ظلم التاريخ وعقاب الجغرافيا للكورد وكوردستان (1 من 2)

ظلم التاريخ وعقاب الجغرافيا للكورد وكوردستان (1 من 2)

فيصل نعسو

قبل الوقوف على الشأن الكوردي والكوردستاني، وما يحيط به من المخاطر والمؤامرات والمخططات عالميًا إقليميًا ومحلياً، وربما من الأصح القول داخليًا في اللحظة الراهنة، لا بدّ لنا من إلقاء نظرة سريعة على القوى الكبرى المتصارعة (روسيا والصين وتوابعهما في العالم، وخاصة توركيا وإيران وبعض الدول العربية منها من جهة، وأمريكا وحليفاتها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية في الناتو كإسرائيل وغيرها من جهة أخرى) للتحكم بمناطق النفوذ (الجيو- سياسية والإستراتيجية) والسيطرة الاقتصادية (تأمين المواد الأولية والطاقة البشرية) للمحافظة على تطورها وتفوقها الصناعي والعلمي والحضاري الواحدة ضد الأخرى.
بودي الإشارة إلى أن الموقع الجيو- استراتيجي، والثروة الطبيعية الهائلة فيها من المياه والحيوان والنبات.....الخ لكوردستان في قلب الشرق الأوسط بالنسبة للخريطة العالمية، جعلها محط أنظار الدول الكبرى وتابعيها إقليمياً على مر التاريخ، وهنا يكمن عقاب الجغرافيا لنا الذي جلب لأسلاف الكورد ولأجدادنا وآبائنا الأوائل الويلات والنكبات والغزوات المتواصلة من قبل الإمبراطوريات القديمة وفي العصور الوسطى وحتى اللحظة الراهنة، مما عرقل التطور البنيوي – الإتني الطبيعي للكورد، عكس حال الشعوب والقوميات الأخرى المجاورة لنا، أو الأجنبية منها في كل من آسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية وحتى في أفريقيا. لذا كان ظلم التاريخ قاسيًا علينا، ما زلنا نعاني منه إلى اليوم.
من الضروري هنا تركيز الضوء بإيجاز على استراتيجيات وتكتيكيات تلك القوى العالمية المتنافسة والدول الإقليمية من خلال حكوماتها السائرة في فلك كل منها، ودعاياتها الإعلامية، وشعاراتها البرّاقة الجذابة، وتصريحات رؤسائها ومسؤوليها الفضفاضة، والنبش عن مخططات أجهزتها الاستخباراتية والأمنية إن أمكن ذلك. لكن ذلك هيهات؛ كي لا نقع في شباك أحابيلها، ولا نتحول إلى جنود على لوحة الشطرنج نخدم أهدافها فقط.
لكن ذلك لا يعني اتخاذ موقف سلبي من الطرفين المتصارعين في الإقليم القريب منا أو البعيد عنا، دون أن ندخل في تحالف مع أحدهما ضد الآخر، شريطة تعهُّد والتزام كل منهما، ولو بالحد الأدنى، في حق شعبنا بتقرير المصير (الحكم الذاتي، الفيدرالية، الكونفيدرالية وغيرها) لكوردستان المجزأة، لكل منها حسب ظروفها الخاصة بها.
إن المعرفة الواضحة لمواقف الدول الكبرى الرئيسية لكلا المعسكرين المتخاصمين وتوابعهما الإقليمية، وشعاراتهما السياسية المطروحة في العالم - وهنا ما يهمنا في الشرق الأوسط وقلبه كوردستان بأجزائها الأربعة - ودعاياتهما الإعلامية لمصالحهما، وأهدافهما الجيو- استراتيجية والاقتصادية، تجنبنا الكثير من الوقوع في المطبات والأفخاخ المنصوبة لنا هذا من جهة، ومن جهة أخرى التمسك بما هو مفيد لنا ومشترك بيننا للعمل والتنسيق، وكذلك ما هو مختلف عليه ومتناقض حوله مع كلا المعسكرين، أجل ضمان حقوقنا القومية المشروعة في تقرير المصير.
مع العلم عدم وجود تطابق مشترك بين أهداف ومصالح الدول الإقليمية التابعة لهما (توركيا، إيران، العراق، سوريا، وما تسمى صديقتنا إسرائيل، كما يحلو للبعض تسميتها) في كل زمان ومكان. إضافة إلى ذلك، هناك عدم توافق في الإستراتيجيات والتكتيكات بين الدول ذات الوزن الكبير داخل كل معسكر، إلا ما هو موجه ضد العدو المشترك لأحدهما.
لذلك يجب على القوى الكوردستانية الفاعلة على الساحة، والأحزاب المنبثقة عنها، والشخصيات المشهودة لها بالكوردبرورية، ورجال الفكر الكورد تحديد نقاط الاختلاف وعدم الانسجام، وكذلك ما هو متفق عليه ومخطط له بدقة ما بين الدول داخل كل معسكر، والدول الإقليمية كل على حدة من أجل اتخاذ الإجراءات الضرورية لما يخدم الأهداف القريبة والبعيدة للكورد وكوردستان.
هذا لا يتم إلا بتحقيق التفاهم والتوافق (ولو بالحد الأدنى) والوحدة (كهدف بعيد) بين مختلف الأحزاب والفصائل والجمعيات والكيانات المجتمعية المتعددة الاتجاهات كوردستانياً وكوردياً.
فما دمنا نحن على استعداد للتفاهم والبحث عن حلول وسط، وحتى التنازل عند اللزوم مع الذين ساهموا بشكل فعلي في تجزئة وطننا كوردستان، وحكومات إقليمية تنكر وجود الكورد وكوردستان ضمن حدودها طوال ردح طويل من الزمن.
هل يجوز لأي منا أحزاباً وشخصيات.......الخ ألا نلتقي وألا نتفاهم على قضايانا المصيرية مهما كانت الأسباب لدى كل طرف.
في هذه الحالة، كيف لنا ألا نغض النظر عما يقوم به بعض من قوى وأحزاب وتجمعات كوردستانية في الأجزاء الأربعة من وطننا، حتى وإن أدت بعض تصرفاتها أحيانا خدمة للعدو الأصلي المتربص بنا. فتاريخنا يشهد على صحة موقف التسامح والعفو عن الأخ والقريب وحتى عن العدو مكسب.
بعد هذا السرد، لا بدّ لنا من وضع النقاط على الحروف بما يعلنه القطبان المتصارعان من شعارات وأفكار تخدم مصالحهما وترددها أتباعهما، التي تعبر عن طموحاتهم القومية الاحتلالية ومخاوفهم الأمنية في العالم والإقليم الذي يهمنا.
إذ يدّعي قطب أمريكا ومعها دول الناتو أنها حامية للديموقراطية ومدافعة عن حقوق الإنسان، ونيل الشعوب حقوقها في الحرية والاستقلال في العالم، لكن التجارب التاريخية للشعوب تنفي في حالات كثيرة، صحة تلك الإدعاءات، وأحيانًا تتخلى أو تتناسى عما طرحته إلى درجة تصرفها عكس ذلك، وخاصة إذا كانت تلك التجارب لا تتلاقى مع أهدافها واستراتيجياتها في منطقة ما.
لا أسعى هنا إلى فتح الجروح ثانية، لأنه هناك الكثير يجب ذكره. لكن لا بد من التذكير فقط ببعض المواقف المتخذة:
1 - بقيت كركوك ومدن كوردستانية أخرى خارج منطقة حظر الطيران العراقي ضمن خط عرض 36 – 32 و فيما بعد 33 لماذا؟ ليبقى حل المسألة عالقة بين الكورد والحكومات العراقية وإلى هذه اللحظة. 2– الموقف من رفرندوم و ما جرى 2016 -2017 . ألا تتواجد القاعدة العسكرية الأمريكية في هولير؟ وفي غيرها من المدن العراقية المجاورة لها.
3 – يصرح مسؤولو التحالف علنا سبب وجودهم في العراق وسوريا، هو محاربة الإرهاب وداعش، وصمت مطبق على إيجاد حل للمسألة الكوردية.
هذا غيض من فيض، كما يطرح قطب روسيا والصين والدول المتعاطفة معهما في العالم الجنوبي (معظم بلدان الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها) شعار التعاون المتبادل القائم على المصلحة المشتركة للدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية واحترام خياراتها الاقتصادية والسياسية، وتوقيع الاتفاقيات المتعددة الأوجه معها، دون فرض شروط مجحفة عليها تحد من آفاق تطورها من كافة الأوجه. فقد ساهم هذا النوع الجديد من الرؤيا والعلاقات في فترة قريبة جدًا إلى بروز تجمعات وتحالفات تجاوزت حدود القاارات والشعوب (تحالف بريكس، منظمة شنغهاي ....الخ) توازي وتنافس، بل تتفوق الآن في المجالات الاقتصادية والعسكرية والجغرافية والسكانية على القطب المنافس لها.
لكن ما يلفت النظر، هو ما تعلنه روسيا، إحدى دول القطب المعارض للقطب الأمريكي وحلفائه، من حلولها المطروحة بشأن المسألة الكوردية وعلى لسان مسؤوليها الكبار علنا، أن الشعب الكوردي له الحق في نيل حقوقه القومية المعروفة (الحكم الذاتي، الفيدرالية ....الخ) في إطار الدول الواحدة بالاتفاق مع الحكومات المعنية فيها.
لكن ذلك لا يلقى القبول من القوى الكوردستانية الرئيسية، نتيجة ظروف دولية معقدة وتحالفات ثنائية مفروضة عليها بحكم الأمر الواقع.
لكن يبدو لي، إن هذا المقترح مقبول بعض الشيء حاليا، خاصة وإننا لا نملك القوة الكافية، وليس لدينا حلفاء أقوياء يساندوننا في نيل اقصى ما نطمح إليه.
جدير بالإشارة هنا، الوقوف بشكل رئيسي على دور الدول الإقليمية الكبرى (توركيا، إيران، إسرائيل بالدرجة الأولى) وسوريا والعراق، وغيرها من الدول العربية البعيدة جغرافيا منا. فالدول الثلاث الأولى تساهم بمواقفها العملية في رجحان كفة الميزان لصالح دول أحد القطبين المتصارعين.