في الديموقراطية الكوردية

في الديموقراطية الكوردية

جان كورد

إن أهم اختبار للأحزاب الحاكمة والمسيطرة على الشارع السياسي يكمن في مدى التزامها ببرنامجها المطروح أمام الجماهير الشعبية، وتخليها عن الحكم في حال عدم تمكنها من تحقيق أهدافها المعلنة… هذا في النظم الديموقراطية، بل حتى في الجيوش التي تحترم نفسها، فيقدّم قادة الجيش الذي يفشل في معركة أو حرب على الاستقالة والاعتراف بالفشل، بل ثمة قادة ينتحرون مثلما فعل ضباط قادة في الجيوش اليابانية والألمانية.
أما في النظم غير الديموقراطية فإن القادة الفاشلين لا يتخلون عن مناصبهم، مهما تعرّضت شعوبهم للهزائم والخسائر والإذلال والقمع، وإذا مانظرنا حولنا سنجد العديد من النظم الفاشلة التي تسببت بعزلة بلادها وتعويم عملتها وخسارة أجزاء من أراضي دولها وفقر شعوبها، إلا أنها لا تزال متمسكة بمقولتها السخيفة بأنها تنتصر وتنتصر والذين يحتلون أراضيها هم الخاسرون، والرد الذي سيقومون به على ما أصابها من ضعف ومذلة سيكون في الوقت المناسب وبالشدة المذهلة، وهي كاذبة في وضح النهار.
لدينا نحن الكورد أيضاً نماذج من هؤلاء الدكتاتوريين الفاشلين، فكلنا سمع بتشكيل حكومة بوتان وتأسيس جمهورية الزاب وتحرير جودي وغير ذلك من مؤسسات خيالية، وهناك تهديدات تاريخية رهيبة، مثل الدفاع عن مدينة نصيبين ذات الخنادق الشهيرة حتى آخر مقاتل على قيد الحياة، وحرق بغداد في حال الهجوم على كركوك، بل حرق أنقرة إن هاجمت قانتون عفرين، أو تدمير تركيا إن حدث مكروه للرئيس الذي "لا حياة من دونه…" وحدث كل ما لم يتوقعه بعض الكورد الطيبين، حتى تغيير المانيفستو المقدس للحزب المقدس الذي لاحياة لحزب لا يسير وراءه، وأصيبت "مقاومة العصر" بنكسات وهزائم خطيرة، الى درجة اضطرار الحزب القائد على ترك ساحته الأساسية ومهامه التي اعتبرها أولويته في النضال، الى ساحةٍ أخرى والقيام بمهمة جديدة "تحرير المحرر" من كوردستان.
رغم هذه المهازل والهزائم المريرة، لم يقدّم أحد من القادة القنادلة استقالته، وهم الذي يعرضون أنفسهم في المحاضرات واللقاءات ومناسبات تقديم النصح للشعب الكوردي وحراكه السياسي، وخلف رؤوسهم أعلام الأممية والأحلام مافوق القومية، ولكن لا نرى أي صورةٍ لهم في مقدمة طوابير الشباب الكوردي الذي يدفعون به الى محارق الطورانيين.
نعم لا نرى استقالات وإنما تهديدات لمن حرّروا تلك الأرض منذ عقودٍ من الزمن.
أما القائد الكوردستاني الأسطوري الجنرال مصطفى بارزاني، فإنه قال بصوتٍ صريح، على إثر انتكاسة ثورة أيلول المجيدة (١٩٦١-١٩٧٥) تحت قيادته: "إن دوري في قيادة الشعب الكوردي قد انتهى، وسيختار هذا الشعب من يقوده بعد الآن."
كما أن نجله السيد الرئيس مسعود بارزاني الذي تربّى على يد أبيه، قد ترك منصب رئاسة إقليم جنوب كوردستان، بعد أن خذله أصدقاؤه وحلفاؤه على اثر قيامه بإجراء "استفتاء الاستقلال" الذي صوّت له ب"نعم" اكثر من ٩٢٪؜ من الناخبين في كوردستان.
فهل يحق للذين يزعقون كل يوم ضد النهج البارزاني ويمدحون الفاشلين الذين لم يحرروا بعد عقودٍ من الزمن حتى قرية رئيسهم الذي "لا حياة من دونه"؟ أن يؤيدوا القنادلة العظام حتى الآن، رغم تخليهم عن كثيرٍ من أهداف الأمة الكوردية وهم في حربهم الشعواء على الديموقراطي الكوردستاني منذ أن ظهروا في ساحة النضال الكوردي؟