«إننا محكومون بالأمل»

«إننا محكومون بالأمل»

علي جزيري

هناك قول تفوّه به أحدُ الحكماء ذات يوم، جاء فيه: عندما تتبوّل السلطة المستبدة على الناس، تمضي وسائل إعلامها في إقناع الناس أن السماءَ تمطر، أما وعّاظ السلاطين وجهابذة التضليل السياسي، فيكمن دورهم في إصدار فتوى مدّعية بأنه ماء طهور...!
لقد اعتاد أبواق النظام طمس الحقيقة بأي ثمن، بهدف تبرير ممارسات الطاغية الذي واظب على انتهاك حرمة المواطن المغلوب على أمره، وثَمَّنَ عالياً ثقافة القمع والعنف، وإقصاء الكُرد السوريين بدلاً من ثقافة التعايش السلمي وقبول الآخر في جمهوريته الوراثية القائمة على الجماجم. ومضى "قائد المسيرة" في إرساء قِيَم النهب والرشوة والفساد وشراء الذمم، ناهيك عن بثّ الخوف والريبة بين المواطنين بغية تعميم العبودية، حتى باتت وظيفة البرلمان والنقابات والمدارس ودور العبادة تكمن في التهليل للقائد الضرورة، الذي راح بدوره يتخذ من إسرائيل ذريعة لنهب البلاد والعباد، أما أبواقُه فراحت تردّد صباح مساء أن سوريا دولة "مواجهة" أو ركيزة "جبهة الصمود والتصدي"، وحين واتت الجرأة أحد أعضاء البرلمان أثناء مناقشة الموازنة العامة في البلاد، وتساءل: أين تذهب موارد النفط؟ أخرسه رئيس البرلمان: اسكت، إنها في أيدٍ أمينة...!
إن تناول السياسة السالفة الذكر بإسهاب، يفضي بنا إلى القول، إن خدعة الرأي العام طيلة عقود، تكمن في الاستبداد القائم على إخفاء الحقائق واللجوء إلى التلفيق، تحت ذريعة الحفاظ على أمن الوطن، مادامت سوريا في حالة حرب مع إسرائيل كما ادّعى...!
وما زاد الطين بلة أن النظام الحاكم، منذ تبوئه قمة الهرم السياسي في انقلاب عسكري، استأصل جذور «الشفافية» في سياسته الداخلية والخارجية، ومهّد الطريق لسيطرة الجيش وأجهزة مخابرات «قائد المسيرة» على الناس بيد من حديد وتكميم أفواههم، فتمكّن من الحصول على معلومات لا يستطيع العامة معرفتها أو الوصول إليها، وهكذا أصبح في مقدوره دبلجة الواقع على هواه ووفق مقاساته، وخدعت الجماهير في تصديق ما يُروّجه كُرهاً أو تزلفاً، وفق القول الدارج «الناس على دين ملوكهم».
وسعت النخب المنتقاة وبطانة النظام، في التلويح بأساطيرها الشوفينية، بعد إضفاء هالة مقدسة عليها، بهدف شرعَنة الكيان اللقيط الذي شيّده الاستعمار من جهة، وأبلسة المكوّن الكردي بأي ثمن وإدراجه في خانة "أقلية مهاجرة"، وإنكار إلحاق هذا الجزء الكوردستاني بسوريا عقب سايكس - بيكو من جهة أخرى، رغم أن مثل تلك التُّرهات المروّجة تفتقر إلى الأساس التاريخي، ولا تنطلي إلا على السُّذّج. من هنا، نفهم ما أفصح عنه المُنَظّر السياسي الفرنسي (أرنست رينان) ذات يوم، ودلالة قوله: إن ولادة هكذا دول، لم تأتِ إلا من رحم الخطيئة التاريخية.
ورغم المحن، مازال السوريون محكومين بالأمل، لأن ما يحدث اليوم، رغم اختلال القِيَم في عالمنا المعاصر، لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ، على حد وصف المغفور له سعدالله ونوس.
يقول الشاعر كريم العراقي على هذا الصعيد:
عدالة الأرض مُذ خلقت مزيـــــفةٌ والعدلُ في الأرض لا عدلٌ ولا ذمَمُ
كل السكاكين صوب الشاة راكضةٌ لتطمئن الذئب أن الشـــــــمل ملتئمُ