السياسة الكوردية وقدرة استغلال الفرص

 السياسة الكوردية وقدرة استغلال الفرص

عزالدين ملا

في الحياة تأتي ظروف تتحكم بوتيرة المسار الحركة والتواصل، ومن خلال تلك الظروف يتم فرض اسلوب معين وحركة معينة لجعلها تدخل في خدمة المصلحة الذاتية.
على مرّ التاريخ تظهر ممالك وتندثر أخرى من خلال تلك الظروف ومدى القدرة في معرفة مكامن الخلل والصواب وجعلها لمصلحة تبدي بالفائدة والمنفعة. أغلبية الحضارات البشرية ظهرت، وولدت من رحم مسارات تلك الظروف من خلال كيفية استغلالها ووضعها في خدمة المصلحة المجتمعية لفئة أو جماعة بشرية معينة. ومَنْ تداركه الأحداث ولم يكن على قدر الفهم والتحليل لِما يجري حوله، نهايته تكون الاندثار.
كما نعلم في عالم السياسة، تتشكل القوى والمصائر بناءً على القدرة في استغلال الفرص التي تخرج من الظروف الموضوعية والذاتية، ومنذ التاريخ السحيق كانت الشعوب والحضارات الناجحة تلك التي عرفت كيف تستغل التغيّرات والفرص لمصلحتها، أما الشعوب والحضارات التي فشلت في قراءة المشهد السياسي واتخاذ القرارات الاستراتيجية المناسبة فكان أغلبها تعرضت للزوال والفناء.
في المرحلة الحالية، تُعدّ الظروف من المحددات الرئيسية التي تؤثر في مسارات الحركة والتواصل السياسي. يتم توجيه السياسات وتصميم الاستراتيجيات بناءً على الظروف القائمة، والتي تتراوح بين العوامل الاقتصادية والاجتماعية إلى المتغيرات الجيوسياسية. في كثير من الأحيان، تُجبر هذه الظروف على تبني أساليب معينة من أجل تحقيق أهداف ذاتية أو جماعية. إن القدرة على فهم هذه الظروف وتحليلها بشكل دقيق يمكن أن يحدد مدى نجاح أو فشل سياسات هذا الشعب أو تلك.
خلال التاريخ الإنساني الطويل، نشأت حضارات عظيمة واندثرت أخرى بناءً على مدى قدرتها على قراءة التغيرات والاستفادة منها. الحضارات التي برعت في استثمار الفرص التي تنتجها الظروف، كانت قادرة على الازدهار والتأثير. في المقابل، تلك التي فشلت في التكيف أو استغلال الظروف كانت غالباً ما تنقرض أو تتعرض للضعف.
الشعب الكوردي الذي يمتد تاريخه إلى حضارات قديمة، شكّلت إمبراطوريات وممالك كـ السومرية والميدية، وحافظ على هويته وثقافته عبر آلاف السنين. رغم هذا التراث العريق، فإن الشعب الكردي يجد نفسه اليوم من دون دولة ذات سيادة رغم تعداد سكانه أكثر من خمسين مليون نسمة.
يتوزع الكورد بين أربع دول في منطقة الشرق الأوسط هي: تركيا، العراق، إيران، وسوريا. تطغى على هذه الدول أنظمة سياسية مستبدة ودكتاتورية وقمعية، مما يصعب قدرة الكورد من تحقيق تطلعاتهم القومية في تقرير مصيره. وكان الكورد خلال تاريخهم الطويل ضحايا للسياسات القمعية والتمييزية، وهو ما يدفعهم دائما إلى النضال والمطالبة بالاستقلال وتعزيز هويتهم.
في سياق الصراعات الجيوسياسية الحالية، يبدو أن هناك فرصًا قد تكون مؤاتية لتحقيق الأهداف الكوردية، مع تزايد التوترات بين القوى الكبرى والإقليمية، قد تسفر هذه الصراعات عن فرص جديدة للشعب الكوردي، إلا أن النجاح في استغلال هذه الفرص يتطلب أكثر من مجرد المصادفة. يتطلب الأمر فهما عميقا للظروف السياسية والقدرة على التحليل الاستراتيجي للفرص المتاحة.
تشمل التحديات الذاتية التي تواجه الشعب الكوردي العديد من القضايا الداخلية مثل الخلافات السياسية بين مختلف الأطراف الكوردية، وإن التباين في الأهداف الاستراتيجية والاختلافات بين الأطراف الكوردية يمكن أن يعيق الجهود في تحقيق وحدة الصف والتأثير السياسي على اصحاب القرار.
وتشمل التحديات الموضوعية الظروف الإقليمية والدولية التي تؤثر على المساعي الكوردية، كـ التوترات بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط، والتدخلات العسكرية والسياسية، وتشكل القوى المعادية للاستقلال الكردي عقبات كبيرة امام مساعي الكوردية في تحقيق طموحه بالحرية والاستقلال.
اعتقد ان من أهم الاستراتيجيات الممكنة لتمكين الدور الكوردي وتحقيق أمانيه، تبدأ من تعزيز الوحدة بين كافة الأطراف السياسية الكوردية، ويعد هذا خطوة حاسمة في تعزيز القوة السياسية والتأثير الكوردي، التي يمكن أن تسهم في تكوين جبهة قوية للمطالبة بالحقوق الكوردية، وتعزيز المصالح الكوردية التي يفرض مكانة قوية مع القوى الكبرى.
تأتي استراتيجية استغلال الفرص الإقليمية والدولية، من خلال الاستفادة من التغيّرات في السياسة الدولية والفرص التي تنتجها الصراعات الإقليمية والدولية، كـ إقامة تحالفات استراتيجية مع الدول الكبرى والقوى الإقليمية، ومن الممكن أن تؤدي إلى تعزيز موقفهم وتزيد من فرصهم في تحقيق أهداف وتطلعات الكوردية.
إن الاعتماد على استراتيجية العمل في الإصلاحات الداخلية، من معالجة القضايا الداخلية والخلافات بين الأطراف الكوردية، سيساعد على تحقيق المزيد من الاستقرار والتأثير، ويمكن من خلال هذه الاستراتيجية بناء مؤسسات قوية وتعزيز الشفافية يمكن أن يسهم في تحسين الموقف الكوردي على الساحة الدولية والإقليمية.
تحقيق الأهداف السياسية يتطلب القدرة على استغلال الفرص المتاحة في ظل الظروف المتغيرة الحالية، وفي وضع الشعب الكردي تكمن الفرصة في التغيرات الجيوسياسية المفروضة على منطقة الشرق الأوسط، وواجب على الأطراف الكوردية لتحقيق النجاح في استغلال هذه الفرص عليهم أن يعتمدوا على فهم الدقيق للتحديات السياسية المؤثرة على الساحة والقدرة على التكيف مع هذه الظروف، من خلال تعزيز الوحدة الداخلية والاستفادة من الفرص الإقليمية والدولية، اعتقد من خلال كل ذلك يمكن للشعب الكوردي أن يحقق خطوات مهمة نحو تحقيق تطلعاته الوطنية والقومية في بناء مستقبل أكثر إشراقاً.