الحوار في زمن الكوليرا؟!

الحوار في زمن الكوليرا؟!

علي مسلم

قيل في الماضي إن ثمّة امرأةً مات زوجها ذات يوم، وترك لها إرثاً من الفقر والفاقة، وخمسة أطفال صغار. كانت تعمل ليل نهار من أجل إطعامهم، لكنهم خمسة، ويحتاجون إلى الطعام على مدار اليوم، وفي أحد الأيام من أيام الشتاء انقطعت عن العمل بسبب المطر، احتارت فيما تفعل، سيستيقظ الأطفال بعد قليل، لم يكن أمامها من أمرٍ سوى أن تطبخ لهم بعض الحصى، أوقدتِ النارّ على عجلٍ، وضعت قدر الماء على النار، ثم وضعت بعض الحجارة في القدر، وجلست تنتظرهم، استيقظ الجميع على جوعهم، قالوا بصوت واحد: أين الطعام يا أماه!! نحن جياع؟ قالت لهم الطعام على النار عليكم أن تنتظروا قليلاً، وراح الكثير، ولم ينته هذا القليل، لكنها كانت تزيد من الحطب حيناً، ومن الماء حيناً آخر، انتهى الحطب، وتبخر الماء، لكن الأطفال ظلوا يحدّقون في وجه أمهم، أما الأم فقد كانت تنظر إلى السماء بعين اليأس، كانت تنتظر شيئاً على قياس المعجزة.
أجل؟ هذه هي حال شعبنا الملهوف، ظل ينتظر ما سيتمخّض عن الحوار الذي تنبّأ به الجنرال المعتّر منذ عامين ونيف، وسيبقى على عهده ينتظر، لكن ماكينة الفرج لن تأتي، لقد ضاعت الماكينة بين الكهوف، أو ربما سقطت في عمق الخنادق المحفورة في الجيوب، أو أن سائقها قد ضلَّ الطريق كعادته، وسار بها نحو تخوم دمشق العروبة، فالمبعوث القادم من لاس فيغاس لا يحمل في جعبته سوى بعض الآمال المحشوة بالحصى، ما الذي تبدّل من جهتنا، حتى يبدلوا من اهتماماتهم بين ليلة وضحاها، إنّهم بارعون في صيد الضحايا، أما الضحايا الأبرياء فقد هرولوا نحو طاولة الحوار مرة أخرى، ظنّوا أنّ القادمَ الجديدَ قد بدّل نواياه، أو أن النخوة قد استيقظت في محراب وجدانه.
فهم على كلّ حال لا يملكون الكثير حتى يخسروه، وليس في كشكولهم شيء سوى بعض النّوايا الطيبة، ما زالوا على عهدهم يظنّون أن الأعمال تُبنى على النيات، فكما أن القصورَ لا تُبنى على الرمال، فلا فائدة مرجوة من أي حوار دون أن تمتلك ما يكفي من الأوراق تضعها في خدمة الحوار.
صدّق من قال:
إذا كنت تبتغي السلام عليك أن تتهيأ للحرب، ولا يمكن أن تكسب حرباً دون أن تمتلك الحراب .