هل أنهت الحركة الكودرية مهامها؟!

هل أنهت الحركة الكودرية مهامها؟!

محمود عمر

حين تنكّر الشركاء الجدد في الوطن الجديد ـسوريا المستحدثة بحدودها الدولية الحالية وفق مصالح ورغبات الدول القوية آنئذ، وألحق بها جزء من الوطن الكوردي (كوردستان) الذي قسم، وبالضد من إرادة شعبه الى أربعة أجزاء أرضاً، نقول: حين تنكروا لكلّ مقوّمات الشراكة والتضحيات الجسام للكورد في بناء سوريا الحديثة، وعلى مختلف الصعد والجبهات، وتنامى لدى النخب (الوطنية) الحاكمة النزعة الشوفينية العروبية، وحاولوا بشتى السبل في صبغ كل ما في الوطن من بشر وحجر وشجر باللون الواحد، فزيادة إلى التنكر لأبسط حقوق الشعب الكوردي، مورس بحق الكورد العديد من المشاريع العنصرية والسياسات الاستثنائية، والتي كانت ترمي إلى صهر الكورد في بوتقة القومية العربية.
أمام هذا الواقع المرير وضرورة التصدّي له، كان لا بدّ من وجود تنظيم سياسيي كوردي يؤطّر جهود الكورد ونضالهم في البلاد، لذلك كانت ولادة أول تنظيم سياسي للحركة الكوردية في سوريا في الخمسينيات من القرن الماضي حاجة ضرورية وموضوعية ومُلحّة للتعبير عن وجود شعب أصيل يعيش على أرض آبائه وأجداده منذ القدم، وللنضال في سبيل تحقيق حقوقه القومية المشروعة.
منذ البداية انتهجت الحركة في نضالها الخيارَ السياسيَّ الديمقراطيَّ السلمي طريقاً لتحقيق أهدافها ومطالبها، وذلك في إطار خطين عريضين متوازيين للنضال يحمل أحدهما الهم القومي الكوردي مع خط آخر متلازم يحمل الهم الوطني السوري، ويسعى إلى أن تكون القضية الكوردية قضية وطنية سورية بامتياز، يكمن حلها في إطار نظام ديمقراطي عادل يتبنّى دستوراً عصرياً يكفل حقوق الكورد وغيرهم من مكوّنات البلاد دستورياً في إطار المبادئ السامية للشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وقاعدة المساواة في الحقوق والواجبات لكل الأفراد والمكوّنات.
لقد نجحت هذه الحركة منذ البداية في استقطاب معظم الجماهير الكوردية التي التفت حولها من مختلف الشرائح والمناطق الكوردية ومناطق تواجد الكورد في طول البلاد وعرضها، وبفضلها تنامى الوعي القومي الكوردي في سوريا، وتشكلت ملامح واضحة للشخصية الاعتبارية للكورد في غرب كوردستان، وخلال مسيرتها الكفاحية الطويلة تعرّض المئات من كوادر الحركة للسجن والاعتقال والنفي، والمحاربة في لقمة العيش والتهجير، واستشهاد العشرات منهم تحت آلة التعذيب الوحشية للدوائر الأمنية، وفشلت كلُّ محاولات الترهيب والترغيب من قبل السلطات المتعاقبة في ثني الكورد عن مطالبهم، إلا أن طغيان حالة الاستبداد، ولعدة عقود في البلاد، والقضاء على الحياة السياسية العامة والإمعان في السياسات الشوفينية بحق الشعب الكوردي، قد قيّدت هذه الحركة، ولم تستطع أن تخطو خطوة أخرى نحو تحقيق أهدافها، وبقيت هائمة تحوم حول نفسها، وظلت كالطفل الذي يحبو دون أن يكون قادراً على السير والمشي، وفي ظل برامج سياسية ولوائح تنظيمية جامدة مستوردة ومستوحاة بمعظمها من الأنظمة الشمولية السوفيتية، ودون وجود آلية للتغيير والتّداوُل في قمّة هرمها التنظيمي الذي يقودها قيادات تحكم التنظيم بالعقلية شبه القبلية، وفي ظل هذا الواقع الراكد الجامد، ولأن من قوانين الطبيعة أن كل ما لا يتغير يفسد ظلت هذه الحركة تتشظّى، وتنقسم على ذاتها كل عقد مرة أو مرتين، وجاءت الأزمة السورية بكل تفاصيلها والتي جعلت البلاد مُكبّا لكل نفايات وقازورات العالم، وجاء معها المال السياسي ليحول الفساد إلى افساد معمم لتنكشف في ظله العورات، وتتوالى الانشطارات.
من كان يدّعي اليمين مع أقصى اليسار، ويتواطأ التقدمي مع الرجعي والمتطرف مع الإنطوائي، الكل يصاب بسكرة المال والسياسة، ويفقد بوصلته، ويسلب منهم استقلالية القرار، ويترك الجميع برامجه السياسية والواقعية، ويصبح تائهًا في فلك النهج أو الفلسفة هنا أو هناك، وبين ليلة وضحاها وفي ظل غياب اليد الأمنية التي كانت تحكم البلاد تحول البعض وغير اسم حزبه من (كوردي) إلى( كوردستاني) وظهر بين الكورد السوريين (الشمس والقمر) و(السلام والليبرالي والمحافظ) وحتى (الخبز والماء والوقود والدين) تحول إلى ديمقراطي، وأصيبت حركتنا بالترهل والفساد والتبعية وغاب عنها الجيل الجديد.
إن هذه الحركة مدعوّة اليوم وأكثر من أي وقت آخر إلى صحوة ومراجعة شاملة، وكما يقال (من الساس إلى الراس) لتغيير، وتحديث كلّ مفردات عملها وآلياتها السياسية والتنظيمية لتساير الواقع الجديد، وإلا فإنها يومًا بعد آخر ستظل مرتهنة للاعبين الأقوياء في الساحة، وإن لم تعمل على هذا الخيار فليس أمامها سوى أن تعلن فشلها السياسي، وعجزها عن مواكبة الأحداث، وإفساح المجال أمام الجيل الجديد للبحث عن آليات أخرى تؤطر نضاله، وتسعى إلى تحقيق مراميه وفق رؤى جديدة وواقعية.
هذا هو واقع حالنا الذي لا يبعث على الأمل.. وبكل أسف.