المصالحة السياسية الشاملة... ركيزة استقرار سوريا ووقف النزيف المستمر
عزالدين ملا
لا تزال سوريا، بعد أربعة عشر عاماً من الحرب والدّمار والتهجير، تعيش على وقع التدخّلات الخارجية التي لا تزيد الأوضاع إلا تعقيداً، وتفتح أبواباً جديدة لصراعات داخلية تهدّد بتمزيق ما تبقّى من جسد الوطن المنهك. وبينما تحاول بعض الأطراف دفع السوريين إلى أتون حرب أهلية جديدة، يبرز الأمل الوحيد في بناء الاستقرار عبر مصالحة وطنية حقيقية بين الحكومة السورية الجديدة وكل مكونات الشعب، دون تمييز أو إقصاء. وفي قلب هذه المعادلة، يقف الكرد، المكوّن الأصيل في الهوية السورية، بانتظار الثقة الحقيقية وردّ الاعتبار الذي حُرموا منه عقوداً طويلة، ليشاركوا في إعادة بناء وطن يسع الجميع، ويضمن كرامتهم وحقوقهم.
1-كيف يمكن الحدّ من التدخّلات الخارجية التي تزيد من هشاشة الوضع السوري؟
2-ما السبيل إلى تجنيب سوريا الانزلاق نحو حرب أهلية جديدة؟
3-ما هي أسس المصالحة الوطنية المطلوبة بين الحكومة السورية الجديدة والشعب بكلّ مكوناته؟
4-كيف يمكن تحقيق رد الاعتبار للكرد وضمان شراكتهم الفعلية في سوريا الجديدة؟
5-ما دور المجتمع الدولي في دعم مشروع المصالحة الشاملة بدلاً من تغذية الانقسامات؟
لا استقرار بلا عدالة ومساواة بين مكوّنات سوريا
تحدّث المستشار الإعلامي للرئيس مسعود بارزاني، كفاح محمود لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «تعاني معظم دول الشرق الأوسط من مرض سياسي مزمن يتمثل في التدخُّلات الخارجية، ولا سيما من جانب القوتين الإقليميتين الأبرز "إيران وتركيا"، ضمن صراعهما التاريخي المستمر على النفوذ والهيمنة. ولن يكون الخلاص من هذا الواقع المأزوم ممكناً إلا عبر بناء جبهة داخلية متماسكة تستند إلى العدالة الاجتماعية والسياسية، وعلى وجه الخصوص ضمان الحقوق المشروعة للمكوّنات القومية والدينية والمناطقية، بما يجعل من هذه الجبهة جداراً وطنياً صلباً في مواجهة أي تدخل خارجي، ويحول دون استخدام تلك المكونات أدوات لصراع الآخرين».
يشير محمود: «إلى أن التجربة العراقية تُعدّ مثالاً صارخاً لما قد تؤول إليه أوضاع الدول ذات التعدد القومي والديني إذا غابت أسس العدالة والمواطنة المتساوية. وفي هذا السياق، تُشبه الحالة السورية الوضع العراقي من حيث التركيبة المجتمعية المعقدة والتداخلات القومية والطائفية. لذا، فإن الطريق الأسلم نحو سوريا المستقبل يبدأ بإقامة نظام ديمقراطي حقيقي، يضمن الحقوق الكاملة والمتوازنة لجميع المكونات، ويحول دون اندلاع صراعات داخلية جديدة قد تُغرق البلاد مجدداً في دوامة الفوضى والعنف».
يؤكد محمود: «إلى أنه لا يمكن تسمية ما تحتاجه دولنا بـ"المصالحة" فحسب، بل هو في جوهره عقد وطني جديد لبناء الدولة، يشارك فيه الجميع على قدم المساواة، ويُؤسس على دستور عادل يضمن الحقوق والمكتسبات لكافة طبقات ومكونات الشعب. فبهذا العقد وحده تُبنى المواطنة الفاعلة، وتُصان التعددية، ويتبلور نسيج وطني متماسك قادر على مواجهة التحديات وتجاوز الانقسامات».
يردف محمود: «إن الشعب الكردي يمتلك خصوصية متميزة في اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا، فضلاً عن تقاليده الاجتماعية، وقد تعرّض عبر تاريخه الطويل إلى مظالم جسيمة، تمثلت في محاولات منظمة لإزالته من الخارطة أو إذابته قسراً ضمن مكونات أخرى أكثر عددًا. إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، بفضل إصراره على الحفاظ على هويته ووجوده. ومن هنا، فإن أي نظام سياسي جديد ينبغي أن يتوقف بتمعّن أمام هذه الخصوصية، ويستلهم من التجارب المشابهة صيغًا عقلانية لبناء دولة عادلة تستوعب الجميع، وتعيد الاعتبار لكل من تعرّض للتهميش أو الإقصاء، وذلك من خلال بناء اتحاد اختياري قوي بقوة مكوناته».
يختم محمود: «ما لم تتوافر إرادة وطنية صلبة وجادة في الداخل، تتجه لبناء دولة ديمقراطية عادلة تقوم على الاعتراف الكامل والمتساوي بحقوق جميع المكونات، فإن أي دعم خارجي سيظل بلا جدوى أو أثر يُذكر. فالمجتمع الدولي لا يستطيع أن يحلّ محل الإرادة الداخلية، ولا أن يفرض استقرارًا حقيقيًا دون وجود قاعدة وطنية حقيقية تنطلق من الداخل ذاته».
الحل في سوريا يبدأ باتحاد ديمقراطي لا مركزي وضمان حقوق المكونات
تحدث عضو المكتب السياسي ومسؤول الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، بشار أمين لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «معلوم، أن سوريا تعرّضت للتدخلات الخارجية منذ بداية حركة الاحتجاجات السلمية في آذار 2011، منها سياسية وأخرى عسكرية وسياسية، وكانت تتقاسم مناطق النفوذ بشكل واسع وواضح، منها روسيا وتركيا وإيران وأمريكا وغيرها ولاسيما بعد انتشار القوى الظلامية المتطرفة في سوريا والعراق وخصوصاً داعش والقوى الراديكالية وبقاؤها حتى الآن، ما اثار قلق وحفيظة المجتمع الدولي لما يمكن تهديد امن واستقرار الوضعين الدولي والإقليمي، واتسعت دائرة التدخلات على المستوى العربي والإقليمي ايضا، لدرجة غدت سوريا ساحة سياسية لتصفية الحسابات، وامتدت هذه التدخلات طوال السنين التي خلت، وهي تجر على البلاد المزيد من الويلات والخراب والدمار وذهب ضحية هذه الصراعات المزيد من زهق الأرواح واصابة اضعاف مضاعفة بالجراح والعاهات المستدامة فضلا عن الاعتقالات الواسعة التي قل نظيرها في التاريخ واستشهاد الآلاف منهم تحت التعذيب الوحشي.
يتابع امين: «ان هذه التدخلات ظلت مستمرة رغم تقلص دور البعض منها، الا ان جهات اخرى زادت في وتيرة التدخل أكثر شدة وخصوصا تركيا واسرائيل الى جانب أمريكا وفرنسا والبعض الآخر في الخفاء ومن خلف الكواليس، بمعنى ان التدخلات الدولية والإقليمية في الشأن السوري لا تزال قائمة ومستمرة وأحيانا أكثر صرامة مما كان وبشكل مباشر، ذلك بسبب توفير الذرائع لها من بعض الجهات الموجهة للسلطات الجديدة، وهذا ما حصل مؤخرا في صراعات السويداء والجنوب السوري.
هكذا فان للدول والمجتمعات دورها سواء في خدمة مصالحها او خدمة مصالح اصدقائها او العمل لدرء المخاطر التي قد تحدق بها جراء التفاعلات السياسية القائمة، وعليه ينبغي للسلطات الجديدة في البلاد ان تنسج العلاقات مع القوى التي تسعى لنشر الأمن والاستقرار في عموم المنطقة ومن بينها سوريا»
يشير امين: «إلى انه حينما يتمتع الجميع بحقوقهم يكون ذلك دافعا قويا نحو قيامهم بواجباتهم الوطنية وسيكون التفاهم سهلاً نحو التعايش والعمل وفق ثقافة التسامح والعيش المشترك، بمعنى ينبغي استثمار التعددية القومية والدينية والتنوُّع الثقافي كعامل قوة ومنعة بتضامن الجميع وتضافر جهودهم سواء في الدفاع عن البلد والذود عن حياضه او للعمل من اجل الهدوء والاستقرار، لا ان يكون العمل عكسيا ببث الفرقة والتنافر ونشر ثقافة الكراهية بين المجتمع الواحد حيث مكونات الشعب السوري، ليصار الى استغلاله من لدن خصوم شعبنا واصحاب المصالح والساعين الى توسيع دائرة نفوذهم وسطوتهم، ولكي لا تكون سوريا ساحة لتصفية الحسابات من جديد».
وعليه، يزيد أمين: «هكذا تسهل المواءمة بين مختلف المكونات حيث اسس المصالحة الوطنية بوضع الأولويات التي تخدم المصالح الوطنية العليا، ومن ثم مصالح المكونات وتحفيزها نحو التفاعل والاندماج دون تمييز مواطن وآخر بسبب الانتماء القومي او الديني او الطائفي واعتماد مبدأ المواطنة المتساوية، والعمل وفق الامكانات والكفاءات المتوفرة في تشكيل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية بعيدا عن المحسوبية والمزاجية، وليس على غرار ما تفعله السلطة الجديدة سواء عند انعقاد المؤتمر الذي سموه "الوطني السوري" وهو بالأساس للفئة الحاكمة، او عند وضع المواد الدستورية المؤقتة او الحكومة الانتقالية او حاليا عند تشكيل البرلمان».
ومن هنا، يؤكد امين: «إلى ان الوضع يقتضي تجنب سياسة الاقصاء والتهميش كما كانت تفعله الحكومات السورية المتعاقبة، لأن جميع المكونات قد ساهمت في بناء الدولة السورية، وساهمت في مناهضة نظام الاستبداد والدكتاتورية ومنذ الأيام الأولى لاندلاع الاحتجاجات السلمية من مدينة درعا، وخصوصا الشعب الكردي وفي عموم مناطقه واماكن تواجده، وقد استبشرت السلطات الجديدة خيرا بالشأن الكردي واعتبرته مكونا اساسيا لا يمكن تجاهله، الا انها سرعان "ما قلبت عليه ظهر المجن" وتجاهلته كشعب وكقوى وطنية وتجاهلت ممثليه الحقيقيين وزعمت انها تتعاطى مع الأفراد وليس المجموعات ما يعني رفض التمثيل الحقيقي، في حين يعلم الجميع وتعلم هذه السلطات ان الوضع في البلاد لا يمكن ان يأخذ سبيله نحو الهدوء والاستقرار ما لم تحل قضايا مكونات الشعب السوري وخصوصا قضية الشعب الكردي في سوريا عبر تطبيق نظام ديمقراطي اتحادي لا مركزي يحقق طواعية وحدة سوريا ارضا وشعبا ودون خوف او وجل، وعليه ينبغي التعاطي مع الشأن الكردي بشكل جدي والحوار مع ممثليه الحقيقيين عبر الاهتمام الجدي بمخرجات كونفرانس 26 نيسان 2025».
وفي السياق ذاته، يختم امين: «إلى ان دور المجتمع الدولي يأتي ولاسيما امريكا والاتحاد الأوربي للمساهمة في ضمان الأمن والاستقرار في ربوع البلاد واستكمال رفع العقوبات عن سوريا والبدء بإعادة اعمار سوريا بعد الدعم بالترتيبات السياسية اللازمة وما ينبغي لسوريا ان تأخذ مكانها بين الدول الديمقراطية بنظام اتحادي لا مركزي اسوة بالدول والمجتمعات الديمقراطية في العالم بماهي سويسرا والمانيا وامريكا.. الخ، ولينعم الشعب السوري بكل مكوناته بحقوقه القومية والدينية والسياسية وكل بحسب وجوده وأماكن تواجده الجغرافي، وهكذا يمكن لسوريا وشعبها إمكانية توفير عوامل التقدم والتطور والازدهار دون تمييز او امتياز لأحد بسبب الانتماء القومي او الديني او الطائفي وليعيش الجميع في امان ووئام».
عقد وطني جامع يرسّخ الحقوق.. وينهي التدخّلات
تحدث عضو الهيئة التنفيذية لحركة الإصلاح الكوردي- سوريا كاظم خليفة، لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إن السياسات الاستبدادية وآلة القمع التي اعتمد عليها نظام البعث الأسدي ضد السوريين المطالبين بالحرية والكرامة، مستنداً إلى بعض القوى الإقليمية والدولية والميليشيات الطائفية من أجل حماية عرشه من السقوط، كانت من الأسباب الأساسية لتدخل دول وقوى أخرى بحثا عن مصالحها في هذه المنطقة الجيوسياسية الهامة، فكان تدويل القضية السورية منذ بدايات الثورة، وبات الشعب السوري يدفع ضريبة الصراعات الدولية على وطنه من قتل وتهجير وتدمير، ولم يعد له الدور الأساسي في إيجاد الحلول لقضيته، بل صار أسيرا لأجندات الدول المتدخلة في الشأن السوري، بسبب تعنت النظام وعدم اكتراثه بما أصاب سوريا من دمار وقتل».
يتابع خليفة: «إلى ان هذه الحالة استمرت بعد سقوط النظام الاستبدادي من خلال توافقات إقليمية ودولية، وأثر ذلك أنصبَّ عمل الإدارة السورية الجديدة على استرضاء الخارج في محاولة منها لكسب الشرعية والدعم، وقد استطاعت أن تحقق بعض النجاحات في هذا المنحى، ولكن كان ذلك على حساب الوضع الداخلي والشعب السوري الحالم بدولة ديمقراطية تعددية تتحقق فيها أهداف السوريين، دولة تصون الحرية والكرامة التي انطلقت الثورة السورية من أجلها. ولكن لم تقم هذه الإدارة الجديدة إلا ببعض الإجراءات التي اتسمت بالشكلية، كمؤتمر الحوار الوطني والإعلان الدستوري وطريقة تشكيل الجيش ومجلس الشعب وغيرها، وبأساليب تكرّس الأحادية من خلال ثنائية متناقضة تفرض الهيمنة تحت شعارات قديمة حديثة كالحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وعدم التعامل مع الشعب السوري كمكونات عرقية ودينية وسياسية متنوعة، والتي لا بد من المشاركة الفعلية معها في صياغة تشكيل الدولة الجديدة التي نادى بها الشعب السوري طيلة أربعة عشر عامًا وهو يقدم التضحيات الكبيرة من أجلها».
بالموازاة مع الخارج، يردف خليفة: «كان لا بد من تقوية الجبهة الداخلية والمشاركة الفعلية لكل المكونات والاعتراف بحقوقها عبر دستور يصون هذه الحقوق، ونبذ خطاب الكراهية والطائفية المقيتة لترسيخ الثقة بينها وبين كل أطياف الشعب السوري، فشعارات المواطنة المتساوية وتحقيق العدالة دون فعل واقعي وعملي لا تفضي إلا إلى مزيد من عدم الثقة والانقسام.
يضيف خليفة: «انه خلال الفترة التي قادتها الإدارة الجديدة بعد هزيمة نظام الاستبداد، اُرتُكبت الكثير من الأحداث المؤلمة بحق السوريين من مكونات مختلفة، كأحداث الساحل وجرمانا والسويداء وتفجير كنيسة مار إلياس في دمشق وغيرها، حيث اتخذت تلك الأحداث والجرائم طابعاً طائفياً مخيفاً ينذر بحرب أهلية، بالتوازي مع آلة إعلامية مسمومة تبث ثقافة الكراهية وتدعو إلى القتل عبر منهجية وعقيدة تؤمن بأن فرض سيطرة هذه الإدارة بالقوة والحرب على كامل الأراضي السورية هو الحل الوحيد للوصول إلى إنشاء دولة مستقرة، وهي بذلك تدفع بسوريا نحو حرب أهلية وتشرذم وانقسام بسبب تلك العقلية التي تمارس منطق القوة والغلبة وهي تتشدق بوحدة سوريا. وللتخلص من هذه الحالة، لا بد من عقد مؤتمر وطني جامع يشارك فيه كل المكونات السورية دون تفضيل أي فئة أو طائفة أو قومية على أخرى، لترسيخ الثقة المتبادلة والاقتناع بأن سوريا هي لكل السوريين، ومعالجة المشاكل والمظالم والقضايا من جذورها.
فسوريا بأمسّ الحاجة إلى مصالحة وطنية حقيقية ترتكز على ضمان حقوق كل المكونات فعليا لا شعاراتيا».
يشير خليفة: «إلى ان الكُرد شعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية في سوريا، وقد ساهم في تكوين الدولة السورية واستقلالها وتطويرها على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والدينية. وبالرغم من دوره الرائد في صياغة الوطن وحمايته، تعرّض الشعب الكردي للظلم والاضطهاد على يد العنصريين، وخاصة في مرحلة حكم البعث الشوفيني، الذي سعى بكل الأساليب اللاإنسانية إلى طمس كل معلم كردي في سوريا، كالتجريد من الجنسية والحزام العربي ومنع اللغة والثقافة وغيرها الكثير من الإجراءات التعسفية، من خلال توجيه اتهامات باطلة كالاتهام بالانفصال، بغية حضّ المكون العربي على معاداتهم واعتبارهم أعداء في الداخل، إلى جانب المتاجرة بعقولهم من خلال التغني بالعروبة وأكذوبة الدفاع عن وحدة الأراضي السورية. إلا أن الشعب الكردي استمر في نضاله ضد الاستبداد وربط على الدوام قضيته القومية بقضية الديمقراطية في البلاد، وعلى أنها قضية وطنية بامتياز، وقد عبّر الشعب الكردي عن ذلك من خلال انتفاضته بوجه نظام الاستبداد عام 2004 وكذلك انخراطه بالثورة السورية منذ بداياتها عام 2011، معبرا عن انتمائه الوطني في الدفاع عن كل مكونات الشعب السوري».
يختم خليفة: «من الطبيعي أن سوريا الجديدة ستواجه العديد من المصاعب بعد حكم شمولي دام لأكثر من ستين عاماً في ظل نظام البعث الذي عمل بكل الوسائل على ترسيخ أيديولوجيته، وقد ترك موروثا ثقافيا وعقائديا في المجتمع السوري، ولابد من العمل الوطني الجاد من أجل إزالته ببذل الجهود من قبل السوريين عامة. وعلى المجتمع الدولي أن يقوم بدوره في دعم السوريين لتحقيق الأمن والاستقرار عبر المصالحة الوطنية، وتعزيز الثقة بين كافة مكونات الشعب السوري، والعمل على نبذ الانتهاكات وضمان عدم تكرارها، بالإضافة إلى دعم عملية الانتقال السياسي وتفعيل دور المجتمع المدني والمشاركة في وضع الأسس الديمقراطية لبناء دولة تكون لكل السوريين».
مؤتمر وطني ودستور جديد يضمن الحقوق ويطرد التدخلات
تحدث عضو الهيئة الإدارية لاتحاد كتاب كوردستان سوريا، عمر اسماعيل لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إلى انه يتم الحد من التدخل الخارجي في سوريا بتقوية الجبهة الداخلية والاتفاق بين جميع مكونات الشعب السوري وتفضيل مصلحة الوطن وإقامة نظام ديمقراطي تعددي لا مركزي، يتشارك الجميع في بناء سوريا الجديدة بعد الانهيار الكامل خلال السنوات الماضية من القتل والتهجير، للخروج من هذا النفق المظلم بالحوار الديمقراطي السلمي بدلاً من النزعة الفردية والشمولية كما كان يمارسها النظام القمعي الشمولي سابقا».
يتابع إسماعيل: «إلى انه من خلال الدعوة الى مؤتمر وطني يشارك فيه جميع المكونات والقوى السياسية في سوريا للاتفاق على المبادئ الاساسية للديمقراطية واعتماد اللامركزية السياسية ومبادئ حقوق الانسان ليتسنى لكل مكون ممارسة حقوقه في التعبير عن نفسه، وتشكيل لجنة منبثقة عن المؤتمر الوطني لكتابة الدستور جديد يشارك فيها جميع المكونات السورية، ويثبت في الدستور الجديد الاعتراف بالمكونات والقوميات السورية كافة وعلى راسها القومية الكردية والاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي على أرضه التاريخي».
يشير إسماعيل: «إلى أن الحكم الحالي هو حكم اسلامي طائفي سني ويعتمد على مقاتلين اجانب وفصائل إرهابية، وبقاء هذا الحكم لا يبشر بالخير ولا يمكن ان يتحقق السلام في الداخل، ويبقى الباب مفتوحا لتدخلات خارجية بحجة حماية الاقليات او حماية الجهات التابعة لها».
يضيف إسماعيل: «ان رد الاعتبار للشعب الكردي يتم باستقبال الوفد الكردي المنبثق عن الكونفراس الكردي والتفاوض معه، وازالة المشاريع العنصرية من الحزام العربي والاحصاء الاستثنائي، وتعويض المتضررين، وتحديد نسبة المشاركة للكرد في الحياة السياسية من البرلمان والوزارات والإدارات، والاعتراف بالقومية الكردية كشعب يعيش على ارضه التاريخية».
يختم إسماعيل: «من واجب المجتمع الدولي مساعدة الشعب السوري بالضغط على هذا النظام لإيقاف المجازر، والتدخل لعقد مؤتمر وطني جامع للشعب السوري، وتشكيل دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية. اما إذا بقي الوضع على هذا الحال سيتوجه هذا النظام للحل العسكري مرة اخرى بعد الساحل والسويداء سيتوجه الى شرق الفرات، وهذا سيؤدي الى تقسيم سوريا».
سوريا لا مركزية هي الضامن الوحيد للحقوق ولوقف النزيف
تحدّث عضو الهيئة التنفيذية لاتحاد الطلبة والشباب الكوردستاني – روج آفا، حميد خليل، لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إنّ التدخّلات الدولية بدأت منذ اندلاع الثورة السورية، التي قسّمت الجغرافيا السورية، على مدى خمسة عشر عاما، إلى عدّة مناطق نفوذ، وأدّت تلك التدخّلات إلى إثارة المشاعر القومية والطائفية بشكل غير مسبوق، لما رافق تلك السنوات من ويلات ومصائب لا تسمح للسوريين بالعيش جنبًا إلى جنب. وتلك الجروح العميقة التي أصابت الشعب السوري خلال خمسة عشر عامًا لن يستطيع الزمن تضميدها أو مداواتها خلال عقود وأجيال مقبلة، وعليه فإنه لا يمكن الحدّ من التدخّلات الدولية في سوريا».
يعتقد خليل: «إنه من الضرورة بمكان أن تستمرّ هذه التدخّلات إلى حين تثبيت اللامركزية في سوريا وفق مناطق النفوذ والتوزّع السكاني، سواء القومي أو الطائفي، والتي تبلورت بمرور سنوات الأزمة السورية لعدّة أسباب، أهمّها انعدام الثقة بين المكوّنات والأطياف والقوميات في الجغرافيا السورية. وما شهدَه الساحل السوري وما يجري في السويداء خير دليل على ما ذُكر. وأنّ هذه التدخّلات يجب أن تستمرّ إلى حين استقرار سوريا بكتابة دستور لا مركزيّ، يُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، ويضمن المشاركة الفاعلة لكافة المكوّنات وتمثيلهم في السلطة، وكذلك يضمن حقوق المرأة السورية دستوريّا في ظلّ ما نشهده من قمعٍ لحريّاتها وحقوقها بمسمّيات مختلفة. وهذا الأمر سيضمن عدم الانزلاق إلى المزيد من المجازر والقتل وسفك الدماء».
يشير خليل: «انه على السوريين كافّة أن ينظروا إلى ما يحصل من حولهم بواقعية؛ فالأمور منذ ٧ أكتوبر تغيّرت وستغيّر وجه المنطقة إلى الأبد بأدوات لا قِبَلَ لنا بها ولا يدَ لنا فيها، وأعتقد أنّه خلال السنوات الثلاث القادمة سنشهد تغيّرات عظيمة في المنطقة وخرائطها شاء من شاء وأبى من أبى.
كلّ هذه المتغيّرات بدأت فعليًّا بتاريخ ٢٩/٣، عندما بدأ الهجوم الإسرائيلي على ميليشيا حزب الله وما تلاه من تغيّرات جذرية في المنطقة ككلّ، وضرب قدرات إيران العسكرية والنووية وميليشياتها. وإنّ الحرب مع إيران ستُستأنَف حتما، وسوريا لا يمكن أن تعود دولة مركزية أبدًا.
وما يجري في السويداء كمين هادئ وطويل الأمد نسبيّا للمهاجمين من كافة المناطق، وعلى السوريين أن يدركوا هذه المتغيّرات. أمّا بالنسبة للكورد، فهم شركاء أصيلون يعيشون على أرضهم التاريخية ضمن الجغرافيا السورية بتاريخٍ حافل من التضحيات "
عليه، يختم خليل: «إنّ الكورد أصحاب قضية ولهم حقوق، لا مجرّد واجبات وطنية أو دينية حين الطلب أو الرغبة. وآن الأوان لردّ الاعتبار لهذا الشعب، الذي ما زال يؤمن بأنّ سوريا تتّسع للجميع على أساس احترام الحقوق القومية للشعب الكوردي ضمن سوريا لا مركزية. وكلّ من لا يقرأ الواقع ولا يُجيد البناء على تلك القراءة لرؤية المستقبل بتجرّد، سيكون ضحية مخاوف أكبر من اللامركزية، وتجربة السنّة العراقيين واضحة للعيان؛ ذلك أنّ المجتمع الدولي مستسلمٌ لإرادة وتطلّعات قوى متنفّذة في الشرق الأوسط، بقوة كأمريكا وإسرائيل، خاصّةً بعد غياب الهيمنة الروسية وتقلّص الدور التركي.
وأوّل الغيث ممرّ داوود... رحم الله إبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي».