آذار الكورد في المستقبل
حسين موسى
إنّ ما يجري اليوم على الساحة السورية يعيد إلى الواجهة اتفاقية 10 آذار 2025 التي عُقدت في دمشق بين الرئيس السوري المؤقت وقائد قوات سوريا الديمقراطية.
وتُعد هذه الاتفاقية الأولى من نوعها منذ أكثر من سبعين عامًا، إذ لم يشهد الكورد منذ منتصف القرن الماضي أي حضور حقيقي في المشهد السياسي السوري، بل تعرّضوا لعقودٍ طويلة من الحرمان من الهوية السورية، والإحصاء الجائر لعام 1962م في محافظة الحسكة الذي جُرّد أكثر من مئة ألف كوردي من جنسيته السورية، ومشروع الحزام العربي الشوفيني الذي غيّر البنية السكانية في المناطق الكوردية عبر توطين عوائل عربية في القرى المصادرة، حيث تمّت مصادرة أكثر من 700 ألف هكتار من الأراضي الزراعية الكوردية امتدادًا من ديرك شرقًا حتى سري كانييه غربًا بطول 375 كم وبعرض 10 إلى 15 كم، وحتى المجازر المؤلمة مثل مأساة سينما عامودا عام 1960 حين احترق أكثر من مئتي طفل كوردي داخل صالة سينما أُجبروا على دخولها في عرض خيري مأساوي، ومجزرة سجن الحسكة عام 1993 التي راح ضحيتها عدد من المعتقلين الكورد بعد احتجاجات داخل السجن.
اليوم، يشهد الشمال السوري استنفارًا واسعًا استعدادًا لتنفيذ بنود اتفاقية آذار، التي يبدو أن لها أبعادًا إقليمية ودولية متشابكة. فتركيا تنازلت عن بعض ملفات الغاز والسلاح الروسي التي كانت تستخدمها كورقة ضغط على الولايات المتحدة، مقابل صفقة أميركية – تركية تهدف لإطلاق يد أنقرة في بعض المناطق السورية.
وفي المقابل، وصل المبعوث الأميركي توم باراك إلى غرب كوردستان للتفاوض مع قسد بشأن تنفيذ الاتفاقية التي تصب في مصلحة الحكومة السورية والدول الكبرى، في حين حاول الكورد التعامل معها بتفاؤلٍ حذر. لكن، كما تشير الوقائع، فإن الحكومة السورية كانت تسعى في الوقت ذاته لإخضاع أحياء الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، في محاولةٍ لتقليص النفوذ الكوردي بعد احتلال عفرين من قبل تركيا، إلا أنها فشلت في تحقيق هذا الهدف.
المرحلة الجديدة من التفاهمات السورية – الكوردية، بضغطٍ أميركي مباشر، تحمل في طياتها مفاجآت عديدة، خصوصًا بعد أن تسلّم توم باراك ملف الشؤون الخاصة بسوريا وتركيا في الإدارة الأميركية. فالمشهد الراهن ينبئ بتصعيد تركي محتمل يهدف إلى إخضاع المناطق الحدودية وفرض واقع جديد يخدم مشروع أنقرة التوسعي.
ولعلّ زيارة وزير الخارجية السوري إلى تركيا مباشرة بعد توقيع الاتفاقية في 7 تشرين الأول 2025 ليست إلا مؤشرًا على تنسيقٍ سياسي متقدّم بين الجانبين، يجري في ظل تحركات دبلوماسية مكثفة ونذر حربٍ جديدة تدق أبواب ما تبقّى من غرب كوردستان.
إنّ ما يجري اليوم ليس مجرّد تفاهمٍ مرحلي، بل مرحلة مفصلية تُرسم فيها خرائط جديدة للمنطقة. ويبدو أن العام 2025 سيكون عامًا حاسمًا في تنفيذ هذه المخططات. ولذلك، فإنّ على الكورد أن يستعدوا للمرحلة المقبلة بكلّ وعيٍ ووحدةٍ وتماسك، لأنّ المعركة القادمة — كما تشير الوقائع — قد تكون الأخيرة، حافلة بالدمار والتضحيات، لكنها ستُحدّد ملامح الوجود الكوردي في المستقبل.