الفرق بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني

الفرق بين المجتمع الأهلي والمجتمع المدني

أحمد مصطفى الرحبي

تتّسم علاقات المجتمع الأهلي بميزات المجتمعات التقليدية ما قبل الوطنية، من عائلية وعشائرية وقبلية وطائفية، التي تستند إلى روابط القرابة والجوار والمذهب والطائفة والعشيرة. بناه مغلقة، لأنّ الأقلية فيه لايمكن أن تتحوّل إلى أكثرية، على العكس من المجتمع المدني، ذي البنية المفتوحة، الذي يمكن أن تتحوّل الأقلية السياسية فيه إلى أكثرية سياسية. ولا بدّ أن نشير في هذا السياق إلى أنّ علاقات المجتمع الأهلي كانت تشكّل حماية للناس في مواجهة الغرباء ورموز الدولة السلطانية. إضافةً إلى روابط القربى والدين والطائفة والعشيرة، كانت هنالك روابط أخرى تجمع أهل الحرف والمهن وتنظّم العمل وعلاقات الإنتاج الحرفي والتجارة في إطار " الأصناف " أو "الطوائف" الحرفية.
بيد أنّ ما حصل في إطار المجتمع العربي في القرن الماضي من تغيرات في نظم الإنتاج والإستهلاك والتعاون والعلاقات الأسرية والمدينية، كما في طرق التعبير ونظم الأخلاق والمطامح والآمال، لم يكن انقلاباً شاملاً في بنية المجتمع، بل كان انتقالاً تدريجياً من بنى المجتمع التقليدي إلى بنى وعلاقات المجتمع الحديث. وممّا لاريب فيه أنّ زيادة الاستقلال النسبي عن الدولة، التي كان يتمتع بها المجتمع الأهلي وقيامه بأدوار التنظيم الاجتماعي والتعليم وتقديم بعض الخدمات الصحية والاجتماعية، عبر مؤسسات متجذّرة في التاريخ الاسلامي مثل الزكاة والوقف والزوايا والتكايا، قد زاد في تعقيد إشكالية العلاقات بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي. لكنّ هذه الإشكالية الناجمة عن قيام " المجتمع الأهلي " ببعض الوظائف والأدوار، خصوصاً في فترات ضعف أو غياب الدولة، لايعني التطابق ولا يبرّر التماثل بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي. إذ يطرح الآن، حصر استخدام مصطلح " المجتمع المدني " بالعصر العربي الحديث،على أن يستبدل به مصطلح " المجتمع الأهلي" بالنسبة للعصور العربية السابقة. ويتّخذ هذا التفريق أهمية تتجاوز البعد التاريخي بالنسبة لكثير من الباحثين الذين يرون أنّ العلاقات والخصائص الحاسمة في " المجتمع الأهلي "، هي - كما سبق أن ذكرنا - علاقات القرابة والمحلّة والمذهب والطائفة والعشيرة.. الخ، أمّا بالنسبة " للمجتمع المدني " فإنّ الخصائص والعلاقات الحاسمة فيه - كما أوردنا - تتمركز حول علاقات المواطنة وتتركّز فيها. هذا المزيج والخليط من المجتمع الأهلي والمدني معاً، هو الذي نتعرف عليه في حياتنا الاجتماعية الراهنة، بكل التعقيدات والمشكلات والتوترات والصراعات، التي تنطوي عليها مثل هذه الصيرورات التاريخية الانتقالية عادةً.
وقد خلقت هذه البنية المتراكبة تجادلاً بين المجتمع المدني والأهلي، ولكن بقدر ما نرسّخ أسس الدولة الحديثة على أساس مبدأ المواطنة والمساواة والديمقراطية وتحقيق التنمية والعدالة، بقدر ما يتوطّد دور المجتمع المدني، بحيث تندمج فيه أكثر فأكثر شرائح وأفراد من المجتمع الأهلي. فالجسم الأساسي لمن ينضوون تحت زعامات العشائر والطوائف والعائلات، هم من الشرائح المسحوقة، وبالتالي، فإنهم من أصحاب المصلحة بالعدل الإجتماعي. وكلما تعاظم دورالأحزاب الوطنية الديمقراطية والنقابات والإتحادات المهنية والفعاليات الثقافية والفكرية والروابط والجمعيات والمنظمات المدنية في تحقيق التقدم والنجاح في نشر الوعي والثقافة الديمقراطية وتعريف الناس بمصالحهم الوطنية والإجتماعية، كلما ازدادت نسبة الانتقال من بين صفوف المجتمع الأهلي إلى المجتمع المدني , ليساهم هذا التحول والإنتقال في تعزيز وتقوية القوى الوطنية الديمقراطية.