تداعيات الصراع الإسرائيلي-الإيراني واستراتيجيات الدول الإقليمية والدولية
عزالدين ملا
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية خطيرة، حيث تتصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، الدولتين اللتين تمتلكان ترسانة عسكرية متطورة، بما في ذلك أسلحة نووية غامضة. هذا الصراع، الذي يتخذ أشكالاً مباشرة وغير مباشرة عبر دول عديدة، يهدد بإشعال حرب واسعة النطاق قد تجرّ فيه دول المنطقة رغماً عنها. وفي خضم هذه الأزمات، تبرز سوريا كدولة منهكة من الحرب، تحاول الحفاظ على حيادها لتجنُّب مزيد من المعاناة لشعبها. أما الكورد، الذين يعيشون في بؤر التوتر، فيواجهون تحديات مصيرية رغم عدم انحيازهم لأي طرف، مما يضعهم في موقف بالغ الحساسية وسط سيناريوهات قد تعيد تشكيل خريطة المنطقة.
1-كيف يمكن أن يؤثر التصعيد النووي والعسكري بين إيران وإسرائيل على الاستقرار الإقليمي، وما هي السيناريوهات المحتملة لهذا الصراع؟
2-ما هي تداعيات انهيار النظام الإيراني على دول الجوار، خاصة في ظل مخاوف أوروبا من موجات نزوح جديدة؟
3-كيف يمكن تفسير الحياد السوري في الصراع الإيراني-الإسرائيلي، وما هي التحديات التي تواجهها دمشق في الحفاظ على هذا الموقف؟
4-ما هي المخاطر التي يتعرض لها الكورد في المنطقة نتيجة التوترات الإقليمية، وكيف يمكنهم حماية مصالحهم دون الانجرار إلى الصراعات؟
5-إلى أي مدى يمكن للدول الأوروبية والعالمية لعب دور في احتواء الأزمة ومنع تفاقمها، خاصة في ظل محدودية القدرة على استيعاب مزيد من اللاجئين؟
دوافع وتداعيات الصراع الإسرائيلي الإيراني على استقرار المنطقة
تحدث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، نافع عبدالله لصحيفة «كوردستان»، بالقول: « مع تضاؤل احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران عبر التفاوض مع الولايات المتحدة، ربما رأى صناع القرار في إسرائيل أن الفرصة أصبحت سانحة، ونظروا إلى العمل العسكري ضد إيران باعتباره الخيار الوحيد القابل للتطبيق على الطاولة، لمنع إيران من الحصول على القدرة على إنتاج الأسلحة النووية، فاستهدفت إسرائيل المنشآت العسكرية والرادارات، وكذلك القيادات العسكرية الإيرانية تحاول إسرائيل استغلال نجاحاتها ضد حزب الله وحماس وسقوط الأسد في سوريا لتوجيه ضربة موجعة لإيران، هذا التّصعيد العسكري يؤثّر على استقرار الإقليمي، ولكن كل طرف في هذا الصراع له حسابات، فالطرف الإسرائيلي يجد في البرنامج النووي الإيراني خطراً على وجود إسرائيل، حيث وصل تخصيب اليورانيوم إلى مستويات قياسية، ومن هذا المنطلق هاجمت إسرائيل أماكن عدة لإنتاج السلاح النووي ومنصات الصواريخ البالستية في ايران، وهي تعمل على إنتاج السلاح النووي للهيمنة على المنطقة كما فعلت في سوريا والعراق واليمن ولبنان، والسيناريوهات متعددة منها إجبار إيران من خلال أمريكا لقبول الاتفاق النووي بشروط إسرائيلية أو تدمير كافة المنشآت النووية الإيرانية ومنصات الصواريخ البالستية، وأما تغير النظام الإيراني وهذا احتمال ضعيف على الأقل في هذه المرحلة، أو حرب طويلة لاستنزاف كافة قدرات إيران السياسية والعسكرية والاقتصادية، وفي هذه الحالة يمكن أن تؤدي إلى تقسيم إيران وإضعافها إلى أقصى حدٍّ ممكن، وبذلك تكون إسرائيل قد حققت التغيير المنشود لخارطة شرق الأوسط».
يتابع عبدالله: «إلى أن إيران دولة كبيرة الحجم جغرافيا وكانت في السابق امبراطورية، مسألة انهيار النظام الإيراني ليس بالأمر السهل، وحتى الآن لا يوجد في أجندات إسرائيل والغرب تغيير النظام، أما إذا انهار النظام أعتقد سوف يكون الأمر كالزلزال، أن إيران قبل كل شيء سوف تتعرّض للتقسيم بسبب التعدد القومي والديني والمذهبي، وبالتأكيد سينعكس على دول الجوار والعالم كما حدث في العراق وسوريا وغيرها، وحتى الشعوب الإيرانية لم تسلم من الحرب الأهلية لا سامح الله، لذلك يجب على المعارضة الإيرانية (الفرس والكورد والبلوش والأذريين والعرب وغيرهم) أن تأخذ احتياطاتها لأي طارئ، والاتفاق على حل شامل وبناء الدولة على أساس شراكة حقيقية، وبهذه الطريقة يمكن طمأنة أوروبا والعالم من موجات النزوح أو التقليل منها».
يعتقد عبدالله: «أن الوضع السوري لا يحتمل أكثر أو أقل من الحياد، كون سوريا أصلا لا يوجد لديها ما تدافع به عن أي جهة، وهي منهمكة بترتيب بيتها الداخلي، وإقناع الجهات الدولية لرفع الحصار عنها ومساعدتها من أجل أعمار ما دمرته حرب دامت ما يقارب ١٤عاماً، هناك تحديات تواجهها دمشق بسبب موقعها الجيوسياسي، وهي لا تريد أن تكون طرف في صراع ليس لها فيها لا ناقة ولا جمل، طبعاً إيران كانت تدعم النظام السابق ضد الشعب السوري الذي طالب بالحرية والكرامة، وإسرائيل دولة تحتل الجولان السوري، الموقف صعب ولكن الحفاظ على الحياد أسلم لسوريا وللشعب السوري».
يشير عبدالله: «أن كوردستان كانت دائماً تقع ضحية المصالح الإقليمية والدولية لموقعها المميز، ومنذ فجر التاريخ ومن جالديران ومروراً بسايكس بيكو والشعب الكوردي يتعرض إلى أبشع وأشنع أنواع المخاطر من تقسيم وطنه وإلى المجازر والإبادة الجماعية واستخدم بحقه الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليا، ولكن الوضع تغير وثقتنا بقيادة كوردستان وحلفائنا عالية جدا، سوف تجتاز هذا الاختبار بنجاح وتستطيع إدارة الأزمة والابتعاد عن الصراع وحماية مصالحها ومصالح الأصدقاء الإقليمين والدوليين ، ويتطلب من الكورد في جميع أجزاء كوردستان الوقوف صفا واحدا خلف قيادته المرجعية الكوردية الرئيس مسعود البارزاني وتفويت الفرصة على المتربصين بشعبنا وقضيته».
يختم عبدالله: «ان أمريكا قادرة على إنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران سواء دبلوماسياً أو عسكرياً، ولكن الدول الأوربية حسب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لن تكون قادرة على المساعدة في إنهاء النزاع بين إسرائيل وإيران، بعدما التقى وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي نظيرهم الإيراني في جنيف. تعتبر الولايات المتحدة منع إيران من امتلاك سلاح نووي مصلحة استراتيجية لها في الشرق الأوسط، للعديد من الاعتبارات التي ترتبط بتأمين إسرائيل بالأساس، ومنع المنطقة من الدخول في سباق تسلح نووي في إطار الحفاظ على التوازن النسبي بين القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة، إن إنهاء الصراع ووقف الحرب واحتواء الأزمة على إيران بتنفيذ شروط إسرائيل، وهي أولاً توافق على إنهاء برنامجها النووي ومنع تخصيب اليورانيوم، وأيضاً تدمير منصات الصواريخ البالستية».
حرب النفوذ ومستقبل الشرق الأوسط
تحدّث رئيس مكتب العلاقات العامة لتيار المستقبل الكوردي في سوريا، فادي مرعي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إنَّ الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران بدون شك لها انعكاساتها على الساحة الإقليمية والدولية، إذ لا يتوقف الصراع على طهران وتل أبيب فحسب، بل يشمل أطرافاً دولية وإقليمية كبرى، فواشنطن وبريطانيا تدعمان إسرائيل في معظم مواقفها وتقفان إلى جانبها وأحيانا تساعدها في الحروب وتقدم لها كافة الدعم العسكري فيما تقيم طهران علاقات استراتيجية مع روسيا والصين. كما أن استمرار الحرب بينهما قد يتوسع حرباً شاملة تمتد إلى لبنان سوريا العراق، وربما الخليج، ما قد يهدد استقرار أسواق الطاقة ويؤثر على الأمن العالمي كما سيؤثر بشكل كبير خاصة الدول المجاورة بسبب توقف السياحة والرحلات الجوية وحركة المعابر والتجارة وتدفق الفارين من إيران إلى بعض الدول المجاورة.
من ضمن السيناريوهات المستقبلية المحتملة هو أن يظل احتمال المواجهة الشاملة قائماً وضرب المواقع العسكرية الإيرانية واستهداف المصالح المتبادلة ستبقى السمة الغالبة في المرحلة المقبلة، ما لم يحصل تغيير جوهري في التوازنات الإقليمية أو السياسية، لأن الصراع بين إيران والكيان الإسرائيلي ليس مجرد نزاع ثنائي بل هو أحد تعبيرات الصراع الأكبر على النفوذ في الشرق الأوسط، بين قوى تسعى للهيمنة وأخرى تسعى للمقاومة، ويبقى مستقبل هذا الصراع مفتوحاً على كافة الاحتمالات، مرهوناً بالتطورات في الساحة الإقليمية والدولية، ومدى قدرة الأطراف على تجنب الانفجار الكبير».
يعتقد مرعي: «إن سقوط النظام الإيراني سيساهم في أمن واستقرار المنطقة بشكل عام، لأنه يسعى منذ سنوات لجرّ المنطقة الى حروب من خلال تدخلاتها في شؤون الدول الأخرى، تدخل طهران في سوريا منذ عام 2011، لدعم نظام بشار الأسد دعمه في قتل السوريين قمع التظاهرات السلمية، كما أن دعمها العلني لحزب الله في لبنان ولجماعة الحوثي في اليمن جعل من إيران فاعلاً مؤثراً في صراعات المنطقة، غالباً في مواجهة مصالح أنظمة عربية.
يضيف مرعي: «حتى هذه اللحظة لم يصدر أي موقف رسمي من حكومة دمشق حيال الحرب بين إيران وإسرائيل باستثناء؛ بعض المواقف من الشخصيات المعارضة للنظام السوري سابقاً.
إيران كانت لاعباً مهماً منذ انطلاق الثورة السورية، وكان لها دور كبير في إطالة عمر النظام السوري الى جانب روسيا، باعتقادي حكومة دمشق ليس من مصلحتها إصدار أي موقف لأنها في حالة تأسيس ونشوء، وليس لديها القوة الكافية لتقف أو تدعم أي طرف كان، ليس لحكومة دمشق في الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران لا ناقة ولا جمل، لان هذه الحرب ليست لتقاسم غنائم الحرب التي خسرتها إيران في بيروت ودمشق بل هي لخلق غنائم جديدة ستتقاسمها القوى الكبرى في إطار ترسيم الشرق الأوسط الجديد.
لقد فقد السوريون دورهم في أي صراع إقليمي ولم يعد لسوريا دور محوري في توازنات القوى الإقليمية خاصة بعد أن أصبحت سوريا الجديدة في المحور الموالي للغرب. ربما يجد البعض صعوبة في ابتلاع هذا التغير السريع الذي يتناقض بشكل كبير عن كل ما تم الترويج له خلال فترة حكم البعث وعهد الأسد».
يتابع مرعي: «انه بطبيعة الحال الشعب الكوردي جزء من الدول في سوريا في إيران، وعانى كثيراً من ظلم واستبداد أنظمة هذه الدول، ومورست بحق الشعب الكوردي أبشع المشاريع الشوفينية والعنصرية ومن اضطهاد وحرمان من حقوقه، كما تعرّض للمجازر والاعتقال والتهجير بسبب سياسات هذه الدول، إن الفرصة تاريخيّة للشعب الكوردي في سوريا وايران لإثبات وجوده وتثبيت حقوقه في دستور تلك الدول، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال توحيد صفوف الشعب الكوردي وتوحيد موقفه السياسي، وهذا أيضاً غير ممكن بدون دعم ومساندة الدول الغربية وخاصة أمريكا، ان سقوط نظام ايران بطبيعة الحال سيساهم في امن واستقرار الشعب الكوردي في كلتا الدولتين».
يختم مرعي: «ان كلّ الدول الأوروبية، أبدت المشاركة في قمة السبع، وهي فرنسا وألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى بريطانيا منذ اللحظة الأولى لبدء الهجوم الإسرائيلي على إيران، انحيازها الكامل لإسرائيل، معتبرة في مواقف شبه موحدة ومتقاربة من بعضها البعض في حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها، وكذلك أن البرنامج النووي الإيراني لا يشكل خطراً فقط على دولة إسرائيل بل على أوروبا أيضا، ومن غير المسموح لإيران امتلاك سلاح نووي، كما اتهمت هذه الدول طهران المماطلة والتهرب بالمفاوضات التي كانت تجري بينها وبين واشنطن ما أوصل الدبلوماسية إلى طريق مسدود، وحملت ايران مسؤولية فشل المفاوضات، معتبرا بانها تتحمل مسؤولية ذلك».
تداعيات محتملة على التوازن الإقليمي ومواقف الدول
تحدث عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الكردستاني، الدكتور منيب الأحمد لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إيران ترى بشكل واضح، إن الولايات المتحدة أيدت الهجمات الإسرائيلية ضد منشآتها النووية. وفقًا لتحليلات عسكرية، فإن الولايات المتحدة وحدها تمتلك القاذفات المتطورة والقنابل الخارقة للتحصينات القادرة على اختراق أعمق المنشآت النووية الإيرانية، وخاصة منشأة “فوردو” المحصنة تحت الأرض.
أثار هذا الاعتقاد مخاوف إيران من تحول الولايات المتحدة إلى طرف نشط في الصراع، مما قد يدفعها إلى الرد عبر استهداف أهداف أمريكية في الشرق الأوسط، مثل معسكرات القوات الخاصة في العراق، والقواعد العسكرية في الخليج، والبعثات الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة. ورغم تراجع قوى إيران الإقليمية، مثل حماس وحزب الله، في السنوات الأخيرة، فإن الميليشيات الموالية لها في العراق ما زالت مسلحة وقادرة على تنفيذ هجمات.
وقد توقعت الولايات المتحدة احتمال وقوع مثل هذه الهجمات، وسحبت بعض أفرادها من المنطقة كإجراء احترازي. وفي رسائلها العلنية، حذرت واشنطن إيران بشدة من عواقب أي هجوم على أهداف أمريكية، وهذا ما حدث من خلال الهجوم بقنابل خارق للتحصينات على منشآت إيران النووية، فهل يُعد ذلك التصعيد له تبعات طويلة الأمد ومدمرة، هذا ما سنعرف في الفترة القادمة».
يتابع الأحمد: «إن التداعيات المحتملة على منطقة الخليج من بين هذه التبعات، احتمال تورط دول خليجية في الصراع. فإذا فشلت إيران في إلحاق الضرر بالأهداف العسكرية الإسرائيلية المحمية جيدًا، فقد تلجأ إلى توجيه صواريخها نحو أهداف أكثر هشاشة في منطقة الخليج، خاصة تلك الدول التي تعتقد أنها ساعدت ودعمت أعداءها على مدى السنوات الماضية. وتذكّر أن إيران اتُّهمت بقصف حقول النفط السعودية في عام 2019، كما استهدفت ميليشياتها الحوثية أهدافاً في الإمارات عام 2022.
ورغم المصالحة الأخيرة بين إيران وبعض دول المنطقة، فإن هذه الدول تستضيف قواعد جوية أمريكية، وبعضها قد ساعد – بشكل غير معلن – في الدفاع عن إسرائيل من الهجمات الإيرانية. وإذا تعرّضت منطقة الخليج لهجوم، فقد تطالب بدورها بتدخل الطائرات الحربية الأمريكية للدفاع عنها، إلى جانب الدفاع عن إسرائيل. وهذا قد يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع بشكل كبير.
المصالح الاقتصادية والجغرافية، تعد إيران، رغم الخلافات شريكاً اقتصادياً مباشراً أو غير مباشر في ملفات النفط والغاز، وممراً تجارياً مهماً لبعض المشاريع الإقليمية كالممرات الشرقية الجديدة.
التوازن الإقليمي بعض العواصم العربية ترى أن بقاء إيران، وإن بشكل ضعيف أو محدود، قد يحفظ توازن القوى في وجه إسرائيل أو تركيا أو حتى أطراف داخلية مثل جماعة الإخوان المسلمين، ما يجعلها شريكًا ضروريًا في لعبة الموازنات.
سقوط النظام الإيراني قد يبدو، من الوهلة الأولى، متفقًا مع مصالح بعض الأنظمة العربية التي طالما اعتبرت طهران عدواً استراتيجياً. لكن تعقيدات المشهد الإقليمي، وتداعيات أي فراغ سياسي في دولة بحجم إيران، تجعل من هذا السيناريو كابوساً محتملاً أكثر منه فرصة ذهبية. وعليه، فإن المصلحة العربية لا تبدو متطابقة تماماً مع مصلحة إسقاط النظام الإيراني، بل ربما تميل إلى إضعافه لا إلى انهياره، أو إلى تغييره من الداخل ضمن إطار يحفظ تماسك الدولة ويمنع الفوضى من التمدد شرقا نحو الخليج أو غربا إلى بلاد الشام».
ومن جهة أخرى، يشير الأحمد: «إلى أن الحياد الصعب التي تواجه القيادة الانتقالية في دمشق اختباراً صعباً في ظل الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، حيث تسعى للحفاظ على موقف محايد يكرّس التحوّل الذي طرأ على السياسة السورية بعد سقوط نظام الأسد. فبعد أن تحوّلت الأراضي السورية في عهد النظام السابق إلى ساحة لحرب بالوكالة بين الطرفين، يثار التساؤل حول قدرة القيادة السورية المؤقتة على الحفاظ على هذا النأي في ظل استمرار تبادل الصواريخ والطائرات المسيّرة بين الطرفين في الأجواء السورية.
يزيد من صعوبة اتخاذ موقف واضح علاقات دمشق المتشعبة مع دول عربية وإقليمية تتباين مواقفها إزاء الحرب. فالصمت السوري المتواصل منذ اندلاع المواجهة يعكس تعقيد الحسابات السياسية والعسكرية، خاصةً مع احتمال امتداد الحرب إلى دول أخرى، بما فيها سوريا، التي لا تزال تحمل آثار الحقبة السابقة التي تجعلها عرضة لهذا الامتداد.
المفارقة تكمن في أن صمت سوريا يتعارض مع مواقف الدول الداعمة لها في المرحلة الانتقالية، مثل تركيا وقطر والإمارات والسعودية، التي أدانت الهجوم الإسرائيلي على إيران، إدراكاً منها لخطورة تداعيات أي هزيمة تتعرض لها طهران على توازنات المنطقة.
الأوساط السياسية المقرّبة من وزارة الخارجية السورية تلتزم الصمت، مكتفيةً بالقول إن سوريا “متفرّجة” وغير معنية بالحرب، وهو خطاب أقرب إلى الاستهلاك الإعلامي. ويرى مراقبون أنه من غير المتوقّع أن يُطلب من سوريا اتخاذ موقف واضح ما دامت التطورات قابلة للضبط والسيطرة. إلا أن اتساع رقعة المواجهة قد يجبر دمشق على اتخاذ موقف مختلف، حيث “قد لا تكون الحيادية التامة مطروحة”، وقد تضطر إلى الاصطفاف إلى جانب الحلف الأميركي – الإسرائيلي.
حتى الآن، لم تُجبر دمشق على اختبار موقفها، وفي ظل التطوُّرات الحالية، من الصعب رصد فروق ملموسة بين موقفها ومواقف دول قريبة من إيران، كالعراق. فسوريا لا تمنع استخدام أجوائها كممرّات للصواريخ والطائرات المسيّرة، ولا تعترض على إسقاط القوات الأميركية لتلك المسيّرات فوق أراضيها، من دون أن تردّ على الطائرات الإسرائيلية، والعراق لا يفعل أكثر من ذلك.
غير أن تمدّد الحرب عبر تفعيل إيران لأذرعها في المنطقة قد يدفع دمشق إلى تغيير موقفها بشكل دراماتيكي. وتحسّبا لهذا السيناريو، أرسلت وزارة الداخلية السورية قوات أمن إضافية إلى الحدود مع العراق لضبطها، وبدأت مداهمات ضد عناصر متعاونين مع المليشيات الإيرانية للحد من قدرتهم على التحرُّك. إلا أن هذه الإجراءات قد تكون عديمة الجدوى إذا قررت إيران توسيع رقعة الحرب».
يؤكد الأحمد: «إلى إن التوتر الإقليمي يؤثر على الكورد بشكل كبير، حيث يعتبرون الكورد جزءاً من هذه التوترات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بسبب تواجدهم في مناطق تشهد صراعات، وتطلعاتهم السياسية المختلفة.
التأثيرات المباشرة، باعتبارهم جزءا من هذه المجتمعات، يتعرض الكورد للضغوط الاقتصادية والسياسية ذاتها التي يتعرض لها أبناء المنطقة المحيطة بساحة الصراع. وقد لا يستطيع الكورد الحفاظ على الحياد في حال امتدت ساحة الصراع إلى مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعد الصديق الأول للكورد، مما يشكل حرجاً شديداً تجاه حكومة العراق وحكومة إيران.
ناهيك عن إمكانية تعرض القواعد الأمريكية المتواجدة في أماكن الكورد للهجوم الإيراني الصاروخي، ممّا قد يلحق الضرر بالأرواح والممتلكات في مناطق تواجدهم.
التأثيرات غير المباشرة، في حال امتدت أهداف إسرائيل إلى إسقاط النظام الإيراني، سيكون الكورد في مواجهة التحدّي الأصعب واتخاذ مكان في الخريطة الشرق أوسطية التي سترسم بعد السقوط، سواء في إمكانية فدرلة إيران ذاتها، أو حتى طرح إمكان تشكيل أوسع للخريطة الشرق أوسطية لتشمل فكرة كوردستان الكبرى، الهدف الحلم الذي أصبحت ملامحه ترتسم في الأفق. مما يرتب على النخب السياسية الكوردية مسؤولية تاريخية كبرى إزاء هذا الظرف الجديد. في النهاية هل ترامب الحالم بجائزة نوبل للسلام سوف يوقف الحرب، أم أن جوائزه الأربعة للسلام كما يحلم ستحترق في آتون الحرب؟».