بانتظار المخلِّص

بانتظار المخلِّص

عبدالحميد جمو

الصراع بين الخير والشر وجد منذ بدء الخليقة، وما زال مستمراً بانتظار المخلِّص الذي سيُنهي هذا الصراع. جميع المعتقدات والأديان تؤمن بحتمية ظهور هذا المخلِّص، وترى أنه لا يأتي إلا إذا عمّ الفساد في الأرض. اليهود والشيعة يصرِّحون بذلك علناً، بينما تعمل بقية المعتقدات وفق هذا المبدأ وإنْ بسرّية، لكنها جميعاً تؤمن بالمخلِّص المصلح الهادي.
الزرادشتيون يؤمنون بوجود إلهين ينحصر بينهما الصراع الكوني: إله الخير الذي يؤمنون به ويلجؤون إليه ويحتمون به، وإله الشر الذي يخشونه ويتجنبون حتى ذكره مخافة شروره وغضبه. ومنذ عهد النبي إدريس ينتظرون انتصار إله الخير.
أمّا بقية المعتقدات فتنتظر مخلِّصيها منذ قرون طويلة:
الهندوس: ينتظرون كريشنا منذ نحو 3700 عام.
البوذيون: ينتظرون مايتريا منذ نحو 2600 عام.
اليهود: ينتظرون المسيا منذ نحو 2500 عام.
المسيحيون: ينتظرون المسيح منذ نحو 2000 عام.
المسلمون السنة: ينتظرون عودة النبي عيسى منذ نحو 1400 عام.
المسلمون الشيعة: ينتظرون الإمام المهدي منذ نحو 1080 عاماً.
الموحدون (الدروز): ينتظرون الحاكم بأمر الله منذ نحو 1000 عام.
جميع هؤلاء يتبنّون فكرة المخلِّص المنتظر الذي سيقضي على الفساد والشر ويملأ الأرض بالعدل والخير. لكن مشكلتنا أننا نتطلع إلى العدل والخير من زوايا مختلفة، وكلٌّ منا يريد للعالم أن يخضع لفكره ويؤمن برؤيته، وإلا عُدّ خصماً غير جدير بالحياة والعدل.
نتصارع فيما بيننا، نتقاتل، نفنى، ندمّر، ونضحّي بالآلاف من أجل أن يتحكّم فينا إنسان قد لا يكون جديراً بذلك، ومع ذلك نستميت في الدفاع عنه. نحن جميعاً ننتظر المصلح المنتظر ليبني المجتمع على أسس العدالة، ونرهن عقولنا لهذه المسلّمات، بدلاً من أن نبادر نحن لإصلاح أنفسنا، ومن خلالنا إصلاح المجتمع وبعث القيم النبيلة فيه.
آمَنّا بأفكار رُوِّجت لنا دون أن نمنح عقولنا مساحة لتفسير ما يجري، أو نصغي إلى صوت العقل الذي يصرخ بأن الصراعات المفتعلة ليست إلا صراعات داخلية تقودها النفس البشرية الأمّارة بالسوء، تلك النفس التي تدفعنا دفعاً نحو الفساد. واجبنا أن نحاربها بالعقل والحكمة، لا أن نبقى في انتظار المخلِّص.