الكورد وسوريا الجديدة، بين حقوق تاريخية وشراكة دستورية قادمة

الكورد وسوريا الجديدة، بين حقوق تاريخية وشراكة دستورية قادمة

عزالدين ملا

أكثر من عشرة أشهر مضت على هروب بشار الأسد، وسوريا تقف اليوم على مفترق طرق بين الذكريات المؤلمة والمستقبل المجهول.
الشعب السوري، بكل مكوّناته، يحمل في قلبه أوجاع الماضي، لكنه أيضاً يضمر أملاً متقداً بالخلاص من الخوف، ومن سنوات الحرمان والتهميش التي استمرت عقوداً.
الكورد، الذين عانوا أشكالاً متعدّدة من الاضطهاد والعنصرية والإقصاء، يجدون اليوم أمامهم فرصة نادرة ليحوّلوا ألمَ الماضي إلى مشروع سياسي وطني يضمن حقوقهم، ويؤكد دورهم كشركاء في بناء سوريا الجديدة.
هذه المرحلة الانتقالية ليست مجرّد لحظة تاريخية، بل اختبار حقيقي لقدرة السوريين على تجاوز الانقسامات، وبناء وطن يُكرّم الجميع، ويؤسس لمستقبل يقوم على العدالة والمساواة والأمل.


1-كيف يمكن للكورد تحويل سنوات القمع والإقصاء إلى قوة سياسية واجتماعية فاعلة في سوريا الجديدة؟
2-ما هي الأولويات التي يجب أن تحدّد مسار العدالة والمساواة لكل المكونات السورية؟
3-كيف نضمن مشاركة عادلة وفعالة للكورد في المؤسسات السياسية والإدارية لسوريا الجديدة؟
4-ما هي الخطوات العملية لبناء الثقة بين مكونات المجتمع والتخلص من دائرة الخوف والشك؟
5-كيف يمكن صياغة رؤية وطنية جامعة تتجاوز الخلافات التاريخية وتؤسس لسوريا متجددة ومستقرة؟

اللامركزية والعدالة الانتقالية، مفاتيح سوريا المستقبل

تحدث عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدّمي الكردي في سوريا، ميداس أزيزي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «لقد خلّفت سنوات القمع والإقصاء الطويلة لدى الكورد تجربة سياسية عميقة وشعورًا جمعيًا بالهوية والظلم، شكّلا معًا قاعدة لوعي وطني متجذر. غير أن التحدّي الحقيقي يكمن في الانتقال من حالة الوعي بالمظلومية إلى وعي سياسي منظّم وعقلاني، يسعى إلى بناء مستقبل مشترك مع سائر المكونات السورية على قاعدة الشراكة والمواطنة.
يتطلّب ذلك بناء تحالفات وشراكات وطنية حقيقية تقوم على مبدأ الأكثرية السياسية لا العددية، ضمن برنامج وطني شامل يقدّم رؤية متكاملة لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد، وبما يضمن العدالة والمساواة لجميع السوريين.
وقد شكّل كونفرانس 26 نيسان خطوة مهمة على طريق وحدة الصف والموقف الكوردي، غير أنّ هذه الخطوة تحتاج إلى استكمال بعمل سياسي مؤسسي منسّق، يترجم مبادئ الكونفرانس إلى واقع ملموس يعزّز الدور الكوردي الفاعل في المشهد الوطني السوري».

يتابع أزيزي: «تحقيق العدالة والمساواة بين جميع المكونات السورية يستلزم تحديد أولويات واضحة تبدأ بـ صياغة دستور ديمقراطي عصري يكرّس مبدأ المواطنة المتساوية، ويعترف بالتنوّع القومي والثقافي والاجتماعي بوصفه مصدرَ غنى وقوة وطنية.
كما يجب ضمان الحقوق السياسية والثقافية لكل المكونات دستورياً، وتحقيق العدالة الانتقالية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، إلى جانب اعتماد اللامركزية السياسية كآلية لتوزيع عادل للسلطة والثروة.
ولا يمكن إغفال أهمية تمكين المرأة والشباب، وترسيخ مبدأ الشراكة الوطنية في مؤسسات الدولة، لبناء سوريا جديدة قائمة على العدالة، والتعددية، واحترام الخصوصيات الوطنية».

يشير أزيزي: «ان ضمان مشاركة عادلة وفعّالة للكورد في مؤسسات الدولة يتطلّب حضورًا سياسيًا كورديًا موحدًا ومؤثرًا في العملية السياسية الوطنية، يقوم على الحوار والتعاون البنّاء مع مختلف القوى السياسية والاجتماعية السورية.
كما ينبغي العمل على تضمين ضمانات دستورية صريحة تكفل مبدأ المشاركة المتكافئة في السلطات التشريعية والتنفيذية والإدارية، إلى جانب إعادة بناء الثقة الوطنية من خلال شراكة حقيقية في صنع القرار.
ويُعد النظام اللامركزي أحد أهم الأدوات لتحقيق هذه المشاركة الفعلية، بما ينسجم مع مبادئ المواطنة والمساواة، ويضمن تمثيلًا عادلًا لكلّ المكونات في سوريا المستقبل، يكفل حقوق الشعب الكوردي وجميع المكونات السورية دستورياً».

يؤكد أزيزي: «أن العدالة الانتقالية تُعدُّ المدخل الأساس لبناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري، إذ تمكّن من معالجة إرث الخوف والشك الذي تراكم خلال سنوات الصراع والقمع.
وتتحقق هذه العدالة من خلال كشف الحقيقة، والمساءلة، وجبر الضرر، وضمان عدم التكرار، بما يعيد الاعتبار للضحايا، ويؤسس لمصالحة وطنية قائمة على العدالة والاعتراف المتبادل.
كما أن إطلاق حوار وطني شامل يضمُّ جميع المكونات، ويُبنى على قيم المواطنة والمساواة والاحترام المتبادل، إلى جانب تعزيز دور منظمات المجتمع المدني والإعلام الحر، يشكّل ركيزة أساسية لترسيخ ثقافة الثقة والتعايش المشترك».

يختم أزيزي: «إن صياغة رؤية وطنية جامعة تتجاوز الخلافات التاريخية وتؤسس لسوريا متجددة ومستقرة تتطلّب توافقًا وطنيًا شاملًا يرتكز على العدالة والمواطنة المتساوية والاعتراف بالآخر بوصفه عنصر قوة ووحدة لا مصدر انقسام.
وتستند هذه الرؤية إلى مصالحة وطنية حقيقية، ومشاركة عادلة في مؤسسات الدولة، وحوار مستمر بين جميع المكونات، لضمان بناء مجتمع متماسك ومستقر تُصان فيه الحقوق وتُحترم الخصوصيات في سوريا ديمقراطية تعددية تُعبّر عن جميع أبنائها».



الاعتراف المتبادل... أساس الاستقرار والمصالحة الوطنية

تحدّث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، محمد علي إبراهيم لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «شكلت سنوات القمع التي تعرّض لها الشعب الكوردي في سوريا مرحلة قاسية لكنها أسست لوعي سياسي واجتماعي متقدم يمكن أن يكون قاعدة لانطلاقة جديدة نحو المشاركة الفاعلة في بناء مستقبل البلاد. فقد أفرزت تلك التجربة إدراكاً لأهمية التنظيم السياسي والتمسُّك بالهوية القومية والإيمان بالديمقراطية والنهج السلمي لتحقيق الحقوق المشروعة.
إن الانتقال من موقع المظلومية إلى الفاعلية يتطلب مراجعة شاملة وتوحيد الصف الكوردي ضمن مشروع وطني جامع يربط القضية الكوردية بمسار التحول الديمقراطي في سوريا. كما أنّ تعزيز الدور الكوردي يستوجب بناء مؤسسات مدنية حديثة وتفعيل دور الشباب والمرأة والنخب الثقافية لتتحول التجربة النضالية إلى قوة بنّاءة، ولن يتحقق ذلك إلا بخطاب متوازن يعترف بالآخر، ويسعى لبناء الثقة مع مختلف المكوّنات السورية، وصولاً إلى دولة ديمقراطية مدنية لامركزية تضمن المساواة والاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكوردي وحقوقه القومية.
إن المرحلة المقبلة تتطلب من الحركة السياسية الكوردية رؤية استراتيجية منفتحة تستند إلى مخرجات كونفرانس نيسان، وتعمل على الحضور الفاعل في مؤسسات الدولة القادمة في ظل دستور جديد يكرس التعددية والعدالة والمواطنة».

يتابع إبراهيم: «إن صياغة دستور ديمقراطي جامع يجب أن يقوم على مبدأ الاعتراف بوجود المكونات، ويضمن فصل السلطات وحماية الحريات العامة وحقوق الإنسان ويكرس التعددية السياسية والثقافية، والاعتراف الرسمي بالقومية الكوردية وبقية المكونات القومية والدينية (الآشوريين، السريان، التركمان، الأرمن، الدروز، الإيزيديين…) باعتبارها جزءاً أصيلاً من النسيج السوري وضمان حقوقها المشروعة، وتحقيق العدالة الانتقالية والمساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم بحق السوريين من أي جهة كانت وضمان تعويض الضحايا والمتضررين من السياسات البائدة وجبر الضرر لتأسيس مصالحة وطنية قائمة على الحقيقة لا على الإنكار.
واعتماد نظام إداري يوزع الصلاحيات بين المركز والمناطق بما يتيح لكل مكون إدارة شؤونه بحرية وعدالة ويحد من التهميش والاحتكار السياسي. وإعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية على أسس وطنية مهنية بعيداً عن التفرد بلون واحد وخضوعها للسلطة المدنية المنتخبة التي تشمل جميع المكنونات وفق النسب. وضمان للمشاركة المتساوية للنساء والشباب في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية باعتبارهم قاعدة العدالة الاجتماعية وأساس التغيير الحقيقي.
ولمعالجة التفاوت الطبقي والمناطقي الذي فاقم من شعور الظلم لدى فئات واسعة من خلال توزيع عادل للثروة الوطنية وإعادة إعمار متوازن يراعي حقوق المناطق المنكوبة».

يشير إبراهيم: «أن ضمان مشاركة عادلة وفعالة للكورد في المؤسسات السياسية والإدارية لسوريا الجديدة، يجب أن تُبنى العملية السياسية على أسس الاعتراف بالتعدُّد القومي والثقافي في البلاد. ويمكن تحقيق ذلك عبر مجموعة من الخطوات العملية والسياسية المتكاملة منها الاعتراف الدستوري بالهوية القومية الكوردية حيث يضمن الدستور الجديد نصوصاً واضحة تعترف بالكورد كشعب أصيل على أرضه التاريخية وتقرُّ بحقوقهم المشروعة ضمن إطار وحدة البلاد بما يضمن تمثيلهم المتكافئ في مؤسسات الدولة.
اعتماد اللامركزية الإدارية والسياسية يتيح للكورد كما لبقية المكوّنات إدارة شؤون مناطقهم والمشاركة في القرار الوطني من خلال مؤسسات منتخبة ديمقراطياً بما يعزز العدالة في توزيع السلطة والثروة. ولضمان المشاركة الفعلية في المرحلة الانتقالية يمكن اعتماد نظام - الكوتا -في البرلمان والحكومة والهيئات الدستورية إلى حين ترسيخ الممارسة الديمقراطية والتوازن الوطني الحقيقي. وإصلاح المؤسسات وبناء الثقة بمشاركة فعالة لبناء مؤسسات الدولة على أسس النزاهة والشفافية وإزالة آثار الإقصاء التاريخي للكورد من الإدارة والجيش والتعليم والوظائف العليا.
يجب أن يكون للكورد حضور فعلي في صياغة السياسات العامة من خلال تمثيلهم في لجان صياغة الدستور والهيئات الوطنية العليا لضمان أن لا تكون القرارات المصيرية حكراً على جهة دون أخرى. وهذه المشاركات لا تكتمل دون بناء وعي وطني جامع يحترم التعدد ويعترف بأن العدالة في التمثيل هي أساس الاستقرار والوحدة الوطنية».

يؤكد إبراهيم: «إلى ان بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري والتخلص من دائرة الخوف والشك، لا بد من اتباع خطوات عملية مدروسة تعالج جذور الأزمة وتعيد صياغة العلاقات على أساس المصلحة الوطنية المشتركة. وذلك بالاعتراف المتبادل بحقوق جميع المكونات القومية والدينية والسياسية دون استعلاء أو إنكار. فالاعتراف يمهّد الطريق لبناء جسور الثقة ويُشعر الجميع بأنهم شركاء متساوون في الوطن.


يختم إبراهيم: «إن صياغة رؤية وطنية جامعة تتجاوز الخلافات التاريخية وتؤسس لسوريا متجددة ومستقرة تتطلب إرادة سياسية حقيقية وشجاعة مجتمعية للاعتراف بالأخطاء والبحث عن قواسم مشتركة تنطلق من فكرة الوطن للجميع لا من منظور الغلبة أو الإقصاء.
يجب أن تقوم هذه الرؤية على مبدأ المساواة كأساس للانتماء بحيث يلغى أي تمييز على أساس قومي أو ديني أو مذهبي أو مناطقي. فالوطن لا يمكن أن يستقر ما لم يشعر كل مكون أنه شريك كامل في القرار والمصير لا تابع ولا مهمش.
ينبغي اعتماد حوار وطني شامل يشارك فيه ممثلو جميع المكونات دون استثناء وبإشراف وطني مستقل لتحديد الأسس السياسية والاجتماعية لسوريا المستقبل. هذا الحوار يجب أن يفتح ملفات الماضي بشجاعة لا بهدف الانتقام بل من أجل العدالة والمصالحة التاريخية وتضميد الجراح التي خلفتها عقود القمع والإقصاء.
إن الرؤية الجامعة تحتاج إلى دستور جديد يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع على قاعدة اللامركزية الإدارية والسياسية، وضمان الحقوق المشروعة لكل المكونات بما يعزز وحدة البلاد في إطار من التنوع والتكامل».

التمثيل العادل والعدالة الانتقالية أساس بناء سوريا المستقبل

تحدث الكاتب، محمود مصطفى لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «أكثر من عشرة أشهر مضت على خلع طاغية دمشق بشار، والبلاد الجريحة اليوم تقف على مفترق طرق حاسم بين ذاكرةٍ مثقلةٍ بالوجع والمآسي، ومستقبلٍ مفتوحٍ على احتمالات متعددة، بعضها يَعِد بالأمل، وبعضها يُخيف بتكرار الدائرة القديمة من العنف والانقسام. في هذا الزمن الانتقالي، يعيش السوريون حالةً معقّدة تجمع بين الحنين إلى الاستقرار المفقود، والرغبة في ولادة وطن جديد يليق بتضحياتهم، ويعيد إليهم كرامتهم التي سُلبت طوال عقود من القهر والاستبداد.
الشعب السوري، بكل مكوّناته القومية والدينية والمناطقية، يحمل جراحاً غائرة من سنوات الحرب والاضطهاد، لكنه لا يزال يحتفظ بوميض أمل في قلبه، أملٍ بالخلاص من الخوف، ومن ميراثٍ ثقيلٍ من الحرمان والتهميش. وبين هؤلاء المكوّنات، يبرز الكُرد السوريون كفئة تحمل تاريخاً طويلاً من النضال والمعاناة، لكنهم أيضاً يمتلكون اليوم فرصة تاريخية نادرة لتحويل الألم إلى طاقة بناء، والمظلومية إلى مشروع وطني جامع».

يتابع مصطفى: «إلى أن الكُرد السوريين عاشوا لعقود طويلة تحت وطأة سياسات الإقصاء والإنكار، فحُرِموا من حقوقهم اللغوية والثقافية، ومُنِعوا حتى من تسجيل أسمائهم القومية في السجلات الرسمية. غير أن هذه العقود من التهميش خلقت لديهم وعياً سياسياً عميقاً وإصراراً على البقاء والهوية. واليوم، ومع انهيار النظام القديم، يجد الكُرد أنفسهم أمام لحظة تاريخية لتحويل معاناتهم إلى قوة سياسية واجتماعية فاعلة.
إن تحقيق ذلك يتطلب من القوى الكُردية تجاوز الحسابات الحزبية الضيقة، والانفتاح على الشركاء السوريين في حوار وطني شامل. كما يجب أن يتحوّل الوعي القومي إلى مشروع مدني ديمقراطي يربط بين مطالب الكُرد بالحرية والعدالة، ومطالب بقية السوريين بدولة قانون ومواطنة متساوية. فالقضية الكُردية ليست قضية قومية فحسب، بل هي اختبار حقيقي لمفهوم العدالة في سوريا الجديدة».

يشير مصطفى: «على ان سوريا ولكي تنهض من ركام الماضي، يجب تحديد أولويات واضحة لمسار العدالة والمساواة. في مقدمة هذه الأولويات تأتي العدالة الانتقالية، التي تقتضي كشف الحقيقة حول الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت بحق الشعب السوري خلال حكم النظام السابق والحرب الطويلة. فالمصالحة الحقيقية لا يمكن أن تُبنى على النسيان، بل على الاعتراف والإنصاف.
كذلك، يجب أن تُعاد صياغة دستور جديد يضمن المساواة الكاملة بين جميع المواطنين دون تمييز على أساس القومية أو الدين أو المذهب. فالمواطنة هي الأساس الوحيد للحقوق والواجبات، والدولة الجديدة يجب أن تكون دولة مدنية لا تُقصي أحداً ولا تمنح امتيازاً لأحد. كما ينبغي أن تكون اللامركزية الإدارية والسياسية إحدى ركائز النظام الجديد، بما يتيح توزيعاً عادلاً للسلطة والثروة بين جميع المناطق. ومن الضروري أن تتجسد العدالة والمساواة في بنية المؤسسات السياسية والإدارية. فالكُرد، الذين يشكّلون جزءاً أصيلاً من النسيج السوري، يجب أن يكون لهم تمثيل فعّال في الحكومة والبرلمان والجيش والمؤسسات السيادية.
تحقيق ذلك يتطلب وضع آليات قانونية تضمن المشاركة النسبية العادلة، بعيداً عن المحاصصة الطائفية أو القومية. ويمكن أن تُعتمد صيغ تشاركية في الإدارة المحلية، بحيث تُمنح المناطق ذات الغالبية الكُردية صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها ضمن إطار الدولة السورية الموحدة.
كذلك، فإن تمكين الكفاءات الكُردية في مجالات التعليم، والإعلام، والقضاء، والإدارة، سيكون خطوة أساسية لترسيخ الثقة المتبادلة وبناء جسور التواصل بين المكونات».

يؤكد مصطفى: «إلى أن التحدي الأكبر أمام السوريين اليوم هو استعادة الثقة بين مكوناتهم، بعد سنوات طويلة من التحريض والانقسام، وما زال التحريض منهجا تتخذه بعض الجهات الإقليمية لضرب اسفين المجتمعات السورية لمصالح تتعلق بسياساتها. ولا يمكن تحقيق إعادة الثقة إلا عبر مشروع وطني صادق يتبناه الجميع دون استثناء.
أولى خطوات بناء الثقة تتمثل في الاعتراف المتبادل بين المكوّنات، واحترام سرديات كل فئة وتاريخها. يجب أن يشعر الكُرد، والعرب، والآشوريون، والمسيحيون، والدروز، وغيرهم، بأنهم شركاء في وطنٍ واحد لا يملك أحد فيه حق الوصاية على الآخر، الجميع سواسية متساوون أمام سمو القانون.
كما يمكن للمجتمع المدني، والمنظمات الثقافية، والإعلام الحر، أن يلعبوا دوراً محورياً في ترميم النسيج الاجتماعي، من خلال مبادرات للحوار، والتعاون الاقتصادي، وبرامج مشتركة للشباب والنساء. فالثقة لا تُبنى بالشعارات، بل بالممارسات اليومية التي تزرع الاحترام والتعاون».

يضيف مصطفى: «إن سوريا تحتاج اليوم إلى رؤية وطنية جامعة تتجاوز الجراح والانقسامات التاريخية، وتؤسس لعقد اجتماعي جديد يقوم على ثلاث ركائز: الحرية والكرامة كأساس للشرعية السياسية. والعدالة والمواطنة كأساس للعلاقات بين المكوّنات. والتنمية والمشاركة كأساس لبناء الدولة الحديثة.
هذه الرؤية لا يمكن أن تُفرض من فوق، بل يجب أن تُصاغ من خلال حوار وطني شامل.

يختم مصطفى: «إن سوريا اليوم تقف على حافة مرحلة جديدة، إما أن تكون ولادة وطنٍ متجدّد، أو عودة إلى الفوضى والانقسام. والكُرد، ومعهم بقية المكوّنات السورية، أمام اختبار مصيري، هل يستطيعون تحويل الألم إلى أمل؟ وهل يمكنهم بناء وطنٍ يتسع للجميع بعد كل هذا الخراب؟ الجواب لا يزال في أيدي السوريين أنفسهم. فالمستقبل لن يُمنح لهم، بل سيصنعونه بإرادتهم، إذا ما تخلّوا عن الخوف، وآمنوا بأن الحرية لا تكتمل إلا بالعدالة، وأن العدالة لا تتحقق إلا بالمساواة، وأن المساواة لا تدوم إلا بالأمل».