التداوي بالكلمات

التداوي بالكلمات

هنر بهزاد جنيدي

واحدة من أقرب هواياتي إلى نفسي - في حياتي العامة والخاصة -هي اصطياد الكلمات والجمل والمعاني. أبحث عن الكلمات العميقة والمعبّرة والمقدّسة، اصطادها من الكتب، من أحاديث أبي، من أدعية أمي، ومن قلبها من صفحات الأصدقاء، ألتقطها من أفواه الناس البسطاء، من أرصفة الشوارع القديمة، من الآثار والقلاع، من الأوراق المتساقطة، أكتبها، أحفظها، أُقبّلها، أحضنها، أرقص معها، أنام معها، أحيا، وأموت بها، هي الكلمات.
فكلما أثخنتِ الجراحُ روحي، فأول المسعفين ضمادة من الكلمات، وفي كل مرة أحسست بضيق في نفسي أوسعتها بقصيدة، وكلما وجدت النفس هالكة في حضيض ما، رفعتها بكتاب، حين يجتمع عليّ الجن والأنس لكسر عزيمتي أشهر في وجههما سيفاً سلّ بالأفكار والكلمات.
وهل مهمة الطبيب النفسي إلا محاولات للسيطرة على المريض من خلال طرد بعض الكلمات والأفكار السلبية التي احتلت روحه وتبديلها بكلمات وأفكار أخرى بيضاء وإيجابية تحررها من الاكتئاب والقلق، بل أن المعالجة بالكلمات تفوق أحياناً المعالجة بالأدوية لأنها معالجة تتجه نحو الدواخل النفسية والروحية، وتُحسِّن جودة الحياة، وتُعمّقْ من معانيها السامية، فبدل أن يعيش الإنسان سنوات أطول بالمعالجة الجسدية والعضوية فإنه مع الشفاء النفسي يعيش حياة أعمق وأنقى.
للكلمات قوة قادرة على إحداث الزلازل في النفوس والظروف، ولولا سحرها وقوتها لما كشف الله عن سره وذاته وفكره على صورة كلمات، وما بدأ الله رسالته بفعل قصيرٍ وخطيرٍ جداً وهو كلمة "اقرأ".
هذا النوع من العلاج - بالكلمات- أسلوب علاجي قديم منذ آلاف السنين مارسه المصريون القدماء، اتضح ذلك في الشعار المكتوب على جدران المكتبات المصرية القديمة منذ أيام رمسيس “هنا علاج الروح “،
صرحت الأميرة الراحلة ديانا قبل حادثة موتها أن ما ساعدها في تجاوز محنها في أوج معاركها ومشاكلها مع الأمير تشارلز والقصر الملكي هو كتاب النبي لجبران خليل جبران والذي لم يكن يفارقها طيلة تلك المرحلة.
والأيقونة العالمية نيلسون مانديلا كتب على جدار سجنه أبياتاً لقصيدة إنكليزية مشهورة:
لا يهمّني أن البابَ ضيّق
لا يقلقني أن لفافة الأحكام زاخرة بالعقاب
أنا سيّد قَدَري
أنا ربّانُ روحي

كانت تمدُّه بالقوة والصبر، والأمل طيلة العقود التي قضاها في منفردته.
العلاج