القانون والسياسة
معاذ يوسف
إذا كان القانون بمفهومه الأكاديمي يعني مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الافراد فيما بينهم من جهة، وفيما بينهم وبين السلطة من جهة أخرى، وتفرض الجزاء العادل على مَنْ يخالفه أي أن القانون يحمل صفة الإلزام والجبر، ويحمل من الأدوات الكثيرة بحيث يفرض احترامه على الجميع بدون استثناء.
وفي أغلب الأحيان أتى القانون مكتوباً وصادراً عن جهة رسمية مخولة من قبل الشعب هذا هو الأصل، سواءً أكان قانوناً أساسياً (دستورياً) أو أي من فروع القوانين الأخرى التي تنظم حياة الأفراد والجماعات حاكمين ومحكومين.
القاعدة القانونية لها عدة صفات من أهمها صفة العمومية (أي أنها تطبق بشكل عام دون استثناءات) والقاعدة القانونية مجرّدة وغير شخصية، ويتم تكييف تصرفات الافراد والحكومات وفق التماهي مع هذه القواعد، وعند تجاوز هذه القواعد، والمس بها يتم فرض الجزاء العادل سواء أكان هذا الجزاء عبارة عن (غرامات – سجن – حرمان مؤقت أو دائمي من بعض الحقوق المدنية ...الخ.
أما مفهوم السياسة ودون الولوج في تشعباتها وتعاريفها فإنها وباختصار تعني: فن إدارة الحكم ورغم أن المفهوم المعاصر للسياسة قد أصبح أكثر تعقيدا من ذي قبل فهي لم تعد تعني (حكم ملك ما أو امير ما أو حزب ما) ولكن ما نعاينه في عصرنا الحالي أن الكثير من التصرفات وحتى الجرائم تحدث تحت مسمى (سياسات) سواء أكان على الصعيد الوطني الداخلي في الدول أو حتى بين الدول في علاقاتها وصراعاتها، وحتى الشركات العملاقة تنتهج سياسات معينة وتؤثر حتى على توجهات الدول والكيانات.
لقد وصل الإنسان المعاصر - ونتيجة الحربين العالميتين ونتائجها الكارثية- إلى ضرورة وجود قانون دولي ينظم العلاقة بين الدول ويجنّب البشرية الصراعات المسلحة – رغم وجود إرث هائل من أعراف العلاقة بين الدول في الأزمنة الغابرة – ونتيجة لذلك كانت (عصبة الأمم) وأخيراً كانت (الأمم المتحدة).
إن سعي أي كيان أو دولة لتحقيق المصالح ودون وجود قواعد تحد من الأطماع والسعي إلى السيطرة على مقدرات الشعوب في الداخل والخارج خلفت الكثير من الكوارث على مر التاريخ المعاصر وحتى البعيد.
لذلك يأتي القانون ليضع حدا لتصرفات السياسي (سواء أكان حاكماً – رئيساً – ملكاً – وزيراً ...الخ) ومبرراته السائغة السهلة فهناك دائما من المبررات للحد من حريات أفراد شعبه وقمعهم أو للتطاول على الدول والكيانات الأخرى والمبررات أيضا سهلة.
كل هذا بسبب عدم وجود قانون وطني يضع حداً لتصرفات الأفراد والسلطة التي يمارسها الحاكم والسياسي ضمن كيانه او دولته وحتى حزبه.
فالقانون يعني الاستقرار والنظام، ويحمي الحق ويفرض الواجب وينتهج الشفافية.. الخ. والسياسة تعني فن إدارة الأوطان والكيانات والتنظيمات والازمات والمحرك الأساسي هو (المصلحة العامة) والغطاء الأساسي (المصلحة العامة) والمبرر الأساسي (المصلحة العامة) طبعاً عندما لا يكون القانون سائدا تصبح مجرد شعار مبتذل وتنتهك المصلحة العامة بذاتها .... الخ.
عندما يتم الالتزام بقواعد القانون الدولي ستنتهي الكثير من الأزمات والصراعات والحروب والمفارقة أن جميع الدول تبرر تصرفاتها وفق قواعد القانون الدولي وحتى حالة الاحتلال (فقد بررت الولايات المتحدة احتلال أفغانستان بمحاربة الإرهاب في عقر داره!! وبررت كذلك احتلال العراق لأسباب أخرى وكذلك فعلت تركيا وروسيا والأمثلة لا تحصى و..الخ .
كذلك على الصعيد الوطني عندما تكون السيادة للقانون ستختفي الكثير من مبررات السياسيين وتجاوزاتهم. وما أحوجنا لمفهوم (سيادة القانون) وضمن أي إطار سواء أكان (دولة – إقليم – حزب – جمعية ...الخ) وليقوم السياسي بممارسة السياسة، ويحقق المصالح العامة ضمن إطار قانوني واضح وضمن أطر رقابية دستورية وقانونية وبضمانات واضحة للعيان بعيدا عن فن خلق المبررات وانتهاج أساليب لا تنتج غير الفساد.