حرب غزة في معمعة صراع المحاور الإقليمية

حرب غزة في معمعة صراع المحاور الإقليمية

أبوبكر الانصاري

بعد فشل صفقة القرن وهزيمة ترامب بفضل صمود القيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس أبو مازن والعاهل الاردني الملك عبدالله بن الحسين وبعد هزيمة ترامب ورحيل كوشنير وصعود إدارة بايدن هاريس التي تحاول السير على نهج أوباما في الملف النووي الايراني كما تسعى لإعادة إطلاق عملية سلام على طريقة بيل كلينتون بفضل تصويت جاليات شرق أوسطية مناهضة لسياسات ترامب وبعد تخلي يهود أميركا عن نتنياهو ومعسكر اليمين .
في هذه الظروف يقوم أنصار ترامب مثل نتنياهو ومحوره الإقليمي بمحاولة معاقبة والقصاص ممن اطاحوا بسيد البيت الأبيض السابق ترامب وصهره كوشنير بأعمال من قبيل محاولة زعزعزت استقرار الأردن التي اتهم فيها الأمير حمزة بن الحسين بتحريض من معسكر كوشنير نتنياهو في المنطقة وبعد تأجيل الانتخابات الفلسطينية بسبب رفض إسرائيل إجراءها في القدس التي تعتبر عاصمة للدولة الفلسطينية طبقا لاتفاقيات السلام وان إجراءها بدونها تعني إعتراف بصفقة القرن التي افشلها الرئيس أبومازن وملك الاردن.
وهذا ما جعل محور ترامب الإقليمي يحاول ممارسة الضغط والترويج لنقل السلطة في فلسطين لجيل الشباب المفصلين على مقاسه والابتزاز العاطفي وصناعة انشقاقات داخل حركة فتح مستخدمين أسماء معروفة مثل ابن شقيقة الزعيم الخالد ياسر عرفات وقيادي فتحاوي يحظى باحترام واسع النطاق في الحركة الأسيرة لتشكيل قوائم انتخابية منافسة لقائمة فتح الرسمية التي يدعمها الرئيس ابو مازن ويتحالف المنشقون مع دحلان الوكيل المحلي لمعسكر كوشنير ترامب ومحوره الإقليمي ويدعمون حماس للقضاء على الإنجاز التاريخي المتمثل في إفشال صفقة القرن على يد الرئيس ابو مازن والملك عبدالله بن الحسين وهو أهم انتصار دبلوماسي فلسطيني اردني مشترك منذ معركة الكرامة عام 1968 .
وقبيل حرب غزة كان جناح معتدل من حماس مقرب من تركيا قد فوض نائب رئيس الحركة العاروري للتفاهم مع اللواء جبريل الرجوب امين سر حركة فتح على مسار مصالحة وطنية يفضي إلى شراكة سياسية تكون فيها حماس والجهاد الاسلامي جزء من منظمة التحرير الفلسطينية وتشاركان في حكومة وحدة وطنية مع الاعتراف برمزية الرئيس أبومازن باعتباره من الآباء المؤسسين لانطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965 مع رفاقه السبعة بقيادة ياسر عرفات وكان صوته آنذاك المرجح عندما تعادل ما عرف بالمجانيين الداعين لانطلاق الثورة بما توفر والعقلاء المطالبين بالتريث حتى تنضج الظروف وتتوفر كل إمكانيات الانطلاق فرجح أبومازن كفة دعاة الانطلاق الفوري .
هذه الخطوات من الجناح المعتدل في حماس كانت مرفوضة من طرف متشددين موالين لإيران بقيادة اسماعيل هنية والسنوار ومحمود الزهار الذين قاموا باستغلال احداث القدس وحي الشيخ جراح فاطلقوا صواريخهم على إسرائيل لتسجيل نقاط دعائية على حساب السلطة الوطنية الفلسطينية ومحاولة كسب اصوات أبناء الضفة الغربية لمعرفة حماس المسبقة بهزيمتها في غزة بسبب سوء الإدارة والممارسات العداىية والخشونة ضد أهالي القطاع طوال 15 سنة .
فأصبح الصراع الداخلي بين أجنحة حماس الإسلامية يدار ويوظف إقليميا بحيث يشيد اسماعيل هنية بطهران ويتجاهل أنقرة التي تؤوي قادة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وجناح من حماس مثل خالد مشعل وموسى ابو مرزوق بسبب تقارب تركيا مع القاهرة وزادت القوة التفاوضية الإيرانية في ملفها النووي بفعل حرب غزة ومنع حزب الله اي فصيل فلسطيني من توجيه أي ضربة لإسراىيل من جنوب لبنان والاكتفاء بالمظاهرات وحمل صور قادة حماس وقبل ذلك حملهم على أكتاف المواطنين في مخيمات لبنان الذي يهيمن عليه حزب الله فهذه معركة حماس لتعزيز مكانتها في المشهد الفلسطيني وليست معركة حزب الله عام 2006 التي كانت للتغطية على جرائم طهران بحق سنة العراق وتحويلها من قاتلة للعشاىر العربية في الانبار وديالى والموصل إلى داعمة لمجددي عهد صلاح الدين الايوبي حتى تهيمن حماس على المشهد الفلسطيني مثل هيمنة حزب الله على الحياة السياسية اللبنانية لخدمة مشغليهم الإقليمين .
واستغل اليمين الاستيطاني بقيادة بنيامين نتنياهو الحرب لإنقاذه من تهم الفساد ومنع منافسيه من تشكيل إىتلاف حكومي بدونه وسقطت اغلب صواريخ حماس على المناطق اليهودية المعارضة لنتياهو والتي تنطلق منها الحشود المطالبة برحيله وأصبح يقدم نفسه كمدافع عن أمن إسرائيل أمام صواريخ حماس ويعمل على تحميل معارضيه في الجيش والمؤسسة الأمنية مسؤولية اي إخفاقات في القبة الحديدية حتى يتخلص من أتباع عائلة روتشيلد في مؤسسات الدولة الإسرائيلية بعدما أطاح بتسيبي ليفني المتحدثة باسمهم في المؤسسة الأمنية عندما شجع رئيس حزب العمل السابق على طردها من قائمته الانتخابية وحرض الإعلام اليميني الاستيطاني ضدها واتهمها بموالاة الفلسطينيين.
وقد استخدم نتنياهو يهود أصفهان الفرس في الليكود المرتبطين بزعيمهم المستشار للمرشد خامنئي لمواجهة معارضة اليهود المغاربة بعد إساءته الادب مع الملك الراحل الحسن الثاني كما استخدم المستوطنين الروس لمواجهة معارضة اليهود الاشكناز، وقد حسمت معركة كسر العظم بين روسيا وعاىلة روتشيلد التي تحكم اليهود الاشكناز في المؤسسات الأمريكية برحيل ترامب و كوشنير الموالين لروسيا.
وبعد حرب لأكثر من عشرة أيام في غزة اطلق فيها آلاف الصواريخ على العمق الإسرائيلي لم يتغير شيء في القدس ولا في حي الشيخ جراح فالاقتحامات مستمرة في الاقصى للمستوطنين ومحاولات نزع ملكية العقارات متواصلة وان ما يحدث لا يعدو كونه تلميع محور إقليمي ونجاح الصفقة الأمريكية الإيرانية حول ملفات الشرق الأوسط ومعاقبة من افشلوا صفقة القرن وتكريس قوة اليمين الاستيطاني بقيادة رجل روسيا بنيامين نتنياهو ووضع عقبات أمام محاولات إدارة بايدن هاريس لتحريك عملية السلام ورفع شعارات مثل رفض أوسلو من جهة والاستماتة في كسب انتخابات على أساس الاتفاق الذي تدعي حماس رفضه من جهة أخرى ومعايرة السلطة بالتنسيق الأمني لتحل محلها وتقوم به لصالحها وضد معارضيها وقد تتعرض حماس الإسلامية لانشقاقات داخلية بسبب التنافس التركي - الإيراني على توظيفها، وإن التقارب القطري -التركي - المصري قد يلقي بظلاله على الحركة الإسلامية.
حروب غزة تحت حكم حماس التي تعتبر امتداد لتاريخ طويل من محاولات مصادرة القرار الفلسطيني وجعله بيد أطراف إقليمية تهدد بتحويل القضية الفلسطينية الى عمليات مدفوعة لصالح محاور إقليمية ضد أخرى.
وقد يتراجع الزخم الشعبي في العالمين العربي والإسلامي للقضية الفلسطينية وتبدأ شعوب ودول المنطقة البحث عن مصالحها مع الغرب عبر التطبيع مع إسرائيل متجاوزة حقوق الشعب الفلسطيني بسبب ارتهان مقاومته وتوجيه بندقيتها لخدمة مشغليها الإقليمين الذين يؤذون قضايا عادلة أخرى في العالمين العربي والإسلامي ويستخدمون فلسطين في مفاوضاتهم النووية وصراعاتهم الإقليمية فالعالم أصبح قرية واحدة وما كان بطولة في التسعينات قد يصبح عبثيا في بداية الألفية الثالثة.
الأمثلة كثيرة ومنها مسيرات العودة التي استشهد فيها العشرات وجرح المئات من أبناء غزة وأصبح الكثير منهم يعاني عاهات مستديمة وبعد حصول قادة حماس على صناديق المال القطري عبر إسرائيل انتهت المسيرات وكأن الشعب الفلسطيني عاد للقرى التي هجر منها في الأربعينات من القرن الماضي على يد الهغانا وزاد ثراء قادة حماس وتضاعف الفقر في القطاع المنكوب وكما يقول المثل الشامي " اللي بيجرب المجرب عقله مخرب " جميع الحروب التي تخدم مصالح قوى إقليمية تزيد من معاناة الشعب وتكرس الانقسام ويسود خلالها خطاب المكايدة السياسية وتسجيل نقاط دعاىية على حساب القضية العادلة وقد تنتهي الأمور بتجاهل القضية الفلسطينية رسميا وشعبيا كما حدث مع الأحواز المحتلة فارسيا وكشمير ومسلمين الصين والأندلس التي كانت من ارقى الممالك العربية ويتم التعامل مع إسرائيل كدولة إقليمية كبيرة مثل إيران التي تقتل سنة العراق واسبانيا التي تحتل الاندلس وسبته ومليلية المغربيتان والصين التي تذبح مسلمو الايغور والهند التي تحتل كشمير وتهين المسلمين فيها ويتعامل بعض العرب والمسلمين والمقاومين بلغة المصالح معها.

رئيس المؤتمر الوطني الأزوادي