نورالدين زازا.. مناضل لم ينصه التاريخ (2 من 2)

نورالدين زازا.. مناضل لم ينصه التاريخ (2 من 2)

محمد صالح شلال

بدعوة من مهرجان ومؤتمر الشباب الديمقراطي العالمي في بودابست شارك الدكتور ورفاقه (بدعوة رسمية) وبزيهم الكوردي الذي أثار فضول المشاركين، ألقى الدكتور نور الدين قصيدة عن الزعيم البارزاني أمام خمسة آلاف شخص وقد نشرت القصيدة في الصحافة المجرية في اليوم التالي.
اختير بعدها ممثلاً لطلبة كوردستان في مقر مجلس الدولي لاتحاد الطلبة، وإثر نضاله تعرّض للكثير من المضايقات، وفي الأخير أمرته الشرطة الفدرالية بتدخل من السفارة التركية بمغادرة سويسرا خلال خمسة عشر يوماً، وبعد تدخل بعض الأصدقاء هناك تمكن من التمديد حتى إنهاء دراسته وفي عام 1956 عاد إلى سوريا حاملا شهادة الدكتوراه في العلوم التربوية من جامعة لوزان.
بعد العودة من أوربا لاحظ بعض التغيُّرات على المستوى السياسي والاجتماعي، وبات لزاماً وجود تنظيم كوردي يناضل من اجل حقوقه، حيث رأى بأن الكورد مستهدفون من قبل قومية حزب البعث من جهة، ومن جهة أخرى خُدِعوا من قبل الحزب الشيوعي (الأممي نظرياً) ولكنه في الحقيقة محامي القومية العربية، فالكردي يجب عليه الدفاع عن الوطن ضد الإمبريالية كما عليه أن يضحي بنفسه على الحدود السورية الإسرائيلية، ولكن عار عليه أن يطلب أيّ شيء لشعبه، كان عليه أن يصمت إزاء الحرمان الثقافي والإبادة العرقية، ولإثارة مثل هذه القضايا كان يُتّهم فوراً بالتعصب القومي.
وفي أواسط عام 1957 تحقق الحلم، وأصبح الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا حقيقة واقعة وأصبح الدكتور نور الدين ظاظا رئيساً له، وضم الحزب أعضاء الكثير من المثقفين الكورد، وانتشر بشكل سريع بين شرائح المجتمع الكوردي، وبعد أن قام الدكتور بوضع دراسة حول الوضع الاقتصادي السوري بعد النفوذ المصري وموقف الحزب الواضح المعارض للوحدة مع مصر ودور الپارتي في تنامي الروح القومية بين الكورد، أصبح منبوذًا من قبل سلطة الوحدة، وصار كبش فداء، فسموه وأصدقاءه بالخونة والمخربين والانفصاليين الذين يستهدفون لاقتطاع جزء من سوريا والحاقه بدولة أجنبية، وبدأت مسيرة الملاحقات.
في 5 آب 1960 تم إلقاء القبض على مسؤولي اللجنة التنفيذية في حلب وخلال بضعة أيام تم توقيف اكثر من 5000 شخص من جميع المناطق الكوردية، تتراوح أعمارهم بين 12-15 عامًا، وبعد التحقيقات أُفرج عن قسم منهم وظل آخرون قيد الاعتقال، أما الدكتور نور الدين فقد القي القبض عليه في 8آب 1960 في دمشق حيث كان يسكن وبدأوا يفتشون مكتبه وداره دون أن يجدوا أي دليل يدينه، أما الدكتور فقد عرف بأنه ليس الوحيد الموقوف بعد أن التقى برفاقه أمثال عثمان صبري ورشيد حمو وغيرهم وبعد أربعة أيام نقل مع عثمان صبري إلى حلب والتقى رفاقه المعتقلين هناك وتم التحقيق معه، وانهالت عليه الاتهامات إلا انه صمد ودافع عن حزبه وعن قضيته، وكان كما يذكر يلاحظ ضرب رفاقه مع انهم كانوا يعترفون بأنهم أعضاء في الپارتي إلا أن الاستخبارات يطالبونهم بكشف أسماء رفاقهم الآخرين ولكن دون جدوى.
كان كنعان عگيد واحدًا من المعتقلين، وقد طلب من كنعان ذات يوم ضرب أحد المساجين وهو يهودي ولكن كنعان رفض أن يضربه فأمر الضابط بضرب الاثنين أمام أعين جميع المعتقلين ضرباً مبرحاً اكثر من عشرين دقيقة حتى طرحوهما أرضاً، وإثر ذلك نقلا إلى المستشفى لسوء حالتهما، وبعد التعذيب والتحقيق تم إطلاق سراحهم ولم يبقَ في المعتقل سوى 32 سجيناً حيث كان الدكتور منعزلاً عن المعتقلين إلى ذلك الحين. بعدها سمح له بالخروج والانضمام إلى المعتقلين الباقين، ويذكر أن آثار التعذيب كانت بادية عليهم، فرشيد حمو، وهو من تنظيم حلب لم يكن يستطيع الوقوف على قدميه، وكنعان عگيد آثار التعذيب عليه واضحة، ووضع إصبعان له في الجبصين، أما اليهودي الياهو فحسب أقوال الممرضين بات في غيبوبة تامة، وبعد بضعة أيام عرضوا على القاضي التحقيق العسكري، وكان الدكتور نور الدين أول المستجوبين والاتهام الجاهز كان قطع جزء من سوريا لإنشاء دولة كوردية كبرى، أما الدليل فكان حصولهم على مقال اتهموا الدكتور بكتابته إلا أن المقال كما أجاب الدكتور هو من كتاب لكاتب إنكليزي بعنوان كوردستان بلاد مجزأه، وقد قام الدكتور بترجمته أما مطالبنا فهي واضحة، ولا ننكر ذلك كما يذكر الدكتور وبعد انتهاء التحقيقات في حلب نقل الدكتور مع رفاقه إلى دمشق حيث سجن المزه وكان مصيرهم الضرب المبرح ثانية، وبعد التعرف على هويتهم سلم الدكتور إلى (أبو العبد) السجان العملاق والذي لا يعرف الرأفة ولا الشفقة وقام بضرب الدكتور وهو يستهزئ منه وهو يقول (شرفتنا أيها الدكتور سلطان الكورد المحترم) ويذكر كيف كانت الإقامة قاسية في سجن المزه، فناهيك عن الظروف السيئة للسجن كانوا يتعرّضون للإهانة والضرب، وبعد فترة عرضوا على المحكمة وقد تقدم ثلاثة محامين كورد ومحام عربي من حلب للدفاع عنهم دون مقابل، وظلوا يعرضونهم على المحكمة مرة في الأسبوع من شهر كانون الأول 1960 لغاية 20 شباط 1961 وقد قدّم الدكتور بالتعاون مع رفاقه تقريراً حول التمييز العنصري الذي يواجه الكورد في سوريا، وعن عزم السلطات بقتل الثقافة الكوردية، ورفضهم منح الجنسية السورية لعدد كبير من الكورد، وعن الممارسات التي تقام بحق الكورد، وقدمها إلى المحكمة، لكن رئيس المحكمة لم يعر التقرير أي اهتمام، وبعد عدة أسابيع طلب وكيل النيابة إنزال عقوبة الإعدام بحق ثلاثة منهم وهم الدكتور نور الدين ظاظا وعثمان صبري ورشيد حمو، بالإضافة إلى عقوبات بالسجن تتراوح بين عامين إلى عشرة أعوام للآخرين، وبعد أن سمعوا بان جمال عبد الناصر قد عين لجنة مكلفة بالتحضير لدستور جديد (ديمقراطي) وانه نادى الشعب ليتعاونوا في التحضير لهذا الدستور، وعرض أي أفكار ومقترحات متعلقة بالدستور بحيث ترسل إلى جمال عبد الناصر مباشرة أو إلى اللجنة المكلفة، فقد قرر الدكتور أن يبعث ببرقية إلى عبد الناصر تضمنت المظالم التي تجري بحق الشعب الكوردي، ودعا إلى إنصافه، ولكن رئاسة السجن احتفظت بالبرقية ولم ترسله وهددوه إذا كرر ذلك، ومع ذلك رفع شكوى إلى رئيس المحكمة بذلك ولكن دون جدوى وتعرض بسبب ذلك إلى الجلد والضرب بالسياط ولم يحس بنفسه إلا بعد حين وجد نفسه في مستوصف السجن، فقد كسرت إحدى أسنانه، وتورم فكه أصيب برضوض في جميع أنحاء جسمه، وبعدها رد إلى السجن ويذكر بأنه كان هناك شاب كوردي يدعى عدنان وادي من حي الأكراد حكم بثلاثة أعوام لأنه حاول منع مجموعة جنود من اغتصاب امرأة في شوارع دمشق، يقول كان يشهق هذا الشاب وهو يقضم أظافره ويقول (ليتني املك رشاشا لكنت قتلت هؤلاء الأوغاد جميعا) وبعد مرافعات وجلسات عدة وضغوطات التي تأتى من الخارج وخاصة من الكورد في العراق ولبنان وكذلك الأصدقاء من المثقفين والأدباء والفنانين في أوربا وخاصة سويسرا، كما أبدى أحد أصدقاء الدكتور نور الدين ظاظا وهو محامٍ سويسريٌّ (كلبرت باشتولد) عزمه للمجيء والدفاع عنهم أمام المحكمة، أدت كل تلك التدخلات والضغوطات إلى تخفيف عنف السلطات وإلغاء أحكام الإعدام والسجن مدى الحياة، والسجن من(5-15) عام خففت إلى عام ونصف كان ذلك بتاريخ 5 آذار 1961، ونقل الدكتور وزملاؤه إلى سجن دمشق المركزي (قلعة صلاح الدين ) وكان يدير السجن آنذاك العقيد وحيد برازي وهو من أكراد حماة، فكانت المعاملة جيدة بالمقارنة إلى سجن المزه وفي 8 آب 1961 تم إطلاق سراح الدكتور ورفاقه . . وبعد كل هذا العذاب الذي لاقاه وجد أن المستودع الذي كان يملكه قد نهب ولم يبقَ له شيء وعليه أن يبدأ من الصفر.
بعد انهيار الوحدة بين سورية ومصر وإقرار إجراء انتخابات حرة في البلاد وبتشجيع من كورد الجزيرة تم ترشيح الدكتور نورالدين ظاظا للانتخابات النيابية وبقرار من الحزب الديمقراطي (الپارتي) في سورية ألا أن الدكتور كان متردداً لكنه تحت ضغط الجماهير حزم أمره وأستقل طائرة و توجه إلى القامشلي استقبل في المطار استقبالاً حاراً، ورشّح نفسه رسميا في 20 تشرين الثاني عام 1961 مع أنه كان متأكداً من الخروقات التي ستحصل، أما لائحته فقد ضمت بجانبه كوردياً من الپارتي، وكوردياً مستقلاً وسريانياً . . وما أن علم ضابط المعلومات العسكرية بلائحته حتى تغيرت معاملته وطلب منه التخلي عنها والانضمام إلى لائحة أخرى فرفض الدكتور فتم تشكيل لائحة مدعومة من الجيش يترأسها طلعت عبد القادر وهو كردي من أسرة عريقة في القامشلي لكنها تعربت تماماً، وكان رائداً سابقا في طيران الجيش السوري تضم شيخين من قبيلة الطي العربية كانا أميين، واحد اخوة (اصغر نجار) سرياني، وبالمقابل فقد أعلن الفلاحون الكورد في الريف استعدادهم لدعم لائحة الدكتور، واستطاعوا أن يجمعوا عشرات الآلاف من الليرات لذلك، ولم يكن الدكتور نور الدين بحاجة إلى الدعاية الانتخابية إلا انه تحت ضغط الأصدقاء وقبل موعد الانتخابات بثلاثة أيام ذهب إلى عاموده ودرباسية ويذكر الدكتور كيف حمل الشبان الكورد الذين كانوا في انتظاره في مدخل بلدة عامودا كيف حملوا سيارته على أكتافهم ويمشون بها اكثر من مائة متر، حيث كانوا يرون في الدكتور منقذا لهم، وحملوه بعد ذلك على أكتافهم حتى مكتب الپارتي في عامودا، ألقى كلمة هناك وبعد أن رجع إلى القامشلي استدعي إلى مديرية الشرطة ونبهه مدير الشرطة أن لا يخرج من البيت إلى حين انتهاء الانتخابات لكي لا يثير مشاعر الشعب. ألا أن الضغوطات على مدير الشرطة أدت إلى استدعاء الدكتور مرة أخرى لاعتقاله حسب طلب الجهات العليا مع عدم رضاه عن ذلك كما اخبر الدكتور، فبات رهن التوقيف إلى يوم الانتخابات، وهو في باحة السجن بدأ بعض عناصر الشرطة بتهنئته بالفوز، ألا أنه وبعد الظهر تغيرت الأوضاع فقد أمرت السلطات بتغيير مجرى الانتخابات بعد أن رأت أن قائمة الدكتور هي التي ستفوز فتم ضرب الناخبين واعتقال ممثلي الدكتور في المراكز وتم اعتقال شركائه بلائحة، وبعد إعلان النتائج فازت القائمة المدعومة من الجيش وقدم الدكتور ورفاقه إلى المحاكمة واتهموه اتهامات باطلة . . . فيعود أدراجه إلى دمشق، ويوضع اسمه ضمن أسماء القائمة السوداء، ولكنه قرر هذه المرة أن يغامر على أن يسلم نفسه لجلاديه ثانية، ويختفي في منزل المدرس المتقاعد ممدوح سليم وهو أحد المناضلين الكورد، ووجد إلى جانبه المعارف والأصدقاء الذين ساعدوه بالتخفّي في بيوت الكورد بحي الأكراد، فكان أبو جنكيز المرشد له، أما المنازل التي اختفى فيها منزل الصوفي ومنزل أبو عادل ومنزل عزت آغا وغيرهم وبعد أن ختم مكتبه بالشمع الأحمر وتحت ضغط البحث المكثف عنه لم يجد بداً من الرحيل إلى بيروت في مغامرة أخرى من مغامراته، وفي بيروت لم تكن حياة المهاجرين الكورد سهلة، إذ كان معظمهم قد نفذوا شروطًا مفروضة للحصول على الجنسية اللبنانية، وظلت طلبات آخرين معلقة بدين طالبي الجنسية، فكان يستنتج أن تجنس الكورد المسلمين قد يحطم التوازن الطائفي داخل لبنان، فكان الآلاف من الأطفال الكورد يحظر عليهم الدخول إلى المدارس الرسمية، ويمنع المرضى من العلاج في المشافي الحكومية فبدأ الدكتور بالاتصال مع الكورد شيئا فشيئا فشجعهم على تأسيس جمعية خيرية كوردية تهتم بشؤونهم، فتأسست تلك الجمعية بدعم من كمال جنبلاط وبدأ الكورد يترددون على الجمعية، وبدأ الدكتور نورالدين بالاتصال مع كبريات الصحف اللبنانية المستقلة لكي توصل حقيقة الوضع الكوردي في العراق آنذاك حيث كان القتال دائراً بين الحكومة العراقية بدعم من الجيوش العربية وخاصة الجيش السوري من جهة والثوار الكورد بقيادة الزعيم البارزاني من الجهة الأخرى، وبذل جهود جبارة لإقناع رؤساء تحرير جرائد الحياة، النهار، لسان الحال، شرق النهار والمساء بنشر المعلومات التي سيزودهم بها وتخصيص مقالات أساسية للقضية الكوردية، كان يعتمد في معلوماته على شخصيات كوردية عراقية لها الاتصال مع قيادة الثورة الكوردية، فبدأت الصحف اللبنانية بنشر المقالات حول القضية الكوردية، منها مقال للمؤرخ العربي الشهير صلاح الدين منجد في جريدة الحياة بعنوان تاريخ وثقافة الكورد والظلم الذي يتعرض له من قبل حزب البعث، كما نشرت صحيفة( لسان الحال) حول القضية الكوردية.
وبدأ الدكتور بالاتصال مع الوكالات الدولية ومراسلي الصحافة والإذاعة والتلفزيون في أوربا وأمريكا، وبدأت شيئا فشيئا تنطلق بانتظام معلومات صحيحة تتعلق بأحداث كوردستان العراق وتكشف زيف الروايات الحكومية الخرافية، بضغط من السفير العراقي في بيروت وبالتواطؤ مع مدير الأمن اللبناني وضعت خطة لاعتقال الدكتور وإسكاته. وقد حذر بيير الجميل الدكتور نور الدين من ذلك وكان وزيرا للداخلية آنذاك، في 15 شباط 1966 اعتقل الدكتور نورالدين من قبل الأمن اللبناني، وطلب منه الحصول على تأشيرة دخول إلى بلد أوربي خلال مدة أقصاها ثماني وأربعين ساعة وعليه الاتصال من داخل المعتقل، فاستطاع الدكتور الاتصال مع القنصل العام الهولندي وقنصل ألمانيا الاتحادية ولكنهما طلبا منه الذهاب إلى مكاتبهم وتقديم طلب رسمي بذلك، وعندما لم يفلح في ذلك أرغموه بالسفر إلى الأردن ففي 21 نيسان عام 1966 أخذوه إلى المطار أرغموه على شراء بطاقة بيروت عمان ذهاب وإياب ولكن السلطات الأردنية بعد أن تعرفت عليه لم تقبل استقباله أعادوه إلى لبنان أما السلطات اللبنانية فقد سلمته بدورها هذه المرة إلى السلطات السورية، وبات ثانية بين أيدي جلاديه واقتيد إلى سجن مخفر الشيخ حسن بدمشق . . وفي أحد الأيام دخل عليه شخص وعرف عن نفسه وكان الملازم الأول محمد رمضان الذي خدم سابقا في عامودا وعامل أهلها بالبطش حتى سمي (جلاد عاموده) فحين احترقت سينما عامودا كان هناك و خلال ترشيح الدكتور نور الدين للانتخابات النيابية قام باعتقال اكثر من عشرين صبيا تتراوح أعمارهم بين 12و15 سنة وهددهم باغتصابهم أن لم يعترفوا بان الدكتور نور الدين كان يتلقى الأسلحة من البارزاني لطرد العرب من المناطق الكوردية، واصبح يتباهى أمام الدكتور بأمجاده في الجزيرة وطلب من الدكتور كتابة تقرير مفصل عن فترة وجوده في لبنان . . . وبعد أن كتب تقريره غضب (جلاد عامودا) من تقريره فكيف يجرؤ على التهجم على حزب البعث؟؟ وبدأ بتعذيبه وعلى إثرها نقل الدكتور إلى المشفى بقي خمسة عشر يوماً قبل العودة إلى زنزانة الشيخ حسن ثانية وبعد سبعة اشهر من السجن أخلى سبيله ولكنه وضع تحت الإقامة الجبرية في السويداء والتقى هناك بعدد من المعلمين الكورد الذين نقلوا من الجزيرة أفادوا بأنه لم يبقَ موظفون كورد في الجزيرة فإما فصلوا أو نقلوا إلى أماكن بعيدة وفي نهاية نيسان من عام 1967 نقل إلى دمشق تحت الإقامة الجبرية والمراقبة وعند زيارة أحد أقربائه له قدم من تركيا أقنعه بالذهاب إلى كوردستان تركيا وترك سوريا حيث أن الأوضاع تغيرت في تركيا ولم تبقَ كما كانت سابقا، وعندما لم يرَ بداً من ذلك وافق على الذهاب إلى تركيا وفي يوم الثامن من آب 1967 ومن قرية "كرديم" في الجزيرة اجتاز الحدود بمساعدة مهرب يسمى (عليكي الأمير) فلم يكن هناك حدود بمعنى الحدود وحتى الآن الكورد لم يفصلوا بين الطرفين حيث يسمون الطرفين ( فوق الخط وتحت الخط) وفي الطريق إلى ديار بكر لاحظ الحالة المؤسفة التي تعيشها القرى الكوردية فهي ليست سوى تكويم أكواخ طينية محرومة من الكهرباء والهاتف والمشافي، لكن كما يذكر ظل الشعب الكوردي محافظا على تراثه وعاداته حيث أخفقت سياسة التتريك لانقرة ووصل أخيرا إلى قرية "ايلازيغ" حيث أخوه ريزو الذي لم يره منذ سنوات طويلة، وكان عضواً في الحزب الديمقراطي، وانتخب مرتين للمجلس النيابي التركي وعاش بعيدا عن أي نشاط كوردي.
كان متلهفا لرؤية الأماكن التي أمضى فيه طفولته ولكن دون جدوى حيث علم بقدومه الشرطة الإدارية وستبلغ السلطات الأمنية (ميت) لذلك يجب ترك المناطق الكوردية لحين تسوية وضعه، ذهب أخوه إلى أنقرة والتقى سليمان دميريل وغيره، عرض عليهم مشكلة أخيه، وبعد انتظار دام اكثر من سنة بين أنقرة واستنبول و المناطق الكوردية فوجئ بقرار حكومة أنقرة بحرمانه من الجنسية التركية لأنه حاصل على الجنسية السورية دون اخذ الموافقة التركية كما قالوا له، في 2 تموز 1972 صدرت وثيقة باعتقاله وإبعاده عن البلاد، بعد ذلك حصل على جواز سفر مزور خرج بواسطتها من تركبا إلى بلغاريا ومنها إلى سويسرا حيث استقبله أصدقاؤه استقبالًا حاراً، وبعد بضعة أشهر حصل على اللجوء السياسي، في عام 1972 تزوج من فتاة سويسرية، في ربيع 1973 رزق بطفل وفي خريف 1978 اصبح مواطنا سويسريا. ارتبط بسويسرا ارتباطاً وثيقًا لقد كانت طبيعتها تذكره بطبيعة كوردستان.
وجدير ذكره في النهاية يجب أن أشير بأنه كتب مذكراته عام 1982 كما يذكر هو في كتابه، وددت لو كان حياً إلى الآن ويرى علم كوردستان وهو يرفرف على أحد أجزاء وطنه.