السُّنّية والشّيعية من منظور الحزبَيْن.. الجمهوري والديمقراطي في أمريكا

السُّنّية والشّيعية من منظور الحزبَيْن.. الجمهوري والديمقراطي في أمريكا

دوران ملكي

ظلت الصراعات العرقية والطائفية في الشرق الأوسط الأرضية المناسبة للتدخلات الخارجية من قبل القوى الاستعمارية التي غزت الشرق، ورسمت الخرائط التي تلبّي مصالحها واستمرارية بقائها بغضّ النظر عن التداخلات العرقية والمذهبية وحتى في أوربا نفسها، ومن منطلق إرادة القوة تجد القوى الاستعمارية الكبرى استحوذت على جغرافيا تخص أعراقاً أخرى أمثال القيصرية الروسية والإمبراطورية الألمانية والفرنسية والبريطانية، وفرضت لغاتها وثقافاتها على الشعوب الأخرى.
في الشرق أيضاً فرضت الخلافة الإسلامية وفيما بعد الإمبراطوريتان العثمانية والفارسية لغاتها وثقافاتها، ووسعت من جغرافيتها على حساب الأمم الأخرى إلى أن أتى الاستعمار الحديث ليحل أغلب المشاكل العرقية، وبقيت ما لم يتم حلها إلى جانب المشاكل المذهبية كبوئر كامنة تنتظر الظروف المواتية.
قبل مجيء الاستعمار الحديث أرسل الكشافة، وهم عبارة عن مستشرقين أو بعثات تبشيرية لدراسة المنطقة المراد احتلالها والوقوف على أدق تفاصيلها
وخلافاتها وثغراتها، ونقلوها إلى بلدانهم، ورسموا خرائط جغرافية وإثنوغرافية، ووضعوها في خدمة جيوشهم لتكون لهم بمثابة بوصلة يهتدون بها ومن ثم تبعها احتلال جميع دول الشرق الأوسط والخليج والقرن الأفريقي من قبل بريطانيا وفرنسا، ونتيجة رد الفعل من باقي الدول الاستعمارية اشتعل فتيل الحرب العالمية الثانية.
وما إن حطت الحرب أوزارها باتفاق جميع الدول بالانسحاب من المستعمرات، وحصول أغلب الدول على حقوقها القومية، وبقيت قلة قليلة مثل الشعب الكردي والأرمني والبلوشي والأزري، وبقيت الطوائف والأديان على حالها إذ لم تنص بنود المنظمة الدولية آنذاك على إنشاء دول على أساس المذاهب والأديان، واكتفت بضرورة حماية الأديان وممارسة الشعائر الدينية بحرية.
بعد انتهاء العالم من ثنائية القطب التي دامت نصف قرن تقريباً تحول العالم إلى المنافسة الاقتصادية الشرسة وإزالة القيود الجمركية تشكلت اقتصاديات ناشئة آسيوية، واحتلت المراكز الأولى في الاقتصاد العالمي مما أدّى إلى تخوُّف النظم الرأسمالية العريقة، فباشرت من جديد إلى البحث عن وسائل جديدة للرجوع إلى الشرق الأوسط فتارة بالتدخلات العرقية والطائفية وتارة تحت مكافحة الإرهاب ونتج عنها استراتيجيات جديدة لدى الدول الكبرى مثل أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوربي وروسيا والصين فهناك من يبحث عن طرق أمنة ومختصرة لتجارته وهناك من يضع العصي في العجلات لعرقلته وتحميله تكاليف باهظة ليبقى خارج المنافسة أو على الأقل لا يستطيع أن ينافس بقوة.
تغيرت الأوضاع كثيراً بعد ظهور التيار الإسلامي الشيعي في إيران ومعاداته الواضحة والصريحة للغرب وأمريكا وإسرائيل ودعوتها بضرورة تصدير الثورة إلى جميع العالم الإسلامي، وتشكيل ما أشبه بخلافة آل البيت، واجهها في المقابل أغلب الدول ذات التوجه السني وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وتركيا وباكستان، ونتج عن المجتمع السني فصائل راديكالية متطرفة، وارتبط اسم الإرهاب بالمجتمع السني وازدادت حدته بمواجهة الولايات المتحدة في عقر دارها ومواجهتها في العراق من ثم داعش في العراق وسوريا.
انقسم المجتمع الأمريكي أيضاً بين مؤيد للسنة كالحزب الجمهوري ومؤيد للشيعة كالحزب الديمقراطي فبعد القضاء على تنظيم القاعدة وأزرعها في جميع أنحاء العالم توجه الديمقراطيون في فترة الرئيس باراك أوباما إلى تخفيف الضغط عن المجتمع الشيعي، وتحت زريعة بأن المذهب الشيعي هو الأقرب إلى المجتمعات الغربية الحالية حيث يقود المجتمع الشيعي إمام مخول، ويعطي الفتاوى، وينظّم المجتمع.
أما في المجتمع السني فيقوده كتاب الله، وكلٌّ يفسّر على هواه ومصالحه، ولا يوجد قائد ديني يقود المجتمع الروحاني، وينظم الآلية الاجتماعية، فمن وجهة نظرهم إمكانية التعامل مع مجتمع ديني يقوده إمام أفضل من مجتمع يقوده كتاب، وقرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالانسحاب من العراق وإحداث فراغ قبل أن يقوى عود المجتمع الديمقراطي في العراق وهو كان على يقين بأنه سيتم ملء هذا الفراغ من قبل إيران وأزرعه المتعددة، وسمح للحشد الشعبي الذي أحدث بفتوى من الحوزة الدينية في العراق بالمشاركة في محاربة تنظيم الدولة الإرهابي وتطويق المجتمع السني. وإلى الآن يعتبر المجتمع السني في العراق منزوع الإرادة بسبب سيطرة المليشيات على مفاصل المجتمع إلى أن أجبر على المطالبة بالفيدرالية إسوة بفيدرالية الكورد، وبدعم من دول الخليج والدول السنية الأخرى بسبب شعورها بالخطر تجاه التمدد الإيراني باتجاه الغرب في الوقت الذي كانوا فيه سُنّة العراق من أولى المعارضين للنظام الفيدرالي، ولذلك نرى إن أغلب دول الخليج لا تتوافق مع الرؤساء الأمريكيين من الحزب الديمقراطي.
الحال عند تركيا أيضاً، وبالنقيض من ذلك نلاحظ إن الحزب الجمهوري له رأي آخر فهم يرون إن سبب البلاء في المنطقة هو التمدد الإيراني وصولاً إلى حدود إسرائيل من الشمال في سوريا ولبنان، ومن الجنوب في غزة بدعمهم لحركة حماس هذا من جهة ومن جهة أخرى تطور العلاقات الصينية الإيرانية والروسية وصولاً إلى فتح الطريق أمام الصين في كل من سوريا والعراق وصولاً إلى البحر المتوسط وانتهاءً بدعم روسيا بالمُسيّرات في حربها ضد أوكرانيا ومحاولاتها المتكررة بتهديد الملاحة في البحر الأحمر والخليج ومحاولاتها المتكررة مع باكستان.
كل هذا يدفع بالجمهوريين إلى التحالف مع السُّنَّة في تركيا والخليج العربي، ولا يخفى على متتبع الألفاظ التي يطلقها ترامب في حملته الانتخابية (بحلفائنا السنة) في العالم العربي.
استطاع الحزب الديمقراطي مع الإتحاد الأوربي من عقد الاتفاق النووي مع إيران، والسماح لها بتخصيب اليورانيوم إلى حدود 5% للأغراض السلمية وتحت رقابة هيئة الطاقة الذرية التابع للأمم المتحدة فمن استطاع تخصيب اليورانيوم إلى هذا الحد يستطيع تخصيبها إلى 100% أي إنهم سمحوا لإيران بامتلاك السلاح النووي في مواجهة الدولة السنية الأولى النووية وهي باكستان، بينما لم تسمح للملكة السعودية بالحصول على التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، ولا تركيا ولا باقي دول الخليج.
بالمقابل تنصّلَ الحزب الجمهوري بعد فوز ترامب بالانتخابات من الاتفاق النووي ووضع عقوبات شديدة على إيران والفصائل الشيعية حيث وضع حزب الله والمنظمة الحوثية في اليمن على لائحة قوائم الإرهاب وصولاً إلى منع النفط الإيراني من التصدير، ومواجهة الصواريخ الباليستية من الحوثيين بصواريخ الباتريوت الأمريكية.
في المحصلة النهائية ورغم موقف الحزبين والاتحاد الأوروبي، فقد وصل الصراع السني والشيعي أوجه، وأصبح متقدماً على الصراع العربي الإسرائيلي، والآن تحتمي الكثير من الدول العربية من الصواريخ الإيرانية بمنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، ولم يبقَ أيُّ دورٍ للصراعات الأخرى، ولم يبقَ أي دور لحركات التحرر الوطني وحركات المجتمع المدني حيث اندمج الجزء في الكل المتصارع.
وتبقى الأنظار مترقّبة على الحزبين الأمريكيين ومن يفوز بالانتخابات القادمة حتى يتنفس الصعداء إما السنة أو الشيعة!!.