نعم.. الكورد هم شعب الله المحتار..وبكل جدارة
محمد زنكنة
على الرغم من أن هذه الجملة ليست لي وهي مقتبسة، لكنني استخدمتها أثناء الاجتياح التركي لسري كانييه وگري سبـي والتي انتهت بانسحاب (حماة القضية)، وتسليم المنطقة بيد الجيش التركي أسوة بما حصل في عفرين، وأتذكر أن السبب كان نصاً، من إحدى من كانت تطلق على نفسها لقب ناشطة، حيث كتبت عبر حسابها على الفيسبوك مايلي: حلفاء الأتراك في باشور، يتحمّلون مسؤولية هذا الاجتياح والاحتلال، وبسببهم ضاعت القضية!! في ذلك الوقت أيقنت فعلاً أن الكورد هم شعب الله المحتار.
وقبل أيام سمعت من أحد مدّعي ثقافة التسامح وحرية الشعوب واحترام حقوق الإنسان كلاماً، يعزّز من يقيني بهذه الجملة ويبين مدى الدونية التي ينظر بها البعض للجانب الكوردي، ويعمّمها على جزء لا يُستهان به من الكورد، ويبيعها لهم على أساس أنها ثقافة وتجديد ورُقي.
هذا الرجل (وأشهد له بثقافته وحنكته السياسية)، قال:لا أؤمن بمبدأ القومية، هذه بدعة نازية ناصرية، دعمها الغرب لتوسيع الهُوّة بينهم وبين الشرق، ولا يمكن القبول بهذا المبدأ الذي يكرّس لدكتاتورية فردية ضيقة للاستقواء على ماتبقى من الشعب وفرض هوية معينة لصهر الآخرين، لذلك يكمن الحل، في وجود هوية الدولة، والتخلّي عن الهوية القومية لتقوية تعريف الدولة على غرار التجربة الأمريكية..(انظروا الى هذا التناقض) ولكن.. لمَ التناقض؟ وأين؟ وما العلاقة والرابط بين القصتين؟
في فترة ثورة أيلول، تحالفت العديد من الأحزاب والاتجاهات السياسية المعارضة لحكم عبدالكريم قاسم ومن بعده العارفين (عبدالسلام وعبدالرحمن عارف) مع الحزب الديمقراطي، ومن ضمنها بعض التيارات اليسارية، هذه الأحزاب لم تشر يوماً إلى الحقوق القومية الإنسانية لشعب كوردستان والجميع كانوا يتحدثون عن (عراق واحد) في إطار صهر للقومية بحجة اعلاء الهوية الوطنية العراقية على بقية ماكانوا يسمونها بـ(الهويات الفرعية)، ولولا وجود الكورد في قيادات بعض هذه الأحزاب وخصوصاً الحزب الشيوعي العراقي، ووجود العديد من العرب المُنصفين بحقّ هذا الشعب، والذين يشكلون اليوم رابطة بعنوان (رابطة الأنصار)، لكانت جميع الأطراف والأحزاب السياسية العراقية، بيمينها ويسارها وتياراتها الوسطية تآمرت جنبًا إلى جنب مع البعث لصهر وإبادة شعب كوردستان، ولمحو الهوية القومية لهذا الشعب، والعديد من الذين كانوا منتمين لهذه الاحزاب وكانوا في خارج العراق في صفوف المعارضة، هم اليوم وبكل أسف في الصفوف الأمامية لمحاربة تطلُّعات شعب كوردستان ولديهم العديد من المناصب الرفيعة في الأحزاب المتنفذة، وفي المؤسسات الحساسة للحكومة العراقية.
وبعد إسقاط النظام، أغلب الأطراف المعارضة، والتي لم تمر شهور على عقد آخر اجتماعاتها في صلاح الدين بأربيل، ودوكان في السليمانية، وقفت وبكلّ تبجُّح ضد طرح الفيدرالية، هذا الطرح الذي اتفقت عليه القوى ذاتها في اجتماعات ومشاورات لندن وباريس وأربيل والسليمانية، وكانت الأساس التي استندت عليه هذه القوى كخريطة مستقبلية لإدارة الدولة، والحجة هنا أن كلمة كوردستان غير مقبولة، وغير مستساغة، وستفتح عيون الناس على أقاليم (سنستان، وشيعستان)، أقسم بالله، كنت أسمع هذا الكلام من سياسيين من السنّة والشيعة (ولهم جزيل الاحترام) أثناء المؤتمرات التي كنت أتواجد في تغطيتها أثناء عملي كمراسل لصحيفة (خَبات-النضال)، وتحديداً، الملتقى الثقافي الكوردي العربي، والذي عقد في فندق خانزاد بأربيل في عام 2004، برعاية وحضور الرئيس مسعود بارزاني.
بعد الثورة السورية، سمعنا النغمة ذاتها من الأسطوانة الصدئة نفسها من بعض الأطراف المعارضة للنظام السوري، والتي رفضت وجود القومية الكوردية شكلاً ومضموناً في المستقبل السوري، بل ومازالت تصرُّ على إبقاء مصطلح الجمهورية العربية السورية، للدولة المستقبلية التي من الممكن أن تظهر، إن أزيح أو أُسقط نظام البعث الحالي، والجميع كانوا يكررون جملة: الروح الوطنية، والهوية الوطنية، والوطن أغلى وأكبر من تلخيص مواطنته في فئة، مع انهم يلخصون هذا الوطن، في مصطلح يلغي الكورد وجميع القوميات التي تعيش في حدود هذه الدولة.
في أحد الاجتماعات، بين سياسي كوردي، تحت خيمة شيوخ إحدى العشائر العربية في سوريا، رحّب الشيخُ بالسياسي الكوردي، وعرّفه بزعيم الحزب الفلاني الكوردي، ليكرر وبصوت عال (الكوردي وليس الشيخ العربي)، بأن حزبه ليس كورديًا، والرجاء لا تقولوا على حزبنا كوردي، ولا تلصقوا هذه الصفة بحزبنا، لأن حزبنا وطني ويعمل على وحدة التراب السوري، ولا يلخص أداءه وسياساته في هوية واحدة ضيقة، في حين أن جميع الأطر المعارضة لنظام البعث، من الجانب العربي تجاهر ليلاً ونهاراً بعروبتها وعروبة مشروعها، دون الحديث حول إلغاء الحزام العربي، ودون التطرُّق إلى الحقوق القومية والوطنية للكورد.
هنا تتوضّح الصورةُ بجميع أبعادها، فالطرف الذي ادّعى ومنذ عام 1978، بأنه يناضل من أجل استقلال أجزاء كوردستان الأربعة، وقال إن استقلال كوردستان يكمن في تحرر الجزء الشمالي منها (باكور)، وإن البقية يجب أن تنتظر هذا التحرير الموعود، والذي سيكون على أيديهم وبسواعد قادتهم، غيّر من هذه الخطط تماماً، فلا (باكور) تحرّرت، ولا إقليم كوردستان (باشور) سلمَ من أذيتهم، ولا (روجافا- غرب كوردستان) خرجت من سياسة سمسرة الأراضي، وتقديمها مجانًا للطرف الذي تدّعي محاربته، في حين أن قواتهم تتوغّل في مدن ذات غالبية عربية لا تمتُّ لهم بِصِلَةٍ، وسيخرجون منها بالترغيب او الترهيب متى شاءت القوى التي تدّعي أنها تمثّل الأغلبية، لأنها وباختصار: أرض عربية وليست كورديةً، وحتى الأرض الكوردية، هي بنظرهم أرض سورية، ولا يجوز تفضيل القومية فيها على الهوية الوطنية.
إن ما تحدّثتْ به ما تسمّى بـ(الناشطة)، باتهامها للإقليم أنهم السبب في الأوضاع التي آلت إليها مدن غرب كوردستان، هو ذاته ماطرحه (المثقف) المؤمن بالهوية القومية، وهما يحققان الهدف نفسه الذي يريد السياسي الكوردي الجالس (تحت الخيمة) تنفيذه لإثبات نيته الوطنية الصافية بتجاهُل قوميته، والطروحات الثلاثة تلتقي عند نتيجة واحدة، ألا وهي: إن إقناع بعض الكورد باتباع ما تسمّى بالمثالية الإنسانية وسلك الطريق الوطني المجرّد من الهوية القومية، والسير في نهج يقال انه لا يفرّق بين عربي وكوردي، هو بحد ذاته تفريغ مبرمج لكل مايتعلق بالفكر القومي الكوردي والذي لا يعترف به أساساً من قبل من يقولون إنهم أصحاب الأغلبية، لأنهم لا يعملون في المقابل على صهر هويتهم القومية المستمدة من أصولهم العشائرية التي تعلو على القومية في الكثير من الأحيان، وبهذه الطريقة تسير معتقداتهم في هذا الخط المستقيم المرسوم على مراحل لمحو كل ما يتعلّق بالكورد، ولإعادة بسط السيطرة القومية مرة أخرى، بتخطيط وتنفيذ من بعض الكورد انفسهم.
كثير من الساسة، الفنانين، الشخصيات المؤثرة في الدول الإقليمية وحتى العربية، من ذوي الأصول الكوردية، يخافون المجاهرة بأصولهم الكوردية خشية من نقص المعجبين، أو نقم الدولة عليهم، أو اتهامهم بالانفصالية، أو بالانفصام الإنساني. لكنهم يتذكّرون أصولهم أثناء المصالح الشخصية، وخصوصاً أثناء زياراتهم لإقليم كوردستان أو لأية مدينة من روجافا أو أثناء تواجده في أية ضيافة صاحبها كوردي، طمعاً بمنصب أو استفادة او امتياز آني وقتي من الممكن أن يُؤخَذ من صاحب الضيافة أو المسؤول.
لذلك، أقول وأكرر مرة أخرى، إن مَن قال عن الكورد إنهم شعب الله المحتار، لم يكذب، لأن الواقع يقول ذلك، فلا صديق ينصف هذا الشعب، ولا عدو يريد إبقاء هويته القومية، ويعمل، وبكلّ جهده على إلغائها وطمسها، ولا البعض المحسوبين على الطبقة المثقفة يفهمون منطق الفرق بين المساواة الإنسانية، وهذه هي الكارثة بعينها.