المزيّفون: لا يتّعظون بدروس التاريخ...!

 المزيّفون: لا يتّعظون بدروس التاريخ...!

علي جزيري

ابتلى الجزء الكُردستاني الملحق بسوريا، بشريحة من المثقفين سبق أن وصفهم غرامشي بـ "المثقفين الزائفين"، الذين اعتادوا أن يتسلقوا أكتاف المستضعفين، و"الغلابة" من الكُرد، ويعتلوا المنابر لخدمة مالكيها أو لمآربهم الشخصية، بخلاف "المثقفين الحقيقيين" الذين يناصرون المظلومين عادة. من ها هنا، بات الأمر يقتضي بداية معرفة البون الشاسع بين هذين الصنفين من المثقفين، والكشف عن معدنيهما وفق غربال غاندي، الذي قال: (يحوم كثيرون حول السلطة، وقليلون حول الوطن)...!
ولا يراودني الشك إن قلت أن معظم المثقفين العرب السوريين، باستثناء قلة قليلة، هم من الجوقة التي وصفها آنفاً غاندي، لا يكترثون بمحنة الشعب الكُردي المغلوب على أمره، ويمكن الاستشهاد بمواقف أمثال (علي عقلة عرسان وسهيل زكار وغيرهما) من المبهورين برؤيتهم الشوفينية، ويقتاتون من فضلات موائد أسيادهم، ويقدّمون لهم فروض الطاعة بثمن بخس، غير مبالين بمآسي الناس، رغم أنهم جميعاً يُدركون بأن القهر الذي يتعرض له عامة السوريين، وفي مقدمتهم الكُرد، ليس وليد اليوم، بدليل أنهم كانوا ومازالوا في قرارة أنفسهم يستكثرون على الكُرد "حق المواطنة"، رغم معرفتهم أن هذا الحق يغدو أجوفاً من دون اقترانه بالعدل والمساواة الحقيقية بين سائر المكونات.
ويبد أن كمال اللبواني يسعى لشق طريقه إلى الشهرة عبر منصات التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، فيبث عنعناته في قناته (اليوتيوب)، ويُروّج عن شعبنا الكُردي تُرّهات شتى، ويتلو ما في جعبته من مزاميره وأباطيله الجوفاء، عمادها المزيد من القدح والذم، كـ: نفي وجوده التاريخي، ومباركة المشاريع الشوفينية التي استهدفت طمس هويته وتشويه تاريخه، والتهليل لسياسة التعريب والتغيير الديموغرافي التي تمارس ضده.
لعلّي لا أبالغ إن وصفت أمثال هؤلاء المثقفين بـ "مزدوجي الشخصية"، لأن قلوبهم مع "الحسين" حيناً، على حد وصف الفرزدق وسيوفهم عليه دوماً...! ولا يُخفى أن أمثال هؤلاء المثقفين وأسيادهم المستبدين، جُبلوا من طينة واحدة، فـ "المستبد يظلم الناس بأعماله، وأولئك يظلمونهم بأقوالهم" وفق تعبير علي الوردي. لذا، فمن المحال استئصال الاستبداد من دون اجتثاث جذور بطانته ودك عروش سدنته، لأن الاستبداد داءٌ لا يمكن شفاؤه بالتسويف أو الإصلاح والترميم، على حد تعبير الكواكبي.
وما يحزُّ في النفس، أن ظاهرة الكُردوفوبيا استفحلت في الآونة الأخيرة في أوساط المثقفين بعد أن خبا نارها حيناً من الدهر؛ فأمثال اللبواني يستميتون من جديد لصهر الكُرد في بوتقة القومية العربية، جرّاء قراءاتهم التاريخية المضلِّلة. وجدير بالذكر أنه أقدم مؤخراً على تهييج النعرات القومية لإحداث الشرخ بين الكُرد والعرب من جهة، وإثارة الفتنة بين السُّنة والدروز من جهة أخرى؛ وتعمد تشويه تاريخ الكُرد السوريين - وهو الذي لا يجيد قراءة التاريخ إلا من منظور ايديولوجية البعث - ورماهم بتهم ما أنزل الله بها من سلطان، ومازال يمضي مختالاً في حماقاته، دون أن يتعظ بالمثل العربي الدارج: (إن كان بيتك من زجاج، فلا ترمي بيوت الآخرين بالحجارة). لقد تناسى المذكور انتهازه للفرص وامتهانه حتى الأمس القريب الارتزاق لدى الائتلاف تارة، والتزلف لداعش وجبهة النصرة تارة أخرى، وحين عاد من زيارته الميمونة لإسرائيل خالي الوفاض، راوده التطبع بطباع الثعلب الذي إدّعى أن "عناقيد العنب حامضة"...!