من العزلة إلى الانفتاح... تحولات أمريكية مفاجئة تعيد سوريا إلى قلب المشهد الدولي

من العزلة إلى الانفتاح... تحولات أمريكية مفاجئة تعيد سوريا إلى قلب المشهد الدولي

عزالدين ملا

شكّلت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، التي شملت كلاً من المملكة العربية السعودية، قطر، والإمارات العربية المتحدة، نقطة تحوّل مفصلية في السياسة الإقليمية، خاصة بعد أن أعقبها توجُّه وزير خارجية الولايات المتحدة إلى تركيا ولقائه مع نظيره التركي ووزير الخارجية السوري. هذه الجولة الدبلوماسية النشطة، التي وضعت القضية السورية على رأس جدول الأعمال، توّجت بلقاء وُصف بالتاريخي بين الرئيس الأمريكي والرئيس السوري أحمد الشرع، في أول خطوة علنية نحو إعادة الانخراط الدولي مع دمشق بعد سنوات من العزلة. ومع رفع تدريجي للعقوبات الأمريكية، بدأ الأمل يتجدّد بإمكانية إحلال السلام في سوريا، وفتح صفحة جديدة تنهي سنوات الحرب والانقسام. في هذا السياق، تبرز تساؤلات جوهرية حول أبعاد هذه التحرُّكات، وأثرها على مستقبل سوريا والمنطقة.

1-ما هي الدوافع الاستراتيجية لزيارة ترامب إلى الخليج في هذا التوقيت، وكيف ترتبط بالتحولات الجارية في الملف السوري؟
2-إلى أي مدى يعكس اللقاء بين ترامب وأحمد الشرع تحوّلاً في الموقف الأمريكي تجاه السلطة الجديدة في دمشق؟
3-هل تمثل هذه الجولة بداية خارطة طريق دولية جديدة لحل الأزمة السورية، أم مجرد إعادة تموضع للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؟
4-ما دور تركيا في هذا التفاهم الجديد، خاصة في ظل التنسيق المستجد بين واشنطن وأنقرة حول سوريا؟
5-كيف سينعكس رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا على الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الداخل السوري، وعلى مسار الانتقال السياسي بقيادة أحمد الشرع؟

تحولات مفاجئة وتفاهمات دولية ترسم المشهد الجديد في سوريا
تحدّث عضو المكتب السياسي ومسؤول مكتب الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، بشار أمين لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بداية وقبل الاجابة على الأسئلة أرى لابدّ من التعرج الى حيثيات التغيير في سوريا، التي هي الأساس في تداعيات ما بعد التغيير، وعليه فقد حصل التغيير بشكل مفاجئ وبعيداً عن توقعات معظم الجهات المعنية، وقد حصل على الأغلب بتوافقات دولية وحتى اقليمية، منها امريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا وتركيا والسعودية وايران ..الخ، فكان لروسيا ضمان حل الاشكالية مع اوكرانيا عبر احتفاظ روسيا للأقاليم الأوكرانية الأربعة، وعدم انضمام الأخيرة الى حلف الناتو ودون المساس بقاعدتيها في سوريا، ولإيران حق التفاوض بشأن الملف النووي والسعي لعدم قصف مفاعلها النووي، ومن ثم إمكانية رفع العقوبات الاقتصادية عنها تدريجياً أو على مراحل، مقابل انسحاب الأخيرين من دعم ومساندة نظام الاستبداد وعزله بعد حرب إسرائيل على غزة وجنوب لبنان بغية كسر شوكة كل من حماس وحزب الله وتفكيك القوى الموالية للنظام بما فيها الميليشيات الايرانية في سوريا والعراق، وحتى اليمن بغية إنهاء محور "المقاومة"، وإعطاء السعودية دوراً متميزاً في الوضعين العربي والإقليمي، وعليه حينما لم تجد القوى الدولية البديل المناسب عن النظام البائد، رأت ضرورة تهيئة طرف آخر من ضمن القوى الفعالة المتواجدة على الساحة السياسية والعسكرية السورية، فكان لهيئة تحرير الشام "جبهة النصرة" الحظ الأوفر في الاختيار، وبحسب المعلومات المتواردة أن بريطانيا هي الأكثر تجربة وخبرة مع قوى الاسلام الراديكالي، فقد تولّت مهمة تهيئة هذه الهيئة وقادتها العسكريين والسياسيين، وذلك بالتنسيق والترتيب مع امريكا والدول الأوربية الأخرى، وعلى ان تكون تركيا هي الداعم الأساسي والمباشر لعملية تغيير النظام، وبالفعل وبعد تلك الترتيبات السياسية والعسكرية واللوجستية الواسعة والقوية توجهت قوى هيئة تحرير الشام بقيادة ابو محمد الجولاني "احمد الشرع" من ادلب باتجاه تنفيذ مهمتها ودون مقاومة تذكر بعد ان قرأت قيادة النظام البائد الرسالة بدقة ورأت ان السيناريو مكتمل ولا حاجة لتعريض قواها للهلاك والفناء، مما جعلها تنسحب من ميادين القتال أولاً بأول دون مقاومة تذكر».
يتابع أمين: «إلى إن الأحداث والمتغيرات التي حصلت السياسية منها والعسكرية فهي كلها حلقات مترابطة ومتكاملة بدءاً من تحطم طائرة الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) والوفد المرافق له مرورا بالحرب على غزة وجنوب لبنان وسقوط النظام السوري البائد وصولا الى مبادرة الدولة التركية بتفاهمات مع السيد عبد الله اوجلان وحل حزب العمال الكردستاني وتخليه عن قوة السلاح والتحول الى العمل السلمي السياسي عبر تحقيق التوافق الديمقراطي في الدولة التركية، كل هذه الترتيبات معا من أجل انهاء العنف - ولو بالعنف - في مراحله الأولى وصولا الى الترتيبات اللازمة بشأن تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد او الكبير بالوسائل السلمية والسياسية، بغية التوصل الى حلول سياسية سلمية لعموم معضلات المنطقة.
ولعل زيارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) الى المنطقة ولاسيما السعودية ودول الخليج وكذلك زيارة وزير خارجيته الى تركيا ولقائه مع وزير الخارجية السوري تأتي في هذا السياق، واكتسبت جولة الرئيس الأمريكي أهميتها في ترتيب الشأن السوري واللقاء مع الرئيس السوري احمد الشرع والحصول معه على ضمانات التجاوب مع التوجه الدولي سواء في الشأن السوري أو في شأن عموم منطقة الشرق الأوسط بما فيها التطبيع مع دولة إسرائيل وضمان أمنها الحدودي.
ولذلك لا نغالي إذا قلنا إن لزيارة الرئيس الأمريكي أهدافاً استراتيجية واسعة على مستوى المنطقة برمّتها وفي الشأن السوري على وجه الخصوص حيث تزامنت زيارته مع زيارة وزير خارجيته الى تركيا كما ذكرنا، وقد أعلن بشكل مباشر ومن السعودية رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا ولو بشكل متدرج، وعلى اثره اعلن الاتحاد الأوربي ايضا رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا من جانبه.
يضيف أمين: «إلى أن لقاء الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترامب مع الرئيس السوري السيد أحمد الشرع وكذلك المسؤولين الآخرين يعد تحولا واضحا في الموقف الأمريكي بعد أن كان الشرع لديه على لائحة الارهاب وهيئة تحرير الشام "جبهة النصرة" برمّتها كانت تعد منظمة إرهابية، ما يعني التعارض الواضح في الجانبين، لكن وكما بدا جلياً أن هذا التحوُّل قد كان ضمن شروط معينة بمعنى كل مخالفة او تأخير زمني قد يعرّض هذا التحوُّل في الموقف الأمريكي إلى تبدلات أخرى، وبدا أن الرئيس السوري أعرب عن التعهُّد بضمان تنفيذ ما تم التوافق عليه وضمن الظروف السياسية المناسبة.
ورغم أن الرئيس الأمريكي لم يتهاون في فرض تلك الشروط وتنفيذها، الا انه قد لا يتراجع عن المساهمة في تحقيق الأجندة الدولية من خلال خارطة طريق نحو ترتيبات هامة ليس على الصعيد السوري فحسب بل على مستوى عموم المنطقة، والمنطلق من سوريا نظرا لأهميتها الاستراتيجية وصعوبة معالجة ازماتها المتداخلة مع عموم ازمات المنطقة بما فيها أزمة غزة ولبنان والعراق ويمن، ما يعني بقدر التركيز على الوضع السوري هو مثابة التمهيد للولوج بالأزمات الأخرى وتقديم الحلول الممكنة لها».
يشير أمين: «إلى أنه لا يمكن تجاهل أو تجاوز أهمية تركيا ودورها البارز سواء في الأزمة السورية أو المساهمة في تقديم التسهيلات اللازمة نحو الحلول السلمية السياسية الممكنة، ولاسيما كان لها الباع الطويل في دعم التغيير الذي حصل في سوريا – كما ذكرنا- وما يمكن لها من استكمال هذا الدور عبر تداعيات التغيير وبما ينسجم مع توافقات المجتمع الدولي وخصوصا أمريكا ودول الاتحاد الأوربي وبريطانيا، ليغدو الدور التركي في هذه المعادلة الحيز الرئيسي في ترتيبات الوضع السوري نحو تحقيق متطلبات القيادة الجديدة لسوريا».
يختم أمين: «إلى أن حصيلة مجمل التوافقات الدولية والإقليمية مع رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا المذكورة أعلاه من جانب كل من أمريكا وأوروبا وبانتظار قرارات من هيئة الأمم المتحدة في هذا الصدد، وانفتاح هذه الدول إلى جانب الدول العربية وبعض الدول الإقليمية، ستشكّل بالمحصلة نقلة نوعية لسوريا سياسياً واقتصادياً ولوجستياً، والعمل على محور إعادة الإعمار وفتح المجال واسعاً أمام الاستثمارات والرساميل العربية والأجنبية، هذا إذا أحسنت القيادة السورية الجديدة استغلال هذا الوضع من خلال تلك الترتيبات وتوجهت نحو بناء سوريا دولة ديمقراطية اتحادية لكل شعبها بمختلف مكوناته القومية والدينية ولينعم الجميع بحقوقهم الدستورية ليسهل لهم القيام بواجباتهم الوطنية في التطور والتقدم والازدهار».

رياح التسوية تهبُّ على سوريا من بوابة العقوبات والتحالفات
تحدث عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، محمد صالح شلال لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «بعد توليه رئاسة أمريكا كانت أول زيارة خارجية لترامب إلى العربية السعودية ومنطقة الخليج والتي تحمل بين طياتها أبعاداً استراتيجية عميقة، خصوصاً جاءت في توقيت حساس إقليمياً ودولياً. يمكن النظر إلى الزيارة ضمن سياقها السياسي، الاقتصادي والأمني، من هنا تبرز الدوافع الاستراتيجية للزيارة حيث سعى ترامب منذ بداية ولايته إلى ترميم العلاقة مع دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية من التوترات التي حصلت في عهد أوباما.
اختياره السعودية كأول محطة خارجية له كانت لافتة فقد أراد أن يظهر أن التحالف الأمريكي الخليجي يعود إلى الصدارة فقد كانت الزيارة جزءاً من محاولة لتشكيل تحالف إقليمي ضد العدو المشترك وهو إيران، يشمل دول الخليج، مصر، الأردن وربما إسرائيل ضمن اتفاقيات شبه سرية تمهيداً لاتفاقيات إبراهام لاحقاً، وكذلك فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني. أحد أهداف ترامب الرئيسة كان الضغط على إيران إقليمياً ودولياً وتوجيه رسالة واضحة مفادها أن واشنطن تقف بقوة مع خصوم إيران في المنطقة. في الجانب الاقتصادي كان واضحاً من خلال الإعلان عن صفقات تسليح واستثمارات سعودية في أمريكا بقيمة تجاوزت مئة مليار دولار ناهيك عن الصفقات الاقتصادية في دول الخليج الأخرى كما أن منطقة الخليج من حيث استخراج النفط وتصديرها هي ذات أهمية حيوية لضمان استقرار سوق الطاقة العالمية».
يضيف شلال: «ان ترامب في الكواليس الخلفية يسعى إلى التحشيد لدعم عربي وخليجي لخطته للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتي عرفت سابقاً بـ صفقة القرن والسعودية كانت وما زالت المفتاح الأساسي لأي تقارب عربي إسرائيلي وبالتالي فإن الزيارة كانت جزءاً من تمهيد الأرضية لتطبيع العلاقات لاحقاً كما أشار دونالد ترامب في خطابه في قصر اليمامة في الرياض.
الملف السوري كان حاضراً في زيارة ترامب بشكل جدي من خلال إعلان ترامب في خطابه إلى رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بدعوة من ولي العهد السعودي والذي أقنع الرئيس الأمريكي بلقاء أحمد الشرع في الرياض، بالتأكيد موقف ترامب لم يكن وليد الساعة فقد أشار إلى الجهود الدبلوماسية من قبل السعودية ودول الخليج وتركيا لمساعدة سوريا من التعافي بعد سنين من الحرب والعقوبات المفروضة على النظام السوري السابق.
رغم إعلان رفع العقوبات، قدمت الإدارة الأمريكية قائمة من الشروط للحكومة السورية المؤقتة لجزء من بناء الثقة وتضمنت السماح للولايات المتحدة بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب داخل الأراضي السورية، وحظر علني لجميع الأنشطة السياسية الفلسطينية، والإعلان الرسمي لمحاربة تنظيم داعش وإبعاد المقاتلين الأجانب المصنفين كإرهابيين من المناصب الحكومية بالإضافة إلى إصدار إطار دستوري يتماشى مع المعايير الدولية وتمثيل الأقليات الدينية والعرقية في الحكومة، كما طالبت واشنطن بتعاون سوريا في تدمير ما تبقى من مخزون الأسلحة الكيمائية والتعاون في جهود مكافحة الإرهاب والمساعدة في البحث عن الصحفي الأمريكي أوستن تايس. من جهته أبدى أحمد الشرع استعداداً للتعاون مع الولايات المتحدة، معرباً عن اهتمامه بالانضمام إلى اتفاقيات إبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بشرط وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وحسب التسريبات فإن الشرع أشار إلى أن بعض الشروط تحتاج إلى المناقشة وخاصة فيما يتعلق بالمقاتلين الأجانب الذين دعموا الثورة حسب رأيه. يظهر التحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بداية جديدة في العلاقات الثنائية مع وجود فرص وتحديات تتطلب توازناً دقيقاً بين المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية والإنسانية».
يتابع شلال: «إن المسألة الجوهرية تبقى في تقدير جولة ترامب وما أعقبها من لقاءات هي، هل نحن أمام بداية حقيقية لحل الأزمة السورية، أم أن ما يجري ليس سوى محاولة أمريكية لإعادة التموضع وتحقيق مكاسب استراتيجية في بيئة إقليمية متحولة؟ الوقائع الميدانية تشير إلى أن الولايات المتحدة تدرك قدرتها على فرض حل نهائي بمفردها ولكنها لا تريد أن تتدخل بالشكل العسكري المباشر ولهذا فأن تحركاتها السياسية، يقرأ على أنه توازن بين الضغط والدبلوماسية وتحاول إعادة واشنطن إلى قلب الملف السوري عبر بوابة التسوية السياسية لا الواجهة العسكرية. لكن في المقابل لا يمكن إنكار أن اللقاءات الأخيرة، خاصة لقاء ترامب بأحمد الشرع ورفع العقوبات تمهد لمناخ جديد يمكن أن يبنى عليه مشروع تسوية دولية تدريجي، التحدي يكمن في مدى قدرة الأطراف المتداخلة على تجاوز تناقضاتها وفي توفر الإرادة السياسية لتقديم تنازلات متبادلة تنهي الأزمة ولا تعيد إنتاجها بصيغ أخرى. يبدو أن ما يحدث هو تهيئة المسرح لمفاوضات كبرى قد تبدأ لاحقاً ما يعني أن الجولة هي مقدمة لخارطة طريق محتملة لكنها لم ترسم بعد بشكل واضح ونهائي، بالمحصلة زيارة ترامب وجولته الشرق الأوسطية ليست حدثاً عابراً بل مؤشر على تحول أعمق في المقاربة الأمريكية في الشرق الأوسط وسوريا أمامها بداية إعادة رسم النفوذ والمصالح ضمن توازنات جديدة تتداخل فيها الطموحات الإقليمية والحسابات الدولية. من المرجح أن تدفع هذه التحرُّكات نحو مؤتمر دولي موسع حول سوريا تشارك فيه قوى إقليمية وغربية، وتطرح خلاله تسوية سياسية تشمل ملفات الانتقال، عودة اللاجئين وتعديل الدستور لكن إلى حين ذلك ستبقى واشنطن حريصة على أدوات نفوذها لا سيما في شرق الفرات ومناطق النفط والحدود مع العراق».
يشير شلال: «إلى أن تركيا تجد نفسها في موقع حساس فقد كانت المستفيد الأكبر من التغييرات التي حصلت على الساحة السورية بعد انهيار النظام البائد، لطالما عارضت الاعتراف بأية سلطة في دمشق مرتبطة بالنظام السابق لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى تفاهمات مع واشنطن لضبط الوضع في المناطق الكوردية واحتواء النفوذ الكوردي.
زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى أنقرة ولقاؤه بنظيره التركي عكست بداية تنسيق جديد ربما يفضي إلى اتفاق ضمني حول تقاسم النفوذ في الشمال السوري يسمح لتركيا الاحتفاظ بمناطق نفوذها مقابل قبولها بالتسوية بين ممثلي الكورد ودمشق وقد تلعب دور الوسيط الصامت تحاول من خلاله الحفاظ على أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية ولاسيما هي مقبلة على عملية سلام داخلية بينها وبين الحزب العمال الكوردستاني».
يعتقد شلال: «القرار الأمريكي برفع العقوبات وتخفيف بعضها في المنظور القريب خاصة في قطاع الطاقة والتحويلات المالية سيساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية التي أنهكت المواطن السوري، فمن شأن هذا القرار أن يشجع شركات دولية على العودة التدريجية للاستثمار لا سيما في ملف إعادة الإعمار ويفتح نافذة أمل لتحسين معيشة السوريين».
يختم شلال: «إن القرار الأمريكي في رفع العقوبات سياسياً، يمنح هذا الانفتاح شرعية أكبر لحكم أحمد الشرع، ويعزّز من موقعه في أي مفاوضات مستقبلية غير أن الانتقال السياسي ما زال بحاجة إلى ضمانات حقيقية تشمل مشاركة واسعة من القوى المعارضة والإقرار بحقوق كافة المكوّنات القومية والدينية وتثبيت حقوقها في الدستور وضمانات دولية بعدم العودة الدستور إلى نهج الأمني السابق وهي تحديات قد تنسف أي اتفاق في مراحله الأولى إذا لم تدار بحكمة».

تحالفات جديدة وتغيير في قواعد اللعبة السورية
تحدث المحامي باري جمعة لصحيفة «كوردستان»، قائلاً: «إن زيارة ترامب لم تكن زيارة بروتوكولية بقدر ما كانت زيارة تحمل في طياتها مقاصد سياسية، اقتصادية، وأمنية استراتيجية. إنها زيارة تاريخية كونها تحمل دلالات كثيرة ومهمة، خصوصًا أنها سبقت زيارة ترامب لحلفائه التقليديين في أوروبا، بل وحتى لحليفة واشنطن في المنطقة، إسرائيل.
ففي خضم التوترات والتحوُّلات الإقليمية الحساسة التي يشهدها الشرق الأوسط، تحمل الزيارة تداعيات بعيدة المدى على الاستراتيجيات التي تعيد هيكلة ديناميكيات القوة في الخليج العربي والمنطقة عمومًا. فالتلاقي الجديد بين الخليج العربي والولايات المتحدة في الكثير من القضايا الإقليمية، وخاصة تلك المتعلقة بحرب غزة وضرورة إيقافها، والوضع الجديد في سوريا ومآلاته، وكذلك الحرب في اليمن، كلها قضايا تشارك بها واشنطن دول الخليج العربي، ما يعكس مدى أهمية هذا التحالف لصانعي القرار في البيت الأبيض.
هذا الاهتمام يتوزّع على جوانب اقتصادية، حيث أُبرمت العديد من العقود التجارية والاستثمارية بملايين الدولارات، وكذلك على جوانب أمنية، إذ تشكّل الزيارة رسالة دعم وطمأنة لدول الخليج في مواجهة طهران، وتأكيدًا على الوقوف إلى جانب السعودية والإمارات في وجه الحرب مع الحوثيين».
يتابع جمعة: «ان الملف السوري كان حاضرا بقوة؛ فدول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تسعى إلى سحب البساط من تحت أقدام طهران، وإعادة سوريا إلى الحضن العربي ودعمها اقتصاديًا، من خلال المساعي الحثيثة التي يبذلها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لرفع العقوبات عن سوريا. وقد نجح في ذلك من خلال الطلب المباشر من ترامب برفع العقوبات».
يضيف جمعة: «ان العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا خلال خمسين عامًا مضت كانت في أسوأ حالاتها في عهد آل الأسد. وقد شكل لقاء ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع نقطة تحول فارقة في مسار الأزمة السورية، من حيث تجاوز سوريا لأزمتها، وكذلك من حيث تغيير مقاربة الولايات المتحدة للملف السوري، خاصة بعد الخلافات التي شهدتها أروقة الإدارة الأمريكية بشأن كيفية التعامل مع الإدارة السورية الجديدة.
وقد جاء هذا التغيير بعد شهور من الجمود، حيث أكدت مصادر في الإدارة الأمريكية أن الملف السوري لم يكن على قائمة أولويات البيت الأبيض. وعلى الإدارة السورية الجديدة أن تدرك جيدًا أن هذه هي الفرصة لتحسين سلوكها وصورتها في محيطها الإقليمي والدولي».
يعتقد جمعة: «ان جولة ترامب قد تكون جزءا من استراتيجية أكبر لإعادة التموضع في الشرق الأوسط، لكنها قد تحمل أيضًا إشارات إلى تغييرات محتملة في مسار الحلول للأزمة السورية. إنها محاولة لاستعادة الدور القيادي لأمريكا في المنطقة، إذ يُعد الخليج العربي نقطة محورية في السياسة الأمريكية بسبب ارتباطه بالنفط، والأمن الإقليمي، والتعاون العسكري مع بعض دول المنطقة.
وبالتالي، قد تكون جولة ترامب في الخليج بداية مرحلة جديدة لإعادة ترتيب المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وقد تكون هناك فرصة حقيقية لإحداث تغييرات في التعاطي مع الملف السوري، كما رأينا في تصريح ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا، وتصريحه بأن هناك فرصة سانحة أمام سوريا للنمو والاندماج مع المجتمع الدولي ومحيطها الإقليمي».
يشير جمعة: «إن دور تركيا في هذا التفاهم مهم ومعقَّد، بناءً على مجموعة من العوامل الإقليمية والدولية. فبعد الإطاحة بنظام الأسد، أصبحت تركيا لاعبًا رئيسيًا في سوريا. وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أكثر من مناسبة أن تركيا ستلعب دورًا محوريًا في إعادة إعمار سوريا، مشيرًا إلى استعداد الشركات التركية للاستثمار في قطاعات التعليم، والصحة، والبنية التحتية.
وتُعد تركيا قناة رئيسية للتواصل بين الولايات المتحدة والنظام السوري الجديد، إذ تسعى أنقرة، من خلال التنسيق مع دمشق، إلى ضمان مصالحها الأمنية والاقتصادية، بما في ذلك الحد من نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، وتعزيز دورها في المنطقة. وقد يساهم هذا التعاون بين واشنطن وأنقرة في تقليص دور طهران، وتعزيز مكانة تركيا كوسيط إقليمي فاعل.
يبدو اليوم أن تركيا، من خلال هذا التنسيق بين واشنطن والحكومة السورية الجديدة، تلعب دورا محوريا في إعادة تشكيل المشهد الإقليمي، ما يعزز من مكانتها كقوة دبلوماسية واقتصادية مؤثرة».
يختم جمعة: «ان رفع العقوبات عن سوريا سيكون له انعكاسات اقتصادية إيجابية، حيث سيحفز الاقتصاد من خلال فتح المجال أمام عودة الاستثمارات والشركات الأجنبية، خاصة في قطاعات النفط والطاقة والبنية التحتية. كما من شأن ذلك أن يُحسِّن الوضع المعيشي من خلال تخفيف الضغط على الليرة السورية، وزيادة توفر السلع المستوردة، ما من شأنه أن يقلل التضخم ويخفض الأسعار تدريجيًا.
وسيكون لرفع العقوبات أثر سياسي أيضا، إذ سيدعم مسار القيادة الجديدة برئاسة الشرع. إلا أن رفع العقوبات يتطلب اتخاذ عدة خطوات سياسية، من بينها تحسين الأوضاع الداخلية، ووجود إرادة حقيقية للإصلاح، وقبول شراكة فعلية في الحكم تضم جميع المكونات، وعلى رأسها الكُرد. كما يشمل ذلك محاربة الإرهاب، ولا سيما ما يتعلق بتنظيم داعش وقضية المقاتلين الأجانب في سوريا، إضافة إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال انضمام سوريا مستقبلًا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية. لعل الحكومة السورية المؤقتة تدرك جيدا أن التغريد خارج السرب سيكلفها الكثير».