الكورد بين صناعة السلام وانتظار المنقذ

الكورد بين صناعة السلام وانتظار المنقذ


ماهين شيخاني

مدخل: من يتحدث باسم من؟
«طوبى لصانعي السلام» — عبارة استخدمها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في ختام إعلانه اتفاق إنهاء الحرب في غزة. جملة قصيرة، لكنها تختصر فلسفة السياسة الدولية في لحظات الأزمات الكبرى: من يصنع السلام يملك مفاتيح اللعبة.
لكن هذه القاعدة توقفت تماماً عند حدود القضية الكوردية. فالشعب الذي دفع أثمان الحروب دون أن يشعلها، ظلّ خارج دوائر القرار، يُتحدث عنه في المؤتمرات، ولا يُسمح له بأن يتحدث عن نفسه.
منذ سايكس–بيكو حتى لوزان، مروراً بصفقات ما بعد الحرب الباردة، ظلّ الكورد خارج المعادلة السياسية، رغم أن جغرافيتهم ودماءهم كانت حاضرة في كل خريطة تُرسم للمنطقة. كانت الدول تُبنى على حسابهم، وتُقسم أوطانهم على طاولات لا كرسي لهم فيها.

ورقة دائمة في يد الآخرين
في كل مفصل سياسي أو عسكري، يُعاد استخدام الورقة الكوردية. مرة كأداة ضغط، وأخرى كجسر عبور لمصالح عابرة للحدود. حين احتاج الغرب إلى شريك لمحاربة الإرهاب، كان الكورد أول من وقف في وجه "داعش"، وسطروا بدمائهم تضحيات كبرى أعادت التوازن إلى المنطقة. لكن ما إن انتهت الحرب، حتى طُوي الملف الكوردي، وكأن الذين قاتلوا لا يستحقون حتى مقعداً على طاولة السياسة.
اليوم، تتعامل العواصم الكبرى مع الكورد كشركاء أمنيين لا سياسيين، بينما تصرّ القوى الإقليمية — من أنقرة إلى طهران ودمشق — على النظر إليهم بوصفهم تهديداً، لا مكوّناً أصيلاً يسعى إلى شراكة عادلة.

لافروف… وصدى الخطاب القديم
حين صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن “أي خطوات عملية نحو الحكم الذاتي أو الانفصال قد تُفجّر القضية الكوردية في عموم المنطقة”، كان يكرّر الخطاب ذاته الذي سمعه الكورد منذ قرن: الخوف من حقوقهم لا من إنكارها. الحديث عن “الخطر الكوردي” لا يُخفي سوى عجز مستمر عن مواجهة الحقيقة: أن الاعتراف بالحقوق القومية ليس تهديداً لوحدة المنطقة، بل ضمانٌ لبقائها.
إن تجاهل المطالب الكوردية لا يُطفئ النار، بل يُبقيها تحت الرماد، تنتظر شرارة جديدة.

صنّاع السلام الذين لا يُستدعون إلى المائدة
كلما تحدّث العالم عن "صناع السلام"، نُسي الكورد. يُكرّم من وقّع الاتفاقيات، لا من دافع عن الأرض وبنى المؤسسات وحمى المدنيين. لقد اعتاد الكورد أن يُنتظر منهم أن “يصمدوا”، لا أن “يصيغوا مستقبلهم”.
لكن تجربة غرب كوردستان، وإقليم كوردستان أثبتت أن بإمكانهم بناء نموذج حكم متوازن، ديمقراطي، قائم على التعددية والمواطنة، لا على المركزية والإقصاء.
السلام بالنسبة لهم ليس بياناً دبلوماسياً، بل معركة بقاء تُخاض كل يوم ضد التهميش والإنكار.

سلامٌ يُكتب بالحق لا بالمجاملات
السلام الذي يطالب به الكورد ليس سلام الصفقات ولا التوازنات المؤقتة، بل سلام يقوم على العدالة والاعتراف. سلامٌ يعيد للشعب الكوردي حقه في أن يكون شريكاً لا تابعاً، فاعلاً لا أداة. سلامٌ لا يساوي بين الضحية والجلاد، ولا يجعل من المظلومية مادة تفاوض، بل أساساً للعدالة.
فمن دون الكورد، لا أمن حقيقي في المنطقة، ولا ديمقراطية قابلة للحياة، ولا شرقٍ أوسط يمكنه أن ينهض من بين ركام قرنٍ من الإنكار.

خاتمة: من لا يصنع سلامه، يعيش في حرب الآخرين
يبقى السؤال الأكبر:
متى يُسمح للكورد أن يكونوا صانعي السلام، لا مجرّد ملفٍّ في مفاوضات الآخرين؟ حتى يحين ذلك، سيواصل الكورد بناء سلامهم بأنفسهم — في جبالهم، ومدنهم، ومدارسهم، وعقول أجيالهم.
سلامٌ يُبنى بالإصرار على الحياة، سلامٌ يقول للعالم بوضوح:
من لا يصنع سلامه بنفسه... سيبقى يعيش في حروب الآخرين.