خبز الحياة

خبز الحياة

شمس عنتر

القصة سرد واقعي أو خيالي لأفعال وأحداث وقد تأتي على شكل نثر أو شعر يقصد بها إيصال فكرة أو رسالة أو شدّ الانتباه والاهتمام والإثارة والإمتاع أو تثقيف وتوجيه السامع المتلقي أو القارئ.
كما أننا نستخدم القصص للإجابة عن الأسئلة الكبيرة التي توجه لنا مثل: لماذا أنا موجود هنا؟ لماذا يموت البشر؟ لماذا البعض يموت مبكرا عكس البعض الآخر، ما الهدف من الحياة؟ وما الذي تعنيه إنسانية الإنسان؟ لا شك أن القصص تضفي النظام والمعنى على عشوائية الحياة وترتب بعض تبعثرها وفوضاها. لا نعرف الكيفية التي تنتهي في ضوئها قصتنا الشخصية لا سيما وأن حياة البشر تمثل في الواقع بحثاً عن قصتنا الخاصة بنا ولكننا نفضل سماعها من آخرين ربما لنستشف أراءهم حولنا.
لقد أدت الثقافات البشرية إلى تعزيز الأعراف الاجتماعية من خلال السرد القصصي، فنحن نتواصل مع أطفالنا وذوينا ومجتمعنا من خلال القصص
لذلك تتسم القصص بالأهمية البالغة لكونها تقدم الكثير من الوظائف النقدية التي تعيننا على العيش والتقدم بصفتنا بشراً فالقصص خبز الحياة.
أما إذا اتّجهنا إلى تأثيرها في الطفل، فسنجد أنّ القصص، وخاصة تلك التي تشتمل على الصور، تستحوذ على خيال الأطفال وتوصل أفكاراً وتولد أخرى وتبعث برسائل فعالة، وعلاوةً على ذلك، تكون الصور المرئية مكملة للكلمات وتترك انطباعا ثابتاً في المخ كما تُؤكِّده الدراسات والابحاث التي أجريت على المخ.
وربما من أهم وظائف القصة انها وسيلة تعليمية من خلال عملي الطويل في التدريس وتعاملي مع الأطفال القصة كانت من امتع الوسائل لدي ومن اقربها لعقول ونفوس الأطفال، فهي تعين على تعلم الحقائق بسرعة ويسرّ، حيث أظهرت البحوث العلمية أننا نحصل على الحقائق بيسرّ وسرعة في حال سردها بشكل قصصي. كما أن القصص تعلمنا أيضا كيفية العيش وديمومته من خلال الإصغاء للآخرين وهم يرون لنا قصصهم.
القصص تهدف إلى ربط الناس بعضهم مع البعض الآخر، فرغم أننا نعلم تماماً أنها تستمد مادتها من الخيال إلا إنها تثير ردود فعل عاطفية قوية داخلنا. ربما لأننا عشنا مثلها أو كنا شهود على بعضها الآخر، وحين نستغرق في قراءة قصة معينة فإن بمقدورنا أن نرى العالم من حولنا من خلال عيني الراوي، الذي نعتقد أنه خبير بالحياة، وقد نبني بعض مواقفنا من خلال تأثرنا بمواقف بعض شخوص القصص، بل وتصبح بعضها مضرب الأمثال في حياتنا.
رواية القصص أكثر إقناعاً للمستمعين إذا ما قورنت بالمناقشات والفرضيات والإحصائيات والحقائق التي يمكن يصعب حفظها. القصص هي المرآة الحقيقية لتاريخ الشعوب.
التاريخ عادة يكتبه الاقوياء وأصحاب السلطة فينسبون إلى أنفسهم كل المجد وإلى أعدائهم كل النقائص.
لكن كاتب القصة ينتزع خزعة من جسد المجتمع ويشرحها ويكتب تقريره الصادق عن الأمراض التي عانى ويعاني منها هذا المجتمع دون تحيز أو محاباة ويطرح الاسئلة دون الحلول غالبا، فهو يشخص الأمراض ويعرضها تحت أعين المجتمع وقد يترك النهايات مفتوحة دون أجوبة، ليكون للقارئ كامل الحرية في ابتكار الحلول.
قد تحتوي القصص على موجهات القراءة، لكن دون المساس بتحريف العقل، وليس كما تعمل معظم وسائل الاعلام التي تصب معلومات معينة بحيث توجه المتلقي إلى حيث تريده. أنّ القدرة على إنشاء قصة والابتكار في بعض الإضافات إليها والمشاركة فيها أو الاستجابة لها هي من الصفات البشريَّة. وفي الحقيقة أنّ العقل البشري معالج فعال للقصص الخيالية والحقيقية ومبرمج ليستقبل أنماطا متتابعة لأحداث القصص ويخزنها في الذاكرة طويلة المدى. رغم أن رواية القصص احيانا تعتبر تهمة توجه إلى النساء، وكانت في مرحلة ما محل ازدراء، إلا أنها وسيلة معظم الناس لإيصال أفكارهم بطريقة سلسة دون تعقيدات.
والقصة بين الأجناس الأدبية تعتبر طفلة لكنها في قمة الحكمة ولا تشيخ، أن قراءة القصص الأدبية تساعد الشخص على فهم مشاعره والتعبير عنها، إلى جانب فهم مشاعر الآخرين واستيعابها والتفاعل معها، وتوجيه علاقته بأفراد أسرته، وبناء شبكة علاقات مع الناس من حوله، وتعزيز قدراته التواصلية والتفاعلية معهم، بما يسهم في تعزيز نضجه اجتماعياً ونفسياً، وبناء منظومة الذكاء العاطفي لديه، التي تمكنه من التكيف مع مجتمعه بصورة ناجحة في المستقبل.