التطبيع التركي والإماراتي مع إسرائيل بين الاستراتيجية وتصفية الحسابات

التطبيع التركي والإماراتي مع إسرائيل بين الاستراتيجية وتصفية الحسابات

أبو بكر الأنصاري*

مرت العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربية بمراحل من السرية لدواعي بعض هذه الأنظمة، وانتعشت في جانب التنسيق الأمني ضد المعارضين، وهو ما أعطي نتائج عكسية على صورة إسرائيل في مجالات حقوق الإنسان وتراجع التعاطف الشعبي الغربي مع مظلومية ضحايا المحرقة النازية .
وفي التسعينات انطلقت عملية السلام ابتداء بمؤتمر مدريد ثم اتفاق أوسلو ووادي عربية، وكانت هناك موجة ركبتها بعض الدول التي كانت تعاني من تبعات مواقفها من حرب الخليج بعد غزو العراق للكويت عام 1990 عندما قامت دول خليجية بمعاقبة بعض البلدان على تظاهر شعوبها نصرة لصدام حسين الذي كانت له مواقف مساندة لبعضهم.
خلال الأسابيع الماضية شهدت أنقرة زيارة تاريخية للرئيس الإسرائيلي إلى تركيا واستقبال حافل رغم المحاولات الإماراتية طوال عقد كامل الاستقواء بالتطبيع مع إسرائيل ضد الدور التركي الداعم للربيع العربي وقرب جماعة الإخوان المسلمين نسبيا من أنقرة ودعم أبوظبي عبر محمد دحلان محاولة انقلابية في تركيا اتهم فيها أردوغان غريمه فتح الله غولن المقيم في أميركا .
ومن تجارب التطبيع الاستراتيجي الحالة الموريتانية زمن الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع حيث قررت إقامة العلاقات مع إسرائيل مستفيدة من التقدم في عملية السلام "توقيع اتفاق أوسلو ومعاهدة وادي عربة " وحصلت بلاده على رضا أميركا واستثمارات غربية وتدخل واشنطن لإصلاح علاقاتها مع دول الخليج التي كانت متوترة بعد حرب الخليج والمظاهرات المتعاطفة مع العراق وتدخل إسرائيل لحماية النظام من تبعات احداث عام 1989 بعد وقوع مشاكل عرقية إثر فشل محاولة انقلابية قامت بها حركة تحرير الأفارقة الموريتانيين FLAM وأصبحت موريتانيا حليف واشنطن في المنطقة المغاربية وبوصلتها في ملفات الساحل، ونجت من اتهامات أميركا للدول الإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر التي عانى منها حلفاء مثل السعودية وباكستان المهمتين استراتيجيا رغم القوة الشعبية للتيارات الإسلامية المناهضة لواشنطن في موريتانيا، وأصبحت في وضعية تقاوم فيها التدخلات الليبية والجزائرية والمغربية وكانت تتكلم مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ولقيت العملية التطبيعية الموريتانية استحسان اليهود الامازيغ القادمين من شمال إفريقيا لأنها أول دولة مغاربية تطبع مع إسرائيل .

استمر التطبيع رغم تحريك الأنظمة الإقليمية أدواتها الداخلية من تيارات قومية وإسلامية التي بالغت في شيطنة النظام والافتراء عليه وصلت احيانا لتلفيق صحيفة عربية تصدر في لندن ممولة من أنظمة مناهضة للتطبيع وتسويقها أكذوبة النفايات النووية الإسرائيلية حتى انقلاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز عام 2008 وبحثه عن شرعية دولية بعد تعليق الاتحاد الافريقي عضوية بلاده وبعد ضغوط من القذافي ووعود بإدماجه في المنظومة الأفريقية قطعت العلاقات الموريتانية الإسرائيلية مقابل 25 مليون دولار تلقاها الرئيس محمد ولد عبد العزيز من الزعيم الليبي واحتضانه واحتواء خصومه الداخليين الذين كانوا يحرضون ضد التطبيع زمن الرئيس الأسبق معاوية ولد الطابع.
الدول التي يمكن ان تطبع علاقاتها مع إسرائيل لأسباب استراتيجية وتدعم عملية السلام هي التي سبق أن خاضت حروباً معها مثل مصر وسوريا والأردن والعراق فهي شاركت بشكل أو بٱخر في حروب 1948 و 1967 و 1973 وأصبحت بحاجة لمعاهدة سلام وفق قرارات الشرعية الدولية "الأرض مقابل السلام" لأن الشراكة في السلام مهمة كالشراكة في الحروب أو الدول التي لديها جاليات يهودية تاريخيا قبل قيام دولة إسرائيل طردوا أو هجرهم الاستعمار مثل العراق واليمن وليبيا والمغرب والجزاىر وتونس، وتريد أن يكون تطبيعها ضمن عملية سلام على أساس حل الدولتين يدعم قيام دولة فلسطين على حدود 67 لتتمكن من التواصل مع جالياتها اليهودية في إسرائيل وتوظيفها في علاقاتها مع القوى الكبرى .
دولة الإمارات العربية المتحدة لم تشارك في الحروب السابقة وليس لديها جالية يهودية في إسرائيل يمكن أن ترعى أو تدعم ذلك التطبيع، ولم تكن من الدول التي دفعت ثمن تعاطف شعبها مع صدام حسين عام 1991 وبالتالي يمكن تصنيف التطبيع الإماراتي في خانة الارتزاق الدبلوماسي فهو لن يعود عليها بأي بفوائد تذكر سوى خسارة الشعب الفلسطيني وفقدان مكانتها لدى شعوب العالم الإسلامي.
حتى الرخاء الاقتصادي الذي يروجون له لن يحقق الكثير لأن إسرائيل ليست دولة فقيرة تستجدي المساعدات او الصدقات من المحسنين الخليجيين مثل مالي وتشاد وبنغلاديش وبورما حتى يصبح الكرم الإماراتي إنجازاً كبيراً لها كما أن الاستثمار في إسرائيل مرهون بالسيادة والأمن القومي بمعنى لن يسمح للإمارات بالاستثمار فيما هو من حق أطراف يهودية بعينها مثل المصارف والتكنولوجيا وصناعة السلاح وأفلام هوليود والإعلام العالمي وشبكات التواصل المملوكة لعائلات يهودية معروفة، وقد يعطي التطبيع نتائج عكسية عندما تحاول ابوظبي استغلاله لتصفية حسابات مع خصومها الاقليميين " تركيا إيران قطر" لأن بعض هذه الأطراف مثل إيران يمتلك جالية كبيرة مؤثرة في الليكود حزب نتنياهو والمسؤولة عن تخريب عملية السلام على جميع المسارات لمنح وطنها الأم إيران أوراق مساومة في ملفها النووي واستخدامه للتغطية على جرائمها ضد السنة واستخدامها يهود اصفهان الفرس داخل منظومة اللوبي الإسرائيلي لتشجيع واشنطن على خوض حروب استباقية ضد أعداء إيران مثل صدام حسين عام 2003 وحل الجيش العراقي الذي جرع الخميني السم وارغمه على قبول قرار مجلس الأمن 598 وتسليم العراق للقوى الشيعية الموالية لطهران.
هل تسمح الجالية اليهودية الفارسية باختطاف لليكود من طرف محمد بن زايد عبر تقديمه إنجاز دعائي لنتياهو وترامب؟ بمعنى هل يسمح اللوبي الفارسي في الليكود للإمارات بمشاركته تسيير الحزب الحاكم في إسرائيل؟ وهل يمكن لنتنياهو التضحية بدعم يهود أصفهان في مواجهاته ضد اليهود المغاربة المناهضين لفساده من أجل إرضاء غرور الإمارات وتصفية حساباتها الإقليمية؟
وهل يمكن أن تفضل تل أبيب أبوظبي على حساب تركيا الأطلسية؟ أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل من أجل دولة خليجية طبعت معها منذ 7 سنوات سرا والآن بشكل علني وتنتصر لها على حساب دولة اطلسية تعترف بها منذ 1949 وهل يمكن لإسرائيل أن تخسر تركيا وتضر بمصالحها أو تصطف إلى جانب أبوظبي ضدها؟
يستبعد خبراء الشؤون الإسرائيلية التضحية بحليف قدير مثل تركيا من أجل الإمارات وعلى مستوى التنافس القطري الإماراتي وسعي أبوظبي لاستخدام التطبيع لترجيح كفتها وتسجيل نقاط على الدوحة، فالواقع يقول إن الدولتين الخليجيتين تتحركان في ساحة تكريس الانقسام الداخلي الفلسطيني مثل الأدوار التي كان يلعبها معمر القذافي وحافظ الاسد في الثمانينات حيث تدعم قطر حماس لفصل غزة عن الضفة وتدعمها إعلاميا لشيطنة السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس وتزويدها بالمال لوقف مسيرات العودة وكسر الحصار ووقف الهجمات على جنوبها وتمزيق الوحدة الفلسطينية، وهذا مريح لليكود للإبقاء على الانقسام الداخلي الفلسطيني بينما تدعم أبوظبي محمد دحلان المفصول من فتح لتخريب منظمة التحرير الفلسطينية وإضعاف الموقعين على اتفاق أوسلو لتعزيز النفوذ الإيراني كداعمة للممانعة ليقول الليكود أنه جر بعض العرب للتطبيع دون تقديم تنازلات للفلسطينين المنقسمين بسبب المال الخليجي الفاسد مثل دعمها حفتر في ليبيا لتكريس التمزق الداخلي وتستمتع تل أبيب بالصراع الإماراتي القطري فإعلام كل منهما مسخر ضد الأخرى قنوات الجزيرة تقوم بتسفيه التطبيع الإماراتي الإسرائيلي وتتبع عوراته وإعلام أبوظبي يقوم بوصف الدوحة براعية الإرهاب والداعمة للإخوان المسلمين .
خلاصة القول التطبيع الإماراتي الإسرائيلي خطوة مراهقة جاءت لدعم نتنياهو وترامب ورغم الترحيب الظاهري فإن أحزاب ازرق أبيض وبقية خصوم نتنياهو غير مرتاحين كما أن قواعد الليكود الشعبية من يهود اصفهان الفرس لا ترحب بتطبيع خليجي إسرائيلي يؤثر على مكانتها في معسكر اليمين وان مشاكل محمد بن زايد في ليبيا ودعمه خليفة حفتر يستفز مشاعر اليهود الأمازيغ المعادين لنتنياهو منذ إساءته الأدب مع الملك الحسن الثاني الذي أدى لسقوط حكومته الأولى، وكلها عوامل تزيد من الرفض الشعبي اليهودي لحكم نتنياهو ويلاحظ المراقبون أنه منذ عام 2014 بعدما توثقت علاقات نتنياهو مع محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي بدأ التراجع في الكونغرس وخسر بعض من مرشحي AIPAC منظمة اللوبي اليهودي الأمريكي في الكثير من الولايات الحاسمة والهامة بسبب التصويت العقابي من طرف الجاليات المتضررة من سياسات بن زايد وخاصة الجاليات المغاربية والشامية ومسلمو شبه القارة الهندية والأتراك ووصول شخصيات مثل إلهان عمر ورشيدة طليب وزنوج على حساب حلفاء إسرائيل في الكونغرس الأمريكي، وهذا مؤشر على خسائر تل أبيب من التطبيع الانتهازي الذي يريد تسخيرها لتصفية حسابات مع خصومه دون أن يحقق لها أي فوائد استراتيجية حقيقية وان الدور التركي في الأزمة الأوكرانية يظهر الفرق الحقيقي بين التطبيعين .

*رئيس المؤتمر الوطني الأزوادي