الاطار القانوني للانتخابات
اعداد المحامي معاذ يوسف
حظيت مسألة اجراء الانتخابات بالكثير من الاهتمام في العقود الاخيرة فمنذ معرفة الانسان لمساوئ الحكم الفردي المطلق ووضع ضوابط لعملية الحكم و ظهور الديمقراطيات الحديثة كان اجراء الانتخابات هي السبيل الانجع لمشاركة الناس في ادارة شؤون الحكم . 
في الوقت المعاصر و ظهور الديمقراطيات الناشئة و الحديثة يكاد ينحصر الاطار القانوني لعملية الانتخابات في ثلاثة أطر او مستويات هي : القانون الدولي و الدساتير الوطنية و قوانين الانتخابات .
أولا : نصوص القانون الدولي : 
 حيث وردت في الاعلان العالمي لحقوق الانسان في لسنة 1948 
و الميثاق العالمي لحقوق المرأة السياسية لسنة 1952 و المواد الواردة في العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية و كذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية  . 
و هناك اتفاقات ثنائية و جماعية مثلا  الاتحاد الاوروبي  حيث ضمنت بعض المبادئ و الشروط و الضوابط الاساسية لاجراء الانتخابات في اتفاقيتهم .
و هناك ايضا كمثال البروتوكول الخاص بالديمقراطية و ادارة الحكم الصادر عن المنظمة الاقتصادية لدول غرب افريقيا سنة 2001  و الذي يتضمن أن تكون الهيئات المعنية بادارة الانتخابات حيادية و تعالج النزاعات و الخلافات التي قد تنشأ قبل و اثناء و بعد العملية الانتخابية . 
ثانيا : النصوص  الدستورية : 
 تعمل أغلب الدول على تضمين دساتيرها الوطنية مبادئ للانتخابات و خاصة ما يتعلق بشكل الادارة الانتخابية وتكوينها و مهامها .
و تعطي بعض البلدان شكل الهيئة الدستورية لتلك الادارة مثل : اندونيسيا و الاورغواي و البنغلاديش و غانا و كوستاريكا و الهند .
و طالما تحدد عمل الهيئة و مهامها دستوريا سيكون من الصعب للحزب الحاكم او اية جهة اخرى التحكم بعملية الانتخابات و هذا يعطي نوع من الضمانات الدستورية لتعزيز نزاهة و شفافية الانتخابات و تضفي نوع من الاستقرار السياسي عموما . 
بعض أهم الضوابط الخاصة بالانتخابات في الواردة في الدساتير : 
استقلالية الادارة الانتخابية تجاه فروع الحكومة الاخرى .
تركيبة الادارة الانتخابية و كيفية تشكيلها .
صلاحيات و مهام الادارة .
حق الاقتراع والترشح و  سجلات الناخبين .
معايير رسم الدوائر الانتخابية .
مواعيد الانتخابات .
 حل النزاعات . 
مراقبة الانتخابات .
مثلا ينص الدستور النمساوي على تركيبة الادارة الانتخابية و حق الاقتراع و دور المحكمة الدستورية و تحديد النظام الانتخابي المتبع . 
في الكاميرون ينص الدستور في بعض مواده على الحقوق المتعلقة بالاحزاب السياسية و مؤهلات المرشحين و مواعيد الانتخابات و و مهام المحكمة العليا . 
من الملاحظ أنه في الديمقراطيات الراسخة ليس هناك تفصيل دقيق عن عملية الانتخابات كون النظم السياسية و السلطات الحاكمة تلتزم بالمبادئ الاساسية بشأن استقلالية و شفافية الانتخابات و في بعض الدول ليس هناك حتى دستور مكتوب كما هو حال انكلترا . 
بعكس الديمقراطيات الناشئة التي تضمن الدساتير مزيد من التفاصيل المتعلقة بعملية الانتخابات و تشكيل الهيئة و مهامها و استقلاليتها .
بعض الاعتبارات الاساسية التي يجب ان ترد في الاطار القانوني لعملية الانتخابات : 
تشكيل الادارة الانتخابية كمؤسسة مستقلة و محايدة .
العمل بحياد و شفافية .
حماية و حصانة أعضاء إداراة الانتخابات من التدخل في شؤونهم أو فصلهم .
يجب ان يسمح القانون للادارة بالقيام بمهامها دون تاخير أو وضع العراقيل . 
التمويل و الوقت الكافي لانجاز الانتخابات .
ثالثا – القوانين الانتخابية : 
تشرع الدول قوانين خاصة بالانتخابات و تتناول عملية الانتخابات بشيء من التفصيل حيث تستند في موادها على المبادئ العامة التي ترد في الدساتير و تتضمن الشروط التي يجب توفرها في المرشح لمنصب ما و موعد الانتخابات و موضوع العزل و الشواغر و مراقبة الانتخابات و كيفية تسجيل الناخبين و اعداد المراكز و كيفية الفرز و الهيئات التي يحق لها مراقبة الانتخابات الوطنية و الدولية و مشاركة المغتربين و الشتات من مواطني هذه الدولة و موضوع القوائم الانتخابية المغلقة و المفتوحة و  الكثير الكثير من التفاصيل . 
الاطار الدستوري و القانوني للانتخابات في سوريا : 
أولا - ورد في الدستور السوري النافذ لعام 2012 : الكثير من المواد المتعلقة بتوجه الدولة الديمقراطي حيث وردت في المادة /1/ : الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ....الخ 
المادة /2/ : 1- نظام الحكم في الدولة نظام جمهوري 2- السيادة للشعب و لا يجوز لفرد أو جماعة ادعائها و تقوم على مبدا حكم الشعب بتلشعب و للشعب ..الخ
و ورد في المادة /8/ : 1- يقوم النظام السياسي للدولة على مبدا التعددية السياسية و تتم ممارسة السلطة ديمقراطيا عبر الاقتراع .....الخ . و الكثير من المواد المتعلقة بكيفية انتخاب ممثلين لمجلس الشعب و انتخاب رئيس للجمهورية بالاضافة على النص ان حق الانتخاب هو حق وواجب و يحق لمن اتم الثامنة عشرة الانتخاب...الخ 
و من الملاحظ أن هناك الكثير من المآخذ على هذا الدستور لا سيما و انه تم اقراره في ظروف لم يعبر الشعب عن رأيه  بصورة حقيقية و ان الصلاحيات الممنوحة للرئيس تفقد الدستور توجهه الديمقراطي المزعوم حيث ليس هناك فصل حقيقي للسلطات و ان الرئيس يعتبر رأس هرم السلطة التنفيذية و كذلك يحق له التشريع في حالات معينة و يحق له حل مجلس الشعب و انه يعين أعضاء المحكمة الدستورية العليا و الكثير الكثير من المآخذ ...الخ 
ثانيا – قانون الانتخابات للعام 2014 : 
بناء على أحكام المادة /49/  من الدستور تم صدور القانون/5/ لعام 2014 الخاص بالانتخابات العامة.
و اهم الملاحظات : أن هذا القانون لا يسمح بالانتخاب بموجب الوكالة و كذلك يسمي مجلس القضاء الاعلى اعضاء اللجنة القضائية العليا و مجلس القضاء الاعلى تابع لرئيس الجمهورية و بذلك لا يتمتع باية استقلالية و المفروض ان تكون هذه اللجنة مستقلة و تتمتع بصلاحيات تمكنها من تجاوز حاجز تأثير السلطة الحاكمة سواء ممثلة بالوزارة او رئيس الجمهورية فقد يكون هناك الكثير من الطعون في عملية الانتخابات و المتهم الرئيسي قد تكون السلطة الحاكمة . 
و المادة /10/ من هذا القانون تعطي الصلاحية للجنة القضائية العليا بادارة عملية انتخاب رئيس الجمهورية و باشراف المحكمة الدستورية العليا و التي ايضا لا تتمتع بالاستقلالية و الحياد كون رئيس الجمهورية هو الذي يسمي اعضائها بموجب المادة /141/ من الدستور السوري النافذ . 
تنص المادة / 15/ على ان يقوم المحافقظ بتشكيل لجنة من ثلاثة اعضاء في كل مركز انتخابي و المحافظ هو احد اعضاء السلطة التنفيذية .فلا يتصور وجود اية شفافية و استقلالية لهذه اللجان !!
عدد اعضاء مجلس الشعب /250/ بحسب هذا القانون وتقريبا كل عضو يمثل حوالي /100000/ نسمة و هذا كثير و في الدول الديمقراطية كل عضو يمثل حوالي /50000- 70000 / نسمة اي انه يجب زيادة عدد اعضاء البرلمان ليكون التمثيل عادلا و شاملا أكثر .  
و كذلك بالنسبة للمادة /22/ حيث اعطي لفئة العمال و الفلاحين نسبة /50/ بالمائة و هذه فيه اجحاف للفئات الاخرى و ايضا هذا التصنيف عرضة للتلاعب و خاصة من قبل السلطات الحاكمة .
المادة/م30/ يشترط في المرشح لرئاسة الجمهورية أن يكون متمتعاً بالجنسية بالولادة، وأن لا يكون متزوجاً من غير سورية، وأن يكون مقيماً منذ عشر سنوات في سوريا عند تقديمه طلب الترشيح، وأن لا يحمل جنسية أخرى.و هذه الشروط مجحفة و تستبعد الكثير من السوريين من ممارسة حقوقهم الطبيعية .
اضافة للكثير من الملاحظات الاخرى التي قد لا نستطيع  ذكرها جميعا في هذه المقالة . 
أهم المعايير الدولية للانتخابات  :
عامة : ان تكون لجميع الناخبين المؤهلين دون أي تمييز .
مباشرة : لا يجوز فيها التفويض لان الانتخابات حق شخصي . 
سرية : لضمان أمن الناخبين و الحفاظ على خصوصيتهم في الاختيار دون اية ضغوطات و مؤثرات .
حرة : أن تعبر النتائج عن ارادة الناخبين .  
نزيهة : تخلو من تدابير مقيدة لإرادة الشعب في التعبير عن رايه و اختيار ممثليه . 
دورية : تنظم انتخابات كل عدة سنين . 
المساواة : ان تتم دون تمييز بين المرشحين أو الاحزاب . 
أهم النظم الانتخابية : 
تختلف النظم الانتخابية من دولة الى دولة تبعا لحالة الاستقرار السياسي و الفلسفة السياسية و التقاليد الديمقراطية و الى أي مدى تتوفر الضمانات الكافية لتنفيذ مواد الدستور و القوانين و مدى التحولات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و تبعا لتطور مفهوم حقوق الانسان .
1ــ نظام الانتخاب المباشر ونظام الانتخاب غير المباشر:  
في نظام الانتخاب المباشر يقوم الناخبون باختيار ممثليهم بصورة مباشرة دون وساطة أحد, كالأحزاب أو المندوبين, أما في نظام الانتخابات غير المباشر فيقوم الناخبون باختيار ممثلين عنهم ويقوم هؤلاء باختيار رئيس الجمهورية, أو أعضاء البرلمان, ويرى أنصار هذه الطريقة إن عملية الانتخابات تجعل الاختيار بيد فئة مميزة أكثر قدرة على الاختيار أما معارضوها فيرون إنها تحد من قدرة الناخبين على اختيار من يرغبون.
2-  نظام الانتخاب الشامل(الدائرة الواحدة) ونظام الدوائر:  يستخدم الأسلوب الأول في انتخاب رئيس الجمهورية في الدول الرئاسية التي تكون البلاد كلها دائرة واحدة, أما نظام الدوائر فيستخدم في انتخابات المجالس التشريعية إذ تقسم البلاد إلى دوائر انتخابية صغيرة أو كبيرة يتنافس في كل دائرة عدد من المرشحين, ويكون للدائرة الواحدة نائب واحد أو أكثر.
3- نظام الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة:  وهو النظام الأكثر شيوعا وإتباعا في العالم, حيث الأساس في الانتخاب الفردي هو وجود دوائر صغيرة يخصص لكل دائرة مرشح واحد, ويفوز بمقعد الدائرة النائب الذي يحصل على أعلى الأصوات من بين المرشحين, وقد ادخل تعديل على هذه الأسلوب في بعض الدول, وهو اشتراط حصول المرشح على الأغلبية المطلقة من الأصوات (50% +1)فان لم يحصل أي من المرشحين على هذه النسبة أو حصل أكثر من مرشح على هذه النسبة نكون أمام جولة ثانية من الانتخابات يخوض غمارها المرشحين الذين حصلوا على أعلى الأصوات في الجولة الأولى.
أما نظام القائمة فيعتمد في الدوائر الكبيرة التي تمثل بعدد من المرشحين الذين يجتمعون في قائمة, وهي إما أن تكون مفتوحة بحيث يستطيع الناخب إن يختار عدد من المرشحين يساوي العدد المخصص للدائرة وقد تكون مغلقة يجبر الناخب على اختيار القائمة بمجملها دون أن يكون له حرية المفاضلة أو تشكيل قائمة ممن يرغب من المرشحين.
هذه نبذه عن موضوع الاطار القانوني للانتخابات و هو موضوع يستحق منا جميعا ان نوليه الاهتمام المناسب من وجهة نظر خبراء القانون و السياسيين و الخبراء في مجال علم الاجتماع و الشخصيات الدينية و الاجتماعية المؤثرة و كذلك منظمات المجتمع المدني و الفعاليات الاجتماعية و غيرها للخروج بوضع مبادئ تعزز مشاركة الجميع في العملية الانتخابية من وضع النصوص الدستورية و تشريع القوانين الى المشاركة في الترشح و التصويت و المراقبة. 
المراجع:
 دراسة عن قانون الانتخابات رقم /5/ للعام 2014 اعداد الخبير القانوني موسى موسى 
دليل المؤسسة الدولية للديمقراطية و الانتخابات (  IDEA  ) .
دراسة للمحامي محمود عمر ( دورة الانتخابات الكاملة ) .
 
            