رؤية نقدية كوردية لمآلات السلطة الجديدة وبنية الدولة السورية المرتقبة

رؤية نقدية كوردية لمآلات السلطة الجديدة وبنية الدولة السورية المرتقبة

عزالدين ملا

في أول اختبار حقيقي لبناء المؤسسات بعد سقوط نظام الأسد، أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع مرسوماً بتشكيل لجنة عليا للإشراف على انتخابات مجلس الشعب، لتكون خطوة اولى نحو إعادة تشكيل السلطة التشريعية ضمن المرحلة الانتقالية.
القرار الذي يُفترض أن يؤسس لمجلس قائم على الكفاءة والنزاهة والتمثيل العادل، جاء وسط مشهد سياسي مشحون بالتطلعات والشكوك، وبجدل لم يهدأ حول آليات الانتقال الديمقراطي.
غير أن الاعتماد على هيئات ناخبة بدلاً من انتخابات مباشرة أثار جدلاً واسعاً، ولا سيما في ظل التخوّف من إعادة إنتاج أدوات السيطرة القديمة، وتهميش صوت الشارع الثائر، وفرض تصورات فوقية على شكل البرلمان القادم. كما أطلقت هذه الآلية جملة من التساؤلات لدى فئات واسعة من السوريين، وخاصة في الأوساط الكوردية، التي رأت في المعايير المعتمدة تهديداً جديداً لحقّها التاريخي في المشاركة السياسية، في ظلّ استمرار حرمان عشرات الآلاف من الكورد المحرومين من الجنسية، ومكتومي القيد من الجنسية، رغم حصول البعض على المواطنة بعد عام 2011، وبقاء الكثيرين خارج إطار الحقوق المدنية والسياسية حتى الآن.
وبين الطموح بتشكيل برلمان يؤسس للعدالة التشريعية، والتخوف من انتكاسة تمثيلية تمهد للوصاية، تتجه الأنظار إلى اللجنة العليا للانتخابات، التي تواجه تحديّات دقيقة في رسم معايير المرحلة، وضمان مشاركة السوريين على اختلاف انتماءاتهم في رسم مستقبلهم.

1-كيف تُقيّم مختلف الفعاليات السياسية والمدنية – بما في ذلك القوى الكوردية – آلية تشكيل مجلس الشعب عبر هيئات ناخبة بدلاً من الانتخابات المباشرة؟
2-ما مصير الكورد المكتومين أو الذين نالوا الجنسية بعد عام 2011 في ظل المعايير الحالية للمواطنة والتمثيل، وهل ستُمنح لهم حقوقهم السياسية الكاملة؟
3-هل تنجح اللجنة العليا للانتخابات في إنتاج آلية نزيهة تضمن التعددية الجغرافية والسياسية والتمثيل المتوازن، بما يعكس الواقع السوري المركب؟
4-إلى أي مدى تشعر القوى المعارضة السابقة بأن هذه الخطوة تمثل قطيعة حقيقية مع إرث الاستبداد، أم أنها مجرد إعادة ترتيب شكلي تحت مسمى مرحلة انتقالية؟
5-هل تمثّل هذه الانتخابات بداية فعلية لتأسيس عقد اجتماعي جديد، أم أنها بوابة لمزيد من الإقصاء السياسي والاستقطاب المجتمعي، خاصة في ظل تجاهل ملفات حساسة مثل الحقوق الكوردية والتمثيل النسائي؟

رؤية نقدية للإعلان الدستوري وتشكيل البرلمان في سوريا
تحدث عضو الهيئة السياسية في حزب يكيتي الكوردستاني - سوريا، فؤاد عليكو، لصحيفة «كوردستان»، قائلاً: «بالعودة قليلاً إلى الوراء، ومتابعة عمل السلطة الجديدة من خلال تشكيل لجنة مؤتمر الحوار الوطني، ثم التحضير للمؤتمر، وعقده في يوم واحد، وما انبثق عنه من لجنة لصياغة الإعلان الدستوري وإصداره بالسرعة ذاتها، نجد تجاهلاً تاماً لكافة القوى السياسية السورية، بما فيها القوى الكردية، رغم محاولة الكثيرين منهم المطالبة بالمشاركة. إلا أن آذان السلطة الجديدة كانت ولا تزال صمّاء، ولم تستمع لأحدٍ فيما يقولونه، وعلى مبدأ (قولوا ما تشاؤون ونفعل ما نريد)، تأكيداً لمقولتهم الشهيرة (من يحرّر يقرر). وهذا الأمر يثير مخاوف كثيرة وكبيرة لدى الجميع، من أن هذه السلطة سوف تنفذ ما في رأسها دون الاكتراث برأي أحد، سواء من الفعاليات المجتمعية السياسية أو المدنية.
وعلى النمط والعقلية السابقة ذاتها، تم تشكيل اللجنة المكلفة برسم آلية تشكيل البرلمان الانتقالي للمرحلة المقبلة، والتي حُدِّد عدد أعضائها ومدة بقائهم – كما يحلو لهم – بثلاثين شهراً، في ظل تجاهل تام لرؤية وآراء الآخرين.
وعلى ضوء ما تقدّم، وعلى الرغم من أن جميع الفعاليات السياسية والمدنية غير راضية عمّا تم اتخاذه من قرارات بشأن تشكيل آلية مجلس الشعب من خلال الهيئات الناخبة – التي تُعد في جوهرها عملية تعيين بلغة ملطّفة – وتحت ذريعة أن واقع الشعب المشتت الآن لا يسمح بإجراء الانتخابات المباشرة من قبل الشعب، فإن ثلث أعضاء مجلس الشعب سوف يتم تعيينهم مباشرة من قبل رئيس الجمهورية، بغية خلق التوازن الذي يرغب فيه.
أما بالنسبة للكُرد المكتومين أو المجردين، الذين نالوا الجنسية بعد عام 2011، فلا يوجد تغيير في وضع المكتومين، ومن المفترض أن يتم المطالبة بتجنيسهم في المستقبل. أما الذين أُعيدت إليهم الجنسية في عام 2011، فلهم كامل الحقوق السياسية في المواطنة والتمثيل».

ويضيف عليكو: «حسب الآلية المعتمدة من قبل اللجنة، والتي تقتضي توزيع مقاعد الثلثين على المناطق ومراكز المحافظات، فإن من شأن ذلك تحقيق تمثيل جغرافي متوازن إلى حدٍّ ما، لكن يُخشى من تكرار تجربة البعث في تشكيل "قوائم الظل" داخل الهيئة الناخبة، ليتم انتخاب أشخاص حسب مزاج الهيئة المشرفة على العملية الانتخابية. نأمل ألّا يحصل ذلك».
وحول سؤال عن رأي قوى المعارضة في أن هذه الخطوة تمثل قطيعة مع الاستبداد، يتابع عليكو: «فقد سبق وذكرت أن قوى المعارضة التقليدية مهمَّشة تماماً من قبل النظام الحالي، ولا يستشيرها أو يأخذ برأيها. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى فهي مشتَّتة، ولكل طرف رأيه الخاص في العملية السياسية الجارية. الآراء تتفاوت بين متفائل جداً – كحال التيارات الإسلامية والقومية – وبين متشائم، كما هو حال التيارات الليبرالية وممثلي المكونات غير الإسلامية السنية (علويين، شيعة، دروز، مسيحيين، آشوريين)، وكذلك الكُرد، حيث يُعتبر التشاؤم هو الصفة الغالبة. إذ حتى الآن، لا يزال هناك رفض للتعامل مع الحركة الكردية كقوة سياسية ممثلة للقضية الكردية، ناهيك عن عدم الاعتراف بوجود قضية كردية في سوريا، بل يُنظر إليهم كمواطنين أكراد لهم فقط حق المواطنة».
ويختم عليكو: «هناك مثل يقول: "اليوم الجميل يبدأ مع بداية الصباح"، لذلك، ومن خلال هذا الاستعراض السريع لممارسة النظام الجديد في إصدار الإعلان الدستوري، وتشكيل الحكومة، وضرب آراء القوى السياسية الفاعلة عرض الحائط، أستطيع التأكيد بأن هذا المجلس لا يؤسس لعقد اجتماعي مستقبلي عنوانه التعددية والديمقراطية والدولة المدنية المنشودة والحيادية تجاه الأديان، بل إن ما نلمسه هو ممارسة سياسة التهميش والإقصاء لكافة القوى السياسية المخالفة له في الرأي. وإذا ما استمر على هذه السياسة دون تدخل قوى دولية ضاغطة باتجاه تغيير هذا المسار، فإننا متجهون نحو ترسيم دولة ثيوقراطية بكل تعقيداتها وتداعياتها السلبية على المجتمع السوري ككل».

مخاوف مشروعة من مسار السلطة الجديدة في سوريا
تحدث عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، بسه عبدي، لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بداية، استلمت هيئة تحرير الشام الحكم في دمشق بشكل عبثي، لا يشبه عمليات انتقال السلطة في أي دولة من دول العالم، سواء تلك المعتمدة على الشرعية القانونية والسياسية بموجب الانتخابات والديمقراطية، أو تلك التي تستولي على السلطة بالقوة والصراع. فالحالة السورية كانت أشبه بتمثيلية غير متقنة في كثير من تفاصيلها، حيث ساد بعدها فراغ متعمّد تمثّل في تهديم جميع المؤسسات، رغم أن رئيس هذه السلطة أعلن في بداية عملية الاستيلاء الحفاظ على حكومة الجلالي، وهي الحكومة التي كانت
تدير الدولة في عهد نظام الأسد الساقط، وذلك بحجة الحفاظ على الاستقرار وتقديم الخدمات العامة إلى حين تمكين البدائل الثورية.
لكن لم تمر فترة طويلة، حتى بدأ الشرع بإعادة تدوير مسؤولي الملفات في إدلب، وتسليمهم مقاليد الحكم والسلطة. والأخطر من كل ما حدث، هو الحفاظ على الفصائل المسلحة الملطخة بالدم السوري، سواء أكانت سورية الأصل والانتماء أو أجنبية قادمة من رحم التنظيمات الإرهابية المعروفة بتاريخها الدموي. وجميع هذه الإجراءات كانت مقدمات لرسائل سلبية لا تشبه السوريين الذين دفعوا كل ما يملكون في سبيل إزالة حكم استبدادي دام بالحديد والنار.
تتابع عبدي: «ان هذه الرسائل كانت واضحة جداً، إذ إن الحكام الجدد يستندون في عملية الإدارة والحكم إلى عقيدة دينية متزمتة، تقوم على التبعية وحكم الفرد الواحد المقدس (وليّ الأمر)، الذي لا يستقيم أمرٌ إلا بمباركته. وقد تجلى ذلك بوضوح في الأوامر الإدارية التي صدرت على شكل تشريع مؤقت باسم اللائحة الدستورية، والتي تعني في حقيقتها الدستور السوري، وسترسخ في قادم الأيام هذا الإعلان الدستوري، الذي ربط جميع تفاصيل إدارة البلاد والعباد بشيفرة سرية بيد ولي الأمر الذي يُسمى تمويهاً رئيس الدولة المؤقت.
وتتركز استراتيجيته على تمتين العلاقات الخارجية والحماية من الدول الكبرى بالدرجة الأولى، دون أي اكتراث بالداخل المتهالك والمتآكل، الذي يعاني أبناؤه القهر والحرمان.
تضيف عبدي: «لقد قرّروا، بإرادة منفردة، النظر إلى السوريين كأفراد، والعمل على إعادة تأطيرهم وفق ضوابط "شرعية – أحمد الشرع"، بحيث يصبح المواطن الصالح هو من يحبو ساعياً إلى منهج ولي الأمر، ويتقمّصه، ويعادي كل ما ينبذه، حتى لو كان ذلك ضد مصلحة الكتلة البشرية العظمى، وهي الشعب السوري المتنوع عرقياً ودينياً، من عرب وكرد وسريان وآشوريين وأرمن، ومن المسلمين والمسيحيين والإيزيديين، والطوائف المختلفة ضمن كل ديانة. وكل ذلك متجاهلاً تطلعات شعب يسعى إلى العيش بسلام وكرامة.
إن هذه الإجراءات والقرارات مبنية على ذهنية اللون الواحد، غير مراعية للتنوع والخصوصية التي يتمتع بها كل مكون. بل تصرّ، بحجة المرحلة الانتقالية، على إلغاء الآخر المختلف، وهذه سياسة مدمّرة لا يمكن أن تكون بنّاءة مهما حاول منتهجوها تجميلها».
تشير عبدي: «ان ما يجري اليوم من تحضيراتٍ لتشكيل هيئة معينة تُسمى تجاوزاً "مجلس الشعب"، لا يمثل الشعب، ولا علاقة له به، لأن أي هيئة أو مؤسسة تمثّل الشعب، يجب أن تستند في تشكيلها إلى ممثلين عن الشعب يختارهم ضمن آليات ديمقراطية، ووفق ضوابط يتفق عليها الجميع من حيث الكفاءة والأهلية. لا كما يتم التحضير له، بتعيين مجموعة من الأشخاص المشوّهين فكرياً، والذين لا ينتمون إلى البيئات التي يعيشون فيها اجتماعياً.
وإن ما يتم التحضير له بشروط معلنة، كأن يكون المجنّس سورياً قبل آذار 2011، هو باطل بالمطلق، لأن ذلك يعني الحكم بالتجريد من الجنسية للكُرد السوريين الذين استعادوا جنسيتهم بموجب المرسوم رقم 49 الصادر في نيسان عام 2011. وهي بداية إقصائية تستهدف الكُرد بشكل مباشر، لأن هذه المقدمات هي وسائل إقصائية مقصودة، مبنية على فكرة القائد الأوحد الذي لا يعترف بحقيقة وجود المكوّن الكردي، المالك لخصوصية معينة، عانى بسببها لعقود من الظلم والتهميش».
تختم عبدي: «الرئيس السوري المؤقت لم يُبدِ أي سلوك يعكس غير هذا الفكر الشمولي العروبي، ولذلك فإن أي هيئة تتشكل وفق هذه الآليات، فإن جميع القوانين التي ستصدر عنها ستكون مُعدّة مسبقاً، وبالتالي لا تكتسب الشرعية. وكما يُقال قانوناً: المقدمات الخاطئة تعطي نتائج خاطئة، وجميع هذه المقدمات توحي بحكم فردي يستند إلى الإقصاء، وغير معترف بالتنوع والتميّز والمكونات.
وبشكل خاص، يتعمد هذا النهج إقصاء النساء من الحياة السياسية، إلا وفق منظور يعتمد التبعية العمياء، بحيث يبقى دور المرأة شكلياً تجميلياً فقط، دون مضمون حقيقي يمثّل المرأة السورية المتحرّرة، القادرة على المساهمة في البناء والتطور.

جدل التمثيل والهوية، ورؤية نقدية لممارسات السلطة السورية الانتقالية
تحدث المحامي، زكي حجي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إن البلد يشهد جدلاً واسعاً بشأن آلية تشكيل مجلس الشعب. فالقوى الإسلامية تبرر للسلطة هذا التوجّه، في حين ترى الأحزاب القومية الكردية أن هذا السلوك من حكومة دمشق يأتي استمراراً لسياستها في التفرد بالسلطة، وتفرد في بناء مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية، وتفرد في اتخاذ القرارات المصيرية، وتُبدي تخوّفها من استمرار هذا النهج.
أما منظمات المجتمع المدني والنقابات والحراك المدني بشكل عام في البلاد، فترى أن هذا المرسوم هو استكمال لمجموعة إجراءات قامت بها السلطة منذ وصولها إلى الحكم، وفق نظرية التمكين التي تؤمن بها، والتي تنسجم مع قناعات بنيتها السلفية الإقصائية، ومع مسيرتها منذ أن كانت تحكم محافظة إدلب.»
يعتقد حجي: «إن الحكومة الحالية لا تملك رؤية واضحة لحل القضية الكردية في سوريا، ويرجع ذلك إلى أسباب أيديولوجية داخلية، وضغوط خارجية معادية لطموحات الكرد. وإذا صحّ ما نُشر في وسائل الإعلام بخصوص شروط الترشّح لمجلس الشعب، حيث ينص الشرط الأول على أن يكون المرشح سورياً منذ ما قبل آذار 2011، وكما هو معروف، فإن مئات الآلاف من الكرد المجردين من الجنسية قد أُعيدت إليهم بعد هذا التاريخ بعدة أشهر، فإن ذلك يعني حرمانهم من حقوقهم الانتخابية.
وهذا يُعد انتهاكاً لحقوق الإنسان ومخالفةً لمبدأ المساواة والمواطنة، كما أنه إجراء تمييزي وعنصري بحق هذه الشريحة التي عانت طوال خمسين عاماً.
وعلى السلطة الحالية أن تعمل على إنصافهم، لا أن تستمر في نهج حزب البعث.
أما مكتومو القيد، فهم لا يملكون أية وثيقة تثبت وجودهم في البلاد، وهذه مشكلة بحاجة إلى حل جذري وسريع.
فإذا كانت الحكومة الحالية تنوي منح الجنسية لأجانب، فهؤلاء أولى بأن تُحلّ مأساتهم الإنسانية المستمرة منذ عقود على هذه الأرض.»
يردف حجي قائلاً: «إن الحكومة السورية الانتقالية، في رأيي، ليست بصدد احترام الفسيفساء الثقافي والديني والعرقي، بل تُصرّ على اعتبار الشعب السوري مجرد خزان بشري يُقاد برؤيتها الدينية.
الحكومة الحالية لا تعترف بالمكونات الدينية والقومية، وتتجاهل الأطياف السياسية، ولا تريد أن تقرأ تاريخ سوريا السياسي والحزبي.
يشير حجي: «أنه مع كل محطة جديدة أو بناء مؤسسة في البلد، يتضح تماماً أن السلطة تحاول ترسيخ النهج الأحادي والرأي الواحد، ولا تُبالي لدور الأحزاب السياسية، ولا لوجود مكونات متعددة وتباين في الثقافات وغيرها.
نعم، سقط نظام الأسد، وهرب الفأر، لكننا لم نؤسس أو حتى نسلك طريق الدولة الديمقراطية والتعددية، وحرية الرأي والتعبير، وتطمين المكونات في بناء سوريا الجديدة.»
ويختم حجي مؤكداً: «إنه بهذه العقلية، وهذه الممارسات، وبهذا التفرد والإنكار، لا يمكن بناء برلمان يُمثّل كل السوريين، ويُسنّ القوانين لمصلحة جميع السوريين في المستقبل.
توفير الحريات العامة في البلاد، ومشاركة كل الأطياف السياسية والمكونات الاجتماعية، هو ما يؤدي إلى بناء عقد اجتماعي راسخ يساهم في تأسيس دولة الحق والقانون، لا دولة الشيخ والملالي».

رؤية كردية ناقدة لمسار المرحلة الانتقالية في سوريا
تحدث مسؤول مكتب العلاقات في المجلس الوطني الكوردي بدمشق، مهاباد تزياني، لصحيفة «كوردستان»، قائلاً: «بعد سقوط النظام البائد الذي قبع على صدور السوريين بكافة مكوناتهم لأكثر من ٥٤ عاماً، كنظام آل الأسد، ولأكثر من ٦٢ سنة كنظام البعث، تنفس الشعب السوري طَمعَ الحرية، وحلم بها، وعَمّت نشوة السقوط أرجاء البلاد. وبدأت الفعاليات السياسية والمدنية لكافة أطياف المعارضة السورية، الداخلية منها والخارجية، من أحزاب سياسية ومنظمات وقوى معارضة، مثل الائتلاف، وأحزاب المنصات الأخرى.
وبدورنا كأعضاء في الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، والمجلس الوطني الكوردي في دمشق، كنا حاضرين في المشهد السياسي بقوة منذ اللحظات الأولى بعد السقوط، وتواصلنا مع أغلب القوى السياسية، سواء الداخلية منها أو القادمة من الخارج، والبعثات الدبلوماسية والسفراء الغربيين، وبعض الجهات المحسوبة على السلطة الجديدة، بالإضافة إلى عقد لقاءات مع المكونات السورية الأخرى: الدروز، المسيحيين، الإسماعيليين، العلويين، وأبدينا رأينا لبناء سوريا جديدة موحدة تضمن حقوق الجميع.
لكن لاحقاً بدأت الخطوات الأحادية، ذات اللون الواحد والطابع الإقصائي، تتجلى في القرارات السياسية المتبعة من السلطة الجديدة، بدءاً من مؤتمر الحوار الوطني، ولجنة صياغة الدستور، وتشكيل الحكومة، وأخيراً آلية تشكيل مجلس الشعب. لقد شعر الجميع بعقلية الإقصاء، البعيدة عن طموحات السوريين، وعن روح الديمقراطية الحقيقية. فالطريقة الاختيارية بدت واضحة في تحديد أعضاء البرلمان، بدلاً من إجراء انتخابات شفافة، يمارس فيها السوريون حقهم في انتخاب ممثليهم».
يتابع تزياني: «عند انعقاد الجلسة التعريفية من قبل الهيئة المشرفة على آلية انتخاب أعضاء البرلمان، في دار الأوبرا بدمشق، تلقيت دعوة للحضور من قبل أعضاء في الهيئة الرئاسية، كانوا سابقاً أعضاء في الائتلاف. حضرت الجلسة، وبدأت الفعاليات، وتم شرح آلية وشروط الترشح والانتخاب، وكان أحد شروطها أن يحق الترشح لكل سوري يحمل الجنسية السورية قبل عام ٢٠١١، وهو ما يعني اعتبار أي قرار صادر عن الحكم البائد بعد هذا التاريخ غير معترف به.
هنا تبيّن لنا بوضوح إقصاء شريحة من شعبنا الكوردي، من المجرّدين من الجنسية، والذين تمت إعادة الجنسية لبعضهم في نيسان ٢٠١١. حاولت مراراً وتكراراً، وبشهادة الجميع، أن أطلب المداخلة لتوضيح هذه النقطة، وعقلية الإقصاء التي تمارس بحق شعبنا، وحقهم في ممارسة الانتخاب والترشح، لكن دون جدوى، حيث بدت إدارة الجلسة والمداخلات موجهة. كتبت رسالة إلى رئاسة الجلسة أوضحت فيها ضرورة السماح لنا بالمشاركة في النقاش حول هذه النقطة، لكن الرسالة لم تلقَ آذاناً صاغية.
يضيف تزياني: «في الحقيقة، وحسب ما يتوفر لدينا، فإن إيجاد آلية نزيهة لضمان التعددية الجغرافية وتمثيل الجميع سياسياً لا يزال غائباً. فالممارسات المتبعة والعقلية السائدة، تقوم على الانتقاء والإقصاء، وهي بعيدة عن تطلعات السوريين للمساهمة في بناء سوريا الجديدة».
يشير تزياني: «انه بعد عملية السقوط وتولي السلطة الجديدة في دمشق، تم إقصاء كافة القوى السياسية والأحزاب وقوى المعارضة من المشاركة في قيادة المرحلة الانتقالية. وقد صرّحت السلطة الجديدة بوضوح أنها لن تدخل في أي سجال مع أي كيان أو حزب، وأنها ستعتمد على نخب الحكومة المؤقتة في إدلب، مع إشراك بعض الأفراد ذوي الخبرات بطريقة التكنوقراط، وتم إبعاد الجميع دون استثناء: القوى المعارضة العربية والكوردية وسائر المكونات».
يختم تزياني: «بهذه العقلية والرؤى لإدارة المرحلة الانتقالية، يبقى طموح السوريين في بناء سوريا جديدة، قائمة على عقد اجتماعي حقيقي يمثل جميع أطيافهم، رهيناً بمتغيرات المستقبل، وبعيداً كل البعد عن آمالهم.
حتى الآن، لم يتم التعامل مع الحركة الكوردية باعتبارها الممثل الشرعي الذي يجب أن تتحاور معه السلطة. الجلوس مع الكورد، بصفة حزبية وشعبية، لا يزال خارج حسابات السلطة الجديدة. والاعتراف بالكورد وحقوقهم كشعب يعيش على أرضه التاريخية، غير وارد حسب المعطيات المتاحة.
أما التصريحات الصادرة عن القيادة الجديدة، التي تعترف بمظلومية الكورد وتدعو إلى السماح لهم بالتحدث بلغتهم الأم والمشاركة في المؤسسات، فإنها تندرج ضمن مفهوم المواطنة العامة فقط، لا أكثر.
وفيما يتعلق بنسبة مشاركة المرأة السورية في المرحلة الانتقالية، فالوضع واضح جداً من حيث التهميش والإقصاء. فعدد أعضاء البرلمان المقرر هو ١٥٠ عضواً، خُصص للمرأة منهم فقط ٢٠ مقعداً، في حين أن النساء يشكلن أكثر من ٦٥٪ من سكان سوريا. وبالتالي، فإن تمثيل المرأة ما يزال شكلياً، ولا يضمن مشاركتها الحقيقية في بناء سوريا الجديدة».