كاتبٌ حَلّقَ في العلياء بجناحين...!

كاتبٌ حَلّقَ في العلياء بجناحين...!

علي جزيري

لمعَ نجم الشاعر والناشط السياسي دهام حسن، بعد أن حَلَّقَ بجناحين إثنين:
الأول - يتجلى في الجناح السياسي أو في مراياه، وهي سلسلة مقالات وأبحاث، تناول فيها قضايا شتى، ناهيك عن نقض المفاهيم السائدة كمفهوم "الوحدة الوطنية"، فيقول: في عرف المستبد وفي ظل الأنظمة الشمولية أو في مرايا الوجه الواحد، تعني حالة واحدة وحيدة، أعني التفاف الشعب حول النظام وزعيمه النرجسي، من هنا أثارت عبارة "قائدنا إلى الأبد" شجونه وسخريته اللاذعة؛ فحين يعاني الشعب من الاضطهاد والبؤس، يتملكه الرعب، فيضطّر إلى مداراة النظام على مضض بالنفاق والمخادعة والتزلف أو يناوئه ولو في القلب وهو أضعف الإيمان. ويمضي قدماً، في تشخيص الواقع: حينما شعر الكُرد بالقهر والذل من قبل الأمم الشوفينية التي تنكرت لحقوقهم بغية صهرهم في بوتقتها القومية، اضطّروا لرفع شعار "حق تقرير المصير"، هذا الحق الذي شابه كثير من اللغط، جرّاء العمى الأيديولوجي، وضيق الأفق القومي لدى الأمم المتحكمة بإرادة الشعب الكُردي، رغم إن حق الأمة الكُردية - وفق والشرائع الدولية - يعني حقها في تقرير مصيرها بنفسها؛ وهذا الحق قمين بتحقيق المساواة بين الأمم، ولا يستوجب مشاركة الأمم المُضطّهِدة في الاستفتاء على مصير الكُرد. وينتهي به المطاف، قائلاً: من المؤسف أن الديمقراطية في شرقنا التعيس، لم تتأسس كثقافة ولم تترسخ كتقليد.
الثاني - ويتجسد في الجناح الذي حلق به الراحل في سماوات الإبداع في ديوانه (دولة الشعر)، بعد أن امتلك ناصية اللغة العربية وبلاغتها، فتميزت قصائده التي كتبها بعد أن غزا الشيب مفرقه، بسلاستها وطابعها الإيحائي أو الإيمائي المضمر، وهي تطفح بعاطفة جياشة، مما يدل على أن قلبه ظل ينبض بحيوية الشباب، فيهوى دعداً وميسون ومها وسليمى وليلى وغيرهن، ففي قصيدة (لماذا أحب عامودا؟) جاء فيها:
مجانين عامودا ما أروعهم...!
فكم هم جديرون بالذكرِ
فلولا عامودا ما كانت (مها)
ولولاهما، لا كان حبي ولا كان شعري
عامودا.. أحببتك، أقولها جهراً
هجرتك مكرهاً، ولم أزل في مقتبل العمرِ
كما يزخر ديوانه بشعر وجداني رائع، أعني تلك القصائد التي تناول فيها كارثة حريق سينما شهرزاد في عامودا عام 1960، ورثاء بطلها محمد الدقوري الذي استأسد لإنقاذ الكثيرين من الصغار إلى أن لاقى حتفه، كما رثى معشوق الخزنوي. وثمة قصائد يغلب عليها الطابع التهكمي والسياسي، كتلك التي يتغنى فيها بملحمتي شنگال وكوبانێ، وما ارتكبه تنظيم داعش الإرهابي فيهما من جرائم تقشعر لها الأبدان، إلى أن تم تحريرهما عام 2015 بسواعد المقاتلين الكُرد من الپێشمەرگة فقال:
ترى الپێشمەرگة كالآسـاد كرّاً
وصقر الكُـــرد يقظان ويرعى
أشنگالێ وكوبانێ سلامـــــــــاً
لكُردستان نفدي الروح طوعـا
حين يمعن القارئ في الإرث الثري لطائرنا المُحَلَّق في الآفاق بجناحيه الآنفين، سيمقت الاستبداد ويتحفز للتحرر من هيمنته.