الصمت الرهيب

الصمت الرهيب

سمير ميراني

كتب نيتشه إلى أخته إليزابيث :
أصبحت صامتاً لأن لا أحد منهم يستطيع فهم حديثي، إنه لأمرٌ رهيب أن تلتزم الصمت بينما لديك الكثير لتقوله.
عندما يقترب العقل الإنساني من الوعي والإدراك المعرفي وفهمه للحقائق يكون لديه الكثير من الكلام لقوله وكتاباتٍ لخُطّهِ، لكن ولسوء الحظ لا أحد يستهويه السماع أو الإصغاء والقراءة كما نريدها نحن.
لذا يلتجئ الإنسان إلى الصمت الهادئ !؟ رغم معرفتهِ للحقائق العلمية وامتلاكهِ لمشكاةٍ من الإدراك المعرفي والثقافي لكلماتٍ لا تنتهي عند فاصلة أو نقطة. لأن مسألة الرضا أو عدمه لا قيمة لها لدى المتلقي الذي يهمهُ قوت أهله على الإلمام بمعرفة الحقيقة.
للأسف لا أحد يأبه للمعرفة، والحقائق يجب ألا تقاس لدى القارئ بالمشاعر والتعصب المثقل بالأحقاد والشعور بعدم الثقة ونقصٍ في الضمير الإنساني، فهذا ما يسمى بعِلّة الأنا وقمة الأنانية .
لا ضير في ذلك طالما ثقافتنا ثقافة خطابية شعرية -تنثر فيها الهوى - أكثر ما هي ثقافة معرفية علمية .
نعم فنحن نكتب عن الأكل والسفر وسرد الأحاديث اليومية، في حين أن جُلّ الناس يعيشون تحت مستوى خط الفقر، ويحلمون بالسفر والأكل في المطاعم والسهر …
نعم، نحن نكتب عن العشق والياسمين في الوقت الذي يعاني منه ملايين البشر من البؤس والسَقم وضياع الروح والقيّم ، لماذا ؟ لنلهي الناس عن تطور العلم وتقدم الأمم، فهذا الرائج والمستحسن لدى المتثقف المتصفح بكل المقاييس والأحوال ومقبول لعامة العامة .
لا تطلبوا مني الكتابة بعد هذا !؟ فكيف الإلهام يأتيني وأنت الرقيب في الخفاء!! لن أخون قلمي ولن اهتك حرمة النحو والبلاغة .
لأننا نعرف إن العلم في وطني مجرد كلام وتفسيرٌ لما جال في خاطر الاجدادِ!؟ وإن تفاهة الكلام واللسان هو السلام ، وإن المعرفة شيء و الهُراء شيء آخر .
وإن السعادة لا تفنى بالعلم والكلام وإنما تُغنى بالوهم و الإجرام ؟ وإن مطالبة الحق بالقلم لمَضيعةً للزمان ، فكسب الثقة وتغيير الأحوال مازال بالقيل و الهيام و جمع الأخدان .
فما أجمل من نكران الذات في هذا الزمان!! وبعد كل هذه الحقائق ماذا تطلب مني أيها القارئ الفنان؟
حقاً لا أشتهي كثيراً من الكلام و قيلٍ وقال ! و إنما مزيداً من الصمت و الهدوء وراحة بالٍ في هذه الحياة .