بين يدي كتاب «حيونة الإنسان»

بين يدي كتاب «حيونة الإنسان»

هنر بهزاد جنيدي

«حيونة الإنسان» كتاب مؤلم حتى الاكتئاب إلا أنه واقعيٌ رغم الوجع.
في صفحاته الأولى، يكشف لك ممدوح عدوان حقائق مخزية عنك ككائن إنساني لدرجة تكره فيها نفسك وتاريخك البشري وتاريخ أجدادك وأجداد أجدادك.
يدفعك هذا التأثر وأنت تتأمل تلك الحقائق والحوادث إلى أن تتلمس أسنانك أحياناً لتتأكد أنها ليست أنياباً، وتنظر إلى أصابعك لِتُطَمئِن نفسك بأنها ليست بمخالب.
كتاب استقى الكاتب مواده عن أكثر من مئة مصدر لتكتشف معه مدى إنسانية حضارة الحيوان مقابل حيونة حضارة الإنسان. فالحيوان لا يقتل إلا لجوعٍ أو دفاعاً عن النفس، أما الإنسان فتاريخه مليء بالحوادث والجرائم التي تفنن فيها بقتل وتدمير وتحقير كل ما اعترض طريق نزواته وعقده وأحقاده ولم يسلم من شره لا بشر ولا حجر، لا أنس ولا جان.
فَمَنْ غير الإنسان بقادر على اختراع أفران غازٍ، طعامُها اللحوم البشرية ومن غيره بقادر على ابتكار وسائل تعذيب كالخوازيق وأحواض الآسيد!!.
عبوراً على مشاهد الرعب النفسي، ووصولاً لفقرات ومقاطع أخرى تخفف قليلاً من انقباض الجسد الذي سببته افتتاحية الكتاب، فالكتاب موزع على ما يقارب عشرين فصلاً معظمها مهمة مثل: ورطة الإنسان الأعزل، هل نحن جلادون؟ صناعة الوحش، ولادة الوحش بين الجلاد والضحية …الخ.
يريد عدوان من وراء تشريحه المؤلم لموضوع الكتاب وبهذه المكاشفة الصادمة أن يستفز كل ما في الإنسان من قوة وليحرضه لإنقاذ ما تبقى من كيانه وذاته ورسالته ومجتمعه بعد كل هذه الخسائر التي مني بها وإلا فإن الهبوط الإنساني إلى الحضيض الوجودي ماهو إلا مسألة وقت.
يبدأ الأمل بالتسلل إلى شرايين روحك حين يحدد الكاتب للمجتمع الإنساني أسباب الموت الأخلاقي للإنسان وعقلية المواجهة، فالعدو الأول والأخطر والأشرس والذي كبّد الإنسان كلّ هذه الخسائر في مسيرته البشرية هو الاستبداد والظلم والقمع المتمثل بشخص الديكتاتور وحاشيته.
«ليس هناك قدر محتوم على البشر أن يتحوّلوا إلى جلادين وضحايا (وحوش مفترسة وأرانب أو فئران)، ولكن أنظمة القمع والاستغلال هي التي تريد إبقاء البشر عند مرحلة الحيوانية الغريزية الأولى»
وعن الحاشية يأتي باقتباس دقيق عن شكسبير الذي وصف الحاشية في مسرحية هاملت بـ «الرجل نعم «يطيع ويوافق من دون تفكير ومن دون اهتمام بملاحظة أنه قد يوافق على الشيء ونقيضه في نفس اللحظة.
في أحد الفصول المهمة «مسؤولية الضحايا» والذي اعتبره من أهم فصول الكتاب، لأنها موجه إلينا توجيهاً مباشراً كأفراد وكشعوب يقول فيها:
«هناك طرفاً آخر يتحمّل مسؤولية إيقاظ الرغبة العدوانية، هو الضحية ذاتها»..
«⁠‫حين تسكت عن حقك الواضح، بسبب الخوف غالباً، فإنك لن تتوقع من الآخر أن يحترم لك هذا الحق، سيتصرف في المرة القادمة وكأن التطاول على حقوقك من المسلمات».‬
لي صديق مقرب هزيل الجسم ضعيف البنية، وكنت ألومه أحياناً لدخوله شجارات ومعارك غير متكافئة وكان فيها دائماً الطرف المضروب! فكان رده دائماً وباعتداد: هدفي ليس الانتصار وإنما إفهام الخصم بأن ضربه لي مهمة متعبة ومكلفة ولحمي نيٌّ فأفرض عليهم احترامي حاضراً ولتجنب الاصطدام معي مستقبلاً!
يتابع الكاتب في فصل مسؤولية الضحايا: «السلطة والاستبداد يتماديان عند وجود مواطنين يسكتون عن حقوقهم أو يخافون من المطالبة بها»
أعتقد أن هذا الكتاب يمكن وضعه في المكتبة الفكرية بجانب الكتاب المشهور «طبائع الاستبداد» لعبد الرحمن الكواكبي، بفارق أن لغة ممدوح أقرب للثقافة الحالية وجرأته أكبر، كتبه موقّعاً باسمه الصريح وفي زمن أعتى الديكتاتوريات، وبقرب أعمق وأظلم سجون الاستبداد.