ما أشبه اليوم بالبارحة!!
علي جزيري
يُحكى أن إعلامياً سأل سيدة عراقية مُسنّة ذات يوم: يُمّة، شنو رايچ بحكام بغداد اليوم؟ ردَّت قائلة: والله يا يُمّة، صدام چان يجوّعْنا ويذلنا، ويزج ويلادنا في السجون ويعدمهم أو يرسلهم لساحات الوغى كوقود، لكن يا يُمّة، حكام بغداد اليوم بيّضوا وچ صدام...!
منطق المرأة السالفة الذكر سليم، وأبلغ مما يجتره اليوم خبراء السياسة والاعلام. ففي سوريا الأمس - أعني العهد البائد - عانت مكوّنات الشعب السوري قاطبة من الاستبداد طيلة خمسة عقود ونَيِّف، وكان داء الاستبداد يحول دون الجهر بالحقيقة، ورغم ذلك كان أعوان النظام لايكفون عن ترويج تُّرهاتهم، ويهتفون بملء حناجرههم بشرعيته "الثورية" المزيفة على الملأ، ويسوسون البلاد والعباد بقبضتهم الحديدية، حتى غدت سوريا سجناً ومكباً للنفايات ومنتجاً للكبتاغون.
المتأمل في المشهد السوري الراهن، يجد أن السوريين إبتلوا مؤخراً بالارهاب، الذي صيَّرها مكباً للتكفيريين المرتزقة من الايغور والشيشان والأفغان...الخ، وبعد أن منحوا الجنسية، تحكموا بمصير شعب برمته، فراحوا يهينون السوريين، على شاكلة ما جاء في فيلم "نحن بتوع الأوتوبيس"، عُرِضَ لأول مرة عام 1979، كاتب السيناريو فاروق صبري، استوحاه من قصة حقيقية، ولعب فيه دور البطولة كل من عادل إمام (جابر) وعبد المنعم مدبولي (مرزوق) وسعيد عبد الغني (رمزي).
فبعد شجار داخل الأوتوبيس بين جابر ومرزوق من جهة، وبين مُحَصِّل النقود (الجابي) من جهة أخرى، يُفْرَج عن الأخير، ويتم القبض على جابر ومرزوق بتهمة معاداة النظام الناصري. والفيلم ينتقد مرحلة الاستبداد الناصري، الشبيهة باستبداد عهد آل الأسد والسلطة الحاكمة في دمشق اليوم، لأنه يكشف عن وحشية التعذيب، وإذلال المواطن من خلال إجباره على النباح أو قص شواربه.
ولما إحتكر التكفيريون السلطة عقب فرار الطاغية، أقدموا على طمس هوية المكونات قاطبة، وأعادوا عجلة التاريخ إلى الوراء، وقصفوا العقول بترهاتهم التي أكل الدهر عليها وشرب، بهدف تزييف الحقيقة وتلميع وجودهم المزيف بشتى السبل، وتوظيف ايديولوجيتهم المتزمتة التي أنتجها السلف المتطرف من أمثال: إبن تيمية وحسن البنا وسيد قطب وغيرهم، وبذلك تم نسف أبسط أسس التعايش السلمي أو قبول الرأي الآخر.
ودأب مريدو هذه الحفنة الجهادية - التي تبوأت قمة الهرم - الادّعاء بأن الله أرسلهم لتحرير المقهورين وهدايتهم، وأوهمت بأنها ستشيّد سوريا الجديدة وفق المجد الذهبي التليد الذي مضى عليه أربعة عشر قرناً ونيِّف، وأقدمت على إجترار مآثر أسلافها الغزاة، من جز الرؤوس والاستلاء على الممتلكات وسبي النساء وبيعهن بثمن بخس، ناهيك عن إجترار تجربة الجواري، اللواتي كن يملأن الأسواق وقصور خلفاء بني أمية والعباس على السواء؛ فتروي كتب التاريخ مثلاً أن المتوكل كان يملك في قصوره أربعة آلاف جارية، وطئهن جميعاً، وكان حريصاً عليهن فيقيم الأسوار حولهن، لئلا يحظى أحد الخدم أو الحشم من إحداهن بنظرة أو غمزة، كما يذكر الدكتور علي الوردي. وتمضي أبواق الجوقة في الايحاء بشعارها الخلبي "مَنْ يُحرّر يُقرّر"، متناسية أنها تسنمت سدة الحكم وإختطفت سوريا جرّاء تواطئ دولي وإقليمي، ثم واظبت على خلق أعداءها الوهميين من علويين ودروز ومسيحيين وكُرد وسنة معتدلين، وإحتكرت السلطة بمؤازرة جماعة الأخوان المسلمين، وجرّاء تدخل تركي سافر ومباركة أمريكا وإسرائيل ودول الخليج.