كوردستان وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية

كوردستان وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية

دوران ملكي

إن الحروب التي حدثت في الماضي القريب والبعيد كانت وبالاً على البعض وفضائل على البعض الأخر، إذ رافقت الحروب الدمار والقتل لملايين البشر، وفي الطرف الآخر تحررت الكثير من الشعوب الضعيفة التي لم تستطع أن تنال حريتها بإمكاناتها الذاتية، وخاصة بعد التطور العلمي والتقني في معدات الحرب، وإكتشاف الأسلحة النارية التي غيرت من الحروب التقليدية التي كانت تعتمد على الكثرة والقوة والشجاعة والأدوات التقليدية كالسيوف والرماح والخيول، فإستطاعت دولة مثل بلجيكا الصغيرة بمساحتها وتعداد سكانها أن تحتل دولة مثل الكونغو وجميع الدول التي إشتركت في الحروب الصليبية، والتي إستطاع صلاح الدين الأيوبي دحرها، رجعت وإحتلت جميع الدول الإسلامية في آسيا وأفريقيا وكان التحرر منها أمراً صعباً للغاية إلى إن وقعت الحروب بين الدول الإستعمارية بسبب المستعمرات في أمريكا وأستراليا وأسيا وأفريقيا، وراحت ضحيتها الملايين من البشر إلى أن أقروا الإنسحاب من المستعمرات، ورسمت خرائط جديدة في الدوائر الإستعمارية بناءً على مصالحها لتتحول الحروب إلى حروب إقتصادية، وهكذا إستطاعت الكثير من الدول الحالية الحصول على إستقلال شكلي من الناحية السياسية لتبقى مستعمرة من الناحية الإقتصادية، بقيت كردستان أسيرة مصالح وأهواء الدول الغربية الكبرى والدول النافذة في المنطقة مثل تركيا وأيران.
الآن نلاحظ بوادر حرب عالمية جديدة بدأت في أوكرانيا ولكن في حقيقة الأمر بين روسيا وأغلب الدول الديمقراطية في العالم تقريباً، وهي حرب متعددة الأوجه عسكرية وإقتصادية وإجتماعية، ولأن العالم الحديث أبدع أسلحة متطورة غير عسكرية بإمكانها تولد مجاعات في دول دون إطلاق طلقة واحدة وتعزل شعوب أخرى عن المحيط الخارجي وتعيده إلى الحياة البدائية.
في هذا الحرب سيكون الضحية الأولى هو الشعب الأوكراني الذي سوف يتدمر بلاده، ويتم تجريب جميع الأسلحة الحديثة في تدميرها وقتل شعبها وتشريدهم في أصقاع العالم كما حدث للشعب التتري إبان حرب القرم، فقد كان شبه جزيرة القرم موطن الشعب التتري واليوم لا نسمع عن التتر إلا إذا كان شخصاً يحمل في لاحقة إسمه كلمة تتري.
هذه الحرب سوف تطول وينتهي شعوباً من خارطة العالم وستسفيد شعوباً أخرى تملك موقعاً جغرافياً مناسباً ومخزوناً طاقياً يحتاجه العالم في عجل.
كردستان بأجزاءها الأربع تستطيع أن تنوب عن روسيا وأوكرانيا في دعم العالم بالغذاء إذا إستثمرت بشكلٍ مناسب وتستطيع أن تنوب عن النفط والغاز الروسي إذا تم إستخراجها في الأجزاء الأربعة، فلماذ لا يكون العين عليها من أغلب الدول الأوربية وأمريكا، وخاصة اليوم العالم على مشارف أزمة الطاقة والغذاء، وبما ان بلادنا غنية بهزين العنصرين فستكون أولاً بمأمن من تبعات الحرب من دمار وإنتقال الحرب إلى جعرافية كردستان وستصبح مثل عش الطائر مأمن حتى التفريخ.
عاجلاً ستقوم الشركات الأجنبية بالأستثمار في نفط كردستان سوريا بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بإستثناء شرق الفرات من قانون قيصر، وستتبعها شركاتٍ زراعية وصناعية زراعية بسبب توفر المياه والأراضي الزراعية الخصبة للإستثمار وسد النقص في الغذاء العالمي، وإستكمال خطط الكشف عن مخزونات جديدة من الطاقة وإستخراجها. لذا يتطلب من الولايات المتحدة الأمريكية القيام بحماية شرق الفرات في وجه المد التركي والروسي ونظام بشار الأسد. ثانياً، تقوية الوضع الداخلي في كلٍ من كردستان العراق وسوريا وبناء أرضية سياسية ووطنية صلبة تستطيع مواجهة خصومها. ثالثاً، العمل على تشكيل كونفدرالية إقتصادية بين كردستان العراق وسوريا ليتم ربطها بالبحر الأبيض المتوسط عبر تركيا.
بحسب الوعود الأمريكية على لسان نائب وزير الخارجية سيتم العمل على إعادة إستكمال الإتفاق الكردي-الكردي، وهم جديون هذه المرة لأن الأوضاع العالمية تستدعي السرعة القصوى ولسد الثغرات أمام النظام السوري وروسيا، ولإنشاء كيان سياسي من شعوب المنطقة قاطبة لإدارة شؤون شرق الفرات، وإزالة جميع العوائق التي تعترض سبيله، وإزالة جميع الحساسيات مع تركيا، وبذلك يتحول شرق الفرات إلى إقليم متكامل تتعايش فيه جميع الفئات وترتبط مصالحم، ويتولد الفكر السلمي التعايشي الذي يحول دون النعرات العنصرية والقومية والدينية الذي كان يلعب عليها النظام البعثي في إستمالة العرب والمسيحيين إلى جانبه ضد الشعب الكردي.
كما تقوم الإدارة الأمريكية بجهود حثيثة لتوحيد قوات البشمركة في كردستان العراق بين الحزبين الرئسيين ليتحول إلى كيان قائم بذاته، يحول دون اللجوء إلى الإقتتال الأخوي وسد جميع المنافذ أمام التدخل الأيراني في الشؤون الداخلية لكردستان العراق.
كل الظروف الموضوعية متاحة للإنتقال إلى مرحلة أفضل، ويجب أن يرافقها تهيئة الظروف الذاتية والإستعداد للمتغيرات في قادم الأيام، والإلتفات إلى مصالح الشعب الكردستاني بكرده وعربه وسريانه وأشورييه وجميع فئاته المتعايشة منذ مئات السنين.
لذا يتحتم على جميع القيادات السياسية في كل من كردستان العراق وسوريا الوقوف بجدية على هذا الوضع وببعد نظر، وربط مصيرهم مع العالم الغربي الديمقراطي، والتخلي عن السياسات ذات البعد القصير، والإبتعاد عن المحاور التي تقف في وجه المصالح الغربية كي لا نصبح ضحية هذه الحرب الطاحنة.