سوريا والانتخابات والحاجة إلى ظروف ذاتية وموضوعية ملائمة

سوريا والانتخابات والحاجة إلى ظروف ذاتية وموضوعية ملائمة

عزالدين ملا

يسير الوضع السوري وفق تناقضات سياسية واقتصادية وحتى عسكرية، فمن جهة، الدول الكبرى تتحرك في سوريا باتجاه الحل السياسي والانتقال إلى التعافي المبكر هذا ما يظهر في تصريحات مسؤوليها، ومن جهة أخرى تدفع بالمنطقة عامة وسوريا على وجه الخصوص إلى حالة عدم الاستقرار من خلال الدفع بأدواتها على الأرض إلى خلق توتر وفوضى، والشعب هو الضحية، وهو من يدفع الضريبة.
النظام يروج في هذا العام لإجراء انتخابات مجلس الشعب، ويطلب من (الإدارة الذاتية) بزيارة وفد يمثلها إلى دمشق، وفي المقابل إعلان الإدارة الذاتية إجراء انتخابات المجالس البلدية من طرف واحد، وفي ظروف غير ملائمة، هذا ما أكدته السفارة الأمريكية في بيان، "أن هذه الانتخابات تأتي في ظروف غير ملائمة ولا تمثل كافة أطراف المنطقة"، في وقت تطالب أمريكا الطرفين الكورديين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات واستئناف الحوار الكوردي الكوردي.
1- ما تحليلك لكل ما يجري الآن على الساحة السورية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا؟
2- كيف تفسر غاية ب ي د من إجراء هذه الانتخابات؟ وهل تفعل هذا بإرادته أم هناك من يدفعه بهذا الاتجاه؟
3- برأيك، إن جرت هذه الانتخابات، ما العواقب السياسية والعسكرية التي ستُفرضْ على المنطقة؟
4- ما المطلوب من الحركة السياسية الكوردية في هذه المرحلة الحساسة للخروج من عنق الزجاج بأقل الخسائر؟

الانتخابات .. والظروف الموضوعية غير مواتية
تحدث عضو المكتب السياسي ومسؤول الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، بشار أمين لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «من قراءة متأنية للوضع السوري يمكن الاستنتاج أن الجانب السياسي بشكل عام يسير بين تناقض حينًا وتوافق أحيانًا في العلاقات الدولية والإقليمية على حدّ سواء، فمن ناحية التناقض كلّ طرف يخدم مصالحه، وهي لاشك تتعارض أو تتباين، ومن ناحية التوافق أعتقد لا احد يرفض الحل السياسي للأزمة السورية، ولا أحد يطلب الحل - علنا - خارج القرارات الدولية ولاسيما القرار 2254 هذا بشكل عام، لكن لكل وجهة نظره في الحل أو سبيله نحو الحل المنشود، ثم لكل طرف تفسيره لكيفية تطبيق القرار الدولي المذكور، حيث الغرب وأمريكا يرى أن التفاوض بين الحكومة والمعارضة بموجب هذا القرار هو لانتقال السلطة ليس إلا، بينما الجانب الروسي وحلفاء النظام يرى أن مجرد التفاوض يعني شراكة الطرفين أو أن لكل طرف حقه في سوريا المستقبل، وعليه يبقى الوضع السياسي السوري مستمراً بين التعارض والتوافق، وتظل الأزمة في حدّتها مستمرة بين التخفيف والتشدد.
إلا ان المشهد السياسي في الآونة الأخيرة يشير بوضوح الى بعض قضايا التوافق الدولي منها: الأطراف المعنية "امريكا اوروبا روسيا.." مع حل الأزمة كما ذكرنا، وهي متفقة على استبعاد الإسلام السياسي عن الحل المنشود، ومتفقة أيضًا على وحدة الأراضي السورية وسيادتها، ولا أحد يرفض اللامركزية في نظام حكم سوريا المستقبل، وهناك قضايا قيد الدراسة والمناقشة بمعنى لم يتم الاتفاق النهائي عليها منها: بقاء النظام من عدمه، حيث روسيا تبغي بقاء النظام مع تعديلات في الوضع الأمني والعسكري، ومشاركة قوى المعارضة العلمانية في السلطة، بينما الغرب وأمريكا ترفض بقاء النظام في سوريا المستقبل، وإن بقي يكون بشكل مؤقت ريثما يتم تأمين البديل العلماني، او انهاء النظام على مراحل.
وهناك قضايا ينبغي حلها كتمهيد نحو حل الأزمة السورية، منها التواجد الإيراني في المنطقة وسوريا، ما يتطلب إخراجها كمقدمة لأي حل - بحسب امريكا واسرائيل - ثم حزب الله ودوره السلبي في الحل، ما ينبغي الحد من هذا الدور، ومن ثم القوى الإسلامية الأخرى مثل داعش وحماس والجهاد الإسلامي وجبهة النصرة " هيئة تحرير الشام ".
عموماً تبقى الأزمة مستمرة ومتأرجحة بين المدّ والجزر، أو أنها قد تلقى صعوبات في سبيل حلها، وهناك من يؤكد أن حل الأزمة الفلسطينية بعد أحداث غزة قد تأخذ الصدارة في اهتمامات المجتمع الدولي، وحلها قد يمهد لحل الأزمة السورية أيضًا ولعموم أزمات المنطقة " لبنان، العراق، اليمن ..الخ" وعليه يبقى الوضع السوري عالقاً لحين آخر ويظل الشعب السوري بمكوناته وفي عموم مناطقه يعاني قساوة الحياة سياسيا وأمنيا واقتصاديا وحتى معيشيا».
يتابع أمين: «إن ما يجري على الأرض السورية هو صراع مصالح سياسية واقتصادية، سواءً في الجانب الدولي أو الجانب الإقليمي وكل حسب أجنداته ومراميه، يكمن ذلك في بقاء القوات الأجنبية على الساحة السورية، " الروسية، الأمريكية، التركية، الإيرانية، إلى جانب الميليشيات الأخرى منها حزب الله اللبناني" ما يعني أن الصراع قائم حتى عسكرياً، ويبقى الشعب السوري تحت التهديد والقلق أمنياً وسياسياً واقتصادياً، ومع كل هذا والنظام لا يبالي بل هو عازم على إجراء انتخابات "مجلس الشعب" وكأن شيئًا لم يكن، أو كأن هذا الوضع يخدم توجّهاته واستمرار ديمومته، في حين يرى المجتمع الدولي أن إجراء الانتخابات كهذه ينبغي ان تخدم الحل السياسي أو أنها جانب هام من ذاك الحل، ما يعني أن الانتخابات في هذا الظرف يزيد الوضع سوءا».
يضيف أمين: «هكذا إدارة " ب ي د " العازمة على إجراء انتخابات البلديات، هي الأخرى تعبر عن عجزها عن تقدير الظروف ومجرياتها، متناسية أن منطقة انتخاباتها تحت التهديد المباشر من تركيا، وقد تكون بالتوافق مع النظام السوري هذه المرة، حيث النظام يدعو هذه الإدارة إلى قبول توجهاتها، وإن لم تستجب فهي عرضة للضربات التركية، بمعنى آخر حري بالإدارة العتيدة أن تبحث لها عن مخرج مناسب بدل تلك الانتخابات التي لا تلقى القبول من عدد من الجهات " امريكا، تركيا، النظام .." ثم أن الظروف الموضوعية غير مواتية لها، وما تأجيلها إلى شهرين " أي شهر آب " إلا خطوة في الاتجاه الصحيح بغية أخذ فسحة من التفكير والتأمل العميق ومن ثم الإقرار إما بالاستمرار أو التأجيل إلى أجل غير مسمى، أو حتى تكتمل شروط إجرائها».
يشير أمين: «لو جرت انتخابات إدارة "ب ي د" دون الأخذ في الحسبان النتائج والعواقب فإنها قد تكون أشبه بمغامرة سياسية – عسكرية، وقد تعرّض المنطقة برمّتها لكارثة حقيقية، وبالتالي تكون الانتخابات غير مرحب فيها لا من قبل الجماهير ولا القوى والأطراف السياسية المحلية ولا الدولية وخصوصًا أمريكا، وبالتالي تكون فاشلة بامتياز، ناهيك عن أنها قد تجرُّ الويلات على المنطقة كما ذكرنا أعلاه، وعليه ندعو الجهة المعنية الى التروي والتشاور بعمق ومن ثم الاقرار بما ينبغي وما يفيد المنطقة ومستقبلها».
يختم أمين: «إن ما يحصل على أرض الواقع من مجريات الأحداث هي خارجة عن إرادة الحركة السياسية الكردية، وبالتالي تتعارض مع المبادئ السياسية العامة، حيث السياسة الموضوعية هي في حكم الممكنات، ومع ذلك ينبغي أن تبذل قصارى جهدها عبر تضافر الجهود السياسية مع الأصدقاء من أجل تحاشي وقوع المكروه لشعبنا وعرقلة نضاله ونشاطه من أجل قضاياه القومية والوطنية العادلة، وفي هذا السياق ينبغي التواصل مع الأصدقاء والمقربين من أصحاب القرار، ولا ضير حتى من اللقاء المباشر مع الجهات المعنية بغية حماية شعبنا ومنطقتنا، وبالتالي بلدنا من عواقب قد تكون وخيمة على الجميع ودونما اية فائدة مرجوة».

الانتخابات ضرورة ولكن يجب أن تكون في مناخ آمن ومحايد
تحدث القيادي في حركة الإصلاح الكردي في سوريا وعضو هيئة التفاوض، حواس عكيد لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «في الحقيقة لا يوجد أي تقدم في الشأن السوري على الصعيد الدولي سواءً على صعيد الدول المتدخلة والمؤثرة في الشأن السوري بشكل مباشر أو الدول المؤثرة بشكل غير مباشر عن طريق القوة الناعمة إن صح التعبير. لم يطبق شيء من القرار الاممي 2254 حتى الآن، واللجنة الدستورية التي هي جزء من هذا القرار لا يوجد فيها أيُّ تقدم أو تطور على المدى المنظور رغم الجهود التي يقوم بها المبعوث الأممي غير بيدرسون. هذا التهميش للملف السوري يعود الى الصراع الدولي القائم في العالم سواءً حول المسألة الاوكرانية أو الحرب الدائرة في غزة والاستقطابات الناتجة عنها.
ولكن عند التمعن في وجود الدول على الأرض السورية، نجد أن كل منها تحتفظ بمنطقة نفوذ تدير مصالحها من خلالها وكل طرف يدعم القوات المحلية التابعة له يعتمد عليها بمن فيهم النظام الذي يتلقى الدعم من الجانب الروسي والإيراني. مع الأسف الانتهاكات مستمرة في كل الأرض السورية، وتزداد يوماً بعد آخر خاصة في مناطق كوردستان سوريا حيث ترتكب انتهاكات فظيعة وبشكل يومي من قبل الفصائل المسلحة في عفرين وسري كانييه وكري سبي بالإضافة إلى الانتهاكات التي تقوم بها القوات التابعة لـ ب ي د ضد كلّ من يخالفهم في التوجه وخاصة ضد المجلس الوطني الكردي، وبالنسبة الى انتهاكات النظام فهي غنية عن التعريف لأنه سبب كل الفظائع والويلات التي تحل بالشعب السوري، وكذلك مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب التي تخرج ضدها المظاهرات ويتم قمعها بما لا يختلف عن اسلوب النظام ضد المخالفين لهم.
والشيء الوحيد الذي يمكن أن نأخذ منه بعض التفاؤل الايجابي هو حراك أهلنا في السويداء ومظاهراتهم الحضارية التي تعيد بنا الذاكرة الى المراحل الاولى عند انطلاق الثورة السورية. الوضع الاقتصادي سيئ جداً، والتقارير الدولية تتحدث عن أنه من بين كل 10 سوريين هناك 9 اشخاص بحاجة الى مساعدات إنسانية بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة في البلاد وتدهور قيمة الليرة السورية كنتيجة أساسية للأزمة الاقتصادية لدرجة أن هناك تعامل بالليرة التركية في مناطق شمال غربي سوريا».
يتابع عكيد: «إن هذه الانتخابات ليس بالحدث الجديد في مناطق سيطرة الـ ب ي د، وكذلك في مناطق الحكومة السورية المؤقتة، ما يجعل هذه الانتخابات تأخذ صدى أوسع في الإعلام هو إجراؤها بعد صدور العقد الاجتماعي والتهديدات التركية بالتدخل والحالة الانفصالية التي يتم نعتها بها. برأيي هذه التوصيفات بعيدة عن حقيقة الـ ب ي د لأنهم يدّعون ما يسمى بأخوة الشعوب ويحاربون الفكر والرموز القومية الكردية بشكل علني فكيف سيكون هذا الحزب قوميًا وانفصالياً في الوقت الذي يتم فيه استهداف الفكر والرموز القومية الكردية أكثر من غيرهم من المكونات؟! والدليل الهجرة الكبيرة للكرد من مناطق سيطرتهم هرباً من سياساتهم وخاصة سياسة التجويع التي يتبعونها حتى ضد الذين يعتبرون انفسهم من الموالين لهم، لدرجة ان نسبة الكرد في سوريا في مناطقهم بلغت الحد الأدنى باستثناء مناطق الكردية التي هي تحت سيطرة الفصائل المسلحة والمدعومة تركياً التي هي أكثر سوءًا وأصبح عدد الكرد بالعشرات وسرى كانييه مثلاً على ذلك اذا قسناها عبر مئات السنين الماضية، فأكثر من نصف السكان الكرد اصبحوا خارج مناطقهم سواءً بالنزوح الداخلي او الهجرة الى الدول المجاورة واقليم كوردستان أو الى دول اوروبا وأمريكا. هدف هذه الانتخابات فقط الحصول على المكاسب الحزبية وزيادة هيمنتها دون العودة إلى إرادة الشعب في الوقت الذي تدّعي فيه أن الهدف من الانتخابات هو تمثيل إرادة الشعب ولكن أغلبية الشعب غير مشارك في هذه الانتخابات بسبب خلافات هذا الحزب السياسية مع المكونات السورية وخاصة الكرد منهم، بغض النظر عن وجود بعض الأحزاب الكردية الدائرة في فلكهم وجزء من المكون العربي والسرياني الذين يعملون في إدارتهم وتحت إمرتهم فلم يسبق لهذا التنظيم أن تشارك مع أحد في الإدارات المدنية فهو يعتاش على حالات التوتر والاوضاع الطارئة.
الانتخابات كمبدأ هي ضرورة ولكن يجب أن تكون في مناخ آمن ومحايد وبتوافق كل أطراف المجتمع في منافسة شريفة لخدمة كل المجتمع وليس خدمة حزب معين ولأهداف تختلف عن توجهات سكان المنطقة، كانتخابات النظام التي يستخدمها كواجهة ديمقراطية لأهداف غير وطنية لتعزيز سلطة بعض الأفراد والمتنفذين في الحزب الحاكم. الانتخابات الحقيقية في سوريا تكون مستندة الى دستور محايد وفي ظروف آمنة تحت إشراف دولي بعد تنفيذ القرار الدولي 2254 حيث أن الانتخابات سلة اساسية في هذا القرار. لكل هذه الأسباب لسنا معنيين بهذه الانتخابات لأنها لا تمثل الأهداف التي تناضل من أجلها الحركة الكردية وكل السوريين المكافحين لبناء سورية ديمقراطية اتحادية تعددية لا أن يتم استبدال مستبد بآخر».
يرى عكيد: «إن العواقب سياسياً واضحة كما كانت الانتخابات السابقة، لا تمثل إرادة المنطقة ولا مصالح الكورد رغم ادعائهم بأنها تمثل إرادة الشعب، والمشهد واضح وغير خاف عن أنظار المجتمع الدولي، فكل المعطيات تشير الى عدم توفر بيئة صالحة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة. عسكرياً الذرائع التركية مستمرة للدخول الى تلك المناطق، والشعب الكردي يدفع ثمن المعارك، عفرين وسه ري كانية وكري سبي نماذج حية لهذه الحروب بين تركيا والفصائل المسلحة التابعة لها من جهة وحزب ب ي د من الطرف الآخر، والمعارك بكل الأحوال خسارة لجميع الأطراف، والحل الأمثل هو الدفع بالحلول السياسية الى الأمام. كما قلت وأقول دائماً لا بد من توافق كردي قوي يمثل إرادة الكرد وتوافق سوري يمثل إرادة كل السوريين في كل المناطق وخدمة جميع ابناءها من جميع القوميات والأديان والطوائف دون تمييز أو تفرقة، والالتزام بالمصالح العليا لكل السوريين وفق دستور توافقي يكفل حقوق الجميع».
يؤكد عكيد: «أنه على الحركة السياسية الكردية أولاً أن يكون هناك توافق كردي-كردي حول شكل سوريا المستقبل وطبيعة نظام الحكم وطريقة إدارة المناطق ورؤيتها لحل القضية الكردية بشكل خاص، والانطلاق نحو التفاعل مع كل مكونات المجتمع السوري بعربه وتركمانه وسريانه، وأن يكون هناك توافقات وتفاهمات واسعة بين أطياف المجتمع سواء من الناحية الطائفية، علويين، سنة، دروز وغيرهم وكذلك بين القوميات المختلفة، وكما أسلفنا أهم خطوة هي إعداد أوراقنا السياسية والالتزام بها للتعامل مع كل الأطراف الأخرى، وعلى الحركة الكردية التواصل مع جميع الأطراف السورية الوطنية والاقليمية والدولية، والتأكيد على ضرورة ان يكون هناك علاقات بناءة تخدم الملف الكردي والسوري سواءً مع الولايات المتحدة الأمريكية أو الروس والتفاهم مع الدول الاقليمية وخاصة المجاورة مثل العراق وتركيا والاردن ولبنان والتوافق على المصالح المشتركة التي تخدم كل شعوب المنطقة لصناعة مستقبل لأبنائها على المدى القريب والبعيد».

إن جرت الانتخابات ستكون نتائجها في هذه الظروف مؤذية
تحدثت رئيسة ممثلية أوروبا للمجلس الوطني الكردي، نجاح هيفو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «السؤال يحمل أكثر من جانب تحليلي ولا يمكن اختزاله بإجابة قصيرة، لكن سأحاول قدر الإمكان الإجابة عليه بنقاط مختصرة؛ أولاً من المهم أن نكون بصورة أن الحرب على غزة، والتحول السياسي والعسكري الكبير الذي حدث في الشرق الأدنى خلال الأشهر الماضية أعاد بناء التحالفات والأولويات وغيّر من المعادلة السياسية في المنطقة، حتى كان له دوره في التأثير على الدعم الدولي المخصص للعمل المدني والسياسي، واليوم كل العيون ترقب تطورات الأحداث في غزة، بينما خسرت القضية السورية الزخم ولم تعد تعتبر اولوية كما في الفترات الماضية، مما أتاح المجال للنظام السوري ولروسيا وإيران في التمدد أكثر في المنطقة، وأتاح المجال لتحالفات واتفاقات عسكرية جديدة، ربما يتم بموجبها تسليم مناطق إضافية للنظام السوري، وهذا مؤشّر خطير، يدل على تغيرات محتملة في الخارطة السياسية والعسكرية وترجمتها العملية فيما يتعلق بالقوى الفعلية المسيطرة في شمال شرقي سوريا. في جانب آخر، ينظر الى التعافي المبكر بمكان ما على انه إعادة إعمار جزئي، تصليح الطرقات وإصلاح البنية التحتية تحت يافطة التنمية والتعافي المبكر بينما حقيقة ان مفرداته ترتبط بإعادة اعمار ما تيسر تمريره ضمن محاولات الالتفاف على العقوبات الامريكية والقرار 2254، وبرغبة دولية، والمشروع يسير منذ عام، وسيستمر على ما يبدو ولا بأس بذلك الى حد ما إن بقصد تخفيف وطأة العقوبات على قوت الشعب السوري ودون تجاوز للحل السياسي السوري وفق القرارات الاممية الصادرة بهذا الشأن».
تعتقد هيفو: «أن حزب الاتحاد الديمقراطي ومجلس سوريا الديمقراطية انفسهم لم يتوقعوا ردة الفعل الدولية الرافضة للانتخابات، ولكن لنكن واضحين، هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إجراء انتخابات، وليست المرة الأولى التي تقوم فيها ما تسمى بالإدارة الذاتية بمثل هذه النشاطات، وسبق أن جرت نشاطات مماثلة في مناطق المعارضة السورية، ربما الأجدر هو السؤال: لماذا ردة الفعل هذه !؟، والتي اعتقد بأنها مرتبطة بالدرجة الأولى بتهدئة مخاوف تركيا، حيث ان مجمل ردود الفعل كانت غايتها إرضاء تركيا لا رفضاً للانتخابات بذاتها، هذه الانتخابات شكلية، وما تسمى بالإدارة الذاتية هي مشاريع مؤقتة لا تستند الى مبدأي الشرعية والمشروعية وبعيدة كل البعد عن المسارات الدستورية ولا اعتراف بها بالمعنى القانوني، وكل ما ينتج عنها في حالة الحل السياسي لن يكون ذي قيمة، في حال التوصل لاتفاق سياسي برعاية اممية منهي للازمة وما يستتبعه وينتج عنه من اثار قانونية وتوافقات دستورية جديدة، كل ذلك سينتهي، حتى لو انتهى الحال لصالح إعلان إدارة في المنطقة، فلن تكون بشكلها ولا مضمونها الحالي، وبالتالي فتلك الاطر بكافة اشكالها ومسمياتها لا تعدو وان تكون اطر شكلية في المنطقة لا اكثر وخاضعة للمتغيرات والمستجدات. راينا التصعيد بمواجهة هذه الانتخابات، ومحاولة خلق زعزعة عشائرية عربية مع ما يسمى الإدارة الذاتية والمصنفة كإدارة امر واقع. من جانب ما تسمى بالإدارة الذاتية اعتقد قرارها كان فردياً وكفقاعة لتأكيد الذات الا انها صدمت بمستوى واتساع رقعة الرفض، مما اجبرها على تأجيل تلك الانتخابات تحت ذرائع عدة لحفظ ماء الوجه، والتأجيل هنا تبعاً للمعطيات يعتبر بمثابة الإلغاء. المرجح عدم اجراء الانتخابات، وإن جرت ستكون نتائجها مؤذية قد تترجم على شكل عملية عسكرية تركية جديدة محدودة في اهدافها واتساع رقعتها، هذا ما ادركته الإدارة ومن هنا كانت حتمية التأجيل».
تتابع هيفو: «ان الحركة السياسية الكردية مكبلة ولا تستطيع اليوم فعل الشيء الكثير في الإطار السياسي على أقل تقدير، فالقرار لم يعد سورياً، ولا يمكن تحقيق الكثير ضمن تفاوضات مصالحية ثنائية الأقطاب. من الأفضل للحركة السياسية الكردية أن تعمل في جوانب مدنية وإعلامية وسياسية دبلوماسية، أكثر من جانبها السياسي التقليدي، خلق واقع إعلامي جديد، وواقع بحثي جديد، والمساهمة في عملية تنمية المجتمع المدني في المنطقة، سيزيد من فرص وصولها وتأثيرها على الساحة الدولية. المساحة الممنوحة للمجتمع المدني في التأثير على صناعة الحل في سوريا هو الأبرز، والأكثر وضوحاً من الدور السياسي، إسهام الحركة السياسية الكردية في هذا الجانب سيكون له تأثير إيجابي. إضافة إلى ترتيب البيت الداخلي الكردي، وخلق الاستقرار السياسي والتوافقات الممكنة فيما بين اقطاب الأحزاب السياسية الكردية، بما يضمن الفعالية والاستعداد والجهوزية لاحتلال موقع ملائم كطرف قادر على المساهمة في قيادة وتمكين أي حل على الأرض حال اللزوم، بالنتيجة سيتم الاعتماد على أطراف سورية لتطبيق الحل ويجب أن تكون هذه الأطراف مهيأة بكوادرها وإعلامييها وقانونييها واطرها العاملة في حيز المجتمع المدني والجماهيري، هذه الجهوزية هي المطلوبة».