المالتوسية.. والفوضى الخلاقة

المالتوسية.. والفوضى الخلاقة

حسن قاسم

من أهم أهداف نظرية مالتوس الجديدة (النيومالتوسية) التي تدعو الوصول إلى المليار الذهبي الذي يحق له فقط ودون سواه العيش برفاهية على سطح كوكبنا، هو ازدهار صناعة الأسلحة بكل أنواعها الفتاكة وقدرتها الكبيرة على التدمير والقتل الجماعي.
ولتحقيق ذلك يستدعي اللجوء إلى خلق مناطق توتر دائمة وافتعال حروب ومنازعات، وما تنتجه من دمار للبنية التحتية والتهجير القسري في هذه المناطق، ويرى الباحثون والمستشارون المناصرون لهذه النظرية أن القرن الواحد والعشرين يتطلّب التّسريع في تطبيقها، بعد أن حصلت على استحقاقاتها في حروب الخليج الأولى والثانية والحرب في كل من أفغانستان والصومال، فكان ما يسمى بالربيع العربي الذي بدأ في تونس، ولم ينته حتى الآن في سوريا المحطة الأخيرة له، مُخلّفاً المزيد من الكوارث البشرية والاقتصادية والبيئية لهذه البلدان، حتى اشتعلت الحرب بين روسيا وأوكرانيا ثم أحداث السودان، فالنيجر والحبل على الجرار، والمخطط المرسوم يسير على قدم وساق عبر الفوضى الخلاقة بمساعدة أدواتها من الأنظمة المستبدة العميلة لها والمنظمات الإرهابية الراديكالية، وشراء ذمم المعارضات الوهمية التي باعت نفسها لشيطان المال واغتنت على حساب حرية واستقلال أوطانها.
أما ما كان يُسمّى بمحور المقاومة فضاع بين المصالح الشخصية لقياداتها وخدمة أجندات الدول الإقليمية، وانخرطت في مخططات تتناقض مع أهدافها المعلنة خصوصاً المخطط الإيراني الذي يهدف إلى وضع كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن تحت الوصاية واستخدام مواردها في توسيع مناطق النفوذ الإيراني.
الأحزاب الشيوعية واليسارية تشرذمت إلى فصائل هزيلة بعد أن سقطت قياداتها في فخ الانتهازية المقيتة، ووقفت إلى جانب الحكومات المستبدة في صراعها مع الجماهير الغاضبة المطالبة بحقها في العيش بكرامتها ونيل حريتها، أدّى كل ذلك إلى ضعفها أكثر فأكثر وبقيت في أحسن الأحوال متفرجة لاحول لها ولا قوة.
الحركة السياسية الكوردية باستثناء المكسب الذي تحقق في إقليم كوردستان في بناء الفيدرالية كثمرة نضال طويل خاضها الشعب الكوردي وبيشمركته وقيادته الرشيدة التي هي وريثة تاريخ مليء بالتضحيات، لم يستطع الكورد في الأجزاء الأخرى تحقيق أي مكسب حتى الإدارة الذاتية في غرب كوردستان التي أتت كأمر واقع كان من المفروض استثمارها إيجابياً لصالح الشعب الكوردي إلا أنها وقعت تحت وصاية الكوادر من غير السوريين لحزب العمال الكوردستاني فضلاً عن التكاثر الفطري للأحزاب الكوردية التي لا تسمن من جوع، ولا تأمن من خوف حتى بلغ عددها أرقامًا قياسية تقترب من الدخول في موسوعة غينيس، تستدعي الأسف والخجل في وقت يحتاج فيه الشعب الكوردي إلى رصّ صفوفه ووحدة خطابه السياسي ومطالبة المجتمع الدولي بتصحيح الخطأ التاريخي والظلم الذي لحق به جراء اتفاقية سايكس ـ بيكو ومعاهدة لوزان التي حرمت الشعب الكوردي من حقه في تقرير مصير وبناء دولته المستقلة منذ مئة عام.
المرحلة التي نمرُّ بها هي مرحلة حساسة تتطلب من الشعوب المضطهدة (بفتح الهاء) زيادة وعيها وفهم واقعها جيداً، ووضع خطط وبرامج علمية وعملية من شأنها تقليل مشاكلها، ومحاولة السير في طريق التقدم الاجتماعي وثقافة العيش المشترك مع مكوناتها وصيانة السلم الأهلي، وبناء تحالفات تضمن مستقبل أبنائها مع الدول القوية التي تتقاطع مصالحها معاً دون ذلك سيكون قبضاً للريح.