عمار عكلة: الحل الأمثل لسوريا المستقبل هو تبنّي الفيدرالية على أساس مناطقي جغرافي لا إثني وطائفي

 عمار عكلة: الحل الأمثل لسوريا المستقبل هو  تبنّي  الفيدرالية على أساس مناطقي جغرافي لا إثني وطائفي

حاوره: عمر كوجري

قال عمار العكلة السياسي والمعارض السوري والمعتقل في سجون النظام السوري في حوار خاص مع صحيفتنا «كوردستان» الدول دائماً تعمل وفق مصالحها، ولا يوجد في السياسة عدوٌّ دائمٌ في المطلق، وعندما تتقاطع مصالح هذه الدولة أو تلك مع نظام ما فلا غرابة من أن تمدّ جسور العلاقات في العلن أم الخفاء، من الناحية الأمنية والتنسيق الأمني لم تقطع أي دولة من المجموعة التي كانت تسمّى «أصدقاء الشعب السوري» علاقتها الأمنية مع النظام السوري.
وعن واقع المعارضات في سوريا، أكد العكلة عن أي معارضة نتحدث! قبل. عام ٢٠١١ كانت أحزابنا السياسية التي تُسمّى بالمعارضة التقليدية ما هي إلا صالونات سياسية ومنتديات، كنا منفصلين عن الواقع وبعيدين عن الناس.
وعن رأيه حول سلطة أمر الواقع في غربي كوردستان، صرح السيد عكلة لصحيفتنا" ربما تمكنت الإدارة الذاتية من تجنيب المنطقة وخاصة الجزيرة من الدمار الذي لحق بقية المدن السورية التي خرجت عن سيطرة النظام لجملة أسباب لكنها عملت على تدمير البشر وحياتهم، وذلك من خلال القرارات الارتجالية التي اتخذتها بمنهاج التعليم الذي فرضته على طلاب المدارس وحرمتهم من التعليم وفق المنهاج الحكومي المعترف به، وفي الوقت ذاته قيادات الإدارة الذاتية يرسلون أولادهم لإتمام دراساتهم في المدارس الحكومية.
وفيما يلي الحوار كاملاً مع السيد عمار عكلة:

*كيف تقرأ حال السوريين في روزنامة العام الجديد؟

ما مرّ على الشعب السوري من مآسٍ لم تحدث لشعب عبر التاريخ، ما بين قتل وسجن وتشريد، دمار للبنية التحتية، انعدام أبسط مقوّمات الحياة ناهيك عن انقسامات في المجتمع السوري الذي كانت صرخته الأولى «واحد واحد.. الشعب السوري واحد».
باتت سوريا سوريات.. سوريا المفيدة تحت سطوة الأسد والعصابات الروسية والإيرانية وحزب الله ، سوريا الجولاني وشركاه من أزلام تركيا وسوريا مسد وقسد ومن والاها وكلها حكم أمر واقع، وكلُّ السوريين يعيشون حالة إذلال، والأفق مسدود أمامهم، الكلُّ محروم من أبسط مقومات الحياة، فالصورة قاتمة جداً والعالم أشاح بوجهه عن مأساتنا.

*لو تصف لنا واقع المعارضة السورية في ظل الانقسامات الفظيعة فيما بينها والتي لم تنتج جسماً سياسياً يليق بتضحيات الشعب السوري؟

**عن أي معارضة نتحدث! قبل. عام ٢٠١١ كانت أحزابنا السياسية التي تُسمّى بالمعارضة التقليدية ما هي إلا صالونات سياسية ومنتديات، كنا منفصلين عن الواقع وبعيدين عن الناس، هنا أتحدث عن أحزاب التجمُّع الوطني الديمقراطي، وفيما بعد دخلنا في تحالف «إعلان دمشق» الذي ضمّ أيضاً بعض القوى السياسية والشخصيات الكردية والمنظمة الآثورية أيضاً لكن رغم اكتساب الإعلان مشروعية ما في الشارع إلا أنّه بقي ضعيف الأداء، وجملة من الأسباب الموضوعية والذاتية جعلته عاجزاً عن مواكبة هموم الناس وتأمين حشد له، فأكبر اعتصام كان باص نقل داخلي أو سيارة بوكس أمنية قادرة أن تجمعنا كلنا وتلقي بنا خارج حدود المدينة فيما لو فكرنا باعتصام ما أو وقفة احتجاجية معينة. ربما الأحزاب الكردية وبسبب المظلومية كانت إلى حد ما أفضل حالاً.
أما بعد الحراك في عام ٢٠١١ فقد تبيّن عجز المعارضة السورية ككل العربية والكردية، فالشباب السوري تقدّم كثيراً عن المعارضة التقليدية ومستحاثاتها لكن للأسف تمكّن البعض من الركوب على موجة الثورة، وتشكلت كيانات ثورية لا علاقة لها بهموم الناس بل تُنفّذ أجندات الدول الراعية والداعمة، فكانت لدينا العديد من المنصات والمعارضات التي لم ولن ترتقِ للدم السوري والتضحيات التي قدمها الشارع وما زال السوريون عاجزين عن تشكيل جسم سياسي أو تكتل جامع يحمل طموحاتهم وآمالهم بعيداً عن المصالح الشخصية في المعارضات التي ارتهنت للمال السياسي من تلك الجهة هنا أو هناك، وما هذه الانقسامات إلا ترجمة لمواقف الدول الراعية لهذه المنصة أو تلك من القضية السورية.

*هناك جهود حثيثة من قطاعات واسعة في المجتمع الدولي تريد إعادة تدوير النظام في دمشق أو أنه تم تدويره بالفعل، هل تتوقع أن يعود النظام إلى الهيئات الدولية كما كان؟

**الدول دائماً تعمل وفق مصالحها، ولا يوجد في السياسة عدوٌّ دائمٌ في المطلق، وعندما تتقاطع مصالح هذه الدولة أو تلك مع نظام ما فلا غرابة من أن تمدّ جسور العلاقات في العلن أم الخفاء، من الناحية الأمنية والتنسيق الأمني لم تقطع أي دولة من المجموعة التي كانت تسمّى «أصدقاء الشعب السوري» علاقتها الأمنية مع النظام السوري بل تعزّزت أكثر خاصة بعد أن تسللت مجمعات الجهاديين من أغلب دول العالم، فكان هَمُّ أجهزة الاستخبارات لهذه الدول معرفة مصير رعاياها من الجهاديين، وكان ثمة تنسيق أمني فيما بينها، وأمن النظام السوري خاصة في دول الجوار، فتركيا ضيّقت الخناق على الضباط السوريين الذين لم ينضووا تحت جناحها، والعمل وفق إملاءاتها، فكان ومازال وجود الضباط المنشقين في تركيا أقرب الى إقامة جبرية في المخيّمات، وكذلك الضباط ذات الحال في الأردن أيضاً تم تجميعهم في أماكن تحت إشراف الأجهزة الأمنية.
تحاول الجامعة العربية، وبعد فشل ثورات الربيع العربي في مصر أولاً، بعد أن أطاح الرئيس عبد الفتاح السيسي برعاية خليجية بأول تجربة ديمقراطية بمصر بعد تنحّي مبارك، وبغضّ النظر إن كنا نتفق أم نختلف مع تيار الرئيس الراحل محمد مرسي أم لا فهو أول حاكم عربي منتخب ديمقراطياً، لكن بعض دول الخليج وأمريكا باركت انقلاب السيسي وقد وصفه الرئيس ترامب بالديكتاتور المدلّل، ومن ثم قيس بن سعيد في تونس حذا حذو السيسي في مصر، وهاتان الدولتان هي الأكثر رغبة في إعادة تعويم النظام السوري بمباركة من حكام الإمارات العربية، وعلى الصعيد الإقليمي تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية ورئيسها البراغماتي اردوغان يسعى لإعادة علاقاته مع دمشق من أجل ضمان أمن جنوب بلاده وخاصة للقضاء على تجربة الإدارة الذاتية لشرق الفرات بإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د وأذرعه العسكرية، فتركيا لا تتوانى عن طرق أي باب للقضاء على الكرد وتجربتهم مستخدمة بذلك للأسف بعض الشباب السوري رأس حربة في قتاله الكرد وقضم أراض سورية
ومن الواضح أن النظام السوري ما زال يؤدي دوراً وظيفياً يخدم مصالح وأجندات قوى إقليمية منذ عقود.

*لماذا فشل الديمقراطيون السوريون في تشكيل تيار وطني ديمقراطي يمثل كل السوريين؟ وكان لكم تجربة في هذا المسار حيث كنتم عضواً في حزب الجمهورية الذي تحالف مع اللقاء الوطني الديمقراطي في سوريا، لماذا فشلت هذه التجربة؟

**ما كتبه السوريون خلال السنوات الماضية من وثائق وكراريس في الشأن السوري كمٌّ هائلٌ، لكن ما هو مؤسف في ترجمة هذه الوثائق من خلال المؤتمرات واللقاءات والمنصّات التي عقدها السوريون في الكثير من العواصم، وكذلك في الداخل، لكن الملفت في الأمر أن الأشخاص ذاتهم بكل نجاحاتهم وفشلهم يتكررون، ويعيدون اجترار أنفسهم في تصدُّر المشهد السياسي دونما أي مراجعة حقيقية لفشلهم أو إخفاقاتهم. وما هذه الاجتماعات إلا لقاءات الزومبيس القادمين من القبور لذلك لم نجد تياراً ارتقى لدم السوريين وتضحياتهم.
أما عن تجربة حزب الجمهورية واللقاء الوطني الديمقراطي، سأتناول حزب الجمهورية، والأصدقاء في اللقاء هم يقيمون التجربة هذه من جانبهم، إن هناك ثمّة أسبابٌ جعلت من هذه التجربة تتعطّل، ولم تعد منتجة ليس السبب في عدم تطابق الرؤية، بل العكس تمكنّا واللقاء الوطني باسم هيئة العمل المشترك لدى الجهتين من إنجاز وثيقة فكرية نعتقد أنها وثيقة مهمة تضاف لقاموس العمل السياسي، وكذلك هي الوثيقة السياسية، لكن كان لدينا عطبٌ في حزب الجمهورية فقد بقينا تحت اسم حزب الجمهورية قيد التأسيس منذ عام ٢٠١٤ وقد تسرّب من الحزب عددٌ لا بأس به من الأعضاء الذين اشتركوا في اللقاء التمهيدي للتأسيس وكان لهم جملة من الأسباب، فالكثير من الأعضاء طحنته صعوبات الهجرة والتأسيس لحياة جديدة في بلاد اللجوء حيث انتشر أعضاء الحزب في أكثر من ٢٥ دولة من أقصى شرق المعمورة إلى أقصى غربها، وبدأنا على المستوى التنظيمي بالتّراجُع، وتأخر انعقاد المؤتمر التأسيسي لعدم وجود إمكانات مادية لعقده فتسرب الكثير من الزملاء، وبالرغم من ضخامة الوثيقة الفكرية والسياسية إلا أننا بجسد تنظيمي ضعيف لذلك لم يعد مُنتجاً وجود هذا التحالف، وربما نشكّل عطالة للأصدقاء في اللقاء الوطني الديمقراطي لذلك اتخذنا من تبقى في حزب الجمهورية القرار في تجميد هيئة العمل المشترك على أمل أن تتسنى الظروف الموضوعية لإحياء هكذا مشروع، وأحب أن أنوّه هنا أن أنشطة هيئة العمل المشرك كانت نفقاتها على عاتق أعضاء الهيئة الشخصي، ولم نلجأ لأي مصدر تمويل خارجي من أي جهة كانت، وهذه أيضاً كانت تشكّل لنا عائقاً إضافياً.

*سوريا محتلة من قبل أمريكا وروسيا وتركيا وإيران وكذلك من الميلشيات التي تدعم النظام، هل سيأتي يوم، ويتخلّص السوريون من هذه الاحتلالات؟

**للإجابة على هذا السؤال علينا أن نتناول كلّ جهة محتلة على حدة، والأسباب التي دفعتها للتدخل عسكريا في الشأن السوري.
أمريكا تدخلت في الشأن السوري تحت ذريعة محاربة داعش حيث قدمت الدعم العسكري واللوجستي لقوات سوريا الديمقراطية، وكانت حليفاً لها بهذه الحرب، لكن أمريكا معروف عنها أنها بسهولة تتخلى عن حلفائها والدليل على ذلك أنها لم تعترف سياسياً لتاريخه بأحقية الإدارة الذاتية ولاسيما أنّ حزب الاتحاد الديمقراطي هو المُهيمن على هذه الإدارة، وعدد لابأس به من قيادات حزب العمال الكردستاني يتصدر هذه الإدارة، وهو ما زال مدرجاً على قائمة الإرهاب لدى الإدارة الامريكية،
أما الوجود الروسي فهو ضمن اتفاقات مع السلطة السورية، ولولا التدخل الروسي في سوريا وتقديم الدعم العسكري للنظام لتغيّر المشهد السوري، فبفضل الجيش الروسي تمكّن النظام من بسط سيطرته على معظم الأراضي السورية التي تمردت عليه، وخرجت عن سيطرته، وقد تكبلت الحكومة السورية بعدّة اتفاقات مع الجانب الروسي، وبات من الصعب التخلُّص منه.
أما التّوغُّل التركي في الاراضي السورية بمساعدة ما يسمى بالجيش الوطني، فقد تذرّعت تركيا بحماية أمنها من خطر وجود الإدارة الذاتية، وبحجة محاربة إرهاب العمال الكردستاني، وفي ظل اللقاءات الأمنية الجارية اليوم بين الجانبين التركي والسوري برعاية روسية فليس مستبعداً أن يتم الاتفاق على إعادة تسليم المناطق التي سيطرت عليها تركيا، وتتخلّى بسهولة عن مرتزقتها الذين ساندوها في حربها لتنفيذ مآربها مقابل تبديد حلم الإدارة الذاتية وتضييق الخناق عليها.
أما الوجود الإيراني ودعمه ومليشياته للنظام السوري فهي أخطر الأطماع على مستقبل سوريا، فحملات التشيُّع التي تنتهجها إيران ومحاولة شراء ما يتسنّى لهم من عقارات، هي تريد الإبقاء على خطوطها مع حزب الله في لبنان، ولن تتخلّى عن حلم الامبراطورية الفارسية لتصل الى صيدا وصور مروراً ببيروت.
وأنا متيقن أن السوريين لن يتخلصوا من هذه الاحتلالات مالم ينعقد مؤتمر دولي يفرض على كل الأطراف الانسحابات من سوريا تطبيقاً لقرارات مجلس الأمن لإنهاء المأساة السورية، والواضح أن هذا الترتيب مازال بعيداً..

*بحسب قراءاتك كسياسي ومثقف سوري، ما رؤيتك لموضوعة الحل في سوريا المستقبل؟

**أجد أن الحل الامثل لسوريا المستقبل بعد الخلاص من هذه الطغمة الحاكمة هو تبني اللامركزية السياسية أو الفيدرالية بحيث تكون على أساس مناطقي جغرافي لا على أساس إثني أو طائفي وفق دستور عصري يحفظ حقوق المكوّنات السورية دونما تمييز بدين أو طائفة أو عرق أو إثنية حيث أنه من المتوجّب علينا جميعاً أن نعترف بالاختلاف الذي يشكّل ثروة وطنية.
وهذا الاعتراف باختلافنا هو شكل من أشكال الحرية،
وما يثيره البعض من خوف التقسيم لا مبرر له، فإن أقوى الدول وأكثرها تماسكًا هي تلك التي تتبع النظام الفيدرالي كما الحال في العديد من الدول الأوربية، ويمكن وضع المواد الدستورية التي تحافظ على وحدة البلاد. لكن لدينا معضلة حيث أن أغلب المدن والبلدات التي خرجت عن سيطرة الأسد هي مدمرة في معظمها، وأغلب البنى التحتية خارجة عن الخدمة، وتحتاج في المرحلة الانتقالية لإعادة إعمار بالكامل، فلا بدَّ من الارتباط بالإدارة المركزية من ناحية التخطيط والتمويل لفترة محددة ريثما تتم إعمار ما دمرته الحرب، ومن ثم الانتقال إلى اللامركزية السياسية او الفيدرالية وفق ما يقرره السوريين في دستورهم

* نشرت في العام 2017 دراسة محكمة عن الحزام العربي الذي طبّق على طول الشريط الحدودي، وسميته بـ«الناسف» حيث فصل بين الكرد والكرد كما تفضلت مع الحدود التركية والعراقية، برأيك هل نجح هذا المخطط الذي رسم له وخططه ضابط الأمن السياسي محمد طلب هلال في القضاء على الكرد اقتصادياً، ونسف جسر التواصل بين الكرد؟

**انتهجت السلطة السورية أسلوباً خبيثاً حينما خططت للحزام العربي، وذلك لعدم ثقتها في سكان المناطق الحدودية من الكرد، فبدل أن تلجأ السلطات المتعاقبة للعمل على تطوير البنى التحتية لهذه المناطق والاهتمام بها أكثر لكسب ثقة سكان الحدود عملت على زيادة إفقارهم والتخطيط لإبعادهم عن الشريط الحدودي، ووضعت المكوّن العربي الذي أتت به من خارج محافظة الحسكة لتزرع أحقاداً لا نهاية لها، وخلق مشكلة تفاقمت عبر مر السنين، بالرغم من معرفتي بأن الكثير من عرب الغمر لم تكن لديهم الرغبة في التواجد بهذه المنطقة إلا أن ضغط السلطة عليهم والتي لم تترك لهم الخيار، فإما أن يُحرَموا من أي تعويض جرّاء غمر أراضيهم الزراعية ببحيرة سد الفرات، أو يقبلوا بالأراضي التي خصصت لهم على طول الشريط الحدودي لمحافظة الحسكة فقد كانت خططها فاشلة من الناحية الأمنية، ولم تتمكن من حرمان تواصل الكرد فيما بينهم إلا أنها نجحت بتهميش وافقار هذه المناطق.

*قلت في مقالة نشرتها عام ٢٠١٣ أن السلطة السورية نجحت في تحييد شرائح واسعة من المجتمع السوري من خلال تخويف الأقليات المذهبية بأن الصراع هو صراع مذهبي محض، وليس حراكاً ثورياً، برأيك كيف نجح في ذلك؟
**كلنا يذكر جيداً الوثيقة التي سرّبتها الأجهزة الأمنية لدى النظام السوري والتي سُمّيت بخطة بندر بن سلطان، وهي وثيقة صاغتها الأجهزة الأمنية تحسّباً لقيام أي حراك في سوريا بعد ثورة البوعزيزي في تونس فتوجّس النظام من امتداد الربيع العربي إلى سوريا وصوّر النظام على أنها مؤامرة محاكة ضده لمواقفه المبدئية في المقاومة والممانعة، وما إن انطلقت المظاهرات السلمية بفترة وجيزة قام النظام بإطلاق سراح عدد لابأس به من المعتقلين الجهاديين من جند الشام وغيرها والذين كانوا يشاركون في عمليات جهادية بالعراق، وتزامن أيضاً إعلان الرئيس باراك أوباما انتهاء الاحتلال الامريكي للعراق وانسحاب معظم القوات الامريكية التي كانت متواجدة على اراضيه مما دفع هؤلاء المقاتلون بالعودة لسوريا وتشكلت تنظيمات عسكرية جهادية تمكنت من حرف بوصلة الحراك الشعبي، وباتت الشعارات تدعو لإقامة شرع الله في الأرض تحت مسميّات دينية طائفية وأذكى هذه الروح لدى الشريحة السنية هو الكم الهائل من الحقد الطائفي الذي مارسته المليشيات الموالية للنظام، فكانت ردة فعل كبيرة من الشارع بأن تحوّل الصراع إلى صراع مذهبي مابين الطائفة السنية من جهة والعلوية والشيعية من جهة أخرى ناهيك عن تدخُّل المال الخليجي الذي قدم الدعم للميلشيات الإسلامية فأصبحت الصورة قاتمةً جداً، ونجح الأسد وموالوه من القوى الدولية والإقليمية بأن جعل الصراع في سوريا ما بين جماعات إسلامية راديكالية متمردة وسلطة شرعية
*قرأت لك مقالات معظمها مضى عليها سنوات، لماذا لم تتابع كتابة مقال الرأي؟ هل شعرت بإحباط من واقعنا السوري؟

**أجل هو الإحباط من عدم جدوى سماع صوت العقل، فعندما ينطق الرصاص لا صوت فوق صوته فضلاً عن مأساة الشعب السوري التي فاقت كل وصف، فلمن أكتب؟ هل أكتب لأجل ذاك الأب الذي يحتار، كيف يتدبر قوت يومه؟ أم لتلك المرأة المشردة في مخيمات القهر والذل؟ أم للشباب الذي فقد كل حلم وبات خلاصه الوحيد في ركوب قوارب الموت بحثاً عن حياة جديدة أو الضياع في متاهات غابات طريق الهجرة لاوربا لذلك فضلت المراقبة بصمت.

**منذ مدة تهدّد تركيا باجتياح جديد لأرض سوريا مع العلم أنها وبالتنسيق مع "الجيش الوطني الحر" المدعوم من تركيا قامت باحتلال عفرين وبعدها سري كانيية "رأس العين "وگـري سـپـي "تل أبيض " وغيرها من مناطق بريف حلب، فهل ترى أن تركيا ستنفذ وعيدها؟ وكيف السبيل للحلولة من ذلك؟

**قبل أي شيء لا يحق لي كسوري أن أدين تدخُّلاً عسكرياً ما من إيران أو روسيا أو أمريكا ما لم أُدِنْ التواجد التركي على الأراضي السورية والبندقية المأجورة التي ساهمت بذلك، أما التهديدات التركية فإن تركيا في بنية هويتها القومية تكنُّ الاستعلاء والحقد للجميع، وخاصة الكرد أينما كانوا، وتتخذ كل الذرائع للتضييق عليهم، نذكر الموقف المتشنج الذي اتخذته الإدارة التركية عشية الاستفتاء في كوردستان العراق وما اتخذته تركيا من تضييق لعدم نجاح نتائج هذا الاستفتاء، ذراعها العسكرية تمتد إلى شمال العراق، ولا تتوانى عن قصف الشمال، فهي مدللة أمريكا، ولاعب مهم في المنطقة. وتتذرع بمحاربة عناصر حزب العمال الكردستاني وتدخلها عسكريًا مجدداً في الشريط الحدودي السوري مرهون بنتائج محاورات الجانبين التركي والسوري ومدى جدية الاتفاقات التي ستتمخض عن ذلك، لكن كلنا نعلم أن حزب البي واي دي يمكن أن يجنّب المنطقة هذه الحروب من خلال فك ارتباطه مع البي كي كي وتفويت الفرصة عليهم والعمل على الاستقواء بالسوريين ككل كرداً وعرباً وإطلاق الحوار الكردي الكردي والانطلاق لحوار سوري يؤسس لعقد اجتماعي للسوريين.

*منطقة شمال شرق سوريا محكومة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي، وتستفرد بالحكم بكل مفاصل الحياة بأسلوب استبدادي مريع، ما رأيك في تجربة الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا؟

**ربما تمكنت الإدارة الذاتية من تجنيب المنطقة وخاصة الجزيرة من الدمار الذي لحق بقية المدن السورية التي خرجت عن سيطرة النظام لجملة أسباب لكنها عملت على تدمير البشر وحياتهم، وذلك من خلال القرارات الارتجالية التي اتخذتها بمنهاج التعليم الذي فرضته على طلاب المدارس وحرمتهم من التعليم وفق المنهاج الحكومي المعترف به، وفي الوقت ذاته قيادات الإدارة الذاتية يرسلون أولادهم لإتمام دراساتهم في المدارس الحكومية في حين تعتقل المدرّسين الذين يدرسون المنهاج الحكومي، ناهيك عن محاولة فرض ثقافة وفكر عبدالله اوجلان في مناهج التعليم. فضلًا عن عمليات الاعتقال التعسفي للنشطاء، وكذلك التجنيد الإجباري للقُصّر وخاصة الفتيات بالإضافة إلى الفساد والمحسوبيات.

*هل لديكم علاقات مع المجلس الوطني الكردي في سوريا والمنضوي في اطار الائتلاف السوري لقوى المعارضة وهل انتم راضون على أدائه؟

**بحكم أنني من أبناء مدينة الحسكة واهتمامي بالشأن العام تربطني علاقات مع الكثير من القيادات السياسية الكردية، وكان لنا أنشطة مشتركة لغاية خروجي من سوريا بنهاية العام ٢٠١٢ أما بعد ذلك اقتصرت العلاقة بشكل شخصي مع بعض الأصدقاء
أما من حيث أداء المجلس الوطني الكردي فغني أجد أن الأصل في ضعف وهو الائتلاف، فكيف سيكون أداء الفرع في ضعف أيضاً، فالمعضلة السورية حلها أكبر من ائتلاف أو غيره، وخرج الحل من يد السوريين على المستوى المنظور

كيف تقرأ عمل الائتلاف السوري وهو الذي في بداية تشكله حاز على اعتراف أكثر من مئة دولة، وحالياً فقد الشرعية الدولية لماذا برأيك؟

**عندما تشكل الائتلاف السوري، وقبله المجلس الوطني السوري كان خلطة على عجل بنية تشكل الائتلاف والهيئات المنضوية به لا تحمل التوافق الصحيح فيما بينها، تحالف تحكمه القوى الإقليمية وتتحكم به وبقراراته ووفق أجندات الدول الداعمة له لذلك نجد أن الائتلاف ينفذ أجندات الدول التي تقدم له التمويل، لذلك انحصرت مطالبات أعضاء هذا الائتلاف بالمصالح الشخصية والحفاظ على المكتسبات التي حققوها على المستوى الفردي.

*ملف المعتقلين في سوريا شائك جداً سواء لدى النظام أو لدى التنظيمات المسلحة التي تحكم بعض المناطق في سوريا، كيف يمكن جعل هذا الملف من ضمن اهتمامات المجتمع الدولي والدول الفاعلة عالمياً؟
المعتقلون والمغيّبون هم الوجع الحقيقي، فمن مات وقضى نحبه انتهت مأساته، وخفت معاناة من يحبه أما المعتقل والمُنقّطة أخباره هو الألم المتجدد، آلامه في عتم زنزانته ورطوبتها وعفنها وألم من لا يعرف عنه شيئاً، أكان على قيد الحياة أم قتل؟
في الكثير من اللقاءات والمناسبات، هل تعلم أن الائتلاف السوري لقوى المعارضة ليست لديه قوائم للمعتقلين بالرغم من كل الدعوات المقدمة له. هناك اجتهادات شخصية لمجموعات هي من وثقت ليس كل المعتقلين بل قسماً منهم، وأجد أننا إن لم نخن تضحيات هؤلاء يجب قبل بدء أي لقاء تفاوضي لا بد من وجود بادرة حسن نية لاطلاق سراح المعتقلين.

*وفي شأن المعتقلين، نعلم أنك والاستاذ حسين عيسو الذي اعتقله النظام السوري منذ أكثر من عشر سنوات، كنتما صديقين مقرّبين، لو تصف لنا علاقتك مع الاستاذ عيسو كونكما ابني الحسكة؟

**الصديق حسين عيسو يمثل حلم الثورة السورية الذي كلنا نبحث عنه، لي تجربة غنية معه قبل الحراك الشعبي، ما كان يفعله على المستوى الشخصي تعجز أحزاب عريقة مجتمعة على تقديمه، حاولنا نحن مجموعة العمل الوطني أن نقدّم شيئاً للناس، ونبرز صورة أننا شعب واحد مع احترام اختلافنا، وخصوصية كل واحد منا تجدنا في مناسبات الناس الدينية والقومية نشارك الجميع، ونبحث في أوجاعهم إثر صدور المرسوم رقم ٤٩ لعام ٢٠٠٨ الذي حرم عمليات البيع والشراء عملنا وبمؤازرة من الأحزاب الكردية والتجمع الوطني وإعلان دمشق والمنظمة الاثورية بالشغل على عريضة حملت ما يزيد عن ٤٦ الف توقيع لتقدم لرئيس الجمهورية، وحمل العريضة حسين عيسو والصديقان يعقوب درويش وممتاز الحسن، وبعد عودة الوفد من دمشق اتفقنا كل من حسين عيسو والصديق عبدالله ماضي وهو معتقل أيضاً منذ٢٠١٢ ومصيره مجهول تماماً، وأنا على أن نبحث بتداعيات المرسوم سيئ الذكر على أحوال الناس في الجزيرة فقمنا بجولات على العديد من قرى محافظة الحسكة لإجراء دراسة ديمغرافية حيث كانت العديد من القرى مهجورة إلا أن المشروع تعطل بسبب اعتقالي في نهاية عام ٢٠١٠ ومصادرة الكمبيوتر الذي كان العمل محملاً به، ومن ثم بدأت نسائم الربيع العربي تهب على المنطقة، ما أتمناه أن يكون الصديق حسين وكافة المعتقلين بخير، ونجدهم قريباً بيننا.

في الختام أود أن أشكر الأستاذ المُحاوِر الصديق عمر كوجري، ومن خلالكم أشكر صحيفتكم «كوردستان» التي أتاحت لي هذا اللقاء، وآمل أن يحمل العام الجديد للسوريين فسحة من الأمل، وتُخفّف أوجاعهم ومعاناتهم وكل عام وأنتم بخير.

عمار العكلة:- بروفايل
-مواليد 20.04.1964 دير الزور
التعليم الابتدائي واالاعدادي والثانوي في مدينة الحسكة.
-عمل في الاصلاح الزراعي- دائرة الاستيلاء والشؤون القانونية.
-انتقل في عمله رئيساً للشؤون الادارية في الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بالحسكة وقسم الدراسات
صُرف من الخدمة بموجب قرار مكتب الامن القومي بعام 2012
-انتسب الى صفوف حزب العمال العربي بعام 1988 وبقي في الحزب لغاية خروجي هربا من سوريا في صيف عام 2012 وحاليا مقيم في المانيا وحصل على الجنسية الالمانية في نهاية عام 2019
-كان من المشاركين في صياغة ودراسة وثائق حزب الجمهورية في اطلاقه قيد التأسيس بعام 2014
-منذ العام 2004 بدأ كتابة مقالات رأي ونشرها في العديد من المواقع الالكترونية العربية والكردية وكانت سببا في اعتقاله بعام 2010