القضية الكوردية في سوريا بين الواقع والخيال فاضل دللي

القضية الكوردية في سوريا بين الواقع والخيال فاضل دللي

فاضل دللي

منذ ما يقارب قرناً من الزمن لاتزال القضية الكردية في سوريا تتأرجح بين واقع قاسٍ وخيال لم يتحقق بعد بين معاناة طويلة الأمد، وحلم مستمر بالحرية والمساواة والاعتراف بالهوية.

فهي ليست قضية فئة أو جماعة محددة بل هي قضية شعب أصيل يسكن على أرضه التاريخية، ويطالب بحقوقه الطبيعية المشروعة في إطار وطن ديمقراطي يسوده العدل والمواطنة المتساوية.

لقد عانى الكورد من سياسات الإقصاء والتهميش لعقود طويلة بدءاً من الإحصاء الاستثنائي لعام ١٩٦٢ الذي جرد أكثر من ١٢٠ ألف كوردي من جنسيتهم السورية، وامتدّت تبعاته إلى أبنائهم وأحفادهم مروراً بسياسة الحزام العربي التي هدفت الى تغيير البنية الديمغرافية للمناطق الكوردية وانتهاء بمنع اللغة الكوردية والثقافة القومية للكورد من الظهور في الحياة العامة.
كانت تلك الممارسات تهدف إلى محو الهوية الكردية وحرمان الكرد من دورهم الطبيعي في بناء الوطن ورغم ذلك لم يتخل الكورد عن حلمهم، ولم يبتعدوا عن إيمانهم بسوريا كدولة جامعة لكل أبنائها، فقد اثبت الأحداث إن الكورد كانوا دوماً شركاء في الدفاع عن سوريا وحريتها، وساهموا في مقاومة الإرهاب وحماية المكونات في البلاد في أصعب الظروف والمراحل.
مع تصاعُد الأزمة السورية عام ٢٠١١ وجدت المناطق الكردية نفسها أمام تحديّات كبرى لكنها أيضاً رأت فيها فرصة لإثبات قدرتها على إدارة شؤونها والدفاع عن وجودها، إلا أن الطريق مازال مليئاً بالعقبات، فالقضية الكردية لم تجد بعد مكانها العادل في الحل السياسي السوري الشامل، فغياب الاعتراف الدستوري بحقوق الكورد والانقسامات الداخلية بين القوى الكوردية إضافة الى تضارُب المصالح الإقليمية والدولية كلها عوامل جعلت القضية الكردية تراوح مكانها بين الواقع والخيال إن ما يحتاجه الكورد اليوم ليس فقط الدعم الدولي بل وقبل كل شيء توحيد الصف الكوردي ورسم رؤية سياسية موحدة تتحدث بصوت واحد يعكس تطلعات الشعب.
من جهة أخرى يقع على عاتق الدولة السورية المقبلة مسؤولية تاريخية كبرى وهي الاعتراف الدستوري بحقوق الكورد باعتبارهم مكوناً أصيلاً من مكونات الشعب السوري وضمان مشاركتهم الفعلية في صياغة مستقبل البلاد، فحلُّ القضية الكردية ليس منّة من أحد بل هو واجب وطني وإنساني يسهم في استقرار سوريا ووحدتها، ويضع حداً لعقود من التهميش والظلم.
القضية الكردية في سوريا ليست مجرّد مسألة سياسية بل هي اختبار حقيقي لضمير الوطن فإما أن تكون سوريا المستقبل دولة ديمقراطية تحترم تنوعها، وتحضن جميع مكوناتها، وإما أن تبقى أسيرة الماضي وأزماته.
إن تحقيق العدالة للكورد خطوة لتحقيق العدالة لكل السوريين، وهو ما سيحول الحلم الكوردي من خيال مؤجل إلى واقع حي ينصف الجميع.

إن العدالة لا تُمنَح بل تنتزع بالإرادة والوعي والحرية لا تُجزّأ بين شعب وآخر، فحين تتحقق العدالة للكورد تتحقق معها كرامة سوريا بأسرها ويكتب فصل جديد من تاريخ طال انتظاره، تاريخ يقوم على المساواة والتنوع والعيش المشترك لا على الإقصاء والإنكار.