المصالحة السياسية في سوريا، بين دعوات الحوار الكوردي وتحدّيات المرحلة الانتقالية
عزالدين ملا
في ظل التحوّلات السياسية التي تشهدها المنطقة، وتزامناً مع الجمود الذي يعيشه المشهد السياسي السوري منذ عدة أشهر، طُرحت مؤخراً أنباء تفيد أن هناك محاولات جديدة لدعوة السلطة في دمشق للمجلس الوطني الكوردي، وذلك بعد نحو خمسة أشهر من انعقاد الكونفرانس الكردي في 26 نيسان، والذي أسفر عن تبنّي رؤية كوردية مشتركة وتشكيل وفد كوردي موحّد للتفاوض مع السلطة. في هذا السياق، بدأت تظهر تساؤلات حول مصير هذه المفاوضات والآمال المعلقة عليها، حيث تتواصل الجهود أيضاً حول تطبيق اتفاقية 10 آذار بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد قسد مظلوم عبدي التي تتناول مسائل هامة تتعلق بالأمن، العسكر، المعابر، والاقتصاد في مناطق شرق الفرات.
1-ما هي الدوافع الرئيسية التي تقف وراء دعوة السلطة السورية للمجلس الوطني الكوردي، وما هو الهدف المتوقع من هذا اللقاء؟
2- كيف يمكن تفسير الجمود السياسي الذي استمر لفترة طويلة قبل دعوة هذا اللقاء؟ وما هي العوامل التي ساهمت في هذا التوقف؟
3- هل يمكن اعتبار وفد المجلس الوطني الكوردي هو الخيار الوحيد للتفاوض مع دمشق في ظل الانقسامات داخل الساحة الكوردية؟
4- إلى أيِّ مدى ستؤثر المفاوضات حول تطبيق اتفاقية 10 آذار بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي على مستقبل العلاقة بين الكورد والنظام السوري؟
5- كيف يمكن أن تؤثّر التطوّرات السياسية الأخيرة في المناطق الكوردية على الوضع العسكري والاقتصادي في مناطق شرق الفرات؟
الحل في سوريا مرهون بانتقال سياسي يضمن حقوق كل المكونات
تحدث عضو المكتب السياسي ومسؤول الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، بشار أمين لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بعد انهيار النظام الاستبدادي في 8 كانون الأول 2024 واستيلاء "هيئة تحرير الشام" على مقاليد السلطة في سوريا ظهرت تحديات هامة وقوية عبر ملفات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر: السعي لكسب الاعتراف بالسلطة الجديدة، وإعادة ترتيب الأوضاع لعموم الدولة السورية السياسية، العسكرية، الاقتصادية، وإعادة الإعمار وعودة آمنة للمهجّرين، ورفع العقوبات عن سوريا ..الخ، ومعالجة قضايا المجتمع السوري برمّته ومنها حقوق المكوّنات القومية والدينية والمذهبية، تمهيداً لبناء سوريا المستقبل تكون لعموم السوريين، وأمام هذا الكم المتراكم من القضايا والتحديات، تظهر السلطات الجديدة أن المهام تفوق قدراتها وإمكانياتها السياسية والادارية، ما يجعلها عاجزة عن التجاوب مع متطلبات الشعب السوري ومكوّناته المتنوّعة، لأن المعالجة لهذه القضايا بمجملها تحتاج إلى نظام ديمقراطي اتحادي برلماني يجاري التطوُّرات السياسية في العالم وفي المنطقة وبما لا يتعارض مع عملية التطور الجارية في العالم، وهذا النوع من نظام الحكم قد لا يتوافق مع منهج الجماعة الحاكمة حيث ميلها إلى نظام ديني إسلامي أحادي، الأمر الذي يتعارض مع حل قضايا ومشاكل المكونات السورية، ويتعارض حتى مع عملية التطوُّر والتقدُّم، وبذلك تبقى السلطات الجديدة تتراوح في المكان دون تقديم الحلول الممكنة والاستجابة لتطلعات الشعب السوري، ويهمنا في هذا السياق وضع البلاد عامة، والوضع الكردي على وجه الخصوص، وعليه نبغي التعرج على القضايا العملية الأخيرة التي تشهدها اللوحة السياسية».
يتابع أمين: «بعد كونفرانس الحسكة في 8 آب 2025 الذي أعدته وعقدته " قسد " بالتعاون مع " ب ي د " ودعوة مختلف المكونات السورية سواء بالحضور او عبر منصة زوم ، ما اثار حفيظة سلطات دمشق من مساعي تشكيل تحالف معارض للسلطة القائمة، ولما لم يحضر المجلس الوطني الكردي بشكل رسمي سوى عدد من ممثلي احزابه ، ما جعلت السلطات تبادر الى استغلال الحالة القائمة، وقد تواصلت على اثرها مع قيادة المجلس الوطني الكردي وبغية استمالتها الى جانبها او السعي لضرب مخرجات كونفرانس 26 نيسان 2025، وحصل بالفعل التذمر وإثارة الريبة حول ما حصل، خاصة وإن جهات أخرى افتعلت ضجة إعلامية واسعة حول موضوع مساعي دعوة السلطات السورية للمجلس الوطني الكردي في سوريا ».
يضيف أمين: «أما عما ذكرته من الجمود فإنه قد حصل في الأنشطة المشتركة بين المجلس الكردي و " ب ي د " فيما كان هذا الأخير مع " قسد " كان يمارس نشاطاته دون المجلس سواء في السعي لدى الادارة السورية بحجة مناقشة اتفاق 10 آذار 2025 بين قسد وإدارة دمشق، في حين إن إدارة دمشق اعتبرت قسد تتنصل من الاتفاقية أو أنها انقلبت عليها، ما يعني بشكل من أشكال انتهاء المناقشات بشأن الاتفاقية المذكورة، وما أكد على مساعي الطرف الآخر في هذا الصدد فقد اتجهت صوب القضايا السياسية والاقتصادية والادارية، بمعنى أن الجهود السياسية والدبلوماسية كانت تتجه نحو الدفاع عن " الادارة الذاتية" القائمة بدعوى لو تم تحقيق الاعتراف بالإدارة المذكورة لانحلت عموم المسائل بما فيها ما يتعلق بالشأن الكردي وحتى بشأن المكونات الأخرى الداخلة في تلك الادارة، ما يعني تهميش الوفد المشترك من جانبهم ذلك ما يتعارض مع مخرجات كونفرانس قامشلي المذكور ».
اما عن دعوة السلطات للمجلس الكردي، وتشكيل وفد كبير للقاء الرئيس الانتقالي السيد احمد الشرع، يردف أمين: «أنه لم يطرح كبديل عن الوفد الكردي المشترك، وقد تم إعلام الطرف الآخر عبر السيد مظلوم عبدي بذلك، كما أكد المجلس أنه لو تم اللقاء فلن يفاوض بدلاً عن الوفد المشترك، وسيكتفي بمناقشة القضايا السياسية والادارية المختلفة، سواءً المتعلق منها بالبرلمان والانتخابات المرتقبة او المتعلقة بالحكومة او الجانب الاقتصادي والتعليمي وغيرها من القضايا الوطنية الملحة والآنية، كما أكد المجلس على ان المتعلق بالشأن الكردي من جانب حقوقه القومية فسيتم التأكيد على ان هناك وفداً مشتركاً خاصاً بهذا الشأن، كل ذلك تجنباً لأي خلاف أو ما يمس التوافق الكردي والوفد المشترك ».
عن المفاوضات بين " قسد " وادارة دمشق الانتقالية، يشير أمين: « أنه قد لا تفضي الى التوافق بين الجانبين بسبب تعقيدات الوضع السياسي والعسكري وتدخُّلات الأطراف الخارجية، ولاسيما في الجانب العسكري وعلاقته في الحوارات بين السيد عبد الله اوجلان والجانب التركي حيث ادعاء هذا الأخير بأن الوضع مشروط بنزع سلاح عموم الفصائل التابعة لحزب العمال الكردستاني ومنها سلاح " قسد " في حين يؤكد الجانب الآخر استقلالية " قسد " عن أي طرف سياسي آخر وان تركيبة " قسد " خاصة اي ليس لونا واحدا بل خليط من مختلف مكونات الشعب السوري، أي أن المفاوضات بشأن اتفاقية آذار معقدة جداً، وقد تؤثر في تعقيداتها على مسار التفاوض المشترك مع السلطات السورية، او قد تؤدي الى نتائج سلبية ».
عن التطورات الأخيرة في بعض مناطق حلب و مناطق شرق الفرات وحالة التوتر القائمة، يختم أمين: « فإنها مثيرة للمخاوف وتشير الى احتمال نشوب صراع واقتتال بين " قسد " والقوات العسكرية لسلطات دمشق، ويتوقف الأمر في شدته على موقف كل من أمريكا وإسرائيل، بمعنى أن تركيا تنتظر الضوء الأخضر من أمريكا للتدخُّل ضد " قسد " وقد يكون مستبعداً في الوقت الحالي هذا الموقف من أمريكا، كما أن إسرائيل لا تزال تهدد التدخل التركي، بل ان هناك ربما نوعاً من التنافس بين الجانبين على كسب الورقة الكردية، ثم ان تركيا تتحاشى المواجهة العسكرية مع إسرائيل، خاصة بعد ما حل بإيران جراء هجمات إسرائيل المتواصلة لأيام، وعليه يمكن أن تتكرر حالة الاشتباكات المتقطعة في مناطق حلب وشرق الفرات وقد تدوم حالة التوتر القائم الى حيين، على أمل ايجاد حل دولي واقليمي للشأن السوري عامة ».
آفاق المفاوضات الكوردية – السورية في ضوء التحوّلات الراهنة
تحدث رئيس فيدراسيون منظمات المجتمع المدني، حسن قاسم لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «تشهد الساحة السورية في الآونة الأخيرة حراكاً خجولاً في اتجاه فتح قنوات تفاوض جديدة بين السلطة الانتقالية في دمشق وبعض المكوّنات السياسية الكوردية، وعلى رأسها المجلس الوطني الكوردي. وتأتي هذه الدعوات بعد حالة من الجمود السياسي امتدت لأشهر طويلة، أعقبت انعقاد الكونفرانس الكوردي في 26 نيسان، الذي مثّل منعطفاً في توحيد الموقف السياسي الكوردي عبر تشكيل وفد تفاوضي موحّد. كما تتقاطع هذه الجهود مع مسار آخر يرتبط بمحاولات تطبيق اتفاقية 10 آذار المبرمة بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، والتي تناولت ملفات حساسة تتعلق بالأمن والجيش والمعابر والاقتصاد ».
يتابع قاسم: «ان دمشق من خلال هذه الخطوة تسعى إلى كسر العزلة السياسية التي تواجهها داخلياً وخارجياً، عبر إظهار انفتاحها على القوى الكوردية بوصفها طرفاً فاعلاً في المعادلة السورية. ومن جانب آخر، تهدف السلطة إلى اختبار جدّية المجلس الوطني الكوردي في الانخراط بمسار تفاوضي مباشر بعيداً عن الإطار الكوردي الموحّد الذي تشكّل في نيسان، وربما لمحاولة شقّ الصف الكوردي أو إعادة توزيع أوراق التفاوض لصالحها. في المقابل، لا يُستبعد أن تكون هذه الدعوة بمثابة جسّ نبض أولي قبل الدخول في مفاوضات أوسع تشمل ملفات قومية وسياسية شائكة».
يضيف قاسم: «إلى أن الجمود الذي خيّم على المشهد السياسي السوري خلال الأشهر الماضية يعود لعدة عوامل مترابطة. أولها الانقسام الكوردي – الكوردي الذي عطّل أي تحرك موحّد وفتح المجال أمام السلطة لاتباع سياسة الانتظار. ثانياً، انشغال الأطراف الإقليمية والدولية بملفات أكثر سخونة في المنطقة، خصوصاً بعد تداعيات ما بعد 7 تشرين الأول، ما جعل الملف السوري ثانوياً في أولويات العواصم الكبرى. وثالثاً، لم يكن هناك قبل كونفرانس نيسان أي مشروع سياسي واضح لدى الطرف الكوردي ساهم في إبطاء أي تقدّم عملي في المفاوضات».
يشير قاسم: «إلى أن المجلس الوطني الكوردي رغم تمتّعه بشرعية سياسية ودبلوماسية أوسع من غيره نتيجة علاقاته الإقليمية والدولية، إلا أنه لا يمكن اعتباره الممثل الوحيد للقضية الكوردية. فهناك أطراف كوردية أخرى ذات ثقل عسكري وإداري على الأرض، لذا فإن أي مسار تفاوضي يتم حصراً عبر المجلس قد يبقى قاصراً عن تلبية المطالب الكوردية الجامعة، بل قد يفتح الباب أمام مزيد من التباين الداخلي».
يردف قاسم: «ان الاتفاقية بين الشرع وعبدي تُمثل إطاراً عملياً لإدارة الملفات الأكثر إلحاحاً في شرق الفرات: الأمن، العسكر، الاقتصاد، والمعابر. نجاح تطبيق هذه البنود سيعزّز من إمكانية بناء جسور ثقة بين دمشق والكورد، ويفتح الطريق أمام حوار سياسي أوسع حول الحقوق القومية والدستورية. في المقابل، تعثر تنفيذ الاتفاقية قد يعيد الأوضاع إلى مربع الصفر ويكرّس الشكوك المتبادلة، مما يضعف فرص أي تفاهمات لاحقة».
يؤكد قاسم: «أن التحولات السياسية الأخيرة، سواءً على مستوى إعادة تفعيل الحوار الكوردي – السوري أو الدفع نحو تطبيق اتفاقية 10 آذار، ستترك أثرها المباشر على المشهد الميداني والاقتصادي في شرق الفرات. فمن الناحية العسكرية، قد يؤدي التفاهم إلى إعادة هيكلة القوات المحلية بما ينسجم مع ترتيبات المرحلة الانتقالية. أما اقتصادياً، فإن فتح المعابر وتنظيم إدارتها بشكل مشترك بين دمشق والإدارة الذاتية سيُسهم في تخفيف الأعباء المعيشية على السكان، ويمنح مناطق شرق الفرات فرصاً أكبر للانخراط في دورة الاقتصاد الوطني».
يختم قاسم: «ان المرحلة المقبلة تبدو أمام مفترق طرق: إما أن تتحول الدعوات إلى مفاوضات جدّية تضع أسساً جديدة للتفاهم بين الكورد والسلطة السورية، أو أن تبقى محاولات شكلية تُضاف إلى سلسلة طويلة من المبادرات غير المكتملة. وفي الحالتين، يظل العامل الحاسم هو وحدة الصف الكوردي وقدرته على تقديم مشروع سياسي متماسك يعبّر عن تطلعات الشعب الكوردي ضمن سوريا جديدة قائمة على اللامركزية والديمقراطية والشراكة المتكافئة بين المكونات».
المصالحة طريق المستقبل ولا بد من ترجيح العقل
تحدّث مسؤول مكتب العلاقات في المجلس الوطني الكوردي بدمشق، مهاباد تزياني، لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «في عالم السياسة دائماً المصالحة لها الكلمة العليا. ليس خافياً على أحد أن الوضع السوري بشكل عام غير مستقر سياسياً، والمصالح الإقليمية تلزم بلدانها بالتدخل، ولتركيا اليد الطولى في الحالة السورية، كما أن للدول الكبرى مصالح وقراراً في الشأن السوري.
أحداث الساحل أدّت إلى الإسراع في اتفاقية العاشر من آذار، بضغط وإشراف كلّ من أمريكا وفرنسا، وإلى حد ما بريطانيا، وبموافقة تركيا. وتحوّر الطرفان عبر عدة لقاءات حول تنفيذ بنود الاتفاق.
تتالت المستجدات على الساحة: أحداث السويداء وتفجير الكنيسة، كلها عوامل اضطرت إلى التفكير وإعادة ترتيب الأوراق من جديد. كل هذا كان من أهم الأسباب، بالإضافة إلى تدخل الوسطاء، لتوجيه دعوة خاصة للمجلس الوطني لعقد حوار مع دمشق.
الغاية من الدعوة – برأيي – تعود لعدة أسباب: أولاً محاولة من السلطة للضغط من أجل تنفيذ اتفاقية آذار، وإجراء الحوار مع المجلس الوطني للوقوف على آرائه، لأنه صاحب المشروع القومي والوطني. وكان موقف المجلس واضحاً بخصوص اللقاء: أن عقد الحوار هو رأي ومصير الكورد في سوريا المستقبل، مؤكداً على مخرجات كونفرانس قامشلو لوحدة الصف والموقف الكوردي. وهي بالمجمل حوارات وليست اتفاقاً».
يفسر تزياني: «أن الجمود خلال هذه الفترة يعود إلى الأحداث والمستجدات على الساحة السورية، وخاصة بعد تدخل إسرائيل في أحداث السويداء. كل هذه الأسباب ساهمت في حدوث فراغ وتوقف المفاوضات».
يعتقد تزياني: «أن المجلس الوطني ليس الخيار الوحيد للتفاوض مع دمشق. أولاً هناك اتفاق عبر الكونفرانس الذي عُقد في قامشلو، رغم التهميش الممنهج من قبل الإدارة الذاتية. ولكن يبقى خيار التفاوض عبره قائماً إذا تهيأت الأجواء لتنفيذه».
يتابع تزياني: «اتفاق العاشر من آذار له خصوصية مغايرة للمطالب الكوردية. هناك شعب كوردي يعيش على أرضه وله قضية محقة، وبرأيي يجب على النظام في دمشق تفهّم حقوق الكورد، والفصل بين اتفاقية آذار والمطالب الكردية».
يختم تزياني: «أنه في السياسة دائماً يجب الخروج بأقل الخسائر لكل الأطراف، وعلى جميع الأطراف التحلي بروح المسؤولية وإيجاد منفذ لتجنب الصراع والوصول إلى المواجهات العسكرية، لأننا لا نؤمن بالحل العسكري، إن حصل ذلك، فسوف يكون الوضع كارثياً على الجميع من كافة النواحي: الإنسانية، والاقتصادية، والاجتماعية، وسوف يخلق شرخاً عميقاً بين مكونات المنطقة. نأمل ترجيح العقل في اتخاذ أي قرار».