نورالدين ظاظا مناضل لم ينصفه التاريخ (1 من 2)

نورالدين ظاظا مناضل لم ينصفه التاريخ (1 من 2)

محمد صالح شلال

في تاريخ الشعوب، كثيرٌ من الرموز والمحطات التي تحفر بأحرف من الذهب على صفحات التاريخ بما لهذه الرموز والمحطات من أثر في مستقبل الشعوب، لقد مرّ الشعب الكردي بكثير من المحطات على مر الزمن، وكان للمناضلين بصماتهم في تلك المحطات، فمنهم من يذكرهم التاريخ بين صفحاته، ومنهم من لم ينصفه التاريخ.
وددت هنا أن أرد مثقالاً مما قدّمه مناضل ضحى بكل ما يملك من أجل قضايا شعبه الكوردي المظلوم، فكان كالشمعة التي تحترق، وتضيء ما حولها، إنه المناضل المكافح الدكتور نورالدين ظاظا الذي وحسب ظني لم ينصفه الكتاب والمؤرخون، فلم أرَ أية كتابات تُذكر عن حياته النضالية مع أنه عانى الكثير، وتنازل عن الكثير من أجل قضية شعبه العادلة، وما دفعني إلى هذه الكتابة هو قراءتي لكتاب هو الذي سطرهُ عن حياته (حياتي الكردية) والكتاب على شكل رواية سردية لفصول مُهمّة من حياته منذ ولادته، حتى وفاته. لذا سأعتمد على هذا الكتاب لكي أسلط الضوء على جزء من حياة هذا المناضل الكبير.
ولدَ المناضل ظاظا في مدينة صغيرة على ضفاف نهر دجلة في شمال كوردستان في مدينة "مادن"، ومدينة مادن كما يشير كانت مشهورة بالنحاس إلى جانب الرصاص والكروم والذهب، ويسرد أن كوردستان كانت تعاني أوضاعاً مأساوية لدى ولادته، فقد كانت مناطق الشمال ساحاتُ معارك ضارية بين الروس والعثمانيين مما يدل على أن ولادته كانت في بداية القرن الماضي أي في العشرينيات منه، حيث تفاقمت البطالة، وتوقفت مناجم النحاس من استخراجه، وكان والده يساعد المحتاجين بإعطائهم أكياس الطحين، فقد كان المناضل نور الدين ظاظا ينتمي إلى عائلة ميسورةَ الحال، وكان أجداده من العلماء في المنطقة حيث يسرد كيف قام جده الأول بجلب الروم اليونانيين المهرة في استخراج النحاس إلى مادن والعمل في المناجم لاستخراج النحاس، حيث استخرج النحاس عام 1792م فكبرت البلدة وازداد اتساعها فبلغ عدد سكانها أربعين ألف نسمة، يتمتعون بحياة اقتصادية وثقافية عالية المستوى لكن النجاح الباهر الذي حققه لم يرق للباب العالي فأرسل في طلب إبراهيم أفندي (جد نور الدين) عام 1830م الذهاب إلى اسطنبول لكنه رفض الطلب لتمتّعه بالدعم الشعبي في المنطقة، فأصدرت السلطات مرسوماً بمصادرة أمواله وتهديد عائلته، حيث توجّه عشرة آلاف مقاتل مدججين بالمدافع فخرج إبراهيم أفندي من مادن وفر إلى اليمن حيث توفي هناك، كما يتحدث عن العلاقة الحميمة بين الكورد والأرمن في ذلك الوقت حتى إنهم ربوا فتاة صغيرة نجت من المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن تدعى (جاجو). لقد دخل نور الدين مدرسة خاصة وهو في السنة الخامسة من عمره، فيتكلم عن مدرسته حيث يجلس التلاميذ على الأرض مشكّلين نصف دائرة حول المعلم الذي كان يعلمهم، وفي تلك الفترة، وبفضل المساعدة الكوردية هَزَم مصطفى كمال اليونان والفرنسيين والطليان وفي مقابل مساعدة الكورد له كان أتاتورك قد وعد بإعلان حكم ذاتي كامل ضمن الجمهورية التركية في احتفال رسمي، لكن في عام 1923 وبعد استبدال معاهدة سيفر بمعاهدة لوزان تبنى اتاتورك موقفاً عدائياً صريحاً تجاه تحركات الاستقلاليين الكورد، وكان الشعار المشهور تنتمي تركيا إلى أمتين الأمة الكردية والأمة التركية قد أصبح في طي النسيان، وتم سحب ومنع أشرطة الكاسيت التي تمجد وتشيد ببسالة وشجاعة الكورد في حين كان يجري الاستماع إلى تلك الأشرطة داخل قبة البرلمان في أنقرة أيام حرب الاستقلال، فتمّ حل المجلس النيابي ليحلّ فيه بعد ذلك نواب أتراك عن المناطق الكوردية، وأغلقت المدارس، واعتقل عدد من النواب الكورد، مما أدّى إلى شعور الكورد أنهم تعرّضوا للظلم فقاموا بالثورة، وكان على خالد بيك جبري أحد سادة قبيلة جبران القوية في منطقة موش القيام بهذه المهمة، فاتصل مع الشيخ سعيد وحدد 16 آذار من عام 1925 موعداً لانطلاق الثورة، وانطلقت الثورة في غير موعدها مما أدى وللأسباب عدة إلى الفشل.
ومن ضمن الأسباب خيانة بعض الكورد العملاء ومنهم عصمت إينونو الذي كان له الدور في القضاء على آمال الشعب الكوردي في قيام دولتهم، حيث كان يرأس وفد الأتراك في معاهدة لوزان، وفي ذلك الحين عندما قامت الثورة الكوردية دعا الشعب التركي إلى حمل السلاح، وأرسل إلى البرلمان يقول إن تركيا في خطر وأن إنكلترا تدعم الكورد، وتمدُّهم بالمال والعتاد، كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك. لقد أثرت تلك الأحداث في طفولة نور الدين حيث كان يجبر في المدرسة على أن يقول إنه تركي، ويسرد قائلاً: الشهيدان اللذان يجلهما الشعب الكوردي ولازالت ذكراهما خالدة في ذاكرة الشعب الكوردي –وبالطبع في ذاكرته – كانا الدكتور فؤاد والمحامي حاجي آختي، فعندما وضع الجلاد الحبل حول رقبة المحامي آختي صاح يقول:(عاشت كوردستان). فطعنه الجنود بحرابهم ولكنه تغلب على ألمه، وصاح (عاشت الجمهورية الكوردية المستقبلية). ومما رآه في "مادن" من حالات العنف بحق شعبه وسجن أخيه وأبيه كل ذلك أثر في طفولته التي أشبعت بحب الوطن وبحب شعبه العظيم، لقد كان أخوه طبيبا (الدكتور نافذ) الغني عن التعريف وخاصة بين الكورد السوريين فقد رُشِح عام 1927 لرئاسة بلدية "مادن" وفاز فيها وهو في سن الثالثة والثلاثين. إلى جانب مشاغله كان الدكتور نافذ يبذل جهده للكشف عن المواهب الخفية بين الكورد ويساعدهم بتعليمهم وتثقيفهم ليشغل كل واحد منهم مكانه الذي يليق به في الحياة العامة.
بعد أن أنهى الدراسة الابتدائية في "مادن" التحق نور الدين بالمدرسة الثانوية في ديار بكر إلا أن ذلك لم يدم طويلاً فكما يذكر، بدأ فصل جديد من حياته فبناء على طلب ممدوح سليم (وهو كوردي من وان مجاز في الحقوق والعلوم السياسية) أسّس بعض مثقفي كورد تركيا تنظيماً في سوريا يهدف إلى استقلال كوردستان (خويبون) ودخل بعضهم إلى كوردستان عن طريق إيران منهم (إحسان نوري باشا) الذي قام بالثورة مما أدى إلى تدهور الأوضاع والضغط على المثقفين الكورد ومن ضمنهم الدكتور نافذ الذي اختار أخيراً الرحيل إلى حلب وترك ديار بكر حيث كان نور الدين في العاشرة من عمره فأخذه أخوه معه دون أن يعلم المصير الذي ينتظره. بعد أن تخلّص نورالدين مع أخيه الدكتور نافذ من بطش الحكومة التركية واستقرارهم في حلب برفقة بعض الأصدقاء تصوروا للوهلة بأنهم تخلصوا من العذاب والملاحقات، فهم في بلد ينعم بالحرية تحت الانتداب الفرنسي.
فقد سارع الدكتور وأصدقاؤه إلى المطالبة باللجوء السياسي، لكنهم فوجئوا بعدم موافقة المندوب السامي على طلبهم، لكن بعد توسُّط الكورد والأرمن سمح لهم بالبقاء في سوريا، وبعد تعديل شهادته فتح الدكتور نافذ عيادة له في حلب، والتحق نور الدين بالمدرسة (الأرض المقدسة) الداخلية، وكانت أفضل مدرسة في حلب آنذاك إلا أن المدرسة لم ترق له لأسباب عدة فتركها. وبعدها ترك مع أخيه مدينة حلب متوجّهين إلى دمشق عام 1930 في دمشق، سكنوا في منزل عائد لرجل كوردي هو علي آغا زلفو، وكان أحد زعماء الكورد في دمشق. وكان المنزل يقع في الحي الكوردي على جبل قاسيون، وحسب ما يذكر فإن عدد سكان الحي في ذلك الوقت كان أربعين ألفاً. ولم يكن الساكنون في المنطقة الممتدة من الشرق حتى جسر النحاس يتكلمون غير اللغة الكوردية ومن جسر النحاس إلى ساحة شمدين كانوا يعرفون الكوردية والعربية ويفضلون التحدث بالعربية ومن ساحة شمدين إلى حي الشيخ محي الدين كان الناس يفتخرون أنهم كورد، ولكنهم نسوا لغتهم الأم، ولا يعرفون التحدث بغير العربية، لقد كان دار علي زلفو مأوى للمنفيين من الكورد، يذكر منهم أكرم ومحمد وقادر أبناء جميل باشا وحاجو آغا ومعه أبناؤه حسن وجميل وجاجان والأمير جلادت بدرخان، وكان علي آغا ووجهاء الحي ينضمّون إليهم في المساء يتسامرون ويتحدثون عن علم اللغة والسياسة والفلسفة، وعن موقف الفرنسيين من الكورد والأتراك والعرب، ومن هنا بدأ مناضلنا الشاب حيث بدأ يتعلم كتابة اللغة الكوردية وكما يذكر (وأنا أثور ضد الظلم الذي يلحق بشعبي) فاستفاد كثيراً من فترة مكوثهم بين هؤلاء المناضلين. وبعد فترة يقيم مع أخيه الدكتور وأصدقائه عارف عباس وشوكت زلفي في بيت بحي العرنوس، دخل المدرسة الأبرشية هناك. كما فتح الدكتور نافذ عيادة له في الحي الكوردي، يلتحق بعدها نور الدين بالثانوية الفرنسية، حيث مرت سنوات بسعادة وسلام، وبعد أن التحق الدكتور نافذ بالوظيفة في الجزيرة وبالتحديد في عين ديوار، أوصى أكرم جميل باشا برعاية نورالدين، وأكرم جميل مناضل كردي خريج مدرسة الفنون في لوزان، لكن عدم السماح له بالإقامة في الجزيرة ولامتلاكه أراضي واسعة في "سعسع" فقد تفرّغ للزراعة، وكان أول من أدخل الجرار إلى سوريا، كان نور الدين يزور أخاه في العطل الصيفية، وظل الدكتور نافذ في عين ديوار إلى عام 1935 لم يدخر جهداً لمساعد شعبه وبعدها انتقل إلى القامشلي وفتح عيادة فيها واستقرّ هناك، لم يكن بإمكان نور الدين الوقوف مكتوف اليدين وقبول تقارب المخططات التي تهدف إلى تدمير الشعب الكوردي، فحرمان الفلاحين الكورد من حقوقهم بحيث لا يحق لهم التعبير بلغتهم الأم أمام رجال الدرك والموظفين، وما يعانيه من الجهل والقيود العشائرية الصارمة، فانخرط في النضال إلى جانب الآخرين أمثال الدكتور نافذ، جكر خوين وجلادت بدرخان، إلا أن السلطات الفرنسية هاجمت الكورد نتيجة مساندتهم للقوميين السوريين عام 1937 من أجل الاستقلال، فتم توقيف العشرات من المثقفين الكورد ومن ضمنهم صديق الدكتور نافذ (عارف عباس) الذي كان يسكن ديرك، وفي نفس السنة كانت هناك مقاومة ضد القوات التركية في منطقة ساسون في شمال كوردستان بقيادة أسرة علي يونس، وبعد معارك طاحنة لجأت حوالي ستين عائلة بقيادة عبد الرحمن الابن الأكبر لعلي يونس إلى سوريا، وطلب حق اللجوء السياسي لكنه صُدِم بالرفض وأبعده الفرنسيون إلى دمشق، وشتتوا رجاله في قرى الجزيرة، ونتيجة قلق نور الدين من الأحداث التي كانت تجري في كوردستان تركيا ذهب على رأس وفد من الطلاب الكورد في الثانوية الفرنسية، وبعض الطلبة من حي الأكراد بدمشق إلى بعض السفارات، وسلّموا كلّ واحدة نسخة من المذكرة التي أعدوها.
نهاية عام 1937 تشكلت أول جمعية طلابية كوردية وهي (هيفي) كانت تضم خمسة عشر طالباً مع أنها لم تدم سوى عام ونصف، ولكنها أيقظت الروح القومية لدى الشباب الكورد، ونبهتهم إلى ضرورة وجود تنظيم يجمعهم كما حثت على إنشاء النوادي الأدبية والرياضية وكذلك روابط وأحزاب سرية لتكون منطلقاً لتأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني (الپارتي) في سوريا عام 1957، من المفارقات المثيرة في عام 1939 تأسس فريق رياضي باسم (فريق كوردستان) في دمشق، واشترك الفريق بشكل منتظم في المباريات التي نظّمتها نوادي دمشق، وحصل فريق كوردستان على البطولة عام 1940 فقد كان حدثاً عجيباً حيث تُسمَع أصوات المتفرجين في قلب دمشق يهتفون (هيا كوردستان . . اهجم كوردستان .. عاش كوردستان)
وكتبت الصحافة على صفحاتها الرئيسية عناوين عريضة (كوردستان المنتصر). وبعدها تبدأ مغامرات المناضل نور الدين ظاظا بين بيروت ودمشق وحلب والجزيرة. ففي إحدى المرات وهو آت من بيروت إلى القامشلي عن طريق حلب ولعدم تمكن السيارات من الذهاب إلى القامشلي بسبب الأمطار الغزيرة فقد نصحه أحد الأصدقاء من الذين التقى بهم في حلب وهو شاب سرياني يدعى (جورج ازميرلي) السفر برفقته بواسطة القطار وبعد أخذ ورد وافق نور الدين مرافقته مع أنه يحمل في حقيبته كتبا ومجلات تتعلق بالكورد، والقطار يمر بالمناطق الكوردية التركية وكان التخوُّف من الميت التركي بالقبض عليه..
في الطريق حدث ما كان يخشاه، وشعر أن الجنود الأتراك كانوا يدبّرون مؤامرة ضده، فلم يجد بداً من الخروج من القطار خلسة في المحطة، ولكن الجنود عرفوا أنه يود الخروج، فمنعوه به، وأخذوا هويته السورية وأخذوا الأموال التي كانت بحوزة صديقه ووضعوهما في غرفة خاصة، وللتخلص من هذا المأزق فكّر أن يلقي بنفسه من القطار وبالفعل عندما عاود القطار المسير فتح النافذة بهدوء حيث كان الوقت ليلاً فلم يحس به الدرك، وبعد لحظات رمى بنفسه من النافذة، ومن خوفه نهض بسرعة دون أن يشعر بألم لكي يبتعد عن سكة القطار وبات يتبع قدره حتى رأى طريقاً ترابياً فتبعه، وكانت السماء تمطر، بعد فترة من المشي بدت له بيوت وأشجار، ودنا من البلدة وفجأة صرخ شخص عليه بالعربية، ففهم أنه في بلدة "عاموده" الكوردية في سوريا، فقرع باب أحد البيوت فأدخله صاحب الدار إلى غرفة الضيوف، وجهّز له سريراً بعد أن تعرّف عليه، نام دون أن بعمق حتى استفاق على صوت أخيه الدكتور نافذ وأصدقائه . . . وبعد أن سمع بالثورة في كوردستان العراق أحبّ أن يذهب إلى هناك، ويلتقي مع الزعيم مصطفى بارزاني، اعتمد على رفيق سابق كان عضواً في منظمة هيوا حيث كان يأتي أحياناً إلى القامشلي، في إحدى المرات أخبره نور الدين عن نيته، فوعده الأخير أن يأخذه قريباً إلى كوردستان. وبعد فترة صدق الوعد، وأتى الرفيق (آمادي) واصطحب نور الدين معه وبعد بضع ساعات كانا في العراق، كان ذلك في عام 1944 ولكن الرياح لم تجرِ كما اشتهت السفن، أُلقِي القبض عليهما من قبل الشرطة في قرية (جفتك) فأودعا السجن، ويذكر نور الدين ما عانياه في هذه الرحلة الشاقة التي دامت اثني عشر شهراً في المعتقلات من الموصل إلى العمارة مروراً ببغداد، واتهما بأنهما من مقاتلي البارزاني، فيذكر ما عانوه في سجن الموصل، وكيف أضرب عن الطعام لمدة عشرة أيام ولكن دون جدوى ومن ثم تم نقلهم إلى سجن بغداد، حيث رأى هناك الكثير من المعتقلين الكورد ومنهم رمزي آغا الذي كان قد تعرّف عليه في بيروت حيث كان يدرس في الجامعة الأمريكية العلوم الاقتصادية، وينتمي إلى عائلة شهيرة في السليمانية، ورمزي آغا كان قد انتمى إلى منظمة (هتلر) في ألمانيا، وعاد إلى كوردستان فألقي عليه القبض في إحدى قرى "هولير" فأودعوه سجن بغداد بتهمة العمل لصالح الألمان، لقد عمل رفاق(آمادي) من منظمة هيوا على إخراج نور الدين وآمادي من السجن، وتدخلوا لدى بعض الوزراء الكورد أمثال ماجد مصطفى الذي كان وزيراً لشؤون الشمال كذلك العالم اللغوي الشهير وعالم السلالات توفيق وهبي، حيث تحسّنت أوضاعهم بعض الشيء في السجن دون أن يفلحوا في إخراجهم . . وبعد فترة نقل مع رفيقه إلى معتقل العمارة الصحراوي (يقع في ريف العمارة) حيث التقى الكثيرين من الساسة والمناضلين العرب والكورد منهم مير حاج، عوني يوسف، سعيد عبد الغني وعبد الله الشرفاني. ومن العرب صديق شنشل وهو قومي اشتراكي وغيرهم، وبعد أن اخذوا مير حاج إلى بغداد وصلت رسالة منه إلى نورالدين كتب فيها أن هناك محاولات جادة لإطلاق سراحه، وإن نواب البرلمان السوري البالغ عددهم ستة عشر نائبًا اتجهوا مباشرة إلى نوري السعيد لكي يضع حدا لأسرك، وفي شهر أيار نقلوه ثانية إلى بغداد، وفي بغداد وبواسطة بعض الرفاق وضعوه في سجن القوات المتحركة حيث التقى من جديد المناضل مير حاج وعند زيارة علي حمدي لهم (وهو أحد أعضاء منظمة هيوا) أخبر نورالدين بأنه سينقل إلى نقطة تل كوجر بعد عشرة أيام وسيسلم إلى الحكومة السورية، وأخبر بأن الأوضاع غير مستقرة بين الإنكليز والكورد، وإن الزعيم البارزاني مع ثلاثة آلاف مناضل مستعدون للقتال، فقد أصبح الأمل الوحيد للشعب الكوردي، وانضم إليه الكثير من الضباط الكورد على مستويات عالية، وتدخّل مير حاج قائلاً، وأنا سأنضم إليه بعد خروجي من السجن، وبعد أربعة أيام استدعت مديرية السجن نور الدين، وسلمته الهوية السورية وحاجياته واستقل القطار برفقة شرطيين إلى الحدود السورية بعد اثني عشر شهراً من العذاب في السجون العراقية.
أما في بيروت فبجانب دراسته للعلوم السياسية أصبح مذيعاً في القسم الكوردي للإذاعة اللبنانية بدلاً من كاميران بدرخان كما فتح مدرسة لتعليم الكورد في لبنان اللغة الكوردية، وبعد أن أنهى دراسته الجامعية في بيروت توجه عام 1947 إلى سويسرا للحصول على شهادة الدكتوراه، حمل قضية شعبه معه إلى هناك حيث قرع كثيراً من الأبواب لشرح قضية شعبه المظلوم بينما كان يعمل في جيكوسلوفاكيا عام 1948 بصفة متطوّع مع الفرقة السويسرية فكّر بإثارة القضية الكوردية في إذاعة "براك" لكنهم أصيبوا بهلع عندما عرض عليهم ذلك، وقالوا له لقد أخطأت الباب يا سيد.
في عام 1949 أنشأ مع الطلاب الكورد (وكانوا ستة) رابطة الطلاب الكورد في أوروبا، وكان يترأسها وبدعم من مجلس النواب والشيوخ في لوزان تم إصدار صحيفة «صوت كوردستان» وكانت تصدر في فرنسا، إلا أنه اصطدم بالطلاب الشيوعيين من سوريا وتركيا وإيران وحاربوه ورفاقه بحجة أنهم قوميون، وكما يذكر الدكتور نور الدين حسب تصور الشيوعيين ومنهم خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري وهو دمشقي من أصل كوردي يجب على الكورد أن ينسوا ذاتيتهم، وينخرطوا في الحزب الشيوعي، ويناضلوا من أجل وحدة وعظمة الأمة العربية.