المقالة فن ورسالة

المقالة فن ورسالة

هنر جنيدي

انقطعت طويلاً عن كتابة المقالة الصحفية، لكنّي لم أنقطع يوماً عن متابعتها وقراءة العشرات من العناوين اليومية، ولم أقل المئات كي لا أُتّهم في المبالغة بالقول، فأنا أقرأ المقالات أكثر بكثير من عناوين الأخبار، ومن قراءة الروايات والمسرحيات والقصص.
تجذب بعض المقالات فضولي الفكري والمعرفي مثل كتب السير الذاتية للعظماء والمبدعين، وبعدها أدب السجون، ثم كتب الفكر والفلسفة الحياتية وصولاً إلى أخبار الفن والرياضة.
كتابة المقال القوي والمؤثر ليس بالفن السهل كما يعتقده البعض، فبالرغم أن المقالة تُعرف أحياناً أنها طريقة سردية قصيرة الحجم وسهلة اللغة ومطلوب فيها وضوح الصور والأمثلة إلا أن الكاتب الحاذق نظرةً والمتمرن كتابةً والمتعمق فكراً يعي صعوبةَ تحقيق هذه المعادلة التي تبدو سهلة في الظاهر لكنها صعبة ومعقّدة في التنفيذ الأدبي، أي أن المعادلة القائمة على سهولة اللغة مقابل عمق المعنى وقصر الحجم شريطة إعطاء الصورة كاملة وبساطة الوصف والدقة وقوة التأثير.
كل ما سبق، عليها أن تسير في كتابة المقالة وفق تسلسل سلس ومهذب، بداية من المقدّمة الموجزة والمُمهدة مروراً بالعرض الشيّق وغير المتشعّب والغني بالأفكار والأمثلة والأقاويل وصولاً إلى الخاتمة.
على الكاتب أن يمسك بيد القارئ، ويأخذ بفكره وروحه في جولة أدبية وثقافية ممتعة ومفيدة فلا ينتهي منها إلا وقد أشبع روحه فكراً أصيلاً، وغذت عقله ببعض المقولات والمعلومات ومنحته- القارئ -فرصة النظر للموضوع المطروح من زاوية جديدة كانت محجوبة عنه قبل قراءة المادة.

تأتي قوّةُ المقال في تنوُّع ساحته من حيث المواضيع الممكن طرقها، فبإمكانك الكتابة عن ذاتك، وعن الآخر، وعن المجتمع، وفي السياسة، والفكر وفي الفنون والعلوم.
وتأتي أهميتها في اعتبارها وسيلةً من وسائل نشر الثقافة، ووسيلة لمعالجة المشكلات السياسية والاجتماعية والفكرية ومثيرة، وخادمة للقضايا العامة.
وكبداية لعودتي لكتابة المقال الصحفي في صحيفتنا «كوردستان» وفي غيرها من المواقع الثقافية أحببتُ أن أفتتح العودة هنا بالحديث عن الكتابة نفسها وبالأخصّ عن فن المقالة، وبعض السطور العامة عنها كأسلوب، وكقيمة وأهمية، رغبت في التحدُّث عن الفن الأدبي الذي من خلاله سنتشاركُ في الأعداد المقبلة إن شاء الله القصص والآراء والأخبار والأفكار والمعلومات ووجهات النظر.
قيل قديماً: «إن القراءة والموسيقا ترمّمان ما يفسده البشر والأحداث في المزاج والروح.»
يقول بورخيس: الكتابة حلم موجّه “أي أننا بالكتابة نصنع حياة لأفكارنا ونأخذها إلى حيث نريد.

ويقول ابن الجوزي:
« لن تكون كاتباً جيداً إلا وأنت قارئ مكثر»
علينا بالقراءة ما استطعنا إليها سبيلاً.