الشعب السوري يئن تحت رحمة البازار السياسي والنفاق الديمقراطي

الشعب السوري يئن تحت رحمة البازار السياسي والنفاق الديمقراطي

عزالدين ملا

الشرق الأوسط في الواجهة دائماً عندما تحتدم الصدامات والصراعات السياسية بين الدول الكبرى، وخاصة بين امريكا وحلفائها وروسيا. وما زيارات مسؤولين أمريكيين كبار إلى دول الشرق الأوسط، وخاصة زيارة لرئيس هيئة الأركان الأمريكية إلى إحدى قواعدها في شرق الفرات لها رسائل كثيرة، وتدخل ضمن خانة الضغط والمقايضة على روسيا.
والقصف الإسرائيلي المستمر على أهداف إيرانية داخل الأراضي السورية، وفي المقابل التحركات الإيرانية في سوريا من خلال أدواتها وأذرعها.
وكذلك الدعم الإيراني لروسيا في حربها ضد اوكرانيا من خلال مسيّراتها التي تقصف أهداف أوكرانية.
من جهة أخرى محاولات تعويم النظام السوري من قبل روسيا وبعض الدول العربية والإقليمية، وقرار اتحاد البرلمانيين العرب بزيارة دمشق تدخل في ذلك السياق.
أمام كل تلك التحركات والشعب السوري تزداد معاناته أكثر فأكثر، وخاصة بعد الزلزال المدمر في مناطق عديدة في سوريا.
1- ما تحليلك لكل ما يجري الآن على الساحة الإقليمية والدولية؟
2- كيف ترى التحركات الإيرانية في سوريا، وما الغاية من القصف المستمر لإسرائيل على المواقع الإيرانية في سوريا؟
3- زيارة مسؤولين أمريكيين إلى شرق الفرات، برأيك ما هي الرسائل؟ وهل الزيارات دليل على بقاء أمريكا في المنطقة؟ ولماذا؟
4- من خلال كل ذلك، كيف ترى مستقبل سوريا عامة والمناطق الكوردية على وجه الخصوص؟

استراتيجية المصالح بين الدول ولدت حالة غير مسبوقة من تسارع الأحداث
تحدث عضو اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا، نافع عبدالله لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «إن استراتيجية المصالح بين الدول الغربية وروسيا على حساب قضايا الشعوب السياسية والأمنية والاقتصادية (النفط والغاز) ولدت حالة غير مسبوقة من التسارع في الأحداث والتغيير في المواقف والمواقع والتوجهات، الإقليمية والدولية. هناك انقسام حاد في المواقف الإقليمية والدولية حول مجمل الأوضاع والأزمات في المنطقة والعالم وحتى عملية الزلزال تم التعامل معها وفق أجندات ومصالح سياسية.
وهذا يُذكّرنا بأيام الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق، بينما كانت معظم دول العالم، ومن بينهم الجامعة العربية تقف إلى جانب المطالب المحقة للشعب السوري في ثورة الحرية والكرامة، الآن نجد معظم تلك الدول تجامل بشكل أو بآخر النظام السوري وإعادة تأهيله دوليًا واقليميًا، كما نشاهد المواقف الإقليمية والدولية حول الحرب الروسية على أوكرانيا متأرجحة، مثال الموقف التركي والصيني. لعبة المصالح السياسية والأمنية والاقتصادية هي سيدة الموقف، ولا يوجد في الأفق أي بوادر لحل تلك الأزمات».
يتابع عبدالله: «تشير التقارير والمعلومات الأخيرة عن تنامي النفوذ الإيراني في سوريا وخاصة في الجنوب والوسط والحدود مع العراق، وهو أمر يقلق واشنطن وتل أبيب، والانتشار الإيراني واضح، هدفه تأمين طريق إيران- العراق- سوريا باتجاه المتوسط أو إلى لبنان، بالتالي تحقيق حلم إيران السياسي والاقتصادي والعسكري، لذلك تجد معارضة قوية من كلٍّ من إسرائيل وأمريكا، وتقوم القوات الإسرائيلية بقصف المواقع الإيرانية في سوريا باستمرار وأمريكا أيضًا تقوم بقصف المواقع الإيرانية، وخاصة القريبة من الحدود العراقية لوقف المد الإيراني وتدمير ترسانتها العسكرية وحلمها السياسي واجبار القوات الإيرانية الانسحاب من الأراضي السورية».
يؤكد عبدالله: «ان الزيارات المتكررة للمسؤولين الغربيين وخاصة الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي إلى إقليم كوردستان واللقاء على أعلى المستويات، وخاصة اللقاء بالرئيس مسعود البارزاني هو دليل على أهمية موقع الإقليم الجيوسياسي ودور الرئيس البارزاني في محاربة الإرهاب، ودعم الديمقراطية والاستقرار في كوردستان والعراق والمنطقة، وأيضًا زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية الى كوردستان سوريا، هي رسالة لكل المعنيين على مواصلة أمريكا في محاربة داعش الإرهابي، وحماية المنطقة من أيّ هجوم تركي أو تدخل إيراني، وحماية حقول النفط والغاز كما تدعي من قبل أمريكا، والمبعوث الأمريكي الجديد التقى مع كافة الأطراف والمكوّنات في شمال شرق سوريا من أجل تطوير وتوسيع الإدارة القائمة في المنطقة وبشراكة حقيقية وخاصة بين المجلس الوطني الكوردي وأحزاب الوحدة الوطنية، والإدارة الأمريكية تؤكّد في كل مناسبة على بقاء قواتها العسكرية في المنطقة لفرض الأمر الواقع مع مراعاة مخاوف تركيا حول تواجد قسد على حدودها الجنوبية، والعودة إلى الاتفاقيات الموقعة بين كل من تركيا وأمريكا من جهة وتركيا وروسيا من جهة ثانية، والتزام قسد بمضمون الاتفاقيتين لتجنب المنطقة من أي هجوم تركي أو تدخل محتمل».
يضيف عبدالله: «أنه ليس من السهل على الإنسان أن يستشرف آفاق المستقبل السوري في ظل واقع شديد التعقيد، يختلط فيه الدولي بالإقليمي والإقليمي بالمحلي، والعسكري بالسياسي والديني بالقومي والطائفي، في بداية الثورة السورية حصل فرز بين المجتمع الدولي وبدى للناس للوهلة الأولى أن المجتمع الدولي قد انقسم إلى مؤيد ومعارض، وأن الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها مما يسمى بالعالم الحر كانت مؤيدة للشعب السوري، وأن روسيا وإيران والصين كانت هي المؤيدة للنظام، ولكن حقيقية الموقف الأمريكي ومن في سياقه لم تكن حقيقته كما في ظاهره، بالمختصر أمريكا خذلت الشعب السوري بكافة قومياته، وخاصة عندما تهرّب النظام من الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاص بحل الأزمة السورية، ومن خلال المتابعة للمواقف الدولية والإقليمية حول مستقبل سوريا، هو أنه لم يشهد تاريخ العالم الحديث موقفًا دوليًا أو إقليميًا موحدًا حيال أي أزمة من الأزمات، بل كان الانقسام سيد الموقف، فلم يتحقق إجماع دولي حول أزمة البلقان أو في العراق أوفي ليبيا ....وسوريا. وأعتقد رغم كل ما ذكر أن مستقبل سوريا بشكل عام والكوردي بشكل خاص مرتبط بالتقاء مصالح الدول المؤثرة والمتواجدة على الأرض السورية، وتطبيق القرارات الشرعية الدولية، تشكيل هيئة حكم انتقالي وكتابة دستور جديد للبلاد، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، ومراقبين دوليين، وعودة المهجرين وإطلاق سراح المعتقلين، من أجل بناء سورية جديدة لكل السوريين».

تزايد وتيرة الاصطفافات التي توحي إلى مستقبل مجهول
تحدّث السياسي والكاتب، دوران ملكي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «يوماً بعد يوم تتكشف الحقائق فما كان بالأمس تكهُّناً أصبح اليوم حقيقة لأن الصراع يتجذّر، والأقطاب تتشكل وبكل وضوح، ولم يعد أحد يخفي نياته وأهدافه، ولم يعد للبينيات من وجود، فهما خطان لا ثالث لهما، فإما أن تكون مع المحور الغربي أو المحور الشرقي، وخاصة إن الحرب الروسية على أوكرانيا تتطور، وتتعمق لتتحول إلى صراع عالمي، ومن ثم إلى حرب عالمية ثالثة، ستكون باردة في أماكن وساخنة في مناطق أخرى. إن جميع الحروب والصراعات في العالم هي نتائج لسياسات اقتصادية وفكرية تتوّج على شكل مصالح للدول المتصارعة، وينتج عنها تشكيل الأحلاف من الدول ذات النظرة المشتركة للأحداث. فالمعسكر الصيني الروسي يريد إرجاع العالم إلى مرحلة ثنائي القطب، والولايات المتحدة الأمريكية تريد السيطرة المستدامة على العالم، ويمتد تأثير هذين التوجهين إلى جميع أنحاء العالم، وتبدأ الصراعات الخامدة بالثوران من جديد، وتزداد وتيرة الإصطفافات تمهيداً للحرب الكونية. الشرق الأوسط الذي ظل بركانه خامداً خلال العقود الخمسة الماضية ستثور حتماً إسوة بغيرها من المناطق في العالم، وسيمتد إليها الحرب العالمية الثالثة فيما إذا بدأت، ومن الآن تبدأ الأطراف المتصارعة للاستعداد لها، ووضع الخطط للوقوف في وجه مصالح الخصم واستعداداته، وبما إن الأجواء ضبابية والمياه عكرة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في مرحلة ما بعد الربيع العربي، فإذا كان النظام الرسمي مع أحد الحلفين تكون المعارضة مع الحلف الآخر، وبهذا لم تعد للحدود قيمة حقيقية بوجود الصراعات الأزلية في الشرق الأوسط».
يتابع ملكي: «حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها بشتى الوسائل تحويل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع عربي فارسي، ونجحت بذلك بشكل كبير، إذ إن آراء الشارع العربي وخاصة الخليجي ترى العدو الأول لها هي إيران، وليست إسرائيل لأن إيران بنزعتها التصديرية للثورة عن طريق أذرعها الطائفية أججت هذا الصراع. دول المحور الشرقي تحاول اليوم بشتى الوسائل تصحيح أولوية الصراع، وجر العديد من الدول المستاءة من سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط للتحالف معها، وبدت هذه في قرارات البرلمانات العربية في بغداد إزاء سوريا، حيث حاول الأكثرية وبالند من رأي الولايات المتحدة إلى تعويم النظام السوري، وإعادته إلى الجامعة العربية، مستغلة الظروف الإنسانية التي تعرّض لها الشعب السوري جراء الزلزال المدمر، وكسرت طوق العزلة بزيارة وفد من البرلمانيين العرب إلى سوريا».
يضيف ملكي: «يعد النظام الإيراني أحد الأعضاء الأساسيين في المحور الصيني الروسي، وتدخلت بشكلٍ شبه مباشر في الحرب الروسية على أوكرانيا عبر مد روسيا بالمسيّرات، وربما حتى بالصواريخ البالستية متجاوزة بذلك الحليف الصيني، وذلك لغايتين أساسيتين، وهو الحصول على تنازلات من الغرب في موضوع أسلحتها النووية والبالستية، ومن ناحية أخرى ترى إن السوق الروسية هي أفضل سوق لبيع أسلحتها، ووقف سلسلة التدهور الاقتصادي، وتخفيف الضغط على الداخل الإيراني الملتهب جراء الثورة الشعبية ضد النظام ومحاولة إسقاطه. في المقابل تسعى الولايات المتحدة إلى سدّ جميع المنافذ البرية التي توصل إيران إلى حدود إسرائيل في سوريا ولبنان، ونقل الأسلحة إلى النظام السوري وحزب الله اللبناني، ولذلك تعزز من تواجدها في شرق الفرات وفي منطقة التنف في المثلث الحدودي بين العراق وسوريا والأردن، وتراقب التحركات الإيرانية في معبر القائم (البوكمال)، وهو المعبر الوحيد الذي يسيطر عليه النظام السوري والفصائل الإيرانية، وتبلغ الجانب الإسرائيلي للتصدي لها وتدمير أغلب شحنات الأسلحة التي تأتي عن طريق العراق، وبالرغم من ذلك استغلت إيران وضع الزلزال وتحت اسم المساعدات الإنسانية استطاعت توصيل حمولاتٍ كبيرة من الأسلحة، وبين الفينة والأخرى تستهدف الفصائل الموالية لإيران في دير الزور ومحيطها القواعد الأمريكية بالصواريخ. بما أن الوضع في هذه الصورة فلا داعٍ للتفكير أصلاً في بقاء القوات الأمريكية من عدمها في شرق الفرات ومنطقة التنف، وكان من أحد التوصيات التي قدّمها معهد هدسون للأبحاث للإدارة الأمريكية، هو محاولة إنشاء تحالف تركي أمريكي لمواجهة التمدُّد الإيراني في سوريا. تزداد وتيرة التحرك في الشرق الأوسط وخاصة من طرف الولايات المتحدة وإسرائيل لتضيق الخناق على إيران من حميع الإتجاهات، داخلياً عبر دعم المظاهرات الداخلية، وخارجياً عبر الضغط عن طريق منظمة مكافحة الأسلحة النووية التابع للأمم المتحدة، حيث أجبرت مفتشيها إيران على وضع كاميرات المراقبة إثر اكتشافهم عينات من اليورانيوم المخصب بدرجة تصل إلى 80%، وعبر محيطها الإقليمي في العراق وسوريا، وإبقاء القوات الأمريكية في العراق وسوريا».
يعتقد ملكي: «أنه بالنظر إلى نتائج الكارثة الإنسانية التي ضربت كوردستان في كلٍ من جنوب تركيا وشمال سوريا بالتحديد كشفت الغطاء عن التوجهات العنصرية والشوفينية للنظامين السوري والتركي، حيث إن فرق الإغاثة كانت تتوجّه إلى المناطق ذات الأغلبية التركية، وبقيت المناطق ذات الأغلبية الكوردية تحت الأنقاض، وبررت ذلك بكبر حجم الكارثة، وكذلك النظام السوري لم يعر أي اهتمام بالمناطق الشمالية، وكأن الشمال السوري ليس جزءاً من سوريا، ركز فقط على المساعدات وفك الحصار والعزلة عن نظامه المعاقب، وتعويض الانهيار الاقتصادي في اقتصاد البلدين في تركيا وسوريا، فهي جاءت للنظامين كبلسم للجراح في حين إن الشعب المنكوب يعاني الأمرّين. لذلك وكما اقترحت معهد هدسون على الحكومة الأمريكية، وهي محاولة دمج منطقتي النفوذ الأمريكي والتركي في سوريا حتى تنعم المنطقة بنوع من الاطمئنان، والنظام السوري نفسه لم يعد يهتم بالشمال والشمال الشرقي من سوريا، وهمُّه الوحيد هي مناطق سوريا المفيدة، وهو يعرف حق المعرفة بأنه لا يستطيع استعادتها إلى الحضن السوري، حتى لو ساعدته جميع دول التحالف الشرقي، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تخرج من كوردستان العراق وسوريا، والشعب الكوردي يريد بقاء القوات الأمريكية إلى أجلٍ غبر مسمى».
يرى ملكي: «أنه يتوجب على القوات الكوردية الفاعلة والأحزاب السياسية في كلٍ من كوردستان العراق وسوريا رص الصفوف، وتقوية الجبهة الداخلية، والوقوف بجدية أمام هذه التغيرات المصيرية التي تجتاح المنطقة نتيجة صراع القوى العظمى، فاليوم ليس وقت النضال الديمقراطي مع الأنظمة الغاصبة، وإنما يوم مناطق النفوذ للقوى العظمى، يوم الاستقلال غير المعلن، ويوم تغيير الاستراتيجيات والتفكير بجديّة، ودراسة الوضع بدقة، فهذا اليوم هو يوم الشعب الكوردي المضطهد. ضعوا أيديكم على ضمائركم وناضلو من أجل الحقوق المشروعة للشعب الكوردي، كفاكم توسلاً للعنصريين والشوفينيين من أجل مكاسب عينية، فالشعوب المستعمرة للكورد لم يعتبروا الكورد جزءاً منهم، بل حاولوا محو الكورد من الوجود، ويهلهلون حتى لكارثة طبيعية طالما تقتل الكورد، فكيف لنا أن نتحد مع هذه الشعوب؟».

تدافع الدول المتصارعة على المنطقة يوحي بتغيير قادم
تحدث نائب سكرتير حزب الشعب الكردستاني – سوريا، هجار علي لصحيفة «كوردستان»، بالقول: لا شك أن منطقة الشرق الاوسط الحيوية تشكل أهمية بالغة لدى الدول الكبرى المتصارعة وخاصة اوروبا وامريكا وروسيا والصين لموقعها الجيوسياسي، واعتبارها مهد الحضارات تاريخيًا والديانات الابراهيمية، وغناها بالمياه والاثار وخصوبة أراضيها، واحتوائها على احتياطات هائلة من النفط والغاز، وتعد منطقة الاتصال بين القارات، وخط الربط بين الشرق والغرب، وتتحكم بخطوط الملاحة البحرية، هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى مهمة وحديثة - السلاح النووي، قضية الارهاب، أمن إسرائيل - ولما للعولمة من دور بفعل التطورات الهائلة في ثورة التقانة والمعلوماتية والتكنولوجية، التي جعلت من الكرة الارضية قرية صغيرة اصبح العالم فيها أكثر اقترابا من بعضهم البعض وقد كان لأحداث ١١/ايلول ٢٠٠١ الأثر الكبير في مدركات الدول، وخاصة أمريكا وأوروبا في جعل مكافحة الإرهاب مصدر الاهتمام الرئيسي مع الحفاظ على الصراع مع القوى الدولية الأخرى، ونجحت مؤسسات صنع القرار في الدول الكبرى إلى إقناع دولها بالتحرك نحو الموقع بنفسها وترك الاستعانة بغيرها كما كان في السابق، وما التواجد الحقيقي لتلك الدول في المنطقة وإدارة ملفاتها حسب مصالحهم الاساسية إلا دليل هذا الاهتمام».
يتابع علي: «مع تدافع الدول المتصارعة على المنطقة، واتساع رقعة الأهمية في سياق النظام العالمي الجديد الذي تلا حرب الخليج، وتبلور ملامح الربيع العربي مبشرة بتغيير قادم لا محالة على كافة الاصعدة. بدت دول إقليمية مثل إيران وتركيا للهروب إلى الأمام في احتواء ما يستجد أو كسب المزيد من الأوراق واستثمارها مستقبلاً للخروج بنتائج مرضية، في الوقت الذي تجتر الدولتان أحلامهما القديمة الجديدة في إقامة إمبراطوريتهما الصفوية والعثمانية، ويأتي هذا التمدد الحاصل من الدولتين على حساب شعوب المنطقة، في ذات السياق حيث تسعيان دائمًا على تعزيز تواجدهما في سوريا، بالاستفادة من التناقضات القائمة بين القوى والمصالح الدولية (أمريكا - روسيا)، وتستغل إيران الوضع في سوريا وموقعها الجيوسياسي في تفاعلات النظام الإقليمي بما يخدم مصالحها، ويقوّي بما تلوح بها من ورقة هامة (معاداة اسرائيل)، والضغط على أمريكا، لِما لها من ميليشيات منتشرة في مختلف المناطق والمحافظات التي تسيطر عليها النظام في سوريا، ويحافظ على تواصلها مع حليفها حزب الله في لبنان، رغم ان هذا التواجد يواجه تحديات كبرى، لأن تقويض إيران وتحجيم دورها أضحى هدفًا مشتركًا لمعظم الفاعلين في الشأن السوري، كما يبدو أن هناك توافقاً غير معلن على السماح لإسرائيل بضرب واستهداف تحرُّكات وقواعد طهران المنتشرة على الأراضي السورية، وهذا ما يحدث على الدوام بين الحين والآخر».
يضيف علي: «بقي الشعب السوري بكل مكوناته رهيناً للمصالح الإقليمية والدولية بعد تعرّض بلاده لتجاذبات وتدخلات إقليمية ودولية، ومورس بحقه أبشع أنواع الظلم والقتل والدمار والاعتقال على يد نظام اختار الحلول العسكرية دون سواه، ولم يكترث بالقرارات الدولية بل عطلها اعتماداً على داعميه، وخاصة القرار الأممي 2254 الذي يؤكد على الحل السياسي. ما يفسر من ذلك تراجع المجتمع الدولي عن الاهتمام بالملف السوري، وحصره في الناحية الإنسانية فقط، وخاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا بفعل تجاذبات المصالح المحتدمة بين المتصارعين في حرب عالمية غير المعلنة وغير المعلومة النتائج. أما الدمار الذي خلفته الزلازل في بعض المناطق من البلاد وخاصة جنديرس وعفرين المحتلتين من قبل تركيا، فقد أودت بحياة الآلاف من المواطنين، وتدمير عدد كبير من المنازل، ما يضع المجتمع الدولي أمام المحك مرة أخرى في سوريا، لتقديم يد العون لهم في المسكن والمشرب والصحة لمن بقي منهم على قيد الحياة، وهنا لابد من ذكر وتقديم كل الشكر والثناء لـ (خير خوازيا بارزاني) التي اسعفت المنكوبين منذ بداية الكارثة الزلزالية، وأوصلت إليهم ما بوسعها من الخيم والمؤن والدواء والفرق الطبية بلفتة مخلصة نابعة من أعماق الكوردايتي للرئيس الموقر مسعود البارزاني».
يؤكد علي: «أن معاناة السوريين زادت فوق ما كانوا يعانون في ظل الظروف المعيشية الصعبة من غلاء الاسعار، وتدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار، واتساع دائرة الفقر لأعلى مستوياته مما ينذر بكارثة حقيقية لا يُحمد عقباها. وفي سياق الوضع السياسي تعمل روسيا على حصول تقارب بين تركيا والنظام، وتحاول تركيا استثمار ذلك في انتخاباتها المقبلة، كما تُشجّع روسيا الحوار بين الدول العربية والنظام، بغية إعادة تأهيله وتعويمه، ويأتي قرار زيارة البرلمانيين العرب إلى دمشق في هذا السياق، ويشاهد من جهة أخرى زيارة المسؤولين الأمريكيين إلى دول المنطقة، وخاصة زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية إلى إحدى قواعدها في شرق الفرات، وإن دلَّ كل هذه التحركات من الطرفين الأمريكي والروسي على شيء إنما تدل على رسائل تُقابل بعضها البعض، وتصب في خانة الصراع الدولي من أوكرانيا أولا إلى الصين واليمن وإيران وباقي مناطق الإحتدام في العالم».
يشير علي: «كورديًا نحن بحاجة ماسة إلى وحدة الصف والموقف الكورديين في هذه الظروف الحساسة والدقيقة أكثر من أي وقت مضى في ظل الظروف التي تمر بها المنطقة وما يعانيه شعبنا الكوردي. يترتب على pyd الكف عن سياساتها الاستفرادية، وممارساتها في ملاحقة واعتقال أعضاء المجلس الوطني الكردي. والعمل مع شركائنا من مكونات البلد في الوصول إلى الحل السياسي وفق قرارات الشرعية الدولية، بما يضمن حقوق شعبنا في دستور حضاري يليق بتضحيات السوريين، في الوقت الذي تشير معظم القرائن إلى عدم حصول حل سياسي وفق القرار الدولي 2254 ومسارات جنيف واللجنة الدستورية في المدى المنظور، وبالتالي يبقى الركون إلى مناطق النفوذ وسط تراجع المجتمع الدولي عن أولوية الملف السوري وأهميته، وهذا ما يزيدنا معاناة».

التحركات الأمريكية إيحاء بأنها الدولة الوحيدة القادرة على خلع الأنظمة وتغيير الحدود
تحدث الكاتب والشاعر، محمد شيخو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «غيوم تمطر حليبًا، هذا لسان حال الدول التي تستعمر المنطقة استعماراً مباشراً، وغير مباشر مثل أمريكا وروسيا وتركيا وإيران. أبناء المنطقة من كورد وعرب وفرس وترك، كمن تسحبه دوامة الجنون، لا يتلمسون أبعد من أنوفهم!!!، ولا يدركون أن مخططات وخرائط تضعها مراكز الأبحاث الاستراتيجية للدول الكبيرة، بما يحفظ ديمومة التدفقات المالية والنفطية وكلّ الموارد الهامة لهم. لأول وهلة يحس المرء أن أمريكا وإيران في تناقض مريب، وكأن الحرب ستبدأ اليوم قبل الغد، ويستمر هذا الحال بين شد من الدول والغربية ورخاوة من نظام الملالي، حتى إذا تلمّس حكام الخليج رؤوسهم متشبثين بكراسيهم، فإن ملياراتهم تذهب قربانًا لخوفهم من غزو إيراني وشيك. عملياً إيران مهمة لأمريكا والغرب، وتأتي درجة الأهمية بعد إسرائيل، وذلك لأن الدور الموكل لها محدد بأزمنة وأمكنة يشار إليها عبر تفاهمات متفق عليها».
يتابع شيخو: «وما التحركات التي يقوم بها المسؤولون الأمريكيون إلاّ إيحاء لكل الأطراف أن أمريكا هي الدولة الوحيدة القادرة على خلع الأنظمة وتغيير حدود الدول. حيث أرادت بعض الدول الخليجية الاستهانة بالدور الأمريكي، ومحاولة توجيه بوصلتها نحو روسيا والصين بعد حرب روسيا على أوكرانيا، ومطالبة أمريكا دول الخليج الفارسي لسد حاجة السوق العالمية للنفط والغاز وتلكؤ هذه الأخيرة في ذلك. الأمر جلي ونفاق الغرب لا يضاهيه أي مثيل بالنسبة لما يجري في إيران، حيث كرة الاحتجاجات تتدحرج ومعها يزداد الغليان الشعبي من كل أطيافه، إلا أن الغرب خذله فلا دعم حقيقي له لإسقاط حكومة الملالي».
يضيف شيخو: «القصف الإسرائيلي لبعض المواقع في سوريا هو تأكيد لإيران أن عليها عدم تجاوز الحدود المسموح لها والمرسومة حسب مصالح الغرب، وهي نتيجة حقدها على منجزات الكورد تقوم بقصف جنوب كوردستان، وتوحي مرات عديدة وعبر وكلائها بتقسيم كوردستان، محاولة شطر هذا الحلم الكوردي نصفين. النظام التركي الخاسر/ الرابح الأكبر في هذه المعمعة، سواء في الإقليم أو في الساحة الدولية نتيجة لعبه على الحبال المتعددة والمتشابكة، وهو البادي مهرولًا نحو دمشق، أتته فرملة قوية من أمريكا، وساعد الزلزال في ذلك والانتخابات على الأبواب وأصوات المناطق المنكوبة وهي بمعظمها كوردية هي الفيصل في فوز أي طرف. وكي لا ننسى أعمال مرتزقتها في عفرين من سلب ونهب وأتوات واستيلاء على بيوت وأرزاق السكان الكورد أصحاب الأرض الأصليين، فإنها تغضُّ الطّرف على أفعالهم الشنيعة. زيارة رئيس الأركان الأمريكي إلى قواعد قواته في سوريا وربما لقائه ببعض مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية رسالة إلى الكثير من الأطراف وخاصة تركيا التي رفعت عقيرتها واستدعت السفير الأمريكي لديها طالبة استفسارات منه. من الواضح أنه لا انسحاب أمريكي من العراق وسوريا إلا بعد ضمان كل مصالحها، وتنفيذ خططها وبرامجها».
يردف شيخو: «بالحديث عن الوضع الكوردي في أجزاء كوردستان الأربعة ولو بعجالة وتكثيف، حيث تشتت القوى السياسية الكوردية جعلها رهينة الدول الغاصبة لكوردستان والعكس أيضا صحيح، إلا أنها تبدو مستلبة الإرادة. رغم حث الدول الغربية لها بتوحيد صفوفها!!!!، والجدير بالذكر هنا أن تفويت الفرصة وبدعم ضمان أمريكي للاتفاق بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكوردي يضع مصداقيتها على المحك، سواء على المستوى الشعبي التواق لوحدة الصف أو على المستوى الدولي، حيث ستتضاءل الفرص من الاستفادة من رياح التغيير والمستجدات. بالنسبة لوضع سوريا فهو مرتبط بما يجري بين الدول العظمى من تناحر، وبمعزل عن أمريكا، وتنفيذ القرارات الدولية، فإن الحديث عن أي إنفراج محض هراء».

أخيراً:
ما يظهر جلياً، أن الأحداث تسير وفق ما تقتضيه مصالح الدول الكبرى، وليس للشعوب المتضررة وخاصة الشعب السوري أي حل قريب، اللهم إذا حدث تضارب للمصالح بين روسيا وأمريكا، قد تكون آنذاك بوادر الحلحلة للمشكل السوري والسير نحو الانفراج.