عشر سنوات وما زال السوريون مسلوبي الإرادة

               عشر سنوات وما زال السوريون مسلوبي الإرادة



عزالدين ملا

الثورة..الأزمة.. القيامة السورية دخلت عامها العاشر والتي كانت في البداية ثورة حقيقية أشعلها السوريون ضد نظام فاشي استبدادي الذي جعل من سوريا مزرعة لبيت الأسد.
بعد مرور تلك السنوات ذاق الشعب السوري الويلات من دمار مدنه وقراه وقتل المئات الآلاف من المدنيين وتهجير الملايين إلى دول الجوار وإلى المهاجر الغربية، ونزوح الملايين عن مناطقهم إلى مناطق أخرى ضمن الخارطة السورية.
في بداية كل عام تزداد وتيرة التحركات الدولية والإقليمية وكأنَّ الوضع نحو الحلحلة، ولكن مع مرور الأشهر تنخفض هذه الوتيرة وتزداد معاناة السوريين.
خلال هذه الفترة الطويلة تعددت المؤتمرات وكثرت الاجتماعات وازدادت الدول المتدخلة في الشأن السوري، حتى باتت سوريا ملعباً يضرب كل واحد منهم ركلة بإتجاه مرمى خصمه.
أصبحنا نحن السوريون غرباء في بلدنا وأصبح الغريب واللئيم والسارق والفاسد وطنياً ومناضلاً.
1- كيف تقيّم الوضع السوري بعد عقد من الزمن وطنيا وإقليميا ودوليا؟
2- ما أسباب استمرار هذا الوضع حتى الآن؟
3- لماذا تخاذل المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية وغضَّ الطرف عن كل ما جرى ويجري في سوريا؟
4- هل تتوقعون إنتهاء الأزمة السورية قريبا، أم لا؟ ولماذا؟



انتهاء الأزمة السورية مرهون بتفاهمات دولية وإقليمية

تحدث عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، محمد علي إبراهيم لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «الانطلاقة الأولى للثورة السورية ضد الظلم والاستبداد بدأت في 15 آذار 2011، التي كانت في بدايتها احتجاجات سلمية تطالب بالحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الإجتماعية، وأخذت طابعا جماهيريا سرعان ما انتشر ليشمل الجغرافيا السورية، واستمرت الثورة في نهجها السلمي إلا ان النظام وبأساليبه الأمنية اللعوبة تمكن من دفعها للعسكرة وجرِّها نحو العنف، وتحولت المظاهرات السلمية فيما بعد إلى ثورة مسلحة وبفعل فاعل في طول البلاد وعرضها ودفع السوريون الثمن غاليا. ـ وطنيا وصل عدد الضحايا في الأرواح البشرية مئات الآلاف، وتكشف الإحصائيات عن وجود أكثر من 3 ملايين طفل سوري خارج المدارس، هؤلاء يعيشون مع أهلهم في مناطق النزوح واللجوء التي تضم نحو 13 مليونا. ـ إقتصاديا تدمير البنية التحتية وتقدر تلك الخسائر بأكثر من نصف ترليون دولار، وارتفاع معدل الفقر ذروته أكثر من 90 في المائة وإرتفاع كبير في معدلات البطالة، ونتيحة الإزياد في حالة الفقر وتدهور قيمة الليرة السورية وحالة البطالة في أوسع اشكالها، إزدات عمليات السرقة والنهب والجرائم في البلاد. ـ إقليمياً منذ بدء الثورة السورية سعت الدول الإقليمية التدخل في الشأن السوري وتراوحت وفق مصالحهم في المستقبل السوري بين داعم للنظام وبكل قواه عسكريا ولوجستيا، وبين داعم لبعض أطراف المعارضة المختلفة في توجهاتها وبألوانها المتعددة وفق أجندات تلك الدول الإقليمية. ـ أما دوليا ليس أقل تناقضا من الدول الإقليمية وفق الأجندات والمصالح الآنية أحيانا وحول مستقبل سوريا والذي يكتنفه الغموض والضبابية كما هو الحال في موقف التحالف الدولي بقيادة أمريكا الذي يترنح في إتجاهات عدة هذه من جهة، ومن جهة أخرى الموقف الروسي المتشدد بالدفاع عن النظام وبقائه».
يتابع إبراهيم: «نظراً لموقع سوريا الجغرافي والاستراتيجي بين الدول التي تحيطها من مختلف الجهات حيث إسرائيل من الجنوب الغربي، ومن الشمال الدولة التركية وعلاقاتها المميزة مع ثقل المعارضة، والأذرع الإيرانية في كل من لبنان والعراق عدا عن حضورها المميز وبكل قواها المادية والعسكرية في سوريا، والدعم الروسي لبقاء النظام، ومن جهة أخرى المعارضة غير المتجانسة وخلافاتها المعقدة في الرؤى حول مستقبل البلاد وإيجاد البديل، والموقف من المكونات الرئيسية في البلاد (ومنهم المكون الكوردي) التي يتألف منها المجتمع السوري، إضافة إلى القوى الدولية التي لا تزال لم تحسم الموقف بشكل جدي من طرفي المعادلة، المعارضة والنظام، مما سبق وما يحمل الوضع من تعقيدات شائكة، وتظاهر النظام بمحاربة الإرهاب المختلقة وعدم جدية الدول التي أدعت في البداية أصدقاء الشعب السوري وتخاذلهم باستمرارية التأييد والوقوف إلى جانب معاناة السوريين وتغليب مصالحهم على إيجاد الحلول، مما زاد من غطرسة النظام وعدم إلتزامه بالقرارات الدولية وإطالة عمره، وبات واضحا أنهم يديرون الأزمة في البلاد.
يضيف إبراهيم: «إنتهاء الأزمة السورية عاجلا أم آجلا بات مرهونا ضمن التفاهمات والتوافقات بين الدول ذات النفوذ في الأزمة السورية، الولايات المتحدة ودول التحالف من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى. والدور التركي الذي اتخذ من أخطاء pyd القاتلة والتي خدمت الاجتياح التركي في عفرين وكري سبي وسري كانييه الذي أدى إلى تهجير مئات الألوف من أبناء الشعب الكوردي إلى مناطق النزوح والهجير، واذا لم تتغير مواقف الدول ذات الصلة بالوضع السوري سنرى العديد من مؤتمرات جنيف وأستانا وسوتشي وإجتماعات اللجنة الدستورية».


المشكل السوري، التعامل على اساس إدارة الأزمة وليس حلها

تحدث منسق مكتب العلاقات الخارجية والدبلوماسية لجبهة السلام والحرية وعضو هيئة التفاوض، حواس عكيد لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «تبنّي النظام السوري سياسة الأسد أو نحرق البلد، التي جلبت الويلات للوطن السوري وأدت إلى انتهاك السيادة نتيجة تدخل العديد من الدول في الشؤون الداخلية للبلاد، ولم يعد للأسد ونظامه أي سيادة فعلية على سوريا التي أصبحت تحت سلطة الدول التي تتصارع على مصالحها، وتوجّه بوصلة مصير السوريين وفق أهوائها غير آبهة بمعاناة الشعب الذي أصبحت مأساته من أكبر المآسي في العالم بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. وتحوّلت سوريا بسبب خيار القمع الوحشيّ للثورة مثالاً للعالم لدولة اللادولة الرازخة تحت العدبد من الاحتلالات والعقوبات، وأصبحت مثالاً سياسياً لتخلّي العالم عن شعب طالب بالحرية. وعلينا ألا ننسى أن البعض من أدّعى الثورة رضي لنفسه أن يكون مرتهناً بيد قوى دولية ويعمل تحت امرتها بشكل مباشر».
يتابع عكيد: «هناك العديد من الأسباب التي أدت الى استمرار الوضع على ما هو عليه منها داخلية ومنها دولية وإقليمية ومن الأسباب الداخلية استمرار النظام بالحل العسكري وتعطيل جميع المبادرات والقرارات الدولية للمضي قُدُماً بالحل السياسي وغياب الرؤية السياسية الواضحة لقوى المعارضة وإرتهان قسم منها لأجندات خارجية بالإضافة إلى تعدد الفصائل والولاءات حسب الجهة الممولة، ناهيك عن دخول العديد من المنظمات الإرهابية مثل داعش والنصرة وكذلك الميليشيات الطائفية وسيطرتها بشكل فعلي على الأرض السورية، كما أن الدول المسيطرة على الأراضي السورية لم يعد يهمها الحل السياسي لأنها تعدُّ بأنها حصلت على حصتها من الكعكة السورية، وتتعامل مع ملف السوري من منطلق إدارة الأزمة لا أكثر».
يعتقد عكيد: « رغم إتفاقهم بشكل نظري على الحل السياسي في السوري ولكن هناك إنقسام واضح بين المواقف الدولية وتفسيراتهم للقرارات الدولية المتعلقة بالوضع السوري ولاسيما القرارين ٢١١٨ و٢٢٥٤، بين الدول الداعمة للنظام وبقية الدول وما رافقه من خلافات بين مواقف الاجسام المعارضة، بالإضافة إلى بروز دور المنظمات الإرهابية وتقاسم مناطق النفوذ في سوريا بين الدول، وهذه الملفات تعد مكملة لملفات خارج سوريا مثل الصراع على الإستثمارات في البحر المتوسط وخطوط الغاز ووضع ليبيا واليمن وغيرها، مما دفع الدول المؤثرة في الشأن السوري إلى البحث عن مقايضات على حساب مصالح الشعب السوري غير آبهة باولويات سوريا كدولة ذات سيادة».
يختم عكيد: «لا يُخفى على أحد أن الحل في سوريا أصبح دولياً، وكما قلنا هناك العديد من القرارات الدولية التي صدرت حول الشأن السوري، وهناك اختلاف في وجهات النظر حول تفسير هذه القرارات، فهناك من يقوم بالتسويق للنظام ويحاول تعويمه، وهناك من يؤكد على ضرورة محاسبته، وأعتقد هناك عاملان أساسيان إن تم العمل عليهما فإنهما ستؤثران إيجابياً على الدفع بالعملية السياسية وإنهاء معاناة الشعب السوري، العامل الأول هو أن تعيد القوى الوطنية الديمقراطية السورية النظر في مسيرتها وضرورة صياغة رؤية سياسية وطنية تتضمن حقوق كل السوريين القومية والسياسية والثقافية افراداً وشعوباً والاستفادة من أوراق القوة الموجود، والابتعاد عن ذهنية التفرد والاقصاء والعمل على إعادة الثقة بينها وبين الحاضنة الشعبية، والعامل الثاني هو ان تصل أمريكا وروسيا بالدرجة الأولى بالإضافة إلى بعض الدول المؤثرة في الشأن السوري إلى توافق للدفع بإتجاه تطبيق القرارات الدولية. واستناداً لما سبق لازال الحل السياسي بعيد نوعاً ما طالما يتم التعامل على اساس إدارة الأزمة وليس حلها».



نوعية الحل وشكل سوريا المستقبلي هو الأهم

تحدث العميد المهندس، محمد رجب رشيد لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «الوطن ليس مجرد أرض نعيش عليها، بل هو كرامة وانتماء وحقوق وواجبات، ومن المفروض أن يكون هو الجامع لجميع أبنائه بغض النظر عن أي انتماء آخر، ولكن ومع الأسف كانت الوطنية شبه غائبة عن حياة السوريين، والحاضر هو القومية والدينية والمذهبية والطائفية. رُبّ قائل هنا: وماذا عن المواطنة؟ ألم تكن موجودة وجامعة؟ نعم كانت موجودة ولكنها ليست جامعة، بسبب الفوارق بين المواطنين على أُسس قومية أو طائفية. مِمّا يعني أنّ المواطنة لوحدها غير كافية ليشعر كل فرد في المجتمع بانتمائه إلى وطن يحميه، ويضمن له العيش الكريم. لو كانت المواطنة لوحدها ضامنة لما كانت للشعب السوري حاجة إلى الثورة. الآن وبعد عقد من الزمن يعاني جميع السوريين من آثار الحرب المدمِّرة التي أتتْ على كل شيء، حيث الدمار، الضحايا، القتل، الخطف، الاعتقال التعسفي، انتهاك الحُرمات، التهجير، النزوح، الفقر، الجوع،... إلخ، والأخطر من كل ما سبق هو فرط العقد الاجتماعي والعيش المشترك بين مكونات الشعب السوري، حتّى كادت الوطنية السورية تكون غائبة تماماً الآن عن حديث الناس وبرامج طرفي الصراع، وحاضرة فقط في المقررات المدرسية والخطابات والبيانات، مِمّا يجعل إعادة الاعتبار إليها تحتاج إلى معجزة، ولا أعتقد أننا نعيش زمن المعجزات.
إنّ تجاهل أمريكا ومعها المجتمع الدولي الملف السوري منذ البداية، وعدم إعطائها الأهمية التي كانت يستحقها نزولاً عند رغبة إسرائيل التي تريد أن تكون سوريا كما هي عليها الآن ضعيفة مفكّكة، لا يحكمها نظام ديمقراطي منتخب من الشعب ومسؤول منه. مِمّا شجّع إيران ولاحقاً تركيا على التدخل المباشر وغير المباشر عِبر أدواتهما في المنطقة في الشأن السوري لتحقيق أطماع استعمارية قديمة جديدة على حساب شعوب ودول المنطقة.
وإلى الآن الملف السوري لا يحتل موقع الصدارة في المنطقة من حيث الأهمية الدولية، هناك ملفات أخرى تأتي في المقدمة كالبرنامج النووي الإيراني، والاتفاقيات الابراهيمية بين إسرائيل وبعض الدول العربية، ثمّ الملف الليبي، مِمّا يعني أنْ الملف السوري شبه مُجمّد إلى أجل غير مسمّى».
يتابع رشيد: «إنّ غياب الإرادة الدولية للحل، وعدم استعداد النظام السوري منذ البداية وإلى الآن لتقديم أي تنازل باتجاه الانفراج، وغياب برنامج وطني حقيقي للمعارضة، ثمّ انحراف الثورة عن مسارها، كل ذلك كان له دور في تدهور الأوضاع يوماً بعد يوم نحو الأسوأ، وخاصة بعد التدخُّل العسكري الروسي عام ٢٠١٥م، وسماح المعارضة للدول الداعمة لها بالتدخُّل في شأنها الداخلي، بحيث أصبحت لكل دولة داعمة معارضة تابعة لها تأتمر بأوامرها وتنفذ كل ما يُطلب منها. في ظل مثل هذه الظروف من الطبيعي أن يستمر الوضع من السيئ إلى الأسوأ كما هو عليه الآن».
يضيف رشيد: «إنّ عدم وقوف أمريكا ومعها المجتمع الدولي إلى جانب الشعب السوري والشعوب العربية الأخرى التي ثارت من أجل الحرية، يعود لاستيراتجيتها التي تتعامل وِفقها مع دول المنطقة، والتي تتلخّص في أنّ وصول أنظمة ديمقراطية منتخبة من الشعب ومسؤولة منها إلى الحكم لا يخدم مصالحها في المنطقة. وحفاظاً على مصالحها تلك كانت ومازالت تدعم الأنظمة الديكتاتورية التي تستمد شرعيتها من الخارج بعيداً عن إرادة الشعب، وتنفذ كل ما يُطلب منها مقابل بقائها في السلطة، حتّى وإنْ كان ضد مصلحة شعوبها. بمعنى أنّ الوضع الذي كان سائداً قبل الربيع العربي هو الوضع المثالي والمُفضل بالنسبة لأمريكا وغيرها من الدول العظمى. والدليل على ذلك هو تجاهل المشروع الإيراني الهدّام في المنطقة.
يختم رشيد: «من خلال الأزمات والمشاكل السابقة التي مرّت بها المنطقة العربية، نلاحظ أنّ الحلول الذاتية الداخلية منها والعربية معدومة، والحلول إن وُجِدت غالباً ما تكون قادمة من الخارج، لو انتظرت الكويت الحل العربي لكانت محافظة عراقية إلى الآن. والحلول الخارجية غالباً ما تكون غير عادلة، ولها ثمن يدفعه أصحاب الأزمات.
وعلى الرغم من أنّ وضع حد لمعاناة الشعب السوري والتوصُّل إلى حل ما هو الآن مطلب جميع السوريين، إلّا أنّ الأزمة السورية ليست مستثناة من القاعدة السابقة، فالفجوة بين طرفي الصراع تتسع من يوم لآخر، وإمكانية الحل بمعزل عن المجتمع الدولي باتت معدومة تماماً.
نعم، نهاية الأزمة السورية لا بدّ أنها قادمة، ولكن لا يمكن التكهُّن بقربها رغم أهميته، ويبقى نوعية الحل وشكل سوريا المستقبلي هو الأهم. وهنا لا يمكن تجاهل التدخُّلات الإقليمية والدولية المباشرة في الشأن السوري، والتي تجعل من أي حل قادم لا يلبّي تطلعات الشعب السوري نحو الحرية، وتحقيق الأهداف التي كانت من أجلها الثورة، وسيأخذ بعين الاعتبار فقط مصالح الدول التي لها وجود عسكري على الأرض السورية، وعندئذ نكون أمام كارثة وليس حل. إلّا اذا كان لإدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن رأي آخر في وضع نهاية للأزمة السورية، وتحديد شكلها المستقبلي على نحوٍ يُرضي الطرفين».


النظام والمعارضة على حدٍ سواء هم في أضعف مراحلهم ومنبطحين للخارج

تحدث مسؤول منظمة الحزب الديمقراطي الكوردستاني - سوريا في الدانمارك، يوسف سليمان لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «تشكلت الدولة السورية في ظل الاحتلال أو (الإنتداب) الفرنسي في العشرينيات من القرن المنصرم من دون أخذ رأي مكوناته وتمت ترسيم حدودها حسب مصالح دول الحلفاء وخاصةً الإنكليز والفرنسيين، وضم العديد من القوميات والطوائف والمذاهب قسراً في بوتقة دولةٍ مصطنعة بالرغم من إرادتهم وبدأت تتشكل ملامح دولة ومؤسسات بإشراف وتعليمات الفرنسيين واستمر الوضع حتى بعد جلاء المستعمر الفرنسي على ما هو عليه تقريباً مع بعض من هوامش الديمقراطية والحياة البرلمانية حتى بداية الستينيات، ومع انقلاب حزب البعث والاستيلاء على السلطة شهدت سوريا تحولات نوعية وعنصرية مقيتة في إدارة حكم البلاد، وتمت محاولات صهر واضمحلال باقي المكونات في بوتقة القومية العربية بالقوة والإكراه، ونجحت إلى حد بعيد مع معظمها إلا انها فشلت مع القومية الكُردية بالرغم من جميع الممارسات والإجراءات العنصرية والمنافية للقيم الإنسانية والمعاهدات الدولية من (إحصاء وحزام) وإلخ ودفع الشعب الكُردي فاتورة صمودهم في وجه دكتاتورية البعثيين وآل الأسد من تهميشهم وتفقيرهم وتهجيرهم وتجريدهم من الجنسية السورية والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم وإزدادت وتيرة هذه الإجراءات والممارسات العنصرية وغيرها بعد الإنتفاضة الكُردية في سنة 2004».
يتابع سليمان: «في الربع الاول من سنة 2011 بدأت شرارة الثورة السورية السلمية كنتيجة طبيعية للضغوطات الممارسة على عموم الشعب السوري منذ أكثر 60 عاماً وتزامناً مع رياح التغيير والربيع العربي الذي شهدها بعض دول المنطقة كتونس ومصر وليبيا إلخ، وتحت تأثير العولمة والتكنولوجيا المتطورة ومواقع التواصل الإجتماعي وسرعة نقل المعلومات والأحداث ونضوج مقومات الإنتفاضة، خرج الشعب السوري مطالباً بالحرية والتغيير والعيش بكرامة أسوة بباقي شعوب العالم وبدلاً من أن يستجيب النظام الدكتاتوري القابع في دمشق إلى مطالب الجماهير المنتفضة بشكل سلمي أصرَّ بالتوجه إلى الحلول الأمنية والقمعية وإلى عسكرة الإنتفاضة والثورة الشعبية وبدأت قواته الأمنية بقتل المتظاهرين السلميين وسرعان ما تحول إلى حرب ضروس بين جيش بكامل عتاده وبين شعب أعزل لا يملك إلا صوته مهاتفاً بالحرية والكرامة والآزادي، وبدأت دول العالم الحر تتعاطف وتساند الشعب السوري في معاناته ومآسيه وبدأت المساعدات المادية واللوجستية وعقدت العديد من المؤتمرات الدولية، ودخلت الأمم المتحدة على الخط لإيجاد حل للأزمة والمعضلة السورية، لكن النظام وحلفاءه لم يتعاونوا مع الإرادة الأممية، والمعارضة لم تكن تملك من القوة لفرض شروطها، بعد فترة وجيزة بدأت مسار الثورة السورية تتغير نحو الأسوأ عندما تدخلت الدول الإقليمية والكبرى فيها كلٌ حسب مصالحه، وأصبحت سوريا ساحة حرب مفتوحة بالوكالة بين الدول الكبرى والإقليمية في العالم، وتم خطف الإنتفاضة والثورة من أصحابها الحقيقيين وركبها السلفيون واللصوص والمرتزقة. ولكن نقطة الفصل كانت بعد التدخل الروسي المباشر والمساند للنظام الدكتاتوري المجرم في دمشق وقبلها إيران وعصابات حزب الله اللبناني الإجرامية والمليشيات الشيعية العراقية والأفغانية حينها فقط ترجّحت كفة الميزان لصالح نظام الدكتاتور بشار الأسد بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط بعد وصول الثوار إلى ضواح دمشق العاصمة. ولا ننسى أن المعارضة أيضاً ارتهنت للخارج وفقدت القرار والإرادة وإنحرف الجيش السوري الحر إلى مجموعات من اللصوص والمرتزقة بعد استشهاد الضباط الأحرار أو عزلهم وتدخلات الدول الإقليمية والإستيلاء على قرار المعارضة وخاصةً تركيا وقطر والسعودية، وتمَّ أسلمت الثورة وتشكيل مجموعات وفصائل بأسماء جهادية وإسلامية مما شوهت سمعة الثورة السورية السلمية، وزاد الهوة بينها وبين الجماهير من ناحية وبينها وبين العالم الحر الداعم لها من ناحية آخرى، بعد أن أصبح في فترة ما أكثر من مائة دولة منها الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الاوربي وإلخ مساندة وداعمة وتعترف بشكل رسمي وشرعي بالمعارضة السورية وتقر بعدم التعامل مع نظام دمشق الفاقد للشرعية الدولية والأخلاقية».
يضيف سليمان: «الأزمة السورية أصبحت الآن أزمة ومشكلة دولية، وأصبح النظام والمعارضة مرتهنين للخارج ومسلوبي الإرادة وللخروج من عنق زجاجة الأزمة السورية لابدّ للأطراف الدولية الفاعلة على الأراضي السورية أن تصل إلى حل قبل السوريين أنفسهم ويأتي في المقدمة منها ضرورة التوافق بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبعدها يجب التوافق أو إرضاء تركيا وإيران والسعودية كلاعبين إقليميين مهمين، ولهم اليد الطولى في الداخل السوري نتيجة ارتباطهم العضوي مع فصائل مسلحة تؤتمر بأوامرهم. عندها فقط يمكن أن نتفاءل بفتح ثغرة في ليل ظلام سوريا الدامس.
يختم سليمان: «أخيراً وليس آخر وبعد كل ما يتم التوافق أو الإتفاق عليه بين الدول الكبرى والإقليمية يجب وبالضرورة أن تمر على طاولة الإسرائيليين، ويكون لهم نصيب الأسد من الكعكة السورية وإلا لم ولن تنتهي الأزمة، والمعضلة السورية ولن تقوم لسوريا قائمة إلا بعد ختم إسرائيل على الإتفاقية النهائية ولو بعد حين».
الخاتمة:
بعد مرور هذه السنوات العشر، وما زال الوضع السوري يتّجه نحو الأسوأ، وما زالت الحلول السياسية ليست من أولويات المجتمع الدولي، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الذي يسير نحو القضاء على ما تبقّى من السوريين. هنا يتطلب من السوريين أنفسهم التكاتف والتراصص ليس من أجل إنهاء هذه الأزمة لأنها لم تعد في أيديهم، ولكن العمل معاً للحفاظ على ما تبقّى من كرامة وعزة المواطن السوري من خلال وضع خطط مرحلية لتحسين الوضع المعاشي للسوريين جميعا دون استثناء.