الوحدة الكردية بين الأمل والواقع.. واستحقاقات المرحلة القادمة في سوريا

الوحدة الكردية بين الأمل والواقع.. واستحقاقات المرحلة القادمة في سوريا

عزالدين ملا

بعد انتظار طويل، وأمل متجدد، تحقق حلم وحدة الصف الكردي في مدينة قامشلي من خلال انعقاد الكونفرانس التاريخي في 26 نيسان 2025. هذا الحدث الذي جاء ثمرة جهود دؤوبة من قبل الخيّرين وقادة الحركة الكردية، وعلى رأسهم الرئيس مسعود بارزاني، يعكس الرغبة الصادقة في لملمة الشتات الكردي وتعزيز صوتهم في سوريا المستقبل. وبعد مرور ثلاثة أشهر على انعقاد الكونفرانس، بدأ الوفد المنبثق عنه اجتماعاته الدورية، بهدف وضع آليات واضحة تضمن تثبيت الحقوق المشروعة للكرد في سوريا المقبلة.

1-ما هي الأهداف الرئيسية التي يسعى الكونفرانس لتحقيقها في مسيرة الوحدة الكردية؟
2-كيف أسهمت جهود الرئيس مسعود بارزاني في توحيد الصف الكردي داخل سوريا وخارجها؟
3-ما هي التحديات التي تواجه الوفد المنبثق من الكونفرانس في تثبيت حقوق الكرد في سوريا المستقبل؟
4-كيف يمكن أن تضمن الاجتماعات الدورية للوفد استمرار التفاهم والتنسيق بين مختلف الفصائل الكردية؟
5-ما هي الخطوات العملية التي تقترحها التي من شأنها تعزيز مكانة الكرد السياسية والاجتماعية ضمن الدولة السورية القادمة؟


وحدة الكرد في سوريا ضرورة وجودية ومسار نحو العدالة والمشاركة الوطنية

تحدث سكرتير حزب تيار مستقبل كوردستان سوريا، ريزان شيخموس، لصحيفة «كوردستان»، قائلاً: «بعد سقوط نظام الأسد، سادت آمال واسعة بأن تبدأ سوريا مرحلة جديدة قائمة على العدالة والمساواة واحترام التعددية، غير أن ما حدث أظهر أن السلطة المؤقتة في دمشق لم تبتعد عن النهج الإقصائي القديم، بل استمرت في سياسات أحادية تجاه مكونات الشعب السوري. بدأ ذلك بمؤتمر الحوار الوطني الذي استبعد الممثلين الحقيقيين لكل المكونات، مرورا بالإعلان الدستوري الذي منح الرئيس صلاحيات غير مسبوقة، وصولًا إلى حكومة شكلية تمثل عمليًا هيئة تحرير الشام، والتي ارتكبت انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب في مناطق مثل الساحل والسويداء.
كما تواصلت التهديدات المباشرة ضد الشعب الكردي وحقوقه القومية العادلة، مع تصاعد خطاب الكراهية من قبل أبواق السلطة، وتنامي حملات التحريض التي شملت تحركات عشائرية مسلحة، ما عمّق مناخ الفوضى وهدّد بإنهاء أي شكل من أشكال الدولة. وفي ظل استمرار الحرب وتعقيداتها، أصبحت وحدة الصف الكردي ضرورة وجودية لحماية المكتسبات، وصون الهوية، وضمان دور فاعل للكرد في مستقبل سوريا.
في هذا السياق، جاء الكونفرانس التاريخي لوحدة الصف الكردي في قامشلي بتاريخ 26 نيسان 2025، ليشكّل محطة مفصلية، إذ استطاع بعد سنوات من الانقسامات الحزبية والمناطقية أن يجمع طيفا واسعا من القوى والشخصيات الكردية، بدعم سياسي واجتماعي من مختلف أجزاء كردستان. وقد أكد هذا الحدث أن الوحدة مطلب شعبي قبل أن تكون قرارا سياسيا».
يضيف شيخموس: «إن الرئيس مسعود البارزاني لعب دورا حاسما في إنجاح الكونفرانس، مستخدمًا ثقله السياسي ورمزيته القومية لدفع الأطراف الكردية نحو الحوار والتقارب، بعيدا عن الاصطفافات الضيقة. قدّم دعما سياسيا ودبلوماسيًا حقيقيا، ووفّر غطاءً إقليميًا ودوليًا للمبادرة، وأرسل رسائل واضحة للمجتمع الدولي بأن الكرد قادرون على تجاوز خلافاتهم إذا توفرت الإرادة الصادقة.
تميّز الكونفرانس بنجاحه، ولأول مرة في تاريخ الحركة السياسية الكردية في سوريا، في توحيد القوى والأحزاب والشخصيات الكردية على رؤية سياسية مشتركة تشمل مستقبل سوريا بأكملها وحقوق جميع مكوناتها، وليس الكرد وحدهم. وقد أسفر ذلك عن وثيقة تاريخية جامعة، تحدد شكل الدولة السورية المنشودة، وتضمن الحقوق القومية للكرد، وتكرّس مبدأ المساواة بين الجميع. هذه الوثيقة أصبحت المرجع الأوضح للموقف الكردي، ومنحت الوفد المنبثق عن الكونفرانس شرعية تمثيل الشعب الكردي حصريًا في أي مفاوضات أو محافل وطنية ودولية».
يتابع شيخموس: «إن الوفد المنبثق عن الكونفرانس يواجه تحديات جدية ومعقدة، لعل أبرزها رفض السلطة في دمشق أصلًا الاعتراف به أو الدخول في أي حوار معه، إذ إن هذه السلطة لم تُبدِ حتى الآن أي استعداد للاعتراف بالقوى السياسية السورية ولا بمكوناتها الوطنية، بل تواصل نهجها القائم على تجاهل الحلول السياسية، مكتفية بمحاولات التفاهم مع قوات سوريا الديمقراطية في إطار مقاربات ذات طابع عسكري وأمني، وهو مسار أثبت فشله، لأنه لا يمكن لأي حل أن يبدأ أو ينجح دون إطلاق حوار سياسي شامل يفضي إلى تسوية عادلة.
ولهذا، فإن على الدول الضامنة لانعقاد كونفرانس نيسان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، أن تمارس ضغطًا سياسيًا ودبلوماسيًا حقيقيًا على السلطة في دمشق لفتح قنوات حوار مباشرة مع الوفد الكردي، باعتباره الممثل الشرعي والحقيقي للشعب الكردي. كما تقع على عاتق هذا الوفد مهمة موازية تتمثل في عقد لقاءات منتظمة مع ممثلي كافة المكونات السياسية والاجتماعية في سوريا، لبناء أرضية مشتركة من التفاهمات والتحالفات الوطنية، بما يعزّز الموقف الكردي ويدعمه ضمن إطار مشروع وطني جامع.
ومن المهم أن تُترجم وحدة الصف عمليًا على الأرض، سياسيا وإعلاميا ومن خلال النشاطات الميدانية، وألا تبقى حبيسة الشعارات، مع ضرورة الحفاظ على الشفافية، وخاصة من قبل قيادة قوات سوريا الديمقراطية، في مفاوضاتها مع السلطة في دمشق أو مع باقي الدول الفاعلة، لضمان مصداقية الموقف الكردي أمام الشارع والمجتمع الدولي».
يشير شيخموس إلى أنه: «في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها سوريا، والحرب الإعلامية الممنهجة التي تشنها أبواق السلطة الإسلامية والعربية ضد جميع المكونات، وعلى رأسها المكوّن الكردي، تبرز الحاجة الملحّة إلى تعزيز أدوات العمل السياسي والإعلامي للوفد الكردي.
ولا يقتصر الأمر على الاجتماعات الدورية، بل يجب أن يستفيد الوفد بشكل مستمر من خبرات مراكز البحوث والاستشارات التاريخية والقانونية، من خلال لقاءات متكررة ومدروسة، تتيح تزويدهم بالحقائق الموثقة والحجج القانونية والتاريخية التي تعزّز موقفهم في أي مفاوضات أو محافل دولية.
كما أن الضرورة تفرض العمل الجاد على تشكيل مرجعية كردية موحّدة للوفد، تكون بمثابة الإطار الجامع الذي يحدد أولويات المفاوض الكردي، ويضمن وحدة الخطاب والرؤية، ويمنع أي محاولات لاختراق الصف أو تفتيت الموقف. هذا النهج، المدعوم بالمعرفة الأكاديمية والمراجع القانونية، سيشكّل قاعدة صلبة لمواجهة التحديات السياسية والإعلامية، ويحمي الحقوق والمكتسبات الكردية من أي محاولات للنيل منها».
يختم شيخموس: «إن ما تحقق في كونفرانس 26 نيسان في قامشلي يمثل نقلة نوعية في المسار القومي الكردي، وخطوة تأسيسية لمرحلة جديدة من العمل الوطني، يكون فيها الكرد طرفًا فاعلًا وشريكًا كامل الحقوق في صياغة مستقبل سوريا كدولة ديمقراطية تعددية تحترم جميع مكوناتها. الحفاظ على هذه الوحدة وتحويلها إلى قوة سياسية وميدانية هو التحدي الأكبر، وهو ما سيحدد مكانة الكرد ودورهم في سوريا المستقبل».

آفاق جديدة للحقوق الكوردية في سوريا بعد التحولات السياسية

تحدّث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني - سوريا، محمد علي إبراهيم، لصحيفة «كوردستان»، قائلاً: «في ظل التحولات العميقة التي شهدتها سوريا، خاصة بعد سقوط النظام البائد، برزت الحاجة الملحة أمام القوى الكوردية في كوردستان سوريا للوقوف بمسؤولية أمام الواقع الجديد، والعمل على تجاوز الخلافات الداخلية التي لطالما شكّلت عائقاً أمام وحدة الصف الكوردي. لقد فرضت المرحلة الجديدة تحديّات جسيمة تتطلب توحيد الرؤى والمواقف الكوردية حيال المطالب القومية المشروعة، بما ينسجم مع بناء سوريا ديمقراطية تعددية حديثة تقوم على أسس المواطنة المتساوية، واحترام حقوق جميع المكونات، وعلى رأسها الشعب الكوردي الذي طالما عانى من الإقصاء والإنكار.
من هذا المنطلق، كان لزاماً على جميع الأطراف الكوردية أن تبادر بخطوات جدية ومسؤولة تبدأ بعقد كونفرانس وطني شامل يعبر عن الإرادة الجمعية، ويؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي المشترك، قائمة على المصلحة القومية العليا وليس على الحسابات الفئوية أو الحزبية الضيقة. يهدف هذا الكونفرانس إلى بلورة موقف موحّد يتجسّد في تشكيل وفد كوردي مشترك يتمتع بالشرعية السياسية والشعبية، ليمثل الشعب الكوردي في كافة المحافل، سواء كانت داخلية أو إقليمية أو دولية، بهدف الدفاع عن الحقوق القومية الكوردية المشروعة، والسعي لتثبيتها ضمن دستور سوري جديد يكفل العدالة والمساواة والاعتراف بالهوية القومية للشعب الكوردي في سوريا».
يتابع إبراهيم: «من ثوابت نهج بارزاني الخالد توحيد الصف الكوردي، ففي سبعينيات القرن الماضي تجسدت هذه الروح الوحدوية عملياً من خلال مبادرة البارزاني الخالد لتقريب وجهات النظر بين طرفي الحزب الكوردي في كوردستان سوريا، والتي أفضت إلى مساعٍ جدية لدمجهما في كيان حزبي موحد.
وتواصل هذا النهج على يد الرئيس مسعود بارزاني، الذي حمل راية التوحيد، ولا سيما مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حين سعى جاهداً إلى تقريب المواقف بين المجلس الوطني الكوردي ومجلس غربي كوردستان. وقد تمخضت جهوده عن سلسلة من الاتفاقيات المهمة، أبرزها هولير 1 وهولير 2 واتفاقية دهوك، التي كانت بمثابة محطات مفصلية في سبيل توحيد القرار الكوردي في سوريا.
وكان آخر تجليات هذا الدور الريادي المشاركة المباشرة في التحضير لانعقاد الكونفرانس التاريخي الذي عقد في 26 نيسان 2025، والذي شهد حضوراً رسمياً لممثل الرئيس البارزاني، إشارة إلى دعمه اللامحدود لوحدة الصف في كوردستان سوريا.
أما في باقي أجزاء كوردستان، فلم يتوانَ الرئيس البارزاني لحظة عن أداء دوره القومي، حيث كانت له بصمات واضحة في دعم العملية السلمية في كوردستان تركيا، إلى جانب تشجيعه للمبادرات التي تهدف إلى تحقيق السلام والحقوق الكوردية عبر الوسائل السلمية. وعلى المستوى الإقليمي والدولي، وقف الرئيس البارزاني دائماً إلى جانب الوفود الكوردية في المحافل الرسمية، داعماً حضورها السياسي والدبلوماسي».
يضيف إبراهيم: «الوفد المشترك المنبثق من الكونفرانس، والمكلف بتثبيت حقوق الكورد في سوريا المستقبل، يواجه تحديات كبيرة ومعقدة منها استمرار التباينات في الرؤى والبرامج بين بعض القوى السياسية الكوردية، ما قد يؤثر على وحدة الخطاب والموقف. وهناك محاولات للإقصاء أو التهميش، حيث قد تسعى أطراف كوردية أو غير كردية إلى التقليل من شرعية الوفد أو تجاوزه في المسارات التفاوضية.
فعلى الصعيد الوطني السوري، يرفض النظام السوري أي صيغة فيدرالية أو اعتراف دستوري بالحقوق القومية للكورد، كما يفتقد الحوار الدستوري والسياسي المناسب لأي نقاش جاد حول حقوق القوميات. ويضاف إلى ذلك التوجس من قبل بعض القوى السورية المعارضة أو الموالية تجاه أي مطالب كوردية، واتهامها بالنزعة الانفصالية.
أما على المستوى الإقليمي والدولي، فيبرز الموقف التركي المعادي لأي تطوُّر سياسي كوردي على حدوده الجنوبية، مع محاولات مستمرة لإفشال أي توافق كوردي سوري. كما يواجه الوفد ضعف الدعم الدولي الفعلي للحقوق القومية للكورد، حيث تقتصر المواقف غالباً على التصريحات دون أفعال. وتؤثّر صراعات المصالح بين الدول الفاعلة في الملف السوري مثل أمريكا وروسيا وإيران وتركيا سلباً على أي مشروع سياسي كردي.
ومن الناحية القانونية والدستورية، تعاني العملية من غياب مرجعية دستورية أو اتفاق سياسي جامع يُبنى عليه تفاوض رسمي، وصعوبة إدراج الحقوق الكوردية في أية مسودة دستور جديد دون دعم عربي سوري أو دولي، إضافة إلى الجدل المستمر حول تعريف الحقوق الكوردية بين مطالب ثقافية إدارية أو حكم ذاتي.
على الصعيد المجتمعي والإعلامي، يعاني الوفد من ضعف إيصال صوته إلى الرأي العام السوري والدولي، مع ضرورة كسب تأييد سوري عام يشمل العرب والمسيحيين والآشوريين والسريان من خلال خطاب سياسي جامع وشفاف».
يشير إبراهيم: «إلى أن ضمان الاجتماعات الدورية للوفد لاستمرار التفاهم والتنسيق بين مختلف الفصائل الكوردية يتوقف على عدة عوامل تنظيمية وسياسية مهمة. فالاجتماعات المنتظمة تخلق إطاراً زمنياً ثابتاً لمناقشة المستجدات وتبادل وجهات النظر، مما يمنع تراكم الخلافات ويوفر آلية فورية لمعالجتها، كما تقطع الطريق على الإشاعات والتأويلات الفردية عبر توضيح المواقف الرسمية لكل طرف، مما يبني الثقة ويعزز الشفافية. ومن خلال هذه الاجتماعات يمكن صياغة مواقف سياسية موحدة تجاه القضايا المصيرية، سواء في العلاقة مع النظام أو الأطراف الإقليمية والدولية، والاتفاق على آليات مشتركة للتفاوض أو الرد على الأحداث الميدانية. كما توفر الاجتماعات فرصة لمراجعة ما تم الالتزام به سابقاً وتحديد مكامن الخلل أو التقصير، وبدلاً من تحول الخلافات إلى صراعات ميدانية أو إعلامية، توفر الاجتماعات فرصة لاحتوائها ضمن إطار تفاوضي منظم، مما يعزز ثقافة العمل المشترك والاحترام المتبادل حتى عند الاختلاف».
يختم إبراهيم بالقول: «إن توحيد الخطاب السياسي لجميع الأطراف الكردية في سوريا يجب أن يتم من خلال ميثاق مشترك يتبنى الحقوق القومية المشروعة ضمن إطار وحدة البلاد بتحقيق اللامركزية السياسية وتثبيتها دستورياً. ويشمل ذلك تشكيل هيئة تنسيق سياسية كوردية تمثّل جميع الأحزاب والمكونات المستقلة للتفاوض والتواصل مع الداخل والخارج، والضغط من أجل الاعتراف الدستوري بالوجود القومي الكوردي. والعمل على تعديل الدستور السوري المستقبلي ليعترف بالكورد كمكون أصيل من مكونات الشعب السوري، وتنشيط وتفعيل دور المجلس الوطني الكوردي في مختلف المجالات، وتقوية العلاقات مع القوى الديمقراطية والمدنية في الداخل السوري. كما ينبغي تشكيل لجنة إعلامية ودبلوماسية مختصة بالشأن الكوردي السوري للتواصل مع المنظمات الدولية وشرح مظلومية الكورد ومطالبهم، وكسب الدعم الدولي للحقوق الكوردية في سوريا المستقبل، وضمان التمثيل الكوردي في أي عملية سياسية انتقالية. والتمسك بوجود ممثلين كورد حقيقيين في لجان صياغة الدستور، والحوار الوطني، والحكومة الانتقالية إن وجدت، مع رفض التهميش أو الإقصاء بأي شكل».

خارطة طريق الوحدة الكردية في سوريا بين التحديات والطموحات

تحدّث الكاتب والروائي، إبراهيم اليوسف لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إن الكونفرانس التاريخي المنعقد في قامشلي يوم 26 نيسان 2025 يأتي كتتويج لمرحلة طويلة من الجهد السياسي والاجتماعي، هدفه الرئيس هو وضع حدٍّ لسنوات مريرة من الانقسام والتباعد بين القوى الكردية، ولاسيما تجربة الأربع عشرة سنة من الحرب والحصار في سوريا. الأهداف المعلنة تتجاوز فكرة اللقاء الرمزي، إذ تسعى إلى صياغة رؤية قومية واضحة تُترجم إلى برنامج عمل سياسي متفق عليه بين مختلف الأطراف والتيارات. يتضمّن هذا البرنامج مبادئ ثابتة على رأسها تثبيت الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا دستورياً، بما يشمل الاعتراف باللغة والثقافة والتمثيل السياسي. كما يضع الكونفرانس نصب عينيه مهمة الحفاظ على السلاح الكردي في هذه المرحلة باعتباره ليس مجرد أداة دفاع، بل ضمانة عملية تمنع أية محاولة لفرض الأمر الواقع أو الانتقاص من المكتسبات. من بين أهدافه أيضًا إنشاء آليات مؤسساتية للتشاور والتنسيق تمنع التفرد بالقرار، وتتيح لكل طرف أن يكون شريكا حقيقيا في صياغة المواقف والرد على التحديات. إضافة إلى ذلك، يسعى الكونفرانس إلى خلق جبهة سياسية موحدة قادرة على مخاطبة القوى الدولية والإقليمية بلغة واحدة، وتحقيق التوازن بين الانخراط في المشروع الوطني السوري والحفاظ على الثوابت القومية».
يشير اليوسف: «ان الرئيس مسعود بارزاني، بصفته أحد أبرز الرموز القومية الكردية، لم يتعامل مع مسألة الوحدة الكردية في سوريا بوصفها شأناً خارجياً أو ملفاً جانبياً، بل كجزء من مشروع أوسع لحماية الحضور الكردي في المنطقة. تدخله كان- كما عهدناه- مدروساً، ويستند إلى خبرة طويلة في إدارة الأزمات الداخلية، وتجاوُز الخلافات بين القوى السياسية. عبر رعايته للمشاورات السابقة للكونفرانس، وحقاً لقد استطاع الرئيس البارزاني خلق مناخ من الثقة بين الأطراف التي طالما اتّسمت علاقتها بالريبة أو التنافس الحاد، وما لا أريد الاسترسال في توصيفه لأننا إزاء بوابة مرحلة جديدة نأمل لها أن تتكلل بالنجاح بما يخدم قضية شعبنا. وللحقيقة، لم يقتصر دوره على الوساطة، بل مارس ضغطاً إيجابياً لإقناع القوى المختلفة بأن اللحظة الراهنة تتطلب تجاوز الحسابات الضيقة، والقبول بحدٍّ أدنى- في أقل اعتبار- من التوافقات التي يمكن البناء عليها لاحقا. كما استثمر مكانته الإقليمية والدولية لتوفير غطاء سياسي يمنح الوحدة الكردية فرصة الاستمرار بعيدا عن الضغوط الميدانية المباشرة. إن تأثيره المعنوي على القواعد الشعبية، خاصة في ظل رمزيته التاريخية، ما جعل ويجعل من الصعب على أي طرف أن يقف علناً في وجه مشروع الوحدة من دون أن يخسر جزءا من شرعيته».
يعتقد اليوسف: «ان التحديات أمام الوفد ليست قليلة، بل هي مركّبة ومتعددة المستويات. أولها يتصل بالضغوط الإقليمية التي ترى في أي توحُّد كُردي تهديداً مباشراً لمصالحها، سواء تلك التي تتعلق بالحدود أو بمسألة الحكم الذاتي. هذه القوى لن تتردد في استخدام أدواتها السياسية والإعلامية وحتى العسكرية لإفشال أي تقارب كردي-كردي. ثانياً، هناك التبايُنات الفكرية والسياسية بين المكونات وطرف السلطة، حيث تختلف الرؤى حول العلاقة مع السلطة المركزية في دمشق، وأسلوب إدارة المناطق ذات الغالبية الكردية، ومستقبل القوات المسلحة الكردية. من دون أن ننسى أن المعادلة التفاوضية في أي عملية سياسية سورية قادمة ستكون معقدة، وقد يتم الضغط لتقديم تنازلات تمس جوهر الحقوق القومية، ما يتطلب من الوفد قدرة عالية على الصمود والمناورة في آن واحد.
يضيف اليوسف: «إن الاجتماعات الدورية ليست مجرّد إجراء شكلي أو بروتوكولي، بل هي العمود الفقري للحفاظ على الزخم الذي ولّده الكونفرانس. هذه اللقاءات تتيح معالجة أي خلافات في بدايتها قبل أن تتحول إلى أزمة، وتوفر مساحة لمراجعة الخطط وفقًا لتغير الظروف الميدانية والسياسية. من خلال هذه الاجتماعات، يمكن للأطراف أن تتبادل المعلومات، وتنسّق مواقفها تجاه المستجدات، ما يضمن أن يكون الخطاب الكردي في المحافل السياسية موحدا وغير متناقض. كما أن انتظام هذه اللقاءات يكرّس مبدأ الشراكة في صناعة القرار، ويمنع عودة عقلية التفرد بل الهيمنة التي كانت سببا في الانقسام سابقًا. إضافة إلى ذلك، يمكن لهذه الاجتماعات أن تتحول إلى منصات لإشراك الكفاءات والخبرات من خارج الإطار التنظيمي الضيق.
يختم اليوسف: «تعزيز مكانة الكرد يتطلب مقاربة شاملة تتداخل فيها السياسة مع الثقافة والاقتصاد والأمن. أولى الخطوات تتمثل في صياغة ميثاق وطني كردي تحدد المطالب بدقة، وتضع خطوطاً حمراء لا يجوز تجاوزها في أية مفاوضات، مع ضمان أن هذا الميثاق يحظى بموافقة جميع القوى الفاعلة. ثاني الخطوات- وفق تصوري- هو إن الانخراط الفاعل في المنصات السياسية السورية، سواء في المعارضة أو في أي إطار تفاوضي، لتثبيت الحضور الكردي كرقم لا يمكن تجاوزه. وهو يحتاج إلى بناء إعلام مهني ناطق بصوت موحد، قادر على إيصال الرسالة الكردية إلى الرأي العام المحلي والدولي، ومواجهة الحملات التضليلية. بالإضافة إلى، تطوير القدرات التفاوضية والقانونية للوفد من خلال فرق متخصصة في القانون الدولي والدستوري، لضمان أن أية نصوص يتم التوافق عليها تكون محكمة الصياغة وغير قابلة للتأويل الضار. إلا أن الحفاظ على قوة الدفاع الذاتي حتى يتم تثبيت الضمانات الدستورية والعملية، شرط لا غنى عنه البتة، لأن أي تفريط في السلاح قبل ذلك قد يعرض المكتسبات للخطر. وكل هذا يتعزز عبر الانفتاح على الشركاء السوريين من القوميات والمكونات الأخرى لبناء تحالفات عابرة للانتماء القومي، تعزز من قدرة الكرد على التأثير في صياغة مستقبل البلاد».

تحديات وآفاق توحيد الصف الكردي وتعزيز الحقوق القومية في سوريا المستقبل

تحدث عضو ممثلية إقليم كوردستان للمجلس الوطني الكردي في سوريا، رامان محمود ملا لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إن مؤتمر وحدة الموقف والصف الكردي في كوردستان سوريا يهدف إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية ضمن مسار الوحدة الكردية، وتشمل توحيد وجهات النظر الكُردية بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، بهدف ضمان حقوق الشعب الكردي في سوريا المستقبلية.
يسعى المؤتمر إلى تأمين حقوق الشعب الكردي في الدستور السوري الجديد، من خلال تشكيل وفد كردي موحد للعمل على ترجمة هذه الرؤية إلى واقع سياسي ملموس. وفي سياق تعزيز قوة سوريا، يشدّد المؤتمر على أن توحيد الصف الكردي سيعزز القدرات السورية ويضمن حماية حقوق جميع المكونات، وعلى رأسها الشعب الكردي».
يرى ملا: «أن حل القضية الكردية يمثل عاملاً حاسماً في تحديد مستقبل سوريا، مع التأكيد على أهمية تبنّي رؤية كُردية موحدة لبناء سوريا الجديدة والمشاركة الفعالة في صياغة مستقبلها. كما يعمل المؤتمر على تعزيز أواصر التضامن والتعاون بين أفراد الشعب الكردي، ويدعو المؤتمر إلى اعتماد نظام حكم برلماني لا مركزي يضمن العدالة والمساواة وفصل السلطات واحترام حقوق الإنسان. ويطالب بضمان الحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، بما في ذلك الحق في التعليم باللغة الأم وممارسة الثقافة».
يتابع ملا: «الرئيس مسعود بارزاني لعب دوراً هاماً في توحيد الصف الكردي داخل سوريا وخارجها من خلال عدة جهود. من أهم هذه الجهود التواصُل مع مختلف القوى والأحزاب الكردية في سوريا وخارجها، لتعزيز الوحدة والتنسيق بينها. كما قاد مبادرات سياسية تهدف إلى توحيد الرؤى والمصالح الكردية، مما ساهم في تعزيز التضامن بين الأطراف الكردية المختلفة.
عمل أيضاً على التفاوض مع الأطراف السياسية الأخرى في المنطقة لضمان حقوق الشعب الكردي وتمثيله في مختلف المحافل السياسية، وساهم في تعزيز الوعي بالقضية الكردية على المستوى الدولي من خلال زياراته وتواصله مع قادة الدول والمنظمات الدولية. بالإضافة إلى ذلك، دعم الوحدة الوطنية الكردية من خلال دعم المؤسسات والهيئات التي تعمل على خدمة الشعب الكردي، وسعى إلى حل القضايا العالقة بين الأطراف الكردية المختلفة عبر الحوار والتفاوض. بفضل هذه الجهود، تمكن الرئيس مسعود بارزاني من لعب دور هام في توحيد الصف الكردي وتعزيز التضامن بين أبناء الشعب الكردي في مختلف المناطق».
يشير ملا: «إلى أن الوفد المنبثق من الكونفرانس لتثبيت حقوق الكرد في سوريا المستقبل يواجه عدة تحديات سياسية كبيرة في التفاوض مع الأطراف السورية الأخرى، خاصة في ظل وجود آراء متباينة حول مستقبل سوريا وحقوق الكرد. كما يواجه الوفد تحديات في الحصول على اعتراف دولي بحقوق الكرد في سوريا، في ظل تعقيدات السياسة الدولية والإقليمية، إضافة إلى صعوبة تمثيل مختلف الأطراف الكردية في سوريا نظرًا لتعدد الأحزاب والتنظيمات الكردية ذات المواقف المختلفة.
ويواجه الوفدُ تحديّاتٍ أمنيةً في المناطق الكُردية نتيجة وجود تهديدات من الجماعات الإرهابية والتوترات الأمنية، وكذلك تحديات اقتصادية في توفير الدعم للمناطق الكردية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. أما على الصعيد الاجتماعي، فهناك تحديات في توفير الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة بسبب نقص البنية التحتية، إضافة إلى تحديات دستورية تتعلق بضمان حقوق الكرد في الدستور السوري الجديد وسط اختلاف الآراء حول شكل الدولة ونظام الحكم. بشكل عام، فإن الوفد يواجه تحديات كبيرة في تثبيت حقوق الكرد في سوريا المستقبل، ويتطلب ذلك جهودا كبيرة ومتواصلة لضمان تحقيق هذه الحقوق».
يؤكد ملا: «أن الاجتماعات الدورية للوفد يمكن أن تضمن استمرار التفاهم والتنسيق بين مختلف الفصائل الكردية من خلال تعزيز التواصل وتبادل الآراء، مما يسهم في بناء تفاهم مشترك. تتيح هذه الاجتماعات الفرصة لاتخاذ قرارات مشتركة وحل الخلافات بشكل بنّاء، كما تعزز الثقة بين الأطراف من خلال الشفافية وتوضيح المواقف الرسمية.
تساعد الاجتماعات الدورية أيضًا في تحديد الأولويات المشتركة وتطوير استراتيجية موحدة للتعامل مع القضايا المختلفة، مما يدعم التنسيق والتعاون بين الفصائل. بشكل عام، تلعب هذه الاجتماعات دورًا هامًا في تحقيق الأهداف المشتركة وتعزيز العمل السياسي المشترك بين الكرد».
يختم ملا: «بالإشارة إلى عدة خطوات عملية يمكن أن تعزز مكانة الكرد السياسية والاجتماعية ضمن الدولة السورية القادمة، منها تعزيز المشاركة السياسية عبر تمثيل الكرد في الحكومة والبرلمان والمجالس المحلية، وضمان الحقوق الدستورية بما في ذلك التعليم باللغة الكردية والاعتراف بالهوية الكردية. وينبغي أيضًا تعزيز التعليم والثقافة الكردية من خلال إنشاء مدارس وجامعات تقدم برامج تعليمية باللغة الكردية، ودعم الاقتصاد الكردي بتوفير فرص استثمارية واقتصادية. كما يجب تعزيز التمثيل الإعلامي عبر إنشاء قنوات وإذاعات وصحف كردية، والحقوق الاجتماعية التي تشمل الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي.
من الضروري كذلك تعزيز المشاركة المدنية بدعم المنظمات والجمعيات، وبناء الثقة بين الكرد والأطراف الأخرى عبر الحوار والتفاوض. ولا يقل أهمية تعزيز الأمن في المناطق الكردية وتوفير الحماية والاستقرار، بالإضافة إلى دعم المصالحة الوطنية عبر تعزيز الحوار بين مختلف الأطراف. بشكل عام، فإن تعزيز مكانة الكرد السياسية والاجتماعية في سوريا يتطلب جهوداً مشتركة من الحكومة والكرد والأطراف الأخرى لتحقيق سوريا أكثر شمولية وعدالة».