المجلس الوطني الكوردي، ونسف الاتفاقيات التي كانت تهدف إلى وحدة الموقف الكوردي حيال جميع القضايا وخاصة حقوق الشعب الكوردي المشروعة على أرضه التاريخية، ضمن سوريا ديمقراطية تعددية تعترف بحقوق الشعب الكوردي دستوريا، ويتم ذلك بالعمل انطلاقاً من وحدة الموقف الكوردي بالتنسيق مع قوى المعارضة الوطنية السورية لبناء دولة مبنية على الشراكة الوطنية الحقيقية، وكسب مواقف الدول ذات الصلة بالوضع السوري وفق القرارات الأممية وبموجب قرار جنيف ٢٢٥٤ التي تم التوافق عليه من قبل كافة الأطراف المحلية السورية والإقليمية والدولية».

المشهد معقد يصعب التكهن بمجريات الأحداث وتطورها
تحدث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، شيركوه كنعان عكيد لصحيفة «كوردستان»، بالقول: ‎«في خضم الأحداث المتلاحقة والمتشابكة التي تجري اليوم في العالم والمنطقة، فانه يصعب على أي محلل سياسي أن يفسرها بشكل صحيح، دقيق وموثوق، فالمشهد معقد بصورة يصعب فيها التكهن بمجريات الأحداث وتطورها، فربّ حادثة تقع هنا او هناك في ظلّ هذا التهافت الدؤوب من قبل الدول الكبرى على التحكم والسيطرة، قد تقلب الأوضاع رأسا على عقب. فالأجندات الخفية للدول الكبرى المتنافسة على حلبة الصراع الدولية والإقليمية من أجل بسط نفوذها على الموارد هي في الواقع أكثر بكثير من أجنداتها المكشوفة، لكننا ربما نتفق على مسألة عايشناها جميعا في السنوات التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي، إلا وهي هيمنة الولايات المتحدة بشكل شبه مطلق على العالم لفترة من الزمن.
‎يبدو في الوقت الراهن ان التنين الصيني الذي حذر نابليون أولا، ثم كيسينجر لاحقا من استيقاظه قائلا: (أحذروا من ذلك التنين النائم، لأنه ان استيقظ فسوف يبتلع العالم) قد استيقظ أخيرا وهو على وشك ان يبتلع العالم، الأمر الذي ساهم في تقويض زعامة الولايات المتحدة للعالم إلى حد بعيد، الأمر الذي سيجعل الولايات المتحدة تضاعف من نشاطها من أجل كسب المزيد من مناطق النفوذ والولاءات، خاصة عند شروع الصين في بناء مشروعها العملاق المسمى بـ (الحزام والطريق) والذي سيجعلها تتحكم بأكثر الطرق حيوية في العالم، وسيمنحها منفذا إلى كثير من الدول التي ستجني بعضا من ثماره، وبالتالي رغبة تلك الدول في توثيق العلاقات والروابط السياسية والاقتصادية بالطبع مع الدولة القائمة على هذا المشروع العملاق والذي ترى فيه الولايات المتحدة تهديدا جديا لمصالحها الاقتصادية في العالم والمنطقة وهو هنا التنين الصيني.
‎كما وان دخول الدب الروسي من جهة أخرى إلى حلبة التنافس مع الكبار بعد فترة سبات، وبعد ان شحذ مخالبه، وأنيابه جيدا، قد ترك أثره الكبير في تبديل موازين القوى، الأمر الذي نشهد اليوم تداعياته على كامل منطقة الشرق الأوسط وفي أرجاء مختلفة من العالم بما فيها القارة الأفريقية التي طالها النفوذ الصيني والروسي معا، وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا والذي أغرق العالم برمته في جملة من المصاعب الاقتصادية والأزمات السياسية والتوترات العسكرية، والتي لا يستبعد أن توصل بالناتو ودول كثيرة أخرى إلى حافة المواجهة المباشرة مع القيصر الروسي المشاكس.
‎أما فيما يخص التوغل الأوكراني مؤخرا فإنني لا اتفق مع الرأي القائل بأن أوكرانيا قد قلبت موازين القوى فعلا بتوغلها المندفع في الأراضي الروسية، بل أراه فخا تكتيكيا نصبته روسيا من أجل إظهار نفسها أمام المجتمع الدولي بانها في موقع الضحية بعد أن كان جليا أنها هي الجانية منذ البداية، الأمر الذي قد يضمن لبوتين تأييدا أكبر من شعبه المتذمر وتأييدا ودعما اقل من دول الغرب، بينما لم يتوقف جيشه في هذه الأثناء عن احتلال مساحات اكبر من الأرض الأوكرانية مستغلا انشغال اوكرانيا بتوغلها المحدود (إلى الحد المسموح به) في الجغرافيا الروسية. فالعالم يمر اليوم بمرحلة تحول دراماتيكي يختلف عن المراحل السابقة بوصفه صراعا متعدد المحاور والجبهات من اجل السيطرة وبوتيرة متسارعة على اكبر قدر من الموارد ومناطق النفوذ. هذا التحول هو ما نشهد تبعاته اليوم دوليا وإقليميا على حد سواء من اضطرابات وحروب داخلية وخارجية. تتسم معظمها بانها حروب بالوكالة تقوم بها جهات في خدمة مصالح هذا الطرف أو ذاك، بالرغم من أنها لن تؤدي بالمحصلة النهائية إلى أي تغيير فعلي على الخارطة الجيوسياسية للمنطقة، لكنها قد تفضي مع ذلك إلى بعض التعديلات الجزئية الطفيفة عليها من حيث الولاءات والتحالفات مثلا أو من حيث حلحلة بعض المشاكل البينية وتقاطع المصالح بين عدة أطراف».
يتابع عكيد: «تتذرع إيران وبشكل مثير للشفقة بان إقليم كوردستان تربطه علاقات وثيقة مع اسرائيل وتتهمه بالتعامل معها، ولذلك فأنها تتوهم وتوهم شعبها أولا، ان استهداف كوردستان المسالمة، هو وسيلة انتقام من إسرائيل وانها بذلك ترد الصاع صاعين. والحقيقة الصارخة هي أن إيران التي لا تجرُؤ على مواجهة اسرائيل أو أمريكا بشكل مباشر، لذلك فإنها تستخدم أذرعها وذيولها في المنطقة للقيام بهذه المهام، وان قامت بذلك بنفسها إنقاذا لماء وجهها، فإنها تستهدف حلفاء أمريكا الأقرب لها حدوديا، بغرض ايصال رسائل غير مباشرة إلى خصومها وما أكثرهم، تهدف إلى اظهار قدرتها الصاروخية، وكذلك لترهيب المعارضة الداخلية بإظهار قدرتها القمعية، خاصة وانها تدرك تماما ان حكومة بغداد لن تحرك ساكنا كالعادة بسبب استهدافها للإقليم. والذي تعرض بالفعل للعديد من الهجمات الارهابية الغادرة التي قامت بها إيران.
‎يشير عكيد: «إلى ان الولايات المتحدة ورغم خلافها الظاهر مع إيران، إلا أنها لا تريد ان تقطع شعرة معاوية بدخولها في مواجهة مع إيران لصالح الكورد أو غيرهم، لأنها تحاول جاهدة عدم الدخول في صراعات جديدة على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين والذين ضاقوا ذرعا من الحروب المستمرة هنا وهناك، ولذلك فان الإدارة الاميركية الحالية تحبذ معاقبة إيران بالطرق الأخرى المتاحة كفرض العقوبات الاقتصادية وممارسة الضغوط الديبلوماسية وحرمانها من التصرف بمواردها، بالإضافة إلى انها تدرك جيدا ان إيران مستعدة لأن ترتمي في أي حضن من يمنحها الحماية والاستمرارية سواء أكان صينياً أم روسياً أو حتى هنديا، وهذا ما لا تريده الولايات المتحدة على الإطلاق. لكنها أي الولايات المتحدة تحاول من جهة أخرى تمكين إقليم كوردستان من تعزيز دفاعاته، كما انها تقوم بالإغارة على قواعد الإرهاب الحشدي التابعة لإيران كلما تعرضت قواعدها لهجوم من قبل الحشد الإيراني في العراق وان بالحد الأدنى.
‎يضيف عكيد: ‎«كما اسلفت فان المستقبل في منظورنا القريب لا ينطوي على تغييرات سياسية وعسكرية حاسمة في المنطقة عامة وان الوضع سيستمر على ما هو عليه إذا ما استثنينا حالة زوال حماس من المشهد الفلسطيني.
وتشهد المنطقة جنوح بعض الدول العربية إلى السلام مع اسرائيل وبنفس الوقت إعادة العلاقات مع النظام السوري شبه المنهار، كما ومساهمة بعض الدول الغربية في إعادة تعويمه الأمر الذي أجهض الأمل في تنفيذ قرارات مجلس الأمن وفي مقدمتها القرار رقم 2254 وسيبقى الوضع السوري على ما هو عليه ريثما تصل الدول التي تتقاسم السيطرة على الأرض السورية (الولايات المتحدة، روسيا، إيران وتركيا) إلى حلول تفضي إلى تغيير شكل الأزمة دون حلها جذريا. وقد يلعب التقارب التركي السوري ان حصل، دور المحرك الرئيس في تدوير عجلة التفاوض من أجل ايجاد حل للأزمة السورية رغم ان ذلك الحل لن يكون مرضيا بالكامل لأي طرف من أطراف الأزمة وعناصرها».
‎يختم عكيد: «ان مستقبل الكورد بشكل عام، رهن بالتطورات والتغيرات السياسية الداخلية في الدول التي تتقاسم كوردستان، ولعل اهم ما يمكن التعويل عليه هنا هو مدى دعم القوى العالمية والإقليمية للكورد، سواء من حيث الاعتراف بحقوقهم أو من خلال دعمهم في تحقيق حقوقهم المشروعة وعلى مدى تماسك ووحدة الصف الكوردي، فالصورة بالنسبة لغرب كوردستان مثلا تبدو قاتمة إلى حد بعيد نظرا لحالة التشرذم والترهل والانقسام التي تعانيها الحركة السياسية الكوردية، بالإضافة إلى غياب أية حلول في المدى المنظور، فالمشكلة الكوردية هي جزء أصيل من المشكلة السورية ككل، وأوضاع شعبنا تخضع للمؤثرات والظروف التي تعيشها المنطقة ككل. المشكلة الكوردية في هذا الجزء هي من أكثر المشاكل تعقيدا، نظرا لكثرة اللاعبين المؤثرين في مسار الأحداث وشدة التجاذبات السياسية بين أولئك اللاعبين. أما مستقبل الإدارة الذاتية فهو رهن التفاهمات مع النظام السوري والأطراف المؤثرة مثل روسيا والولايات المتحدة ورهن بمخرجات التقارب السوري التركي. في كوردستان الشرقية يتضح بان الحكومة الإيرانية ستستمر في الضغط على الحركة الكوردية هناك وتستمر في رفضها لأية مطالب للكورد مهما كانت محقة، ويبدو ان الحل الوحيد يتمثل في الاطاحة بالنظام الحالي نتيجة ثورة شعبية عارمة. في كوردستان الشمالية لا تزال بعض القوى الكوردية تحاول ان تجد مدخلا للحوار مع الدولة التركية وطرح حلول واقعية للمشكلة الكوردية وحلها بالطرق السلمية، ويبدو ان جهودهم لم تتكلل بالنجاح بعد. وأخوتنا في إقليم كوردستان يتمتعون بعوامل كثيرة تجعلهم نموذجا رائدا في المنطقة، فبالرغم من كل التحديات والمخاطر الداخلية والخارجية، فان وجود الحزب الديموقراطي الكوردستاني والقيادة الرشيدة، والحنكة الديبلوماسية التي تمتاز بها تلك القيادة، بالإضافة إلى القوة العسكرية والنمو الاقتصادي، كل هذه العوامل كفيلة بمنحهم مستقبلا أكثر اشراقا، طالما يستطيعون الحفاظ على وحدة الصف، وطالما استمروا في تنمية قدراتهم ومواردهم واستثمارها على النحو السليم كما يفعلون اليوم. وكل ذلك سينعكس بشكل ايجابي على الكوردستانيين في الأجزاء الأخرى من كوردستان ايضا، ويدعم نضالهم من أجل تحقيق مطالبهم وطموحاتهم القومية».

توازن القوى والتركيز على أنماط التفاعلات السياسية
تحدث رئيس التيار السوري الإصلاحي، شكري شيخاني لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «ان مستوى النظام الدولي الذي يركز على أنماط التفاعلات الدولية بين الدول العظمى والكبرى على مستوى قمة النظام، والذي شهد عدة نماذج مثل توازن القوى، والثنائية القطبية، والأحادية القطبية، والتعددية القطبية. ومستوى النظام الإقليمي الذي يركز على أنماط التفاعلات السياسية في إطار إقليم مُعين بعينه. ومستوى سلوك الوحدات المكونة للنظام الدولي والتي تشمل الدول والفاعلين من غيرها. أغلبية الدول ووحدات النظام الدولي تنطلق في سلوكها الخارجي من محددات ومصالح إقليمية، وفي إطار تفاعلها مع الوحدات الأخرى أعضاء الاقليم. كما ارتبط به مفهوم الأمن الإقليمي الذي أصبح له نظرياته ودارسوه، ظهر في هذا السياق، مفهوما القوى الإقليمية والهيمنة الإقليمية، ويقصد بالأول الدول التي تمتلك أدوات التأثير والنفوذ في داخل النظام بما يعطيها دورا قياديا في توجيه سلوك الأطراف الأخرى داخل النظام، أما الهيمنة الإقليمية فتحدث عندما تسعى تلك القوة إلى فرض رغباتها بأدوات القوة الخشنة عليهم».
يضيف شيخاني: «هنا لا بد أن نقرأ جيد الملف الإيراني الإسرائيلي من خلال الملف السوري وبالتالي الكورد في هذا الموضوع والواقع السوري وآفاق مستقبل الكورد في سوريا حتى نصل لماذا يتم استهداف الكورد مباشرة أو غير مباشرة. فالوضع في سوريا، والذي يمتد عبر عقد من الزمن معمداً بدماء الأبرياء وأحلام الملايين، يظل موضع تحليل ونقاش مستمر. الحرب التي اندلعت في 2011 أخذت بُعداً متعدد الأطياف، فتشابكت فيها الأيديولوجيات، وتقاطعت مصالح القوى الإقليمية والدولية، وتعقدت بمعاناة الشعب السوري الذي وجد نفسه وسط هذه المعمعة. في هذا السياق، يبرز الوضع الكوردي في سوريا كأحد أبرز النقاط التي تستحق الفحص والتأمل العميق، نظراً لما يمثله الكورد من ثقل ديموغرافي وجيوسياسي. أولاً، يجب التأكيد على أن الشعب الكوردي في سوريا ليس مجرد طرف في الصراع، بل هو مكون أساسي من مكونات النسيج الاجتماعي السوري، يعيش الكورد في مناطق جغرافية حيوية، ولهم تاريخ طويل من المطالبة بحقوقهم الثقافية والسياسية، التي كانت محرومة في كثير من الأحيان تحت مختلف الإدارات السورية. والتحدي الرئيسي الذي يواجه الكورد السوريين اليوم هو تحدي الاعتراف السياسي. على الرغم من إسهاماتهم في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجهودهم في استقرار المنطقة، لا يزال هناك تردد دولي وإقليمي في الاعتراف الرسمي بالإدارة الذاتية. الدول المجاورة، مثل تركيا، تعارض بشدة توسع النفوذ الكوردي على حدودها، خوفاً من تأثيره على كوردها الخاصين. من جهة أخرى، النظام السوري يرى في الحكم الذاتي تهديداً لسيادته ووحدة أراضي الدولة السورية، في حين تظل المواقف الدولية، خاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، متأرجحة بين الدعم التكتيكي والحذر الاستراتيجي».
يتابع شيخاني: إما أن الولايات المتحدة تراوغ في سياساتها الشرق أوسطية إن كان ما يخص اقليم كوردستان أو روج افايي كوردستان ومن خلال تعاملها بالملفات الإيرانية والتركية والسورية والداعشية، وإما أننا نحن مصنفون بخانة البسطاء لأننا نصدق مثل هذه السياسات، وهذا ما يدعوني للقول أيضا، بأن سياسة التأرجحات التي تعتمدها الولايات المتحدة في مختلف الملفات العالقة، سوف يؤدي إلى سوء الفهم وعدم الارتياح اقليميا ودوليا، مما ينتج عن ذلك قلق وتوتر وصراعات خفية. لا أفهم كيف أن الولايات المتحدة تغض الطرف عن اجتياح تركيا لعفرين منذ العام 2018، وما تلاها من اجتياحات متعاقبة للعديد من القرى والبلدات على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، عقب الانتهاكات التركية لسيادة الارض السورية في اكتوبر 2019، أعود للقول بأن هذه الضبابية المقلقة في التعامل تعطي أكثر من إشارة انه هناك تنسيق وتوافق بين تركيا والولايات المتحدة وهذا أمر ليس لنا الحق بنقاشه فيما يخص المصالح القومية للدولتين. ولنعترف أيضا أن الولايات المتحدة لن تفرط بعلاقتها مع تركيا كرمى لسواد عيوننا، ومن الواضح أيضا أن الولايات المتحدة من الممكن أن تتنازل عن علاقتها مع كل العرب والكرد والارمن وووو مجتمعين كانوا أم منفردين ولكنها لن تفرط بعلاقتها مع تركيا. وهذه حقيقة يجب ان نعرفها جيدا ونتفهمها. فكيف الحال معنا نحن الكورد؟؟. وفي موضوع حماية المصلحة القومية العليا للولايات المتحدة، هنا تكون السياسة الامريكية واضحة كل الوضوح، وأيضا لا نستطيع الطلب من الولايات المتحدة طرد تركيا من حلف الناتو، وإغلاق القواعد الاطلسية والامريكية المتواجدة على الاراضي التركية، فهي مخفر الشرطة المتقدم للولايات المتحدة تجاه روسيا. فالمصالح الامريكية والتركية أقوى بكثير مما نظن».
يردف شيخاني: «منذ صدور الكتاب، السياسات الدولية للإقليم وبعده السياسة الإقليمية والنظام الدولي، الذي ناقشا فيه الجدل بين العالمية والإقليمية، أصبحت الدراسات الإقليمية أحد موضوعات حقل العلاقات الدولية، وتبلور التمييز بين ثلاث، مستويات للتحليل: مستوى النظام الدولي الذي يركز على أنماط التفاعلات الدولية بين الدول العظمى والكبرى على مستوى عند قمة النظام، والذي شهد عدة نماذج مثل توازن القوى، والثنائية القطبية، والأحادية القطبية، والتعددية القطبية. ومستوى النظام الإقليمي الذي يركز على أنماط التفاعلات السياسية في إطار إقليم مُعين بعينه. ومستوى سلوك الوحدات المكونة للنظام الدولي والتي تشمل الدول والفاعلين من غيرها. وما يهمنا في هذا المجال هو مستوى النظام الإقليمي، وهو من الضرورة بمكان ان نبحث أهمية دراسة الأقاليم والعلاقات والتفاعلات التي تتم في إطارها، تحت اسم النظام الإقليمي، وأنا أرى ان المنطقة المحيطة بنا هي في طريقها إلى التقسيم الثلاثي أو الرباعي، ومحيطة بنا أقصد الشرق الاوسط من السعودية إلى السودان إلى سوريا الى العراق وليبيا وحتى لبنان. وحسب قراءاتي ستكون الفرصة مؤاتية لقيام دول أخرى، فالعالم ينتظر منذ مقتل هنية الرد الايراني ورد الفعل الاسرائيلي، وننظر بعين القلق للتغيرات الحاصلة في الحرب الروسية الاوكرانية وانغماس روسيا اكثر فاكثر في المستنقع الأوكراني، ولازالت التوترات على الحدود الاسرائيلية الفلسطينية على اشدها بل وتزداد كل يوم، هنا وبكل صراحة المطلوب من الكورد توحيد صفوفهم قولا وفعلا، التنبه إلى كل هذه المجريات والمعطيات، والخروج بشيء مشرف للأجيال الكوردية القادمة».