سوريا عند مفترق الطرق.. من التدخلات الدولية والفوضى إلى بناء دولة اتحادية ديمقراطية شاملة

سوريا عند مفترق الطرق.. من التدخلات الدولية والفوضى إلى بناء دولة اتحادية ديمقراطية شاملة

عزالدين ملا

بعد سقوط نظام بشار الأسد، لم تنتهِ الحرب أو الصراعات في سوريا كما كان يأمل الكثيرون، بل استمرّت الصراعات على أشكالها المختلفة، خاصةً على مستوى الدول والمصالح الإقليمية والدولية.
الشعب السوري الذي عانى طويلاً من الحروب والتدمير، ما زال يعيش في حالة من القلق والترقّب لما ستؤول إليه الأوضاع في بلده.
هذه المرحلة الانتقالية تحمل في طيّاتها مخاوفَ كبيرةً من أن تتحوّل سوريا إلى مأزق جديد وفوضى أخرى تُفقد السوريين آخر بارقة أمل في الاستقرار والسلام.

1-كيف أثرت التدخلات الإقليمية والدولية على استمرار الصراع في سوريا بعد سقوط النظام؟
2-ما هي أهم التحديات التي تواجه الشعب السوري في مرحلة ما بعد النظام البائد؟
3-هل يمكن تحقيق الاستقرار والسلام في سوريا دون توافق دولي واضح حول مستقبل البلاد؟
4-ما هو دور المجتمع المدني السوري في مواجهة الفوضى المستمرة وبناء مستقبل أفضل؟
5-كيف يمكن تجنُّب تحوُّل الأزمة السورية إلى كارثة إنسانية جديدة تستمرُّ لعقود قادمة؟

تجاوز الكارثة في سوريا يبدأ ببناء دولة حيادية تعددية لامركزية

تحدّث عضو الهيئة السياسية لحزب يكيتي الكوردستاني- سوريا، فؤاد عليكو، لصحيفة «كوردستان» بالقول: «لم تكن التدخلات الدولية والإقليمية في الشأن السوري وليدة الساعة أو بعد سقوط النظام، فالقوى الإقليمية والدولية بدأت تدخّلاتها بعد شهور قليلة من بداية الثورة السورية عام 2011، حيث لاحظنا كيف شارك السفير الأمريكي السابق روبرت فورد في مظاهرات حماة قبل أن تتحول الثورة إلى العسكرة، وكذلك توجيه تركيا للإخوان المسلمين في تأسيس المجلس الوطني السوري في أيلول 2011 ليكون مظلة للمعارضة السورية وكأنه في سباق مع الزمن.

لكن هذا الوضع لم يَرُق للعديد من دول المنطقة وأمريكا، لذلك عملوا بكلّ جهدهم للتأسيس لمظلة سياسية جامعة للمعارضة السورية، فكان الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في نهاية 2012، وقد حظي هذا التجمع بقبول المجتمع الدولي، خاصة بعد انضمام المجلس الوطني الكردي إليه في أواسط 2013. ثم في 2015 صدر القرار الدولي 2254 بالإجماع في مجلس الأمن، وجاء تشكيل الهيئة العليا للتفاوض في اجتماع الرياض 1 عام 2015 والرياض 2 عام 2017 في السعودية.

لكن الخلافات الكبيرة بين روسيا وإيران من جهة، وأمريكا وتركيا والسعودية من جهة أخرى، حالت دون تنفيذ القرار الدولي 2254، وكان الالتفاف على القرار الدولي من خلال مؤتمرات أستانة التي قادتها روسيا، حتى السقوط الدراماتيكي للنظام، والذي لا نزال نجهل كيف تم؟ ومن هي الدول التي ساهمت في ذلك؟ وكيف اتفقوا على أن تتولى السلطة الجديدة منظمة متهمة عالميًا ومن قبل الأمم المتحدة بأنها منظمة إرهابية، وهي آخر ما كان يفكر به السوريون في السماح لها باستلام الحكم؟ ومع ذلك نالت ثقة أمريكا وأوروبا تحديدًا، ثم من قبل جميع الدول الإقليمية باستثناء إيران. ويبدو أن الهدف بالنسبة لهذه الدول هو التخلص من الهيمنة الإيرانية على سوريا، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال هذا الفصيل (هيئة تحرير الشام- هتش)».

يتابع عليكو: «من خلال الاستعراض السريع لمسار الثورة السورية نلاحظ أن التدخّل الإقليمي والدولي رافق مسيرة الثورة السورية حتى اليوم، ويحول دون حصول توافق طبيعي بين السوريين وبإرادتهم المستقلة في بناء دولتهم، والتي من المفترض أن تكون عناوينها الأساسية: العدالة، الحرية، الكرامة، والمساواة بين جميع مكوّناتها».

ويضيف عليكو: «يمكننا القول إن الأزمة السورية واستمراريتها هي النتيجة الحتمية للتدخلات الدولية المستمرة والتباين الكبير بين مصالحها في سوريا. لذلك لا يمكننا توقع الاستقرار دون التوافق بين هذه الدول، خاصة بعد سقوط النظام وتبلور هذا التباين بشكل فاقع بين إسرائيل وتركيا، الحليفين التقليديين لأمريكا، مما جعلها في وضع حرج الآن، رغم بذلها جهودًا كبيرة –وبمساعدة من السعودية– لتحقيق نوع من التوافق بينهما. بينما بقيت لغة التهديدات الإعلامية المتبادلة هي السائدة اليوم، وقد تتحول في مرحلة معينة إلى لغة السلاح، وحينها سيدفع الشعب السوري ثمنًا أكبر لهذا التصادم، وهذا ما لا نتمناه.
ومن جهة أخرى، لا تزال إيران وروسيا تراقبان الوضع في سوريا عن كثب، وتتحينان الفرصة للعودة مجدداً إلى الساحة السورية، ولديهما الكثير من الأوراق للعب بها.
إن كل هذه التدخُّلات الإقليمية والدولية في سوريا تنذر بكوارث على الشعب السوري في حال استمرار الصراع وعدم التوافق فيما بينهم، وهو ما أراه بعيد المنال اليوم، خاصة وأن ملفات أخرى في المنطقة تدخل بقوة في خلافات هذه الدول، مثل: غزة، لبنان، ليبيا، والعراق».

ويشير عليكو: «إلى أن التحديات التي تواجه الشعب بعد النظام البائد كثيرة، من حيث الجغرافيا الممزقة بين فصائل متناحرة أو شبه متناحرة فيما بينها، بحثًا عن المكاسب الشخصية لقياداتها بعيدًا عن الاهتمام بالوطن والمواطن السوري الذي اكتوى بنيران هذه الحرب المدمرة، والتي يتحمّل النظام السابق مسؤوليتها الأساسية. وقد استبشر الناس خيرًا بإسقاطه، وكان يحدوهم الأمل بأن السلطة الجديدة ستستفيد من التجربة المرّة للنظام السابق، لكن الآمال الكبيرة سرعان ما تبخرت، حين اعتمدت (هتش) على نفس آلية النظام السابق في إصدار إعلان دستوري حصر فيه جميع السلطات بيده، وكذلك التأسيس لنظام إسلامي/عروبي، واعتماد الفقه الإسلامي كمرجع رئيس ووحيد للتشريع.
وفي الجانب العملي اعتمدت على القوة العسكرية في تطويع الشعب أسوة بالنظام السابق، ونتج عن ذلك انتهاكات جسيمة في الساحل والسويداء، مما زاد من منسوب الشرخ المجتمعي بدلًا من ترميمه».

إضافة إلى ذلك، يقول عليكو: «فقد أقصت عن المشهد جميع التيارات السياسية السورية المؤيدة للنظام والمعارضة له، وكذلك أبعدت قوى ومؤسسات المجتمع المدني التي نمت، وتطوّرت في فترة الثورة السورية بشكل مقبول، وحصرت الاعتماد على رجال الدين وشيوخ العشائر، الذين ساهموا من خلال دعاويهم وفزعاتهم فيما حصل من انتهاكات في المناطق المذكورة أعلاه».

ويختم عليكو: «أمام السلطة المؤقتة تحديّاتٌ كبيرةٌ، وعليها اتخاذ قرارات شجاعة، وفي مقدمتها: التراجع عن الإعلان الدستوري سيّئ الصيت، وإفساح المجال للقوى السياسية ومنظمات المجتمع للعمل بفعالية على الأرض، والدعوة من جديد لعقد مؤتمر وطني حقيقي يشارك فيه جميع المكوّنات السورية والفعاليات السياسية والمدنية في المجتمع، بغية التأسيس لعقد اجتماعي سوري جديد، عنوانه العريض: "نحو دولة تعددية، ديمقراطية، لامركزية (اتحادية)، حيادية تجاه الأديان والطوائف".
ينبثق عنه إعلان دستوري جديد وفق هذا العنوان، وحينها يمكن القول إننا نسير في الاتجاه الصحيح. ودون ذلك فإننا سنستمر في الغوص في الجورة التاريخية، ولن نخرج منها أبدًا، على حد قول الأستاذ خطيب بدلة. وهذا يعني مزيدًا من الآلام والمآسي».



لا استقرار في سوريا دون شراكة حقيقية وضمان حقوق جميع المكوّنات

تحدّث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، حسن رمزي، لصحيفة «كوردستان» بالقول: «يُعَدّ هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر عام 2023 نقطة تحوُّل مفصلية في المسار التاريخي لمنطقة الشرق الأوسط، إذ حمل في طياته تغييرات جوهرية ومؤشرات واضحة على تشكُّل شرق أوسط جديد، كما صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة. وقد شكّل هذا الهجوم بداية النهاية لتحجيم دور ما يُسمّى بمحور المقاومة، وقصقصة أجنحة إيران في المنطقة، حيث أضعف القدرات التنظيمية والعسكرية لحركة حماس في غزة، ووجَّه ضربات للبنية التحتية لحزب الله بعد مقتل زعيمه حسن نصر الله، مما أدى إلى شلل كامل في أوصاله العسكرية والتنظيمية.
وكان الحدث الأبرز بالنسبة للشعب السوري هو سقوط النظام المستبد في سوريا في الثامن من كانون الأول عام 2024، حيث تحقق الحلم الذي طال انتظاره، واستبشر السوريون ببزوغ فجر جديد وانطلاقة نحو حياة يسودها الأمن والاستقرار، وتحقيق العدالة والمساواة لكل مكوّنات وأطياف الشعب السوري، ضمن مشروع بناء دولة اتحادية لا مركزية، برلمانية ديمقراطية تعدُّدية، تضمن الحقوق المشروعة لجميع المكوّنات في إطار دستور توافقي يكفل حقوق الإنسان.
بعد استلام هيئة تحرير الشام السلطة في سوريا بدعم دولي وإقليمي، كان الهدف الأساس هو الحفاظ على مؤسسات الدولة، ومنع انزلاق البلاد إلى الفوضى والحرب الأهلية، إضافة إلى عقد اتفاق سلام مع إسرائيل، ومحاربة الإرهاب، وتشكيل سلطة انتقالية بمشاركة كافة القوى السياسية الممثلة للشعب السوري من مختلف المكوّنات، لضمان إشراك الجميع في عملية سياسية شاملة لبناء سوريا لكل السوريين.
رغم الإرث الثقيل الذي خلّفه النظام السابق من فساد، وانتهاكات مروّعة في السجون، وانهيار مؤسسات الدولة، فقد أقدمت السلطة الانتقالية على إدارة شؤون البلاد من دمشق منفردة، عبر عقد مؤتمر وطني، وكتابة دستور مؤقت، وتنصيب أحمد الشرع رئيسًا للدولة لمدة خمس سنوات، إضافة إلى تشكيل حكومة مؤقتة وتعيين أعضاء مجلس الشعب وفق رؤاها وتوجهاتها، دون إشراك حقيقي للقوى السياسية التي عارضت النظام لعقود. وأُهملت طاقاتهم وقدراتهم السياسية والمعرفية في بناء مستقبل الدولة، مما أدى إلى اندلاع أحداث دامية وجرائم فظيعة في الساحل ومحافظة السويداء، بين فلول النظام السابق والسلطة المؤقتة، وهو ما أثار قلقا واسعا وتخوّفا من مآلات الأوضاع في البلاد».

بناءً على ذلك، يشير رمزي: «إلى أن الوضع الراهن يستلزم تدخُّلاً جاداً من المجتمع الدولي لتفعيل قرار مجلس الأمن 2254، وتنفيذ مخرجات جنيف، وتطبيق التوصيات الصادرة عن اجتماع العقبة في الأردن، إلى جانب مخرجات جامعة الدول العربية المتعلقة بمستقبل سوريا، من أجل إعادة البلاد إلى المسار الطبيعي للعملية السياسية، وتحقيق الاستقرار في سوريا والمنطقة والعالم.
الشعب السوري يواجه تحديات جسيمة بعد سقوط النظام البعثي، أبرزها القتل والدمار، وانهيار البنية التحتية، ووجود الآلاف من المختطفين والمغيّبين، إضافة إلى الفساد المجتمعي، وملايين النازحين واللاجئين. وأمام هذه التحديات، يقع على عاتق السلطة المؤقتة إشراك الأطراف السياسية وتمكينها من المساهمة في بناء الدولة، بالإضافة إلى تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية تُنصف الضحايا والمغيبين، وتطمئن أهاليهم، وتردّ المظالم التي ارتُكبت بحقهم وبحق الشعب السوري عامة من قبل النظام البائد».

يتابع رمزي: «إن الاستئثار بالسلطة، وتشكيل الحكومة المؤقتة ومجلس الشعب بمعزل عن التوافق بين المكوّنات، وعدم تطبيق القرارات الأممية المتعلقة بمستقبل سوريا، إضافة إلى الدمار الذي خلّفه النظام وحلفاؤه، وتطبيق الحصار والعقوبات الدولية التي أثقلت كاهل الشعب، كل ذلك يتطلّب تهيئة بيئة مناسبة لعودة آمنة للنازحين واللاجئين، وإعادة الإعمار، وكتابة دستور توافقي يضمن حقوق جميع القوميات والأديان في سوريا، وبشكل خاص حقوق الشعب الكردي على أرضه التاريخية، وتأمين حقوقه القومية المشروعة.
كل هذه التحديات تستدعي من السلطة المؤقتة النظر الجاد إلى المرحلة الحالية من خلال حوار وطني فعّال يشارك فيه الجميع، وتحت إشراف أممي ودولي».

ويضيف رمزي: «إن قيام الدول في منطقة الشرق الأوسط منذ مطلع القرن العشرين تم وفقًا لاتفاقيات دولية ومصالح اقتصادية وسياسية. وبالتالي، لا يمكن تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة دون توافق دولي وإقليمي، وخاصة في سوريا، التي خضعت لعقود من الحكم الاستبدادي، مما يجعل من الصعب الوصول إلى السلام دون تدخل المجتمع الدولي لدعم عملية سياسية حقيقية تصب في مصلحة الشعب السوري، وتسهم في بناء دولة اتحادية ديمقراطية تعددية، تقوم على دستور توافقي يحفظ الحقوق المشروعة لجميع مكوّنات النسيج السوري، ليعيشوا حياة كريمة وحرة».

ويشير رمزي: «إن منظمات المجتمع المدني تزدهر في بيئة يسودها الاستقرار والحرية وسيادة القانون، مما يمكّنها من أداء دورها في طرح المشاريع، وتقويم سلوك السلطة، والمساهمة في بناء العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وتحقيق العدالة الانتقالية. غير أن استحواذ السلطة المؤقتة على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في سوريا أدى إلى تغييب دور هذه المنظمات كليًا، نتيجة عدم تمكينها من أداء مهامها. ورغم ذلك، يتوجب عليها التعاون مع القوى السياسية، وإطلاق مبادرات مستقبلية بعيدة عن النزعات القومية والطائفية، بهدف بناء سوريا لا مركزية اتحادية، تقوم على نظام ديمقراطي تعددي يحقق العدالة الاجتماعية».

ويختم رمزي: «لتجنب وقوع كارثة جديدة في سوريا، تتحمّل السلطة المؤقتة مسؤولية فتح حوار جاد بين جميع الأطراف السياسية، وإتاحة المجال أمام جميع المكوّنات العرقية والدينية للانخراط في الحياة السياسية، والحفاظ على العيش المشترك والسلم الأهلي وتعزيزه، من خلال صياغة دستور توافقي يتضمّن مواد فوق دستورية تضمن حقوق القوميات، وتمنح صلاحيات دستورية للأقاليم، وتوزّع الثروات والسلطات بشكل عادل ومتوازن.
ولا بد من بناء الدولة على أسس الشراكة والتوافق والتوازن. حينها فقط، يمكن القول إن سوريا قد تتجنب كارثة إنسانية أخرى».

سوريا رهينة التدخلات.. والحل يبدأ بالاعتراف المتبادل

تتحدث رئيسة الاتحاد النسائي الكردي (رودوز)، نجاح هيفو، لصحيفة «كوردستان» بالقول: «منذ سقوط النظام البعثي، لم تتحوّل سوريا إلى فضاء للحرية والاستقرار كما تمنى السوريون، بل أصبحت ساحة صراع بين القوى الإقليمية والدولية. وكانت التدخلات الخارجية العامل الأبرز في تعقيد المشهد.
تركيا سعت إلى فرض نفوذها، وهدفت من ذلك حماية مناطقها الحدودية ومصالحها الأمنية.
إيران، من جانبها، دعمت النظام المتهاوي عبر ميليشيات طائفية، ما حوّل سوريا إلى امتداد لمشروعها الإقليمي، وأبقى الصراع على أساس مذهبي مفتوحاً.
روسيا تدخّلت عسكريًا وسياسيًا لتثبيت نفوذها في الشرق الأوسط، معتبرة أن بقاء يدها العليا في سوريا يضمن لها موقعاً استراتيجياً في البحر المتوسط.
الولايات المتحدة ركّزت جهودَها على محاربة الإرهاب، لكنها لم تقدّم رؤية شاملة لبناء دولة جديدة، ما ترك فراغا سياسيا ملأته قوى أخرى.
هذه التدخلات المتضاربة جعلت القرار السوري مرهونًا بالخارج، وأطالت أمد الحرب، وأفرغت أي محاولة للحوار الداخلي من مضمونها».

وتعتقد هيفو: «إن التحديات اليوم كبيرة ومعقدة، ولا يمكن اختزالها في بُعد واحد. كإعادة الإعمار: سوريا تحتاج إلى مليارات الدولارات لإصلاح ما دمرته الحرب، والبنية التحتية المنهارة تشكّل عبئًا على أي حكومة قادمة. وإعادة اللحمة الوطنية: سنوات الصراع غذّت الانقسامات الطائفية والقومية، مما يتطلب جهوداً كبيرة للمصالحة والعدالة الانتقالية. وأزمة اللاجئين والنازحين: نصف الشعب السوري تقريبًا مشرّد داخل البلاد وخارجها، وعودتهم مرتبطة بتأمين بيئة آمنة وضمانات دولية. والعدالة والمساءلة: لا يمكن بناء دولة جديدة دون محاسبة من ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وإلا ستتكرر المآسي.
والحقوق القومية للكرد وباقي المكوّنات: تجاهل هذه الحقوق يعني إنتاج أزمة جديدة. الشعب الكردي دفع أثمانًا كبيرة في محاربة الإرهاب والدفاع عن الأرض، ومن حقّه أن يكون جزءًا أساسيًا في صياغة المستقبل السياسي لسوريا.
إضافة إلى ذلك، هناك تحديات معيشية يومية من فقر وبطالة وانعدام الخدمات، تجعل حياة المواطن السوري مرهقة إلى أقصى حد».

وتتابع هيفو:«الجواب بسيط: لا، لأن التجربة خلال السنوات الماضية أثبتت أن القوى الدولية تملك اليد العليا في تقرير مصير سوريا. وبالتالي فإن أي عملية سياسية لا تحظى برعاية وتوافق دوليين محكوم عليها بالفشل. لكن هذا لا يعني أن السوريين عاجزون، بل إن دورهم يجب أن يكون محوريا.
السلام الحقيقي يتطلب: توافقاً دولياً يضع مصلحة السوريين فوق صفقات الدول الكبرى. وعملية سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة، تضمن مشاركة جميع المكوّنات دون إقصاء. والاعتراف بالتنوع السوري كعامل قوة لا كعامل ضعف، عبر نظام لا مركزي يضمن حقوق الجميع.
بدون ذلك، فإن خطر الانزلاق نحو فوضى جديدة قائم، خاصة إذا استمرت التدخلات الإقليمية المتناقضة».

وتشير هيفو: «إن المجتمع المدني يمثل الأمل الحقيقي في ظل عجز القوى السياسية والعسكرية. فالمنظمات المدنية تستطيع: نشر ثقافة الحوار والمصالحة بين المكونات. وتوثيق الانتهاكات والمطالبة بالعدالة الانتقالية. وتمكين النساء والشباب ليكونوا شركاء في صنع القرار. وتقديم الدعم الإنساني والنفسي للمجتمعات المتضررة.
النساء السوريات، وخاصة الكرديات، أثبتن دوراً قيادياً في ميادين النضال والمجتمع المدني. هذا الدور يجب أن يستمر ويُعزز ليكون حجر الأساس في إعادة بناء سوريا».

وتضيف هيفو: «المطلوب خطوات واضحة وعملية: إطلاق مسار سياسي شامل وعادل. وبناء مؤسسات دولة على أساس ديمقراطي ولا مركزي. وضمان عودة اللاجئين بكرامة وأمان. والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي وغيره من المكونات.
إن تجنب الكارثة مرهون بوجود إرادة دولية جادة، وبقدرة السوريين أنفسهم على التمسك بخيار السلام والعدالة، بعيدًا عن الانتقام والثأر».

وتختم هيفو: «سوريا اليوم تقف عند مفترق طرق: إما أن تتحول إلى دولة فاشلة تنهشها التدخُّلات لعقود، أو أن تستفيد من تجربة شعبها وقوة مكوناتها لبناء دولة مدنية ديمقراطية. كامرأة كردية وقيادية، أؤمن أن الحل يبدأ بالاعتراف المتبادل بين المكونات، وبناء توافق دولي يضع مصلحة السوريين فوق كل اعتبار. المستقبل لا يُبنى بالخطابات فقط، بل بالفعل الجماعي والوعي أن سوريا الجديدة يجب أن تكون وطناً للجميع».